|
|
ظـروف ظهـور مجموعـة "إزنزارن" بقلم: محمد كَيلمي
عادة ما يربط كثير من المثقفين ظهور المجموعات الغنائية بالمغرب بنكسة 1967، وليس هناك ما يؤكد هذا الربط، لأن هذه المجموعات أتت لتملأ فراغا في الساحة الفنية المغربية، خاصة وأن أسلوبها في الأداء جعلها أقرب إلى الجماهير، مما يمكن أن نسميه "بأغلبية النخبة" حيث وجدت إقبالا كبيرا لدى الجماهير، زادها ذلك شعبية كبيرة. في ظل واقع مرير، ملئ بالنكسات، سيادة طابع المشاكل، الآلام، الفقر، الظلم والجور، الهموم، الطبقة الكادحة، البطالة والأمية، تفاقم الأوضاع المأساوية والمزرية، ستظهر مجموعة "إزنزارن" كمجموعة غنائية أمازيغية رائدة، حيث اقتدت بها العديد من المجموعات. فما هو الشكل والمضمون الجديدان اللذان أتت بهما هذه المجموعة في الأغنية الأمازيغية. بعد الطابع التقليدي والكلاسيكي الذي ساد الموسيقى الأمازيغية، والمتمثل في فن "الروايس" و"أحواش"، سيخرج نمط موسيقي عصري جديد إلى حيز الوجود ألا وهو نمط المجموعات الغنائية حيث ظهرت وللوهلة الأولى مجموعة "أوسمان" بقوة على الساحة الفنية بالرغم من عمرها القصير، واختفت بسرعة، ومهدت الطريق لمجموعات أمازيغية أخرى، بعضها استطاع رغم المعوقات الكثيرة التي تعترض مسيرتها الفنية والبعض الآخر أفل نجمه بسرعة كمجموعة "الأقدام" و"انمودا" لتتكون مجموعة أخرى تحت اسم "المجاديل" كأول اسم ستظهر به مجموعة "إزنزارن" إلا أن أفرادها عدلوا عن اسم "المجاديل" ليختاروا اسما جديدا وهو واحد من بين الأسماء المقترحة (المجاديل، امنارن، إزنزارن) واختيار هذا الاسم الأخير له ما يبرره لدى المجموعة، والتي ستكون أضواء كاشفة على التراث وإبصار ما يمكن التعامل معه. وفي سنة 1975 انفصل "الشامخ عبد العزيز" عن المجموعة، وكون مجموعة أخرى بنفس الاسم. فبعد أن كانت مسألة إنشاء مجموعة غنائية مسألة تجربة فقط، بدأ الأمر يؤخذ بعين الاعتبار وبجدية، وبدأ الوعي بالأهمية البالغة للغناء بتشكل لدى كل فرد من أفراد "إزنزارن" حيث ظهر اتجاهان داخل المجموعة أحدهما يعتقد أن ظهور المجموعة يجب أن يشكل تغييرا حقيقيا، ليس فقط على مستوى الشكل وإنما على مستوى المضمون، وذلك بعدم تكرير نفس المواضيع العاطفية وأغاني الحب التي تروج في السوق آنئد. بل استغلت الفرصة المتاحة لخدمة أهداف معينة مرتبطة بالواقع المعيش، ويرى الاتجاه الأخر أن الهدف من الغناء هو الترفيه والتنشيط والترويح عن النفس، فلا يمكن فصل الغناء عن العواطف والحب والمحبوبة. وقد حاول كل توجه للمجموعة حسب اتجاهه، مما أفرز خلافا حول الهدف من إنشاء المجموعة. وهذا هو السبب الرئيسي في انفصال "عبد العزيز الشامخ" عن المجموعة الأم برئاسة "عبد الهادي اكوت" كما يروي ثلة من عشاق وهواة مجموعة "إزنزارن". هكذا انفصلت المجموعة الأصلية إلى مجموعتين: إحداهما لم تخرج عن المواضيع الرائجة بكثرة في الساحة الفنية وهي المجموعة التي كونها "الشامخ" وأخرى تتعارض مع الأولى وترى أن خلق واقع فني جديد لا ينبغي أن يقتصر على الشكل فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل المضمون أيضا. وتتكون هذه المجموعة الأخيرة من عبد الهادي اكوت، مولاي إبراهيم ، باوسوس، عبد الله أوبلعيد، لحسن بوفرتل، الحنفي، زكورا، ليبدأ الوعي عند هذه المجموعة بمسألتين: الأولى تتعلق بواقع اللغة الأمازيغية، والتهميش الذي تتعرض له الثقافة الأمازيغية بشكل عام، وأما المسألة الثانية فتتعلق بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان الأمازيغي، ومن خلال هاتين المسألتين بدأ اتجاه هذه المجموعة يتوسع ابتداء من الشريط الثالث المسجل سنة 1978، إلا أن ظروف العمل اضطرت كلا من "باوسوس، عبد الله أوبلعيد الحنفي" لمغادرتها، والتحق بهما "مصطفى الشاطر" بعد مشاركتها في مهرجان المغرب العربي بفرنسا. وتجب الإشارة هنا إلى أن كل التغيرات التي تحصل في أفراد المجموعة لم تغير شيئا من مبادئ المجموعة وشاركت هذه الأخيرة في سهرة الاولمبياد الشهيرة بباريس إلى جانب مجموعة "اوسمان" بمساعدة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي. من خلال توالي أشرطة مجموعة "عبد الهادي إزنزارن" نجد فيها رسالة يجب أن توصلها وتشبثها أيضا بمبادئ وأفكار لا محيد عنها ألا وهي: ـ ليست العبرة بالإنتاج الغزير، بل العبرة في ماهية الإنتاج، حيث تتعمد المجموعة الفارق الزمني الطويل نسبيا بين كل إنتاج وآخر، حتى تترك للجمهور فرصة الفهم والاستيعاب لمضامين المنتج والتعطش للجديد. فالجمهور كما يقول" مولاي إبراهيم" ( إن غبت عنه لفترة سيشتاق إليك، والأكيد أنه سيعود لسماع السابق ويستسيغ محتوياته ومعانيه، وبالعكس إن توالت الأشرطة فإن الملل لن ينتاب الجمهور وحده، بل سيدب إلى المجموعة نفسها) "حوار مع مولاي إبراهيم احد أفراد مجموعة إزنزارن اكوت" ـ لا تعتقد المجموعة أن مكان عملها هو الحفلات والأعراس والسهرات المتتالية وترى ذلك يتناقض مع مبادئها. لذلك تكتفي كل سنة بجولة واحدة عبر المدن المغربية الكبرى. ـ إن التعامل مع التراث لا يمكن أن يتم عبر إعادة إنتاج ما سبق لقدماء "الروايس" أن أنتجوه وتعارض بعض المجموعات المعاصرة التي تقوم بذلك. ـ من بين الأفكار الجديدة التي حاولت المجموعة تطبيقها في إنتاجاتها هي استغلال الأسطورة وإدخالها إلى الشعر الأمازيغي. ـ موضوع أغاني" إزنزارن " مرتبط بالالتزام واحترام الكلمة الجميلة وكل ما يرضي العائلات، وخدمة الجماهير واللغة والثقافة الامازيغيتين. ـ ارتكاز المجموعة على الجانب اللسني واللغوي وبحثها عن النادر من التراث الأمازيغي وربطه بالواقع المعيش، حيث أكسب ذلك إنتاجهم صبغة خاصة وقادهم نحو الاستمرار وشق الطريق نحو الجديد والمستقبل ـ نلمس غي أغاني "إزنزارن" إلى جانب التعبير عن الأحداث الماضية وإكراهات الواقع اليومية، مرارة العيش غي المستقبل وظهور فئات شعبية مسحوقة ومستضعفة. ـ انسحاب بعض العناصر لا يعني ترك المجموعة تعمل من فراغ حيث ما زال "الحنفي" يمد المجموعة بإنتاجاته رغم مغادرته لها، وشاب آخر في "الدشيرة" يسمى "عبد الرحمان عكَادو" ويتكلف "مولاي إبراهيم" بالتعديل وأما "عبد الهادي" هو من يتحمل ثقل لحن هذه الكلمات والقصائد حيث يمتلك موهبة وتجربة كبيرة في الميدان، رغم أنه لم يدرس بمعهد موسيقي. بعد ظاهرة "إزنزارن" توالى ظهور المجموعات الغنائية الأمازيغية، منها من استطاع الاستمرار كمجموعة "ارشاش" التي أخذت نهج "إزنزارن" وحافظت على الأغنية الملتزمة، ومجموعة "ازماز" وآخر سرعان ما اختفت كمجموعة "اتران" "ايتماتن" وغيرها. في الأخير يبقى تساؤل مطروح لدى كل هواة الذين يغارون على مجموعة "إزنزارن" هل من إنتاج جديد لدى المجموعة؟ لماذا انقطعت عن إنتاج الأغاني في وقت نصطدم فيه بمجموعة من المواضيع تجعل المجموعة بشكل "إزنزارن" تنتج بغزارة؟ (محمد كَيلمي، أستاذ بالتعليم الابتدائي وباحث في الثقافة الامازيغية، تازناخت/ توينخت)
|
|