|
|
الإقصاء المبرمج للأمازيغية بقلم: محمد مسطاج (تكفاريناس) - أكادير
أمام توالي انتفاضات الشعب المغربي ضد الإقصاء والتهميش بدأ الحديث عما إذا كان هذا الإقصاء متعمدا أو غير متعمد. الإجابة الأولى كانت طبعا من الأمازيغ الأحرار معللين الإجابة بكون المناطق المهمشة كانت فيما مضى متمردة على المخزن وعلى المستعمر الفرنسي. فبومال-ن-دادس كانت ضمن المناطق المحيطة بجبل صاغرو الذي شهد معركة بوكافر بقيادة عسو بسلام٬ كما أن أهل المنطقة (الجنوب الشرقي)كانوا آخر من اعترف بقيام الدولة المخزنية. لهذا فإن إقصاءها هو جزاء «عصيانها». وعلى هذا المنوال فإن منطقة أيت باعمران (إفني) هي أرض المقاوم أمغار سعيد وكذلك قبائل أيت عبدي تعتبر ضمن القبائل المحاربة إلى جانب موحى أوحمو إزيي في معركة الهري. وحسب هذه النظرية فإن التاريخ حقا يعيد نفسه في انتظار انتفاضة مماثلة من الريف... وفي المقابل نجد بعض الأمازيغوفونيين الذين هم تحت رحمة الأحزاب العروبية ينفون كون الإقصاء متعمدا وذلك أن قاطرة التنمية لم تصل بعد إلى هذه المناطق - ربما لكون الطرق غير معبدة - وأن الدولة تبذل ما في وسعها. ولكي تبرهن الدولة على جهودها المبذولة قامت بإرسال بعثة طبية إلى فلسطين قصد معالجة ضحايا العدوان الإسرائيلي كما تبرعت لها بمبالغ مالية مهمة لإعادة إعمار غزة في الوقت الذي تنهار فيه بيوت الشعب الأمازيغي بسبب الفيضانات والزلازل لا بالغارات ولا بالقنابل ... ويموت الأطفال بسبب البرد لا بالرصاص فإذا ما حاول الإنسان الأمازيغي أن يحتج يتحول إلى فأر تجربة لمدى متانة هراوات»لسيمي». إن إقصاء اللغة الأمازيغية مرتبط بعدم دسترتها وإهمالها من طرف ذويها... السؤال المطروح هو كيف استطاع الأمازيغ تقبل دستور لا يعترف بهم؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى عدة محطات تاريخية الأولى هي: *مشروع دستور 1908: هذا المشروع الذي اقترحه السيد فرج الله تمور تم نشره في جريدة أسبوعية كانت تعرف باسم «لسان المغرب» يعتبر تجربة لمدى قوة رد الفعل الأمازيغي فلماذا لم يتم الرد على هذا المشروع؟ هل لأن الأمازيغيين في ذلك الوقت لم يتمكنوا بعد من اللغة العربية؟ أم أنهم عاجزون عن أية ردة فعل خوفا من شتى أساليب التعذيب التي سبق أن أخذوا حصصا منها؟ الإجابة الثانية هي - في رأيي- الراجحة . من خلال المادة 18 التي تقول: «لا يجوز أن يتولى أمي وظيفة من وظائف المخزن على الإطلاق فعلى الموظف أن يكون عارفا للغة العربية قراءة وكتابة حق المعرفة» وكذلك من خلال المادة 44: «يجب على كل من ينتخب نائبا في مجلس الأمة أن يكون مستوفيا الشروط الآتية: 1- أن يكون عارفا اللغة العربية قراءة وكتابة حق المعرفة.. وغيرها من الشروط. سيتضح أن المهمة الكبرى لهذا المشروع هي تمجيد اللغة العربية وإرغام إيمازيغن على التخلي عن لغتهم واحتقارها لأنها لا تسعفهم في الظفر بوظيفة مخزنية والمشاركة في تسيير أمور بلادهم مما يدفعهم إلى البحث عن بديل لها وهو بالطبع اللغة العربية٬ هذه العبارة هي التي يقابل بها جل طالب أمازيغي كلما حاول أن يقنع والديه بضرورة الدفاع عن القضية الأمازيغية بحيث يجردون الأمازيغية من كل منفعة مستدلين بوضعهم «المزري» لأنهم وبكل بساطة لم يكونوا يتكلمون اللغة العربية... *ظهير 16 مايو 1930: حاول دعاة التعريب من خلال اختلاقهم لأكذوبة «الظهير البربري» والاحتفال بها في جميع المناسبات كما قال محمد منيب إلى تولد شعور لدى الإنسان الأمازيغي بارتكاب خطيئة كبرى تدفعه إلى احتقار هويته وثقافته وتقاليده والنفور من نسبه ليصبح بذلك مواطنا صالحا طيعا عديم الشخصية ومتقبلا للسيطرة مما يؤدي به إلى التنكر لجذوره والاندماج في الهوية العروبية فتصنع منه أشد من القوميين العرب تطرفا كما ساعدت هذه الأكذوبة في تنكر الأمازيغ لأعرافهم التي كان من الواجب أن تكون هي المصدر الرئيسي لسن القوانين المغربية. *الاستقلال 1956: لما ظفر المغرب بالاستقلال كانت الدعاية السائدة هي أن الكفاح المسلح لم يستطع أن يرغم المستعمر على الخروج رغم شدة المقاومة لهذا فإن الاستقلال جاء نتيجة التفاوض والحوار الذي اعتمدته «الحركة الوطنية» كحل ناجح ونحن لا نستغرب لأن «الحركة الوطنية» تدري مسبقا أنه سينجح كيف لا وهي التي اختلقت لعبة الحماية بتآمر مع فرنسا راجية من وراء ذلك التحكم أكثر في العقول الأمازيغية وهذا ما انتبه إليه محمد ابن عبد الكريم الخطابي في قوله «الاحتقلال» بدل الاستقلال. *دستور 1962: المحطات السابقة الذكر كانت تمهيدا لوضع أول دستور للمملكة الذي سيكون بمثابة الكتاب الثاني الضامن لاستمرارية اللغة العربية بعد القرآن الكريم فتكون بذلك لغة السلطة والدين معا لتقوى على مواجهة اللغة الأمازيغية التي استمرت بدون دين أو مقدس بصفة عامة. دستور 1962 في ديباجته سيعمل على إقصاء الأمازيغية بصفة رسمية عن طريق حسمه في مسألة اللغة الرسمية. ولا غرابة في ذلك إذ أن الدستور تم وضعه من طرف دستوريين فرنسيين بتزكية من حزب الاستقلال بدون أي رد أمازيغي معارض وهنا يطرح سؤال: إذا كان الخطاب الأمازيغي هو نفسه خطاب جيش التحرير ورجال المقاومة ثم إذا كان هذا الخطاب مواكبا للتطور الحاصل في المجتمع المغربي فلماذا لم تكن هناك أية معارضة لمقتضيات دستور1962؟. كان من المفترض أن ينتفض الشعب الأمازيغي ضد هذا الدستور لكن كيف لمن لدغته الأفعى ألا يخاف من الحبل في الوقت نفسه ظهرت معارضة من اليسار الذي أكد على أن هذا الدستور هو دستور ممنوح وأنه يجب وجود سلطة تأسيسية مقترنة باستفتاء شعبي لكنهم سرعان ما تراجعوا عن هذا المطلب لحوائج في نفس يعقوب قضاها. *ظهير 26 يناير 1962: هو المعروف بظهير التوحيد والتعريب والمغربة والذي سيتم بموجبه تعريب التعليم ومنه الحياة العامة للشعب المغربي وذلك بإقرار اللغة العربية اللغة الرسمية في التعليم التي بفضلها أصبح المغرب ضمن الدول المتقدمة في مجال التعليم إذا قرأنا اللائحة من الأسفل بالطبع. *دستوري 1970 و1972: هذان الدستوران لم يأتيا بجديد فيما يخص القضية الأمازيغية وإنما جاءا نزولا عند رغبات أخرى. *دستور 1992: أهم ما جاء به هذا الدستور هو أنه أضاف صفة العربي لما كان يسميه في الدساتير السابقة بالمغرب الكبير فأصبح بذلك «المغرب العربي الكبير» وذلك تلبية لرغبة القدافي الذي هدد بالانسحاب من الإتحاد المغاربي إذا لم يسم بالاسم المذكور. *دستور 1996: نسخة مطابقة للدستور السالف واستجابة لهيئات دولية ملحة على ضرورة وجود محاور حكومي سياسي مسؤول وكذا إشراك المعارضة في الحكومة. المخزن يستجيب لطلبات واحتجاجات الأجانب فيما يخص الشؤون الداخلية في الوقت الذي تضرب في طلبات الشعب عرض الحائط تعبيرا عن عداء واضح ورغبة بينة للإقصاء. إن الأمازيغية هي أعز ما نملك وأعز ما نطلب ولن نتنازل عن مطلبنا مهما كلفنا الأمر وأي تهاون منا سنذوق مرارته مدى الحياة... هذا المقال المتواضع جاء نتيجة قراءة أولية للدساتير المغربية السالفة الذكر وهو بمثابة دعوة إلى كل أمازيغي حر أن يشمر عن ساعده ويشد في يد أخيه إلى أن ينتزعا حقهما وهذا لن يتحقق إذا فكر كل واحد منا بنفسه ولنفسه لأن أسلافنا قالوا وأصابوا: Adar g udar ard irz .
|
|