|
|
رابعا: تجليات حضور التراث الشعبي في الديوان. أ ـ تجليات الأدب الشعبي: يتجلى توظيف الأدب الشعبي في الديوان من خلال تشبث الشاعر بتقاليد النظم الشعري التقليدي على مستوى العروض والإيقاع المرتبط بالقافية والروي، فضلا عن التأثر بالشفوية على مستوى لغة الكتابة واختيار معجمها. وفيما يلي بعض الملاحظات المسجلة حول لغة كتابة قصائد الديوان ومعجمها وخصائصها الأدبية والنحوية والإملائية: 1- وجود اهتمام ووعي لدى الشاعر بالوظيفة الشعرية والرمزية للغة من خلال توظيف جوانب من التراث الشعبي المحلي، واعتماد الصورة الشعرية الراقية، والترميز الموسع، والتعبير بالسرد والحوار والوصف. ومن القصائد التي تندرج في هذا المستوى: "اذ – اريغ كـ- زرو"، "جايي اذ-روغ"، "وياش تيغيايين يكذحان ذ- يزغران"، "نظ ازمان نظ"، "سيورن يذورار ن- اريف"، "نونجا"، "علال"، "ارقيا"... 2- رغم شاعرية وأدبية هذه اللغة فهي تتسم بالشفوية واللهجية، إذ تكاد تكون نفسها لغة التخاطب اليومي المرتبطة بالبيئة الجغرافية والثقافية القريبة للشاعر معجما وتلفظا. إذ يصعب على القارئ غير الملم، وغير الضابط للمعجم والتلفظ القبلي لآيت سعيد الاهتداء إلى قراءة صائبة وسليمة لقصائد الديوان، إن لم يترك عملية القراءة في بدايتها المتبعثرة. فالشاعر لم يبذل أي مجهود لتوحيد اللغة، والتخلص من الجانب اللهجي فيها حتى يفهمه أكبر عدد من القراء من أي منطقة أمازيغية كانوا. 3- تطرح عملية كتابة الشعر الأمازيغي بالحرف الآرامي في ظل الأخطاء الإملائية، والنحوية، والمطبعية، وضعف التمكن من الفصل بين الكلمات بطريقة سليمة، وفق قواعد مضبوطة، صعوبات كبيرة أمام القارئ الذي قد يصاب بالملل والفشل أثناء قراءة النصوص الشعرية المتضمنة في ديوان: "اذ – اريغ كـ- زرو". 4- قد يحتاج القارئ لفهم كيفية تلفظ لغة قصائد الديوان الاستعانة بعملية الإلقاء لهذه القصائد من قبل مبدعها الشاعر. وفي هذا الصدد يقر عدد من الشعراء باستحضارهم لتجربة الإلقاء الشعري في الأمسيات والملتقيات الشعرية لحظة ميلاد قصائدهم، مما يؤشر على طغيان البعد الشفوي على نصوصهم التي يمكن أن ننعتها بالتدوينية بدل الكتابية بالنظر إلى الملاحظات السابقة، ولأن الكتابة فعل قصدي واعٍ وخاضع لقواعد نحوية وإملائية وجمالية وفنية، تتطلب إحداث تحولات في طبيعة الشعر على مستوى الإبداع والتلقي، وفي مفهوم الإيقاع وطبيعة اللغة الشعرية والأسلوب والبناء النصي، أي المستلزمات الحضارية والفنية للكتابة، وما أحدثته من انتقال وتحول من التلقي السماعي إلى التلقي البصري، من مخاطبة الأذن إلى مخاطبة العين والعقل إلى جانب الوجدان والخيال21. إن ملامح الشفوية التي تطبع لغة كتابة قائد ديوان أحمد الزياني ومعجمها وتلفظها يفسر بوضعية الدونية، وحالة التهميش المؤسساتي التي توجد عليها الأمازيغية، مما ينجم عنه ضعف وهشاشة على مستوى الإبداع، وأيضا على مستوى التلقي. ويبدو أن التخلص النهائي من آثار الشفوية في الكتابة الإبداعية الأمازيغية وخاصة الشعرية منها ليس بالأمر السهل. بل قد يتطلب الأمر مدة طويلة ومجهودات جبارة؛ خاصة إذا عرفنا أن الأمازيغية هي في بداية الدخول إلى عالم الكتابة، ولأنها لغة ظلت لقرون طويلة شفوية مرتبطة بالجسد. وظف الشاعر أحمد الزياني جوانب من الموروث الحكائي، ففي القصيدة الرابعة عشرة من ديوانه وظف حكاية عجيبة متداولة في الريف تعرف ب"نونجا".22أضفت هذه الحكاية على القصيدة قيمة جمالية وفنية خاصة بما تضمنت من صور ورموز استلهمها الشاعر بدلالات جديدة للتعبير عن كنه الحياة وحقيقة لوجود المتخيلين في صورة هادئة جميلة وسعيدة توحي بالاطمئنان والشموخ. ويتخذ هذا التعبير شكل أحلام ومواقف تبتعد عن المباشرة، وتعتمد الإيحاء من خلال ميل الشاعر إلى الإغراق في الرمزية مثلما يبدو من خلال القصيدة. وتحضر في ديوان "أذ-اريغ ك-زرو"مجموعة من الأمثال الشعبية التي وظفت في أبيات شعرية لتؤدي وظائف معينة وخاصة النقدية ضمن سياقات محددة23. ب- تجليات توظيف العادات والتقاليد والفنون الشعبية في الديوان: وظف الشاعر مجموعة من العادات والتقاليد مثل مرددات الأمهات لتنويم أطفالهن وإسكاتهم. "سريغت ذ هلا رارو يسوضسايي ذ-اسيمي".24استلهم الشاعر أيضا جوانب من الأعباء التي تتحملها الأمهات في تربية أبنائهن، وجوانب من عادات الخطبة، ووظف بعض التقاليد المرتبطة بالعرس الريفي كما في القصيدة السادسة عشرة، وذلك في سياق محاولته التخفيف من آلام ومعاناة الفتاة التي تبكي وتشكو واقع اللامبالاة الذي تحياه بفعل تخلي حبيبها عنها والذي تزوج بقرينتها المهاجرة. يدعوها الشاعر إلى التشبث بالأمل، والصبر، والتريث، لأن الزمن يتغير، والظروف تتحول، مخاطبا إياها: - صبارا ارزم ورنم ارغا يسمح أربي - شم عاذ تامزيانت اقاشم عاذ ذي ثمزي - وسان تموتوين وار تغيمين امني - اتكذ اخام نم شجارث نم اتغمي - اكذ ميس ن- دشار نم اد- ياس اشم ياوي - اذ يذفع س- ويندوز اذ يعذر س- وحوري - اتشضحذ اتورارذ اذ- ام كن رحني - ام كن ثاعبروقت س- يزيوين ن- واري.25تضمن المقطع الشعري أعلاه بعض التقاليد والعادات العريقة التي كانت ترتبط بالعرس الريفي، والتي وظفها الشاعر لتؤدي وظيفة دلالية ونفسية، يتعلق الأمر بتحسين صورة المشهد الاحتفالي المنتظر والمرتقب أن ينظم بمناسبة زواج الفتاة التي يود الشاعر أن يخفف من بكائها وآلامها، فتوجه إليها بخطابه المباشر. وفي نفس الوقت يرغب الشاعر من خلال توظيفه لبعض العناصر التراثية إبراز أهميتها وقيمتها، لذلك ركز على عملية "الدفوع" وبعض لوازمه التي تظهر قيمته، وتضخم من صورته: - اذ- يذفع س- ويندوز أذ- يعذر س- وحوري. مثلما ركز على مشاهد احتفالية مرتبطة بالعروس، تشكل لحظات جد هامة في مراحل عبورها وطقوس اجتيازها. يتعلق الأمر هنا بغناء العروس ورقصها، وعملية تخضيبها بالحناء وتزيينها.26 استلهم الشاعر أحمد الزياني جوانب من الحياة العملية للمرأة الأمازيغية الريفية القروية.27ساهم هذا التوظيف في تصوير واقع الفتاة الريفية القروية. التي تحملت مسؤوليات عدة لتخطي عقبات المعيش اليومي، فعملت في الحقل، وتقاسمت محن الرجل المزارع، وجلبت المياه من الآبار، والعيون، وجمعت رزم الأعشاب والحشائش وحملتها على ظهرها، فضلا عن أشغال المنزل، فتعدى نشاطها إلى أكثر من موقع ومجال. رغم ذلك، لم تحظ بالتقدير والاحترام والاعتبار من قبل سلطة الأب والفقيه التي قامت بمصادرة حق هذا الكائن الإنساني في الرأي والتعبير والاختيار بخصوص شريك حياتها. - توظيف جوانب من مظاهر الارتباط بالأرض والعمل والتضامن: من تقاليد المغاربة –وخاصة بمنطقة الريف- تقديس الأرض والتأكيد على العمل والالتزام بالتضامن. وقدسية الأرض عند المغاربة ترجع لارتباط حياتهم بكل ما تعطيه لهم ويحصلون عليه منها كمجتمع فلاحي. لقد ظل الفلاح المغربي يتعامل مع الأرض لأنها مصدر كل إنتاج وكل الثروات، ويحصل منها على أكثر ما يعطيها، ويتصرف فيها كحق مقدس يستجيب لطبيعته: ملك له، يتمسك به ثم يدافع عنه، يسخر عمله في الزراعة والرعي، فيؤازر عنصر الطبيعة جهوده لينتج عائدا صافيا يعيش منه ويقضي به مآربه".28وظف الشاعر أحمد الزياني هذه القيم والتقاليد في أكثر من مقطع شعري من قصائد ديوانه، وفي أكثر من سياق ومناسبة. مثلما نجده في مقطع من قصيدة: "علال" الذي يتوق فيه إلى زمن تعود فيه قيم التشبث بالأرض والعمل والاجتهاد والتضامن والتآزر، وتترجم على أرض الواقع، بدل الاستمرار في ركوب أمواج البحر عبر قوارب الموت. وفي هذا الصدد يقول الشاعر: - انفغ انحثش س- ومزيان ذ- ومقران. - ادناوي ثيصوماظ س- ثموراذ- يسغوان. - ثيحرامين تغناجنت لا لا بويان - زمان. - اذ- يفارح وفجاح اذ يخيظ يسكان - ثامورث نغ اتشن اذاس- شنان ووسان - علال اد- ياركح زك- لانضا ذ- وليمان.29 مثلما وظف الشاعر في ديوانه بعض أشكال الغناء الأمازيغي الشعبي الذي تردده الفتيات بشكل جماعي وارتجالي في مناسبات الأعراس والحفلات الشعبية، حيث يجتمع الجميع في تظاهرات اجتماعية وفنية تتبارى فيها الفتيات الحاضرات بالنتاجات الشعرية والفنية المختلفة. أو خلال ممارسة العمل في الحقول والبراري والغابات والأنهار، وفي الطريق أثناء التوجه أو العودة من جلب المياه من الآبار والعيون30. مثلما وظف الشاعر بعض ألعاب الأطفال الشعبية في القصيدة الثامنة من ديوانه، وذلك في سياق عودته لاسترجاع ماضيه الطفولي متذكرا جوانب من أجواء التسلية، والترفيه والعلاقة العاطفية التي جمعته مع حبيبته "هنيا". من هذه الأجواء التي يتذكرها الشاعر: مزاولته للعب والتلاعب مع هنيا، حيث لعبا لعبة "فولعلع" وتتابع الخطوات، يقول الشاعر في هذا الصدد: - ثمزي ينو أك هنيا رامي نيرانورار. - نورار فولعلع خ- يبوذا ذ- يشارشار. - رامي نيرا نصورف يصوراف ظار س وظار31. ج:تجليات توظيف المعتقدات والمعارف الشعبية وأسماء الأعلام البشرية والجغرافية والتاريخية في الديوان. وظف الشاعر أحمد الزياني بعضا من مظاهر السحر الممارسة من قبل فقهاء32 لصالح فئة اجتماعية تمثل سلطة الأبوة المستبدة والمنفردة بالرأي داخل الأسرة. يتعلق الأمر هنا بكتابة الأحجبة لإرغام فتاة على الاقتران بمن لا ترضى به، مع وصف كيفية استخدام هذه الأحجبة للتأثير في الشخص المستهدف من خلال وضع بعض منها في عتبة مدخل البيت ليتم خطوها، وأخرى تذاب في الماء لتشرب. وظف الشاعر هذه المظاهر في القصيدة الأخيرة من الديوان "مين خافي شدن" في سياق مقطع شعري يعكس جانبا من الوضعية الدونية للمرأة، وتبعيتها لسلطة الرجل المطبوعة بممارسات سحرية مؤازرة ومستمدة من قبل الفقيه. يعكس هذه الدونية والتبعية قرار الأب تزويج ابنته بشخص يكبرها سنا من دون استشارتها ولا رضاها. وقد حملت الفتاة مسؤولية ما وقع لها من تطاول على حقها وحريتها في الاقتران بمن ترغب لأبيها والفقيه اللذين وصفت سلوكهما هذا بالجشع والمادي المتنافي مع القيم الدينية. وقد عبر الشاعر بدوره عن موقفه الرافض لهذا السلوك الذي يعكس الوضعية الحقيرة والدونية للمرأة – الفتاة في مجتمع يؤمن بالسلطة الذكورية المقرونة والمعززة بسلطة الفقيه السحرية. جاء هذا التوظيف لتعرية ونقد جوانب من التقليد، التي تطبع بعض العلاقات والمؤسسات الاجتماعية، مثل علاقة المرأة بالرجل، والمرأة ومؤسسة الزواج، وذلك عبر أسلوب فني مشحون بالصراع والاصطدام بين المواقف والأفكار، من خلال تحاور صوتين يلتقيان في موقف يتمثل في رفض إخضاع المرأة للوصاية الأبوية وللسحرية الفقهية. إنه صوت الشاعر لسان حال المثقف الحداثي، وصوت الفتاة المجسدة لتوجه نسائي يبحث عن شرعية الوجود والانخراط في عملية تغيير العقليات والمواقف والتوجهات المناهضة لحرية المرأة وحقوقها المشروعة. رغم أن هذا الصوت الأخير لا يعدو أن يكون سوى صوت الشاعر بلسان الفتاة. من المعتقدات التي ما زالت سائدة في مجتمعاتنا التقليدية شعائر زيارة الأضرحة وتقديس الأولياء. هؤلاء يشكلون الوساطة التي يمكن أن تربط بين الإنسان وربه، بما يتوفرون عليه من رأسمال رمزي، والمتمثل في اعتبارهم أقرب إلى الله تعالى روحيا، يتوفرون على البركة والبرهان لأنهم يدركون الأسرار الإلهية، مما يسمح لهم القيام بكرامات ويكسبهم هالة من القداسة أمام أعين الناس.33 لهذا فالمعتقدات الشعبية تنسب لهم أفعالا خارقة للعادة، ولهم القدرة التي تسمح لهم بشفاء المرضى، ومنح الصحة، والخصوبة، والمعرفة، والمطر أثناء الجفاف.34 وتخضع زيارة الأضرحة لطقوس وشعائر متعددة ومختلفة، لكنها تتكامل أحيانا، فهناك زيارة الأضرحة وفق رزنامة زمنية بتراتيل وهدايا نقدية وعينية مثل الشموع والبخور.. وهناك الأحزمة والخرق التي توضع على قبور الأولياء بغية جلب رضاهم وتحقيق رغبات الزوار. وهناك الذبائح التي تقدم أثناء المواسم، وخلال تتويج الزيارة (ثور أو كبش أو جذي أو ديك...).35لقد وظف الشاعر أحمد الزياني في بيتين من القصيدة السابعة من ديوانه شعيرة الذبح المصاحبة لزيارة أحد الأولياء المسمى سيدي منصور36وذلك في سياق طلب أم "علال" بعودة ابنها المغترب. وفي هذا الصدد يقول الشاعر على لسان الأم: - حمر غاش أحوري أيا سيذي منصور - علال مارا يعقبد أد ناس عاذ اش- نزور37وظف الشاعر أحمد الزياني في ديوانه "اذ- اريغ ك- زرو" ثلاثة عشر اسم علم بشري وجغرافي وتاريخي. تتوزع إلى عشرة أسماء أعلام بشرية، منها سبعة أعلام للإناث، واثنين للذكور، وواحد يحمل رمزية تاريخية. وقد جاء توظيف ثلاثة أسماء من الأعلام البشرية كعناوين لثلاث قصائد، فضلا عن الحضور الرئيسي داخل متون هذه القصائد38. خامسا: مستويات التناص وأنماطه المرتبطة بتوظيف التراث الشعبي في الديوان. إن التناص عمل تحويل وتشرب (استيعاب وتمثل)، وهدم وبناء، واستشهاد واقتباس، وأسلبة وتصحيف، وانتحال ومحاكاة... لعدة نصوص، يقوم به نص مركزي يحتفظ بمركز الصدارة في المعنى. ومن ثم يتطلب الأمر التمييز بين مستويات هذا العمل (التناص) وأنماطه في مقاربة نص إبداعي يتسم بحضور النص السابق الذي اتخذ أشكالا ومظاهر مختلفة. قام الشاعر أحمد الزياني بتوظيف عدة مظاهر من التراث الشعبي في ديوانه "اذ- اريغ كـ- زرو". ومن المؤكد أن هذا التوظيف اتخذ أشكالا ومستويات متنوعة ومختلفة، مرتبطة بأنماط التفاعل النصي بين قصائد الديوان ومظاهر التراث الشعبي كنص أو نصوص سابقة أو معاصرة. إذ مكنتنا عمليتا التصنيف والتحليل من الوقوف عند مستويات من التناص وأنماطه مثل الأسلبة على مستوى الإيقاع ولغة الكتابة وآختيار معجمها،39ومستوى الانتحال والإيحاء، ومستوى التصفيحية والتنويع. وبالنظر إلى المساحة الزمنية المخصصة للمداخلة، سأعرض جوانب من مستوى التعالي النصيTranstextualité الذي يعتبر الإطار العام الذي أطر فيه « جيرار جينيت» التداخل بين النصوص،40وهو «ما يجعل النص في علاقة خفية أم جلية مع غيره من النصوص. وتشكل علاقتا التغيير والمحاكاة بالإضافة إلى المعارضة والمحاماة الساخرة جزءا مهما من مصطلح التعالي النصي»41.لقد حددنا فيما سبق وجود عملية توظيف لحكاية "نونجا" في القصيدة الرابعة عشرة من الديوان، وحللنا جوانب من تجليات هذا التوظيف وبعض وظائفه. وبناء على ما توصلنا إليه، يمكن إدراج هذا النوع من التناص ضمن ما يعرف بالتعالي النصي. بيد أن هناك تشابها في عدد من الرموز بين الحكاية والقصيدة، وتحويلا مس عدة عناصر دلالية ورمزية في الحكاية أثناء توظيفها في متن القصيدة. تتمثل عناصر التشابه بين الحكاية والقصيدة فيما يلي: أولا العنوان، استلهم الشاعر عنوان قصيدته "نونجا" من عنوان الحكاية. ويسري هذا الأمر أيضا على عنوان القصيدة الخامسة "اذارث ا- ييذورار" المستمد من الموروث الحكائي المتداول بمنطقة الريف، وبالذات في حكاية "نونجا". ويمكن نعت هذا المستوى من العلاقة بين النصين بالتوازي النصي أو الحوارية. ثانيا: استحضار بعض الرموز في القصيدة بنفس الدلالات التي تحملها في الحكاية مثل: ثايوث (الضباب)، أمزيو (الغول) في القصيدة وتامزا في الحكاية، ايذورار (الجبال)، أبريذ (الطريق). أثناء توظيف الشاعر لعدد من عناصر ورموز الحكاية في القصيدة لحقها تحويل وتحوير دلاليان. ف"نونجا" في الحكاية ترمز للجمال ولمرحلة الفطام والطفولة والأخوة المتخلى عنها بفعل رعب الإنسان وقلقه من الزمن القاسي وتحولاته المفاجئة والماكرة. في حين دلالات "نونجا" في القصيدة موغلة في الإيحاء ومغرقة في الرمزية، تعبر عن تجربة جمالية جديدة، ورؤية خيالية حالمة وفريدة للعالم؛ إنها رمز لكنه الحياة وحقيقتها الهادئة والجميلة والسعيدة، والموحية بالاطمئنان والشموخ المفتقد في الواقع المرير والقاسي الذي في ظله يبحث الشاعر عن "نونجا". أي في ظل ظروف تتسم بالظلام والغموض والتعتيم والرعب والشر والجبروت والمعاناة التي يجسدها رمزيا كل من "أسينو" و"ثايوت" و"امزيو"42. الخلاصة: من خلال دراستنا المتواضعة لتوظيف التراث الشعبي في الديوان الشعري لأحمد الزياني، اتضح لنا غنى مظاهر هذا التراث، وتنوع حضور أجناسه، كما أن أغلب هذا التراث قريب إلى البنية الثقافية والجغرافية للشاعر. وقد وظف الشاعر هذه المظاهر التراثية الشعبية في سياقات مختلفة للتعبير عن قضايا الإنسان الريفي خاصة والمغربي عامة، وهمومه ومعاناته وأحلامه. إذ تمكن من تصوير واقع فئات اجتماعية واسعة، والتعبير عن مواقفها، وترجمة أحاسيسها وأحلامها، سواء تعلق الأمر بالمهاجر، أم بالمرأة كأم أو حبيبة أو زوجة أو بنت أو أخت، أم بالفلاح والطالب والعامل والمياوم، والمثقف المناضل المناصر لقضايا الهوية والحرية والعدل والتحرر. وتطرق الشاعر لإشكاليات وموضوعات كونية تتعلق بالوجود، والهوية والحب والخير والشر والجميل والصبر وغيرها، ولم ينس الريف مسقط رأسه في كل تجلياته إن جغرافيا أو تاريخيا أو ثقافيا، ضمن رؤية يتعانق فيها الوجدان الفردي مع الوجدان الجماعي. يحضر التراث الشعبي في سياق هذه الإشكاليات والموضوعات كمرجعية وخزان لمجموعة من القيم الجمالية والفنية والرمزية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية المرغوبة فيها في ظل زمن الاغتراب والاستلاب. ساهم انفتاح قصائد الديوان على التراث الشعبي القريب إلى البيئة المحلية في الاقتراب من العوالم المحلية في مختلف أبعادها، مثلما ساهم ذلك الانفتاح في إبراز هويتها المهددة في ظل تحولات العصر. يستحضر التراث الشعبي أيضا، كآلية لتوسيع آفاق التخييل، وخاصة حينما يتناول الشاعر موضوعا من المفروض أن تؤطره رؤية معمقة، وهنا يدخل الخيال وتستحضر الرموز المبطنة في الذاكرة التراثية الجماعية من أجل إشراك المتلقي في عملية فك رموز القصيدة (أنموذج نونجا) التي تبتعد عن المباشرة، وتعتمد الإيحاء، وتميل إلى التعقيد والغرابة، ويسعى الشاعر إلى خرق قوانين اللغة اليومية العادية المباشرة. كما يستحضر الموروث لإنتاج الدلالة في ارتباط بالرؤى الفكرية والإيديولوجية للشاعر. ويستحضر هذا التراث أيضا، خلال لحظات اللاوعي، وخاصة لحظات العجز وعدم القدرة على مسايرة متغيرات الواقع وتحولاته، إذ يتم توظيف بعض المظاهر التراثية كأداة تعبيرية لتجاوز عقم الواقع، أو كملجأ يحمي من عنف هذا الأخير وقسوته، فيتم العودة إلى الأضرحة والأولياء والشعوذة والسحر وغيرها. ساهم تعدد حضور مظاهر التراث الشعبي في قصائد ديوان "اذ- اريغ كـ- زرو" في تنوع مستويات العلاقات التناصية وأنماطها القائمة بين نصوص الديوان ونصوص التراث الشعبي. وبناء على ما سبق، يمكن اعتبار أحمد الزياني أحد الشعراء المعاصرين بالريف الذين أعطوا للقصيدة الأمازيغية كيانها المستقل ومشروعيتها الثقافية والفنية والجمالية. من خلال توظيف التراث الشعبي واستلهام عناصره. الإحالات والهوامش 1- »التناص في النقد الغربي». مجلة البيان( أدبية، ثقافية،شهرية تصدر عن رابطة الأدباء في الكوت)،عدد:419،الكويت، يونيو2005،ص:23. من الدارسين والنقاد الغربيين الذين تحدثوا ونظروا للتناص والعلاقات بين- نصية: - Roland BATES : « théorie du texte » ; in ENCYCLOPAEDIA UNIVERSALIS, volume :15,Paris,1974. - Bakhtine MIKAIL : Esthétique et théorie du roman ; traduit de Russe par : OLIVIER Daria, Gallimard, France,1978. - Julia KRISTEVA : Séméiotké Recherche pour une sémanalyse(Extraits) ;édition du seuil, Paris,1969. - ………………… : Le texte du roman,Mouton,1971. - ………………… : La révolution du langage poétique ; seuil, Paris,1973. - Gerard GENETTE : Palimpsestes ;seuil,Paris,1982. - Jacques DERRIDA : Of Gramatology ;Trans Gayatrispirak .Baltimore, Johns Hopkins univ.Press,1976. 2 – عباس الجراري: من وحي التراث. مطبعة الأمنية: الرباط،،1971، صص:87-88.3- اليماني قسوح: توظيف التراث الشعبي في الأدب المغربي المكتوب بأمازيغية الريف. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة( غير منشورة)،كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، 2005 /2006،صص:21-22. 1 - نفسه . صص:23-25.2 -عباس الجراري: في الإبداع الشعبي.ط:1 ،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،1988،صص:126-127. 3 - يختلف الدارسون في تقسيمهم للتراث الشعبي، إذ نجد منهم من يعتمد تقسيما ثلاثيا مثل الأستاذ عباس الجراري في كتابه: من وحي التراث، مرجع سابق، ص:89 . في دراستي هذه اعتمدت تقسيما رباعيا سبق وأن تبناه واعتمده بعض الدارسين. أنظر: طلال حرب: أولية النص نظرات في النقد والقصة والأسطورة والأدب الشعبي. ط:1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان،1419/1999 ، ص:65.- محمد الجوهري : « الطفل في التراث الشعبي «. عالم الفكر(مجلة فصلية تصدر من الكويت) مجلد :10،عدد:3، الكويت،1979،صص:15-16. 4 - اليماني قسوح : مرجع سابق. صص:30-31. 5 - تعتبر جمعية الإنطلاقة الثقافية أول جمعية ثقافية أمازيغية تتأسس بمدينة الناظور بالريف، وذلك في أواخر يناير 1978 بهدف إخراج المنطقة من وضعية الركود الثقافي ، وبلورة الثقافة الإقليمية والوطنية والعالمية. وعملت على إحياء التراث وتطويره من خلال إحداث لجن متعددة ترتبط بالسكان وثقافتهم المادية والروحية وتنمية طاقاتهم الإبداعية ومواهبهم الفنية، عبر تنظيم لقاءات ومهرجانات ثقافية وفنية. أنظر:
- جمعية الإنطلاقة الثقافية . الأرضية الثقافية ، الثقافة الجديدة. عدد:9، شتاء1978 ، صص:167-168. - الحسين وعزي : نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب، سيرورة تحول الوعي بالهوية الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري. ط:1، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2000، ص: 114. 6 - كانت بداية الشعر الأمازيغي المعاصر على مستوى الريف صعبة إن لم أقل عسيرة، وجاءت متأخرة نسبيا مقارنة بمنطقة سوس مثلا. لأسباب تتعلق بتأخر المنطقة في الإندماج ومسايرة التحولات التي حدثت بمغرب ما بعد1956، بفعل سياسات الحصار والتهميش والإقصاء المفروضة على المنطقة تاريخيا. 7 - عملت جمعية الإنطلاقة الثقافية في 6 ماي 1979 على عقد المهرجان الأول للشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، وقد حضر فيه كثير من الشعراء منهم : أحمد القادري، ومحمد خرباش، ومحمادي بوسحاسح، ومحمد حنكور، وأحمد بنجيلالي، ومحمد حبشاوي، وفاظمة الورياشي، وأحمد أكواو، ومرزوق الورياشي، ومحمد ميرة... مثلما تم تكريم بعض الأسماء، و تم طبع بعض القصائد في نشرة خاصة بالجمعية. 8 - جميل حمداوي:مدخل كتاب: قراءات في الشعر الأمازيغي بالريف. تأليف: جميل حمداوي وفؤاد أزروال ،ط1 ،مطبعة دار النشر الجسور، وجدة،1997 ،ص:14. 9 - نذكر ممن تابع مشواره الإبداعي: سعيد موساوي الذي صدر له ديوان:" يسفوفيد أوعقا" سنة 1994، وفاظمة الورياشي التي أصدرت ديوان: « YZSREMD-AYI WAWAR »، سنة1998 .10 - تطورت المواجهة من إضرابات جزئية إلى مواجهة شاملة، عل إثر أحداث 20يونيو1981 ، ونتج عن ذلك عدة قتلى وجرحى بالبيضاء، واعتقالات ومحاكمات وتوقيف عدد من الجرائد. وفي يناير 1984إندلعت أحداث مشابهة بالشمال إنتهت بمحاكمات وآعتقالات. 11- Hassan BAN HAKEIA : « ahmed zitani,poète amazigh ».Tawiza, uttvun :34,sinyur,2000,P :2-
- Hassan BAN HAKEIA : Préface de recueil Ighembab yarzun x wudem-nsen deg wudem n waman.1ed, imp taysir, Casa Blanca,2000,P :5. 12 - أحمد الزياني: أذ – اريغ ك- زرو .ط2، منشورات يزوران،سلسلة الشعر الأمازيغي، المغرب، 1993، ص:3. 13 - محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين. منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي،ط2، مطبعة البوكيلي،القنيطرة،2000،صص:72-73. 14 - فؤاد أزروال :" تجربة الغربة في ديوان أذ-اريغ ك-زرو". ضمن كتاب قراءات في الشعر الأمازيغي بالريف"، مرجع سابق،ص:82. 15 - أنظرقراءة مقدماتية لأزروال فؤاد على ظهر ديوان أحمد الزياني: ثريوريوث ي مولاي. ط1،مطبعة أمبريال ، الرباط،1998.16 - Mohamed SEROUL : « Ad arigh g wzru, j’écrirai dans la rocaille du poète :Ahmed ziani ou la défense et l’illustration de la langue amazighe ».Tamazight , N :37,1 Année,16 septembre,1999,P :7. 17 - اليماني قسوح . مرجع سابق، من ص:166إلى ص:183. 18 - عبد الله شريق:» الشعر الأمازيغي في الريف بين الشفاهية والكتابية» . الملحق الثقافي لجريدة الإتحاد الإشتراكي. عدد:8245،الجمعة 12ماي2006،ص:13. -22 تذكر الحكايات أن "نونجا" فتاة جميلة وطيبة تولت الغولة تربيتها وهي صغيرة بعدما تركتها أمها غير الذكية وضرة الأم الذكية أثناء وقوعهما في يد الغولة. وقد احتالتا على هذه الأخيرة للهروب والتوجه لجلب الماء، فاستغلتا الفرصة للإفلات، وبقيت "نونجا" بين يدي ثامزا (الغولة) تحرسها حراسة شديدة إلى أن كبر أخوها من أبيها (ابن الأم الذكية) وذات مرة كان يلعب مع شباب القرية خرجت امرأة عجوز تعيره بأخته التي اغتربت ولم يستطع البحث عنها، ودفع به هذا الاحتقار وهذه الإهانة إلى البحث عن اخته "نونجا" التي تمكن أخيرا من افتدائها والعودة معا إلى أسرتهما. لمزيد من المعلومات انظر:- Mohammed Kinu oemri : « Umey n « Nunja » », Tawiza uttvu n : 24, Kuzv yûr, 1999, p : 3.. - محمد أقضاض، مقاربة سوسيو سيما نطيقية للحكاية الشعبية في الريف مع نماذج معربة، ضمن كتاب إشكالية وتجليات ثقافية في الريف، مرجع سابق، صص: 124-125. 19 - لمزيد من المعلومات حول تجليات توظيف الأمثال الشعبية في الديوان،أنظر: اليماني قسوح: م.س، صص: 205.206.207.208.209.210. 20 - نفسه،ص:211.- أحمد الزياني: أذ-اريغ ك-زرو. م-س، ص:5. 21 - نفسه: ص:38. 22 - اليماني قسوح: م-س، صص:214.215.216. 23 - نفسه: صص: 219-220. 24 - ادريس لمرابط:الفكر المغربي في الأمثال الشعبية( المجال الإقتصادي).موسوعة شراع الشعبية، ع:1،يناير،فبراير،مارس، أبريل 1999 ، دار النشر المغربية أديما، ص:41.25 - أحمد الزياني : م.س ،صص: 20-21. 26 - اليماني قسوح : م س ،صص:121 .222. 27 - أحمد الزياني:م س :ص: 24. 28 - تلتقي ممارسة هؤلاء الفقهاء مع ممارسات لها علاقة بقراءة الطالع، وتفسير الرؤى، وحفلات التطهير، التي تقوم بها فئة من العرافات يعرفن بالشوافات ومن اللازم التمييز هنا بين رجال الدين حسب وظيفتهم وتراتبيتهم على مستوى الهرم الديني، فهناك العلماء والقضاة الشرعيون والفقهاء الذين يشكلون قمة الهرم، وهناك الفقهاء الطلبة الذين يشكلون أسفل الهرم، والذين يمثلون تلك الفئة من صانعي الأحجبة، والمقرئين وأئمة المساجد .. إلخ. فهناك فرق بين الفقيه العالم صاحب الثقافة الدينية الواسعة، والفقيه الطالب الذي لا تخرج مهامه عن الوظائف السالفة الذكر حسب:Bruno Etienne, magie et thérapie à Casablanca, in le Maghreb musulman en 1979, ouvrage collectif, ed du C.N.R.S. Paris, 1981, p : 265, not : 9. أورده عز الدين الخطابي: سوسيولوجية التقليد والحداثة بالمجتمع المغربي دراسة تحليلية لدينامية العلاقة الاجتماعية، ط 1، منشورات دار التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1421-2001، ص: 79 هامش رقم 9 و10 29 - عزالدين الخطابي: م س ، ص:82.30 - Mustapha AKHMISSE. Médecin, magie et sorcellerie au Maroc l’art traditionnel de guérir .5ème éd, dar kortoba, casa blanca,novembre2005,P :28. 31 - Ibidem.P :37. 32 - تعرف ظاهرة أضرحة الأولياء انتشارا واسعا بمنطقة الريف المغربي إلى حد أن في كل قرية يوجد ضريح ولي يحمل اسم علم قد يتشابه مع اسم ضريح ولي آخر بمنطقة أخرى، وقد يكون مجهول الاسم (سيدي مخفي مثلا). بعض هذه الأضرحة توجد عارية في مرتفع بمكان خال أو بالقرب من المقابر على شكل هرم أو أكوام من الحجارة محاط بأشواك أو بقايا من غابة طبيعية لم تتعرض للاجتثاث والقطع بحكم قدسية المكان، والبعض الآخر من هذه الأضرحة بني لها محل بقبة وتابوت وقد سيج بسور. وسيدي منصور واحد من هذه الأضرحة الذي يوجد بمدخل مدينة الحسيمة من جهة الغرب. يتم ذكره في الشعر الغنائي التقليدي بالريف. تقبل عليه النساء والفتيات لجلب رضاه وتحقيق رغبات بخصوص الزواج. وإفراغ مكبوتات نفسية، والتفويج عن النفس. 33 - أحمد الزياني : أذ-اريغ ك-زرو . م س،ص: 19.34 - لمزيد من المعلومات حول هذه الأسماء وسياق توظيفها ودلالتها الرمزية أنظر: اليماني قسوح: م س، صص:230.....234. 35 - نفسه : صص: 237.236 . 36 - Gérard GENET : Palimpsestes. Seuil, Paris , 1982,P :7.37 - أحمد طعمة حلبي: م س ، ص: 17. 38 - راجع دلالة هذه الرموز في الجدول رقم:7 ضمن رسالتنا: توظيف التراث الشعبي في الأدب المغربي المكتوب بأمازيغية الريف. م س ، صص:198 - 199 .
|
|