|
|
الأمازيغية في تقرير المجلس الأعلى للتعليم بقلم: محمد مغوتي (أكنول) أصدر المجلس الأعلى للتعليم الذي تأسس في 14/09/2006 تقريره السنوي 2008 تحت عنوان: "حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها". وبوصفه مؤسسة دستورية تحمل قوة اقتراحية حول قضايا التربية والتكوين، فقد لقي تقرير المجلس اهتماما واسعا على مختلف مستويات ودواليب الوزارة القائمة على شؤون التربية والتعليم ببلادنا.وهو اهتمام يؤشر لوعي متأخر بواقع تعليمي متهالك، أوصل بالمغرب إلى مصاف الدول المتخلفة كما تطالعنا عدد من التقارير الدولية المتخصصة.ولئن كان التقرير يقدم رؤية متكاملة لهذا الواقع التعليمي من خلال تشخيص حالة المنظومة والتعريف بمكامن الخلل واقتراح الحلول اللازمة، فأنني سأقتصر في هذه الورقة على تحليل رؤية التقرير لموقع الأمازيغية في معمعان الرهان التربوي بالمغرب في راهنيته ومستقبله. 1- الأمازيغية في المنظومة التربوية: خصص المشرفون على التقرير الجزء الأول منه لجرد المنجزات التربوية والاختلالات التي تحول دون تطور أداء المدرسة المغربية بوجه عام.وهكذا لم يفت التقرير أن يضع الأمازيغية كعنصر أساسي في رصيد المنجزات.وفي هذا الباب نقرأ في المؤطر الخاص بها تذكيرا بالإطار المرجعي الذي سمح ب(إدماج) الأمازيغية في المدرسة المغربية، ورصدا معززا بالأرقام لواقع هذا الإنجاز في التعليمين الابتدائي والجامعي. لننتبه أولا أن التقرير يتحدث عن الأمازيغية وكأنها لغة أجنبية اختار المغرب أن ينفتح عليها.وهذا على الأقل ما نفهمه من استعمال كلمة الإدماج. ذلك أن هذا المفهوم يشير إلى تبيئة ما هو وافد وأجنبي مع الواقع المحلي. وعلى هذا الأساس نسمع عن اندماج المهاجرين في ثقافة ولغة المجتمعات التي تستضيفهم. والمغرب حسب لغة التقرير(وهي طبعا لغة الخطاب الرسمي)، اختار أن يدمج الأمازيغية في مدرسة لسان حالها هو العربية الفصحى(لأن المغرب بلد عربي). إنه بذلك يعبر عن تسامح وكرم عربيين كبيرين عندما يسمح لهذه اللغة أن تلج المدرسة المغربية. وهو ما نفطن له عندما نقرأ الكلمة، في سياق الواقع العام للغة الأمازيغية في المغرب،قراءة صرفية. ذلك أن الميزان الصرفي لكلمة إدماج هو إفعال(بكسر الهمزة). ولا تخفى الدلالة السلطوية لهذا الوزن، إذ على مقاسه صيغت كلمات مثل: الإكراه والإجبار والإفراغ والإنذار... وبالعودة إلى الظروف التي هيأت لتدريس الأمازيغية نجد فعلا أن الأمر لا يتعلق بمشروع تربوي متكامل يحاول إعادة الاعتبار للمغاربة المغبونين في لغتهم الأم. وإنما هو مجرد ذر للرماد في العيون، لأن كل المعطيات تؤشر إلى أن تدريس الأمازيغية فقد قيمته في ظل الواقع التعليمي الذي يتم ضمنه. والمفارقة العجيبة أن الطابع السلطوي الذي تحدثنا عنه في شرح مفهوم الإدماج، بوصفه قرارا سياسيا كان يمكن أن يصدر في أي وقت، تحول إلى أمر آخر فيما يتعلق بالتطبيق الميداني. فنحن حتى اليوم، وقد مضت خمس سنوات كاملة على تدريس الأمازيغية، لا نجد أي مبرر لعدم تعميمها على كل التلاميذ المغاربة في كل مدارسنا. وهكذا أصبح الإدماج الذي يتحدث عنه التقرير، يخدم بالدرجة الأولى رغبة واضعي الميثاق عندما اختاروا للأمازيغية دور الوسيط كمرحلة استئناسية يتهيأ خلالها المتعلم لإتقان لغة الضاد.وفي تفاصيل المنجزات التي يستعرضها التقرير في الموضوع، نتوقف عند أربع محطات تطلبتها عملية تدريس الأمازيغية: - إعداد تصور عام لمنهجية إدماج الأمازيغية من قبل وزارة التربية الوطنية. - تبني حرف تيفناغ وتقعيده وتنميط القواعد الإملائية من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. - إعداد الأدوات الديداكتيكية وخاصة منها كتاب التلميذ ودليل المدرس... - تكوين المؤطرين والمكونين، تبعا لاتفاقية الشراكة المبرمة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. (1). إن ما يعتبره التقرير إنجازا في مسار تدريس الأمازيغية هو في الواقع هروب من الحقيقة، وتكريس لثقافة "قولوا العام زين". ذلك أن تكوين المؤطرين والمكونين لم يرق أبدا إلى المستوى الذي يتطلبه إنجاح ورش كبير من هذا النوع. إذ لا يعقل أن تناط برجل التعليم مهمة تدريس الأمازيغية في الوقت الذي يحتاج فيه بدوره إلى من يدرسها إياه، ولا يمكن لأسبوع واحد أن يكون كافيا للإحاطة بمختلف الجوانب البيداغوجية والديداكتيكية التي لا مناص من التسلح بها في سبيل أداء ناجح لمهمة التدريس تلك. ويؤشر هذا القصور في عملية التكوين إلى الوضع العام للأمازيغية في بلادنا، حيث اللامبالاة هي العملة السائدة في تناول المسألة من طرف أصحاب القرار، في الوقت الذي يتشدق فيه الكثيرون بشعارات من قبيل: (الأمازيغية قضية وطنية لا يسمح لأحد بالوصاية عليها...). ثم إن إقحام المعهد كشريك في عملية التدريس يجعل من الأمازيغية المادة الدراسية الوحيدة التي تتملص وزارة التربية الوطنية من الإشراف الكامل والمباشر عليها. وهو أمر يبرز مرة أخرى غياب الإرادة الحقيقية للمصالحة مع الهوية المغربية، ويكشف عن مدى غربة الأمازيغية وغرابتها في أرضها وبين أبنائها. إن المنجزات التي يحتفل بها التقرير هي في الحقيقة ضربة قاصمة لنضالات الحركة الأمازيغية، فالعملية برمتها عرفت انطلاقة خاطئة منذ البداية، إذ لا يعقل أن يتم تدريس لغة وثقافة همشت كثيرا بأبجدية أريد لها أن تحيا من جديد بعد إقبار طويل. وبذلك فان غياب الشروط الموضوعية والذاتية لتمكين الأمازيغية من ولوج ناجح للمدرسة، جعل الأمر مجرد مضيعة للوقت والجهد، حيث كان من اللازم وضع خطة علمية قبل الإقدام على فعل التدريس. ويتعلق الأمر بمسألتين ضروريتين: الوصول إلى لغة أمازيغية فصحى ومعيارية تجمع الشتات اللساني المتنوع في كل مناطق المغرب من جهة، وتوفير الموارد البشرية المكونة تكوينا جامعيا لكي تتحمل مسؤولية التدريس من جهة ثانية. وفي غياب هذين العنصرين فإن فشل العملية كان أمرا محتوما. ونأمل أن يكون الشروع في إدراج الدراسات الأمازيغية، على مستويي المسلك والماستر، في بعض الجامعات خطوة في الاتجاه الصحيح ومقدمة لاهتمام واسع وجدي بمسألة تدريسها وفق تصور واضح المعالم.2- الأمازيغية ومنتظرات الإصلاح: في المحور المتعلق باختلالات المنظومة التربوية، يقدم التقرير رؤية جديدة تتجاوز ما تعودنا عليه سابقا من محاولات تجميل الواقع التربوي وتبرير مكامن الضعف والقصور. ذلك أننا نطالع في التقرير لغة مباشرة تعترف وتقر بهشاشة النظام التربوي ببلادنا على كل المستويات. وفي علاقة بالموضوع الذي نحن بصدد مناقشته في هذه الورقة، يرى المجلس الأعلى للتعليم أن ضعف التحكم في اللغات (بوصفه أحد أهم تجليات الاختلال في المنظومة التربوية) يعود نسبيا إلى "التنوع اللغوي الذي يعيشه التلاميذ المغاربة. فهم مجبرون على التعامل مع عوالم لغوية متعددة: اللغات الأم، لغات الدراسة، لغات الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيات."( 2). ولا يتوقف الأمر عند هذا فقط، بل إن مشكل ضعف التحكم اللغوي يعود أيضا إلى "محدودية استعمال اللغة العربية خارج الفصل الدراسي وبعض الأنشطة المدرسية."(3). وهكذا، وبعد حوالي نصف قرن من تعريب التعليم اقتنع أصحاب القرار أخيرا بمكمن الخلل. ذلك أن الكلام عن محدودية استعمال اللغة العربية في الحياة اليومية للإنسان المغربي يؤكد أن هذه اللغة ليست هي لسان حاله، ويعبر أيضا عن استلاب خطير للشخصية المغربية التي تعيش ازدواجية بين انتمائها الهوياتي الذي يتحدد في الأشكال التواصلية العامية التي تعبر عن ثقافة أصيلة، وبين إرادة سياسية فرضت العربية الوافدة من الشرق لغة للخطاب الرسمي. ونتيجة لهذا الاختيار المتنكر للتاريخ والجغرافيا، باتت المدرسة المغربية تعاني من فقر مدقع على مستوى الملكات اللغوية سواء تعلق الأمر بالعربية نفسها، أو بالفرنسية والانجليزية وغيرهما. والواقع أن هذه النتيجة الكارثية التي لا تخفى على أحد، هي مسألة طبيعية بالنظر إلى التنافر الكبير الذي تخلقه السياسة التربوية بين المتداول اليومي عند الطفل في الأسرة والشارع، وما يتلقاه في حجرات الدراسة.إن الاختلال الحقيقي الذي ينخر جسد التربية والتعليم يتجلى في غياب سياسة لغوية وطنية واضحة، إذ يبدو أن مسألة الحسم في اختيار العربية منذ فجر الاستقلال لغة رسمية ووحيدة، أدى بتظافر عوامل أخرى بنيوية مرتبطة بوضع اجتماعي عام، وبيداغوجية تخص السياسة التعليمية المتبعة، إلى واقع تربوي متأزم بكل المقاييس. والحال أن الوقت قد حان للقيام بإصلاح تربوي بنيوي يتجاوز الأساليب الترقيعية التي لا تحقق شيئا. إننا في حاجة ماسة إلى بناء مدرسة مغربية تعيد الاعتبار للهوية الوطنية في اللسان والثقافة، وذلك هو الحد الأدنى والضروري لبلوغ مدرسة عاكسة لمحيطها ومترجمة لنبضه. إننا لن نربح إلا مزيدا من تضييع الوقت وهدر الثروات إذا تم الاستمرار في سلوك إصلاح الإصلاح. وفي الختام، وبما أن التقرير قد اعترف بفشل السياسة التعليمية التي يعد التعريب أحد أركانها، فإنه بات من حق الفاعلين في الحركة الأمازيغية أن يعملوا باتجاه تحقيق الانطلاقة التربوية المناسبة للمغرب عبر الدفع بالاختيار الأمازيغي إلى معترك الفعل التربوي. وهو اختيار ينبغي أن يتأسس على الحسم في الإقرار بالهوية الأمازيغية للمغرب على مستوى الفعل والممارسة. وهو اختيار لا يمكن تحقيقه إلا بتوفر الإرادة السياسية التي من شأنها أن تمنح للأمازيغية حقها في امتلاكنا لها جميعا لا أن تكون ملكا للمخزن يتصرف فيها كما يشاء. الهوامش: 1 _ حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها. المجلس الأعلى للتعليم.التقرير السنوي 2008.ص:25. 2 _ نفسه.ص:40. 3 _ نفسه.ص:40. (محمد مغوتي.أكنول في 03/07/2008. med_maghouti@hotmail.fr)
|
|