|
|
دادس: مدخل لكتابة وإعادة كتابة تاريخ الجنوب الشرقي بقلم: أحمد باعلي (وارزازات) تقديم: صدر مؤخرا كتاب مهم، هو الأول من نوعه، يتعرض بالتحليل لمجالات متعددة من تاريخ وحاضر منطقة دادس بالجنوب الشرقي، بمجهود ذاتي لكاتبته التي عملت على مدى عقد من الزمن على جمع المعلومات وتصنيف الوثائق وتنظيم اللقاءات والمقابلات مع ذاكرة المنطقة لتتمكن بعصامية نادرة من بنت هذه الواحة من تخطيط مرجع هام يقع في 148 صفحة من الحجم المتوسط، الغرض منه حسب الكاتبة (أستاذة التاريخ بثانوية الورود بقلعة مكونة) التوثيق «لجزء من الذاكرة التاريخية... ذاكرة وتاريخ مجتمع لا زال على هامش الكتابة...». الكتاب إذن مدخل تلج به هذه المنطقة وهذا المجتمع مجال الكتابة وفضاء التاريخ الرحب، تاريخ المجتمعات لا تاريخ الأعيان. وقد وفقت الأستاذة في اختيار صورة الغلاف والتي تعبر عن مدخل في حالة انهيار (ضياع، واندثار ذاكرة المنطقة؟) ومهدد بالزوال. مدخل متآكل لكنه يسمح بمرور أشعة الشمس (البحث والدراسة؟) لتنير ظلمات الماضي وتطرد ظل الجهل من حاضر المنطقة. وقد اختارت الأستاذة لهذا الكتاب عنوانا رئيسيا: دادس Dads جعلنا نتساءل إذا نحن بصدد كتابة وصفية للواحة، للنهر، للطبيعة أم لعلاقات اجتماعية وثقافية وسياسية؟ غير أن العنوان الفرعي: «من بداية الاستقرار إلى تدخل الكلاوي» بقدر ما يحدد موضوع الكتابة: كرونولوجيا تتداخل فيها علوم الاجتماع (الاستقرار) بعلوم السياسة (القايد الكلاوي)، بقدر ما يثير فينا أسئلة جديدة: هل نحن بصدد عمل في علم الاجتماع السياسي؟ هل الكتاب استدراك وتسليط للضوء على مناطق الظل في كتابات Robert Montagne ,George Spillman ,David Hart ,De foucault sCharle..؟ قراءة أولية: أسئلة كثيرة جعلتنا نسرع في تلمس إجابة لها ووجدنا بعض عناصرها في التقديم العام الذي استهلت به الأستاذة عملها وصرحت فيه بأن الأمر يتعلق بمقاربة بنيوية لتاريخ منطقة مهملة ومغفلة من طرف الدارسين (على الأقل). تقديم لمسنا فيه حذرا علميا شديدا يتجلى في تعداد مجموعة من العوامل تفرض على الكاتبة وعلى القارئ التسلح بالنسبية في التعامل مع المعطيات والوثائق الشحيحة، ومع الرواية الشفهية غير الدقيقة. وبسلاسة لغوية متناهية، تنتقل الكاتبة إلى قراءة نقدية في كتابات عدد من المؤرخين الذين أشاروا باقتضاب للمجال المدروس، بل وتجدد حذرها وتحذيرها من الأخذ بطروحاتهم دون تمحيص، مبرزة دوافع بعضهم للكتابة عن المنطقة، وهي دوافع في أغلبها لا تمت للموضوعية والمنهجية العلمية بصلة. يبدو لنا أن تهميش المجال المدروس في الكتابة التاريخية قد فرض على الكاتبة التعريج على وصف وتحديد جغرافي للمجال بدءا بالموقع (منبع واد درعة بالجنوب الشرقي للمغرب)، مرورا بالتضاريس والمناخ ووصولا إلى إشكالية/عقدة التسمية: Dads, Dat-as, Da-ttc, Badis؟ إنها بطاقة تعريف لواحة من واحات الجنوب الغنية بتعبير R. Montagne، يسكنها واحد من أضخم التجمعات السكانية بالجنوب الشرقي والتي التزمت أو ألزمت الصمت. لهذا السبب يبدو أن هذا الكتاب/المشروع كما سماه الأستاذ صبري، أول عمل تاريخي يشمل المجال المدروس ويتعرض لجميع مناحي الحياة لفترة طويلة من الزمن وبقدر كبير من التجرد والموضوعية، ليكون بذلك - وباستحقاق- ناطقا باسم الأرض واللغة والإنسان، أي بطاقة هوية لمجتمع بدأ يتململ ليعبر عن نفسه وكيانه ووجوده. الكتاب إذا مشروع يؤسس لوعي جمعي علمي بالانتماء لتاريخ عريق وجغرافيا شاسعة، يمهد لدراسات وأبحاث ميدانية تعمق المعرفة بهذه المنطقة، وينفض الغبار عن عبقرية نادرة في الإبداع المعماري والتسيير الاقتصادي، والتعايش القبلي والتنظيم السياسي. لقد عملت الأستاذة على تقسيم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: فصل تتعرض فيه لما أسمته الحياة الاجتماعية، فصل ثانٍ تثير فيه مظاهر من العلاقات والتنظيمات السياسية وفصل ثالث تتناول فيه بالوصف والتحليل عددا من الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها أهل دادس. إن ما يثير القارئ المتصفح للفصل الأول، هو قدرة المؤرخة على الربط ما بين الوصف والتحليل والمساءلة في آن واحد، ذلك أنها لا تكتفي بتعداد القبائل والقصور المكونة لدادس بل إنها تبحث في تاريخ استيطانها، في العوامل التي ساعدت على ذلك، في أصولها وانتماءاتها وفي علاقات التحالف والتنافر ما بينها دون أن تجد حرجا في الاعتراف بقصورها عن تقديم إجابات واستنتاجات ما دامت المعطيات المتوفرة غير كافية لتكوين أحكام قيمة لا يمكن للمؤرخ الموضوعي الدفاع عنها. ملاحظة ثانية، لا تقل أهمية عن سابقتها، تتعلق بدعم الكتاب/النص بوثائق ورواية شفاهية تغني به المؤلفة وصفها وتحليلها. وفيما يخص الوثائق، وجب التمييز بين نوعين: ـ النوع الأول متعلق بالخرائط التي رسمت ببساطة ودقة يسهل على غير المتخصصين في الجغرافيا قراءتها وفهمها. وعلى حد علمنا، فهذه الخرائط نتيجة مسح ميداني قامت به الباحثة غطى المنطقة المدروسة، ما استدعى منها - بدون شك- جهدا كبيرا ووقتا طويلا. ـ أما النوع الثاني فهي عبارة عن وثائق محلية جمعتها أو نسختها الأستاذة من مالكيها وعملت على قراءتها وتبويبها وشرح ما استعصى فهمه من ألفاظ وتعابير. ورغم قلتها، فإن ما توفر منها يسمح للباحثين والمهتمين بالاستفادة منه في أعمال أخرى نتمنى أن ترى النور في القريب العاجل إغناء للبحث وتدوينا للذاكرة. وفي نفس الفصل، لم يفت الكاتبة أن تعرج على الهندسة المعمارية التي تميز الجنوب الشرقي ممثلة في Tighermatin و Igherman وذلك بأسلوب وصفي تصويري لم يغفل عن أدق التفاصيل. وبنفس الدقة تتعرض الكتابة للتنظيم القضائي ولبعض بنود القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية في عرف أهل دادس. هذه المنطقة التي كان للزوايا فيها دور هام في الوساطة والتحكيم بين القصور والقبائل بل وفي شؤونها الاقتصادية والسياسية. وفي هذا الجانب الأخير، خصصت الأستاذة فصلا كاملا للحديث عن النظام السياسي لما سماه بعض الباحثين بالجمهوريات الديمقراطية الصغيرة (Les petites républiques démocratiques) مركزة على مؤسسة Amghar ومسمية بعض الذين اعتلوا هذا المنصب خاصة في بداية النصف لثاني من القرن التاسع عشر. إن اختلاف أصول القبائل المستوطنة لدادس وتعدد ولاءاتها وتحالفاتها هو الأساس في النزاعات والصراعات التي تنشب بين الفينة والأخرى، وقد تمكنت الباحثة من جمع معطيات حول عدد من هذه النزاعات مركزة على نزاع قبيلة آيت علوان مع قبائل آيت حمو (صفحات 61-64) في نزعة ذاتية واضحة، غير أنها ذاتية تمكنت من ضبطها في حدود العلمية وجعلتها استثناءا يؤكد القاعدة والمتمثلة في الموضوعية والتجرد. وفي مقابل الصراع، فقد عرف دادس كغيره من التجمعات السكانية اتفاقيات تعاون وتحالف خصصت لها الكاتبة تعاريف وأمثلة، وأفردت لاتفاقية TADA وثيقة تؤرخ لأخوة وتعاضد بين قبيلة من وادي دادس وأخرى من وادي أمكون. لقد فطنت الأستاذة إلى أن الحديث عن علاقات القبائل (Les tribus autonomes) لا يستقيم دون الحديث عن العلاقة بين هذه القبائل وسلطة المخزن ما دام الحديث عن استقلالها من عدمه مرتبطا بشكل جدلي بثنائية بلاد المخزن وبلاد القبائل (أو ما يسميه البعض ببلاد السيبة) مع ما يطبع هذه الثنائية من تنافر وحروب، وجباية ضرائب و»حرْكات» ودور الزوايا والشرفاء في التطويع أو في الثورات، كما تؤكد ذلك عدد من الوثائق خصصت لها الباحثة قراءة وافية انتهت فيها إلى التأكيد على أن أهم شيء لدى المخزن هو الجباية، ما استدعى التطرق للجانب الاقتصادي في المجال المدروس لتبيان ما إذا كان معيش الساكنة يتحمل هذا الضغط الضريبي. نجد في الفصل الثالث والأخير من الكتاب مسحا عقاريا لجنبات وادي دادس تؤكد فيه الأستاذة على غياب الأراضي الزراعية الجماعية وطغيان الملكية الفردية وأراضي الوقف أو الأحباس وصغر حجم المستغلات لأسباب تاريخية واجتماعية مع الإشارة إلى استثناءات ترجع لأسباب اقتصادية وسياسية تعرضت لها المؤرخة بجرأة الباحث عن الحقيقة والمتحدي للمحرمات والمسكوت عنه. وعلى مدى ست صفحات (95-100) قامت الأستاذة بتشريح لأرض دادس مبرزة دور المياه في الحفاظ على الحياة وسط صحاري الجنوب، معددة تقنيات الري وتوزيع ملكية المياه مع رسم بياني دقيق لإحدى أهم شرايين دادس - أي ساقية AFRA- الممتدة على طول كلمترات والتي أرست السلم في واحة نزرة الأمطار، عميقة الآبار. وليست الفلاحة -من زراعة وتربية ماشية- النشاط الوحيد في المنطقة، بل إن من سكانها من امتهن عدة حرف أهمها الحدادة والفخارة، كما أن منهم التجار الذين يستوردون بضاعتهم من مدن قريبة وأخرى بعيدة كتنغير، دمنات ومراكش، ما يعني وجود عدة أسواق أسبوعية بالمنطقة وتداول نقود مختلفة كمقابل لبعض المواد التي لم تعد موضوع مقايضة. ملاحظات لتعميق البحث والنقاش إنها قراءة أولية لكتاب يستحق أن يقرأ بتأنٍ وتركيز شديدين ليس فقط لأنه يلملم جزءا مهما من ذاكرة المنطقة بل ولأنه يحتوي على أفكار جديدة ومعطيات قديمة نسيها أبناء دادس أو كادوا. إنه أشبه إلى الموسوعة التي نجد فيها الشعر والسياسة والاقتصاد والحساب والفن... إلخ. وهو أيضا لوحة تعبر بصدق عن واقع المنطقة، على الأقل، إلى حدود التدخل الفرنسي في بدايات العقد الرابع من القرن الماضي. نعم هو «كتاب يجيب عن كثير من الأسئلة، ويطرح أخرى، نظن أن الإجابة عنها ستساهم في صياغة تاريخ جديد...». بل أكثر من ذلك، فهو كتاب يستفز في القارئ المهتم عدة إشكالات ويحث الباحث في تاريخ المنطقة على مزيد من الجهد لملء فراغات وتدقيق معطيات ستساهم بلا شك في توضيح الصورة أكثر وتعميق الإحساس بالانتماء لثقافة وحضارة فيها من العبر ما يكفي لمواجهة تحديات الحاضر وانتظارات المستقبل. ودون أن ندعي التخصص أو الخبرة في التاريخ ودهاليزه، فقد سمحنا لأنفسنا بإثارة عدد من الأسئلة، وتقديم عناصر إجابة وتحديد محاور لتعميق النقاش وتطعيم البحث. في هذا الإطار ننبه إلى التشابه الكبير الحاصل بين وصول أبي عمران إلى دادس كأول المستوطنين ووصول جده (المفترض) إدريس الأول إلى المغرب كأول زعيم ديني وسياسي يؤسس أول دولة في تاريخ المغرب حسب الرواية الرسمية. وفي نفس السياق نتساءل إن كان استقدام الأول لقبائل موالية (آيت سدرات) يهدف إلى خلق التوازن القبلي مثلما فعل الموحدون والمرينيون من بعدهم؟ هل نحن بصدد تكتيك سياسي يهدف إلى شرعنة السلطة بعاملي النسب الشريف والعصبية القبلية باعتبار استنتاجات عبد الرحمن بن خلدون في هذا المجال؟ وفي نفس الصفحة (16) لا تستبعد الأستاذة تأثر دادس بالضغط الروماني لتبرير وجود قبور Ifrissan وIgsusen، وإذا كانت فكرة انحسار الوجود الروماني بالمغرب الحالي في شمال جدار «Limes» صحيحة، فهل يمكن أن تتأثر مناطق بعيدة عن هذا الجدار بمئات الكلمترات تتخللها تضاريس وجبال شاهقة (الأطلس الكبير) باحتلال لم يتعد السواحل الشمالية لمجموع أراضي شمال أفريقيا؟ وباعتبار هذا الاحتلال حاملا للديانة المسيحية، نتساءل إن كان إيراد هذه الأخيرة بمساواة مع اليهودية كأقدم الديانات السماوية بالمنطقة صائبا، ذلك أن المسيحية لم تنتشر إلا وسط بعض أعيان الحواضر الكبرى في شمال أفريقيا، أي أنها كانت ديانة نخبة قليلة العدد في حين أن أغلب الأمازيغ كانوا متدينين باليهودية أو غير متدينين. إننا بطرح هذه الأسئلة لا نفند ما ذهبت إليه الأستاذة بقدر ما نستفسر عن دقته وعن المعطيات الميدانية والعلمية التي تسمح بدعم هذه الفرضيات مع اعترافنا بصعوبة ذلك إذا ما استحضرنا صمت المصادر (إحالة 26 صفحة 33) والجهد الذي بذلته الباحثة والذي استمر على طول 11 سنة (إحالة 27 صفحة 34). وعلاقة بالمصادر والمراجع المعتمدة، فقد عملت الأستاذة إلى اعتماد إحالات كثيرة إلى مراجع أخرى فيما يخص بعض الأسماء وبعض الظواهر ما يجعلنا نعتقد أن الأمر يتعلق إما بتشابه أو تطابق الظاهرة في جميع مناطق المغرب وإما أن غياب أي تفسير محلي للظاهرة هو السبب. وفي إحالات أخرى، فإن الكاتبة تكتفي بالإشارة إلى الوثائق التي يوردها بعض الأساتذة في أعمالهم دون الاستئناس بتعاليق هؤلاء أو تحاليلهم، هذا إن وجدت. إن من مميزات هذا الكتاب، أن الأستاذة لا تتردد في إثارة مواضيع مدرجة في خانة المسكوت عنه في تاريخ المغرب عامة كموضوع التواجد اليهودي وغيابهم الفجائي مباشرة بعد انسحاب قوات المستعمر الفرنسي. ففي الصفحة 35 تورد الأستاذة «ما يحكيه لنا «يهودا»، ما يجعلنا نستفسر إن كانت الرواية ناتجة عن مقابلة مع هذا الشخص، أين ومتى؟ وما إذا كان هناك يهود يعيشون حاليا في المنطقة؟ مع العلم أن المخيال الجمعي لسكان دادس ما زال يحتفظ بصورة هؤلاء وهم يسرعون في الرحيل تاركين أملاكهم متحسرين باكين، ما يعني أنهم لم يختاروا «أرض الميعاد» (صفحة 36) وإنما أجبروا على الرحيل بعد تورط بعض رجال «الحركة الوطنية» في بيعهم لوكالات صهيونية مقابل 50 دولار للشخص الواحد. إنه موضوع يحتاج إلى دراسة خاصة ومعمقة ليس فقط في حدود المجال المدروس بل في كل ربوع المغرب للوقوف على حقيقة هذه المسألة وإعادة كتابة تاريخ المغرب بأقلام موضوعية ومتجردة. نفس الشيء يقال عن موضوع الزوايا وعلاقتها بالضبط الاجتماعي والتحالفات السياسية والأزمات الاقتصادية. مسألة أخرى أشارت إليها الأستاذة بعجالة ونعتقد أنها تستحق بحثا مطولا، تتعلق بمؤسسة Tansriyt(صفحة 37)، ليس باعتبارها مكانا داخل القصر بل كفضاء عمومي تناقش فيه القبيلة تنظيمها ومشاكلها وتتخذ فيها قراراتها كما هو الحال في فضاء Agora عند قدماء اليونان. تكمن أهمية البحث في هذه المؤسسة في تأكيد أو تفنيد ما ذهب إليه كثيرون من كون التنظيم القبلي الأمازيغي تنظيم ديمقراطي يسمح لكل (أو جل) المنتمين للقبيلة (المواطنون) بالمشاركة في اتخاذ القرار وبالتالي في ممارسة السلطة. أما الإحالة 45 ( صفحة 42) فتثير موضوعا آخر يتعلق بمدى تحضر المجتمع الأمازيغي عامة فيما يتعلق باحترام القانون وإحقاق الحقوق. وإن دفع الغرامة بدل القصاص، واحد من أهم القواعد الجنائية في الثقافة القانونية الأمازيغية، ذلك أن السجن والإعدام عقوبتان لا وجود لهما في عرف الأمازيغ، فعوض السجن تدفع الغرامة التي تتناسب مع الجنحة التي اقترفها المحكوم عليه وبدل الإعدام، وفي حالة عدم تنازل المطالبين بالقصاص، فإن العقوبة هي الطرد النهائي من القبيلة أو ما يسمى في الشرع الإسلامي بالنفي من الأرض، ما يوازي فقدان الكرامة والانتماء والحماية في مجتمع تعتبر فيه الكرامة أغلى ما يملكه الفرد وفي ظرف تنعدم فيه الحياة الكريمة لمن لا انتماء له. نقطة قوية أخرى في هذا الكتاب تتعلق بامتداده إلى مجال التدوين والحفظ لأدب شفهي ومعجم أمازيغي قح أصبح قليل التداول حيث نجد أسماء مثل: Afnak، Tayffart، Tikrillut، Imiri، Taqzebrunt، Agherrus، Amnad... إلخ. هو إذن كتاب يرصد مجموعة من المتغيرات في مجتمع دادس كما يقف عند ثوابت ما تزال إلى حد الآن تصارع تيارات التمدن والعولمة لتحافظ على هوية مهددة بالزوال. هوية مجتمع حافظ عليها طوال قرون رغم ما عاناه في ظل حكم الكلاوي وسيطرة المستعمر الفرنسي ثم تهميش الدولة الوطنية اليعقوبية. إن هذا الكتاب الفريد في تاريخ المنطقة، ودون أن ننتقص من قيمته العلمية والرمزية التي لا جدال فيها، يبقى مقاربة لجزء يسير من تاريخ واحة في الهامش. غير أنه من الواقعية أن نؤكد على أن تهميش دادس خاصة والجنوب الشرقي عامة، ليس فقط سياسة ممنهجة من المركز، بل أيضا نتيجة حتمية لتقاعس وتسليم أبناء هذه المنطقة بالأمر الواقع. وما هذا الكتاب، ومقالات أخرى لأساتذة آخرين، إلا لبنات وصيحات من بعض أبناء المنطقة للتعريف/الدفاع ورفع التهميش عن المنطقة بالكتابة عنها أولا وجمع وثائقها وأدبها ثانيا وتدوين تنظيماتها وعلاقاتها ثالثا، كبداية لتشخيص المشاكل أملا في أعمال أخرى تأتي بها الأستاذة مشكورة، وأجيال أخرى تقدم حلولا ومداخل لإخراج المنطقة من عنق الزجاجة، وقد صدق من قال: Ur da ikerrez akal n Dads xs izgaren n Dads
|
|