|
|
مهرجان التراث الأمازيغي ببيوكرى يعيد للشباب الأمل في المستقبل بقلم: إبراهيم فاضل عاشت مدينة بيوكرى، حاضرة إقليم اشتوكة أيت باها، على مدى ثلاثة أيام، عرسا ثقافيا وفنيا حقيقيا. الأمر يتعلق بمهرجان التراث الأمازيغي الذي نظمته جمعية أشتوكن للفن والتنمية بتنسيق مع تلامذة بيوكرى أيام 12- 13 و14 يونيو 2008. إذ التقى الجمهور والفعاليات المختلفة مع كل ألوان الموسيقى الأمازيغية، الأصيلة منها والمعاصرة، في تناغم حي أسس للمعنى الحقيقي للإبداع الفني. وقد تضمن هذا المهرجان، بالإضافة إلى المادة الغنائية التي شكلت المحور الأساسي لهذه التظاهرة، ندوات علمية وفكرية حول ذاكرة أهل سوس الفنية، خصوصا وأن هذا المهرجان قد اختار أن يلتفت تكريما لأحد أبرز أعمدة الغناء الأمازيغي العريق، الفنان والشاعر الراحل "الحسين جانتي"، وهو المعروف بمقاومته للاستعمار واستنهاض همم الشعب للذود عن وطنه ومكتسبات أجداده في عهد الحماية والتكالب الأجنبي على الوطن. هذا بالإضافة إلى تنظيم لقاءات موسعة وتواصلية مع فعاليات المنطقة حول ما يتصل بالشأن التنموي من خلال حضور ومشاركة فعلية لعدد من الجمعيات التنموية النشيطة في قطاع التنمية المستدامة، وتوزعت المحاور على استعراض وتقديم أهم التجارب الناجحة في ميادين البيئة والثقافة والفنون وإبراز مؤهلات الشباب المحلي انسجاما مع التوجهات الكبرى للتنمية البشرية الهادفة إلى إبلاء العناية الكبيرة لقدرات العنصر البشري واستثمارها على نحو يخدم المصلحة العامة ويوفر شروطا أفضل للحياة. من ناحية أخرى، عرف المهرجان إقامة لقاءات مفتوحة حول راهن ومستقبل الأغنية الشبابية المعاصرة لحضور أساتذة باحثين ومشاركة لافتة للنقابة المغربية للمهن الموسيقية عبر فرعها بأكادير وفنانين شباب من المنطقة طرحوا إصداراتهم الغنائية للسوق حديثا. وانصبت العروض المقدمة حول مستجدات قانون الفنان المغربي وحقوق التأليف وما يرتبط بإجراءات التوفر على التغطية الاجتماعية الخاصة بالفنان، بالإضافة إلى الوقوف عند واقع سوق الإنتاج الفني والظواهر الغير السليمة التي تنخره، لاسيما ما يتعلق بمعضلة القرصنة وإحالتها عددا من مؤسسات الإنتاج إلى الإفلاس والتحديات المطروحة لدى الشباب الذي سيدخل غمار الميدان الفني، في ظل المنافسة المحمومة وشح إمكانيات الإنتاج والتسويق في الحال الراهن. إلى ذلك، شهد هذا المهرجان الأول من نوعه على صعيد المنطقة، تنظيم معرض إثنوغرافي طيلة أيام هذه التظاهرة الكبرى، بمركز الشباب بيوكرى، تضمن عددا هاما من المؤثثات النفيسة التي ما زالت شاهدة على ملامح تاريخية من حياة الإنسان المحلي وتشي بالإبداع الخلاق لهؤلاء الذين صنعوها وبرعوا في تطويعها لخدمة الناس وللاستجابة للحاجيات اليومية للعيش، كما شمل هذا المعرض مجموعة من المخطوطات العلمية والأدبية النادرة التي يعود تاريخ كتابتها إلى قرون كانت فيها للإبداع الفكري والإسهام العلمي قيمته الكبرى. وتظل هذه المواد التي تضمنها المعرض شواهد حية على فترات تاريخية من حياة سكان المنطقة ومتحفا قائم الذات يختزل النمط الأصيل لأهالي المنطقة وجذورهم الضاربة في أعماق العهود والحضارة، وشمل المعرض، على وجه الخصوص، تراث الفنان المحتفى به الراحل "الحسين جانتي"، حيث عرضت آلته الموسيقية المعروفة بالرباب، وهي الآلة التي كان هذا الشاعر المقاوم يبدع بها ويعزف عليها في مختلف المناسبات حيث كانت تنطلق بها ألحان شجية وأخرى قوية تنفذ إلى أعماق الناس لاسيما وأن أشعار المقاومة والدعوة إلى إصلاح المجتمع آنذاك كانت تصاحبها لترسم تفاصيل لوحة غنائية تعتبر غاية في الجمال. واستقبلت مدينة بيوكرى التي شهدت فعاليات هذا المهرجان، الجمهور من داخل وخارج إقليم اشتوكة أيت باها التواق إلى الاستمتاع بألوان التراث الموسيقي الأمازيغي الأصيل، من خلال حضور نجوم الساحة الغنائية بسوس، وفرق الفروسية والأهازيج المحلية الراقية... سعيد أوتجاجت، الحسن بيزنكاض، الفكاهي الشهير لحسن شاوشاو " بيكَيكَي "، بالإضافة إلى فرق كناوة والروايس المحليين برئاسة الفنان المبدع "الحسن أوبيهي، وأهياض أولاد ميمون، وأجماك والدقة المراكشية ، بالإضافة إلى المجموعة الغنائية "نجوم أشتوكن"... واعتبر مصطفى أوغزيف (مدير المهرجان) أن تجربة الدورة الأولى هاته "أثبتت نجاحها اللافت سواء فيما يرتيط بحجم المشاركين وطبيعتهم، حيث أن معظمهم شباب، أو على مستوى الجمهور الحاضر بكثافة أدهشت الجميع، إذ أن المدينة عاشت حركة غير مسبوقة طيلة أيام المهرجان وهو ما يعني أن هذه التظاهرة كانت لها مساهمة قوية في تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية وأعادت الروح المفتقدة منذ زمن غير يسير إلى الساحة الثقافة بالمدينة التي تبقى في غاية الحاجة إلى هذه الفعاليات ". وأضاف قائلا: "حان الأوان أن ننصت لهذا الشباب المحلي ونقتنع بجدوى مبادراته، فقد أبلى البلاء الحسن منذ اللحظة الأولى لبحثه وتنقيبه تحت الأرض وما فوقها عن دعم مادي ومعنوي يصنع به مثل هذا الإنجاز، وبالفعل فطرقات على أبواب جميع المسؤولين بالمنطقة، من هرم السلطة الإقليمية إلى الجماعة الحضرية لبيوكرى إلى السلطة المحلية إلى الوحدات الاقتصادية الفلاحية إلى مصالح وزارة الشباب والرياضة بالإقليم إلى رجال الأعمال المحليين إلى كل الغيورين على الشأن الثقافي بالمنطقة، كانت كافية ومجدية لكي يبهر الشباب المحلي الجميع ". وجدير بالذكر أن هذا المهرجان، الذي يعتبر الأول من نوعه بإقليم اشتوكة أيت باها، حظي بمواكبة إعلامية قوية، على مستوى الصحافة المكتوبة والإذاعية والتلفزية، من خلال حضور بارز لوفود صحفية من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية والقناة المغربية الثانية "دوزيم"، كما قامت إذاعة "راديو بلوس أكادير" بتغطية مباشرة وحية للمهرجان وتخصيص إذاعة " إم إف إم سوس " من أكادير لبرامج مباشرة ونشرات إخبارية لمواكبة هذا الحدث الثقافي والفني الهام، بالإضافة إلى حضور هذه التظاهرة بشكل لافت في صفحات الجرائد والمجلات الجهوية والوطنية. ويأمل المنظمون أن تشكل الدورة الثانية من هذا المهرجان التي سيتم تنظيمها في الأمد القريب فرصة حقيقية تثبت أن مدينة بيوكرى تتوفر على كل الشروط الضامنة لنجاح كل الفعاليات والتظاهرات الثقافية مهما كانت طبيعتها شرط اقتناع الشركاء المحليين والمحتضنين الداعمين بأن هذه الطاقات الشابة تختزن بكل تأكيد رغبات جامحة وآمالا قوية للإقلاع بحاضرة إقليم يعتبر الخلفية السياحية الأولى بقطب جهة سوس ماسة درعة، مدينة أكادير الكبرى. (تغطية المهرجان: إبراهيم فاضل)
|
|