كلام في الهوية

بقلم: محمد مغوتي (أكنول)

تبث قناة «الجزيرة» الإخبارية وصلة إشهارية تروج لافتتاح مكتبها الإخباري في الرباط، والذي تبث منه نشرة إخبارية يومية منذ شهر نونبر من السنة الماضية... وتتضمن الوصلة المذكورة صورا سريعة تبرز بعض مظاهر التنوع الثقافي في المغرب، وتصحبها موسيقى «كناوية» ليتوقف شريط الصور عند وجه موشوم لامرأة أمازيغية بلباس تقليدي. وبجانب الصورة نقرأ بخط عريض: «من المغرب العربي».

تحمل هذه الصورة دلالات عميقة تختزل عقلية القومية العربية التي ما زالت تؤمن بخطاب موغل في الإقصاء والتذويب لكل ما ليس بعربي. وفي هذا الاتجاه تأتي خطوة القناة القطرية في بلاد المغرب، ذلك أن أصحاب العقد والحل في الحكومة المغربية لا يهمهم سوى إظهار المغرب كبلد مؤمن بحرية الرأي والتعبير أمام الهيئات الدولية،خصوصا عندما يسمح لقناة مشاكسة بتداول الشأن المغربي دون مضايقات،ويأتي هذا في الوقت الذي تعرف الصحافة المغربية المستقلة والجادة تضييقا متزايدا يمس بقدسية الكلمة وحرية الرأي. أما خصوصيات المغرب التاريخية والجغرافية والبشرية فلا تهمهم ما دام المغرب دولة «عربية أصيلة». وهكذا يتواصل هدر الحقوق الثقافية واللغوية للمغاربة والإلقاء بهم في أحضان العروبة دون أي اعتبار لهويتهم الأمازيغية. ولأن الصورة لا تكذب، فإن المقطع الإشهاري- الذي سبقت الإشارة إليه في مستهل هذه الورقة- يعد مؤشرا على الإيغال في تعريب الهوية المغربية وإنكار جذورها، إذ لا يوجد في هذه الصورة ما يشير إلى أصالة عربية في المغرب، فالوجه أمازيغي والإيقاع الموسيقي «كناوي» إفريقي، ومع ذلك يصرون على عروبية المغرب.

إن المشكل الحقيقي الذي يحول دون التقدم المأمول في نضالات الحركة الأمازيغية ببلادنا، هو غياب نقاش حقيقي وجاد بين الفاعلين الثقافيين حول مسألة «الهوية». إذ يبدو اليوم أن المكتسبات المزعومة للحركة الأمازيغية في التعليم والإعلام، تسئ إلى واقعنا أكثر مما تخدمه. حيث يدرك الجميع أن ما يروج له في هذين المجالين ليس إلا جعجعة بدون طحين. وبهذا المعنى فإن المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية في المغرب ،لم يعد مجديا (حتى ولو تحقق فعليا)، لأنه أصبح من الواضح أن الذين اختاروا أن يسطروا للمغرب هويته ضدا على قواعد التاريخ والجغرافيا، قد حسموا أمرهم وباتوا ينظرون إلى ثقافة ثلاثين مليون من المغاربة،على أنها شأن أقلية. وهكذا أصبح الإنسان المغربي غريبا في بلده، فهو عربي لأن لغته الرسمية هي العربية.

سؤال الهوية إذن هو المشروع الذي ينبغي أن يسترعي باهتماماتنا في المرحلة المقبلة،وذلك بعيدا عن الكليشيهات الجاهزة التي تربط الهوية باللغة بشكل تعسفي لا يقبله المنطق السليم.فما يحكم المجال الهوياتي للجماعات البشرية، كما هو متعارف عليه في الدراسات السوسيولوجية والانتربولوجية المتخصصة، هو النطاق الجغرافي. وحيث إن التواجد الأمازيغي في منطقة شمال إفريقيا على العموم عريق وراسخ في التاريخ، فإنه من حق المغاربة جميعا أن يكونوا أمازيغيي الهوية بحكم المنطق التاريخي لا بسبب اللسان.وبهذا المعنى فإن الموقف السليم الذي ينبغي اتخاذه الآن- في تصوري الخاص- هو العمل على نشر الوعي بالانتماء الأمازيغي عند كل المغاربة دون أن يكون اللسان محددا لهذا الانتماء، فالأمازيغية ليست حكرا على طرف دون آخر.إنها هويتنا جميعا وبدون استثناء. وبهذا المعنى وحده يمكن الحديث عن الأمازيغية بوصفها شأنا وطنيا.ولعل النضال على هذا المستوى هو المفتاح الأخير والضروري الذي بات في متناولنا للتعامل مع العقلية «الشرقانية»التي يبدو أنها مستعصية على الرضوخ لصوت الحق وربط المغاربة بانتمائهم الحقيقي.

إن مسألة الهوية هي الأفق الفكري الذي ينبغي أن ينشده الفاعلون الأمازيغيون في المحطات النضالية المقبلة. وهو أفق يبدو أنه أخذ يجد طريقه إلى التشكل فعلا.وفي هذا الصدد لا يسعني إلا أن أنوه بمجموعة»الاختيار الأمازيغي»، التي انتبهت إلى مركزية سؤال الهوية في مسار الحركة الأمازيغية،ليؤسس أعضاؤها على ضوئه مشروعا فكريا يمثل «خارطة طريق» لمستقبل النضال الأمازيغي في بلادنا... ولجدة المشروع وجديته، اضرب للقراء الكرام موعدا في الأعداد القادمة لتقديم قراءة في دلالات وأبعاد الأرضية المقترحة.

(محمد مغوتي، أكنول في 13/12/2007)