|
الثقافة الأمازيغية والتنمية البشرية بقلم: حسن ادبلقاسم في بداية هذه الورقة سأبدأ بالتذكير بالتعريف الدولي لمفهوم الثقافة والتنمية ومفهوم التنمية البشرية الذي استعمل على نطاق واسع مند حوالي سنتين بالمغرب، ثم نحأول ذكر مختلف مظاهر الثقافة الأمازيغية وكذا الخصائص التي تميزها عن غيرها من الثقافات والقيم التي تحملها وسنذكر «الأضرار التي ألحقها التهميش من خلال التنمية الاقتصادية بالثقافة الأمازيغية وبالإنسان الأمازيغي كما سنبين الفوائد والايجابيات التي سيجنيها المجتمع المغربي بكامله من التنمية ذات الطابع الإنساني والتي يرتبط تقدمها بالانتقال نحو الديموقراطية وبناء مجتمع ديمقراطي يتسأوى فيه الجميع بدون أي تمييز بسب العرق أو الجنس أو الأصل أو اللغة أو الذين أو الرأي أو غيرها. أولا: مفهوم الثقافة: 1ـ بدون استعراض مختلف التعريفات التي تعطى لمفهوم الثقافة، ونظرا لأن الحركة الثقافية الأمازيغية تعتبر الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب المرجعية الرئيسة لخطابها فاننا سناخد هنا بالتعريف الوارد في الاعلان العالمي بشان السياسات الثقافية والمعروف بإعلان ميكسيكو بشأن الثقافة، والصادر عن المؤتمر الدولي بشأن السياسات الثقافية سنة 1982، وقد جاء في فقرته السادسة: «إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وهي تشمل الآداب والفنون وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات». ثانيا : مفهوم التنمية البشرية : 2-كان الهم الأساسي للدول الأمم في العالم هو بناء الدولة الأمة فاعتبرت أن حدود الدولة لا يصح أن تكون فيها عدة أمم أو عدة شعوب، كما أنه لا يقبل أن تكون بها عدة لغات رسمية فكانت تركز على التنمية الاقتصادية مع إقرار سياسات تهدف إلى «توحيد» الأمة والقضاء على مظاهر الاختلاف، 3- وقد أدت المشاريع الاقتصادية الضخمة التي أنجزتها الحكومات في مجالات شق الطرق وإنجاز المشاريع وبناء السدود واستغلال المعادن ومنابع المياه وإنشاء المنتزهات والمركبات السياحية والمحميات إلى الإضرار بالعديد من الشعوب بنزع الأراضي والأقاليم والغابات وترحيل السكان من تلك المجالات، مما أدى إلى تدمير الكثير من الهويات الثقافية والحضارية بجانب الإضرار بالبيئة التي يعيش فيها أولئك المتضررون، كما أدت الأنشطة الاقتصادية التي لم تكن تأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني والثقافي للتنمية إلى ظهور مفهوم التنمية البشرية أو التنمية ذات الطابع الإنساني كبديل لها. 4- وكما فعلنا مع مفهوم الثقافة، فإننا سنأخذ في هده الورقة بتعريف التنمية البشرية في إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 4 دجنبر 1986 كما يلي: «الحق في التنمية البشرية هو حق من حقوق الإنسان وهو غير قابل للتفويت وبمقتضاه يمتع كل إنسان وتتمتع كل الشعوب بالحق في المشاركة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والتي في إطارها يستطيع الإنسان أن يمارس بصفة كاملة الحقوق والحريات الأساسية ويستفيد من هذه التنمية» ثالثا: مظاهر الثقافة الأمازيغية، خصائصها والقيم التي تحملها: 5- من الواضح تماما أن الجغرافية والثقافة الأمازيغية ومظاهرها المختلفة وخصائصها والقيم التي تحملها والتي أنتجها الإنسان الأمازيغي عبر آلاف السنين وفي إطار تفتحه على الشرق والغرب هي الوجه المتميز لبلدنا المغرب كبلد مختلف عن غيره من بلدان العالم، وتعطيه تميزا خاصا في العالمين العربفوني والفرنكوفوني الذي اختار المغرب أن ينتمي إليهما ثقافيا بالمقارنة مع العالم الأنكلفوني والإسبانوفوني. 6- ومن خلال التعريف العالمي للثقافة، فإن الثقافة الأمازيغية تشمل كل أنشطة ومظاهر الحياة ونؤكد بالخصوص على: - اللغة الأمازيغية هي اللغة التي أبدعها المغاربة فيما بينهم للتواصل بها مند آلاف السنين دون أن يهملوا اللغات الوافدة أو اللغات المهيمنة على العالم في كل مرحلة تاريخية. 7- يمثل القانون الأمازيغي أو القوانين الأمازيغية المعروفة باسم القوانين العرفية الفلسفة والإبداعات الأمازيغية في مجال الفكر والقانون وتنظيم المجتمع في كل المجالات، ونذكر هنا الأنظمة المتعلقة بملكية الأراضي الجماعية وتسييرها واقتسام المنافع بشأنها وحل النزاعات المختلفة التي لا تزال تمارسها الجماعات الأصلية حاليا (3) طبقا للقانون الحالي (ظهير 1919). 8- تعتبر وثيقة تيزنيت 1908 تجسيدا هاما للقانون الأمازيغي الجنائي الذي اعتمد من طرف ممثلين لكل الأسر والعائلات والقبائل التي تقيم بمدينة تيزنيت أو نواحيها وتميز هذا القانون بكونه لا يتضمن عقوبة الموت أو الإعدام نهائيا، وأقصى عقوبة فيه هي ازواك= النفي. 9- تمثل الأنظمة الأمازيغية المتعلقة بالمياه وتنظيم توزيعها واحدة من أكثر الأنظمة المتطورة المتعلقة بالمياه والحفاظ عليها، والقادرة على مواجهة شح الأمطار والمياه، وتشهد الآثار في غرناطة وإشبيلية ومناطقها الفلاحية بانتقال هدا النظام مع المرابطين والموحدين إلى أوربا. 10- هناك معارف أمازيغية تقليدية كثيرة في مجال الأعشاب الطبية وفوائد استعمال النباتات، استفادت منها مختبرات عالمية. وكل نباتات المغرب وأشجارها ترتبط بها معارف أمازيغية كثيرة لا تزال مفيدة في الحياة، وتمثل الثقافة والمعارف والتقاليد المرتبطة بشجرة أركان مثلا ثروة ثقافية كبيرة تستعملها الآن في جهات مختلفة من العالم شركات متعددة الجنسية في مجال الطب والتجميل. 11- ويمثل نظام «أكدال» القانون الأمازيغي في مجال تنظيم الغابات والحفاظ عليها وتطويرها واستعمالها في مصلحة الإنسان. 12- والمجال سيكون للحديث واسعا حول مختلف أشكال الهندسة الأمازيغية في مجال البناء والسكن التي تختلف من منطقة إلى أخرى دون أن تفقد مميزاتها المشتركة. 13- تجسد «ايكودار» المعروفة بالقصبات نظاما معماريا وهندسيا خاصا أبدع في إطار الثقافة الأمازيغية، وقد وصل تأثير هذا المعمار إلى الأندلس مع المرابطين والموحدين كما تشهد على ذلك صومعة إشبيليا. 14- أما في المجال الفني فإن الفنون الأمازيغية المختلفة تشكل مكونا من مكونات الثقافة الأمازيغية وفي كل مناطق المغرب تشهد بثراء وغنى وتعدد الموسيقى والرقص والتمثيل. 15- في مجال الفكر والفلسفة والآداب يشهد التاريخ بتأثير الثقافة الأمازيغية بسبب القيم التي تحملها (الحرية والتداول والفدرالية واحترام الحياة والتقدير المقدس للإنسان والتعاون والتحرر وغيرها) في الثقافات العالمية فقد مارس كل من تيراتيليان وأوبلا وأوتاكاست المحاماة في روما والفوا كتبا في الفلسفة والقانون والأدب والعلوم (4)، وأثر ابن خلدون وابن رشد وكلاهما أمازيغيان من شمال إفريقيا تأثيرا عقلانيا قويا على ثقافتي الشرق والغرب. 16- يشهد تأثير الحكايات الأمازيغية على الثقافة الأوروبية اليونانية واللاتينية على الإبداع الخيالي في الثقافة الأمازيغية وتبرز قراءة رواية أوبلا (ابو ليوس) «أسنوس ن ورغ» أن شمال إفريقيا هو منبع للخيال والسحر والإبداع عند الكتاب الذين برزوا في أثينا وروما والقادمين من شمال إفريقيا (5). 17- وخلال مرحلة الاستعمار الروماني فإن الثقافة الأمازيغية أبدعت الدوناتية لمقاومة الغزو والاستعمار الروماني كما أبدعت في تلبيس الإسلام الأمازيغي لباسا مختلفا عن الإسلام الشرقي الأصولي وربطت الدين بالأرض والطبيعة من خلال وساطة الأضرحة . وذلك بعد أن رفض الركراكيون الظلم والغزو من خلال كتاب «السيف المسلول في من أنكر على الركراكيين صحبة الرسول (6). ويشهد الإبداع الأمازيغي بعبقريته في المجال الروحي من خلال الاعتقاد السائد لدى الأمازيغيين في الكثير من مناطق الأطلس أن كل إنسان يولد تولد معه نجمة تحميه وترافقه أينما ذهب وتسقط بموته. 18- تعتبر الإبداعات التي استعملها الخطابي في مقاومة الغزو استمرارا لثقافة المقاومة التي أبدع فيها ادمون وبوغرطا وماسينسا وتيهيا وكوتسيلا. وقد اعترف الرئيس الصيني ماوتسي تونغ بأن الخطابي ألهمه في نضاله من أجل التحرر الصيني. 19- من الواضح تماما أن الحركة الثقافية الأمازيغية بكل مكوناتها ومظاهرها تشكل استمرارا لصمود الشعب الأمازيغي أمام السياسات الاستيعابية وأدت نهضتها ويقظتها إلى انطلاق المسلسل الوطني لإعادة الاعتبار للأمازيغية في المغرب سنة 2001، ويعتبر كل دلك تصديقا لمحتويات الفقرة الثالثة من إعلان ميكسيكو حول الثقافة(7) عن المؤتمر الدولي بشأن السياسات الثقافية والتي جاء فيها : «إن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته وهي التي تجعل منه كائنات تتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار، وهي وسيلة للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته كمشروع غير مكتمل وإلى النظر في إنجازاته والبحث دون توان عن مدلولات جديدة وإبداع أعمال يتفوق فيها على نفسه». رابعا: الدولة الوطنية والتنمية الاقتصادية والسياسية في إطار الاستيعابية: 20- منذ انطلاق مفعول الحماية الاستعمارية بالمغرب سنة 1912 أصدرت السلطات الاستعمارية قوانين تتملك بمقتضاها دولة الحماية الفرنسية بظهائر سنوات 1912 إلى 1956 الأراضي والأقاليم والمياه والغابات التي كانت إلى ذلك الوقت ملكا للجماعات والقبائل(7) وكان ذلك بهدف إخضاعها لأنها ظلت تقاوم مقاومة عنيفة إلى حدود 1932 قبل أن يتحول أبناؤها وعلى رأسهم أزلماض المعروف بالصنهاجي إلى تنظيم جديد سري لأبناء القبائل تحت اسم اتحاد الجنوب في الدار البيضاء(8) في وقت اعتبر فيه عدد من الحاكمين بعد الاستقلال أن المقاومين إرهابيون وقدموا مطالبهم ومن بينها مطلب «بعدم استعمال اللغة البربرية في المدارس» (9). 21- أعلنت الدولة الوطنية بعد الاستقلال السياسة الجديدة التي تهدف إلى بناء الدولة الوطنية الحديثة الموحدة بقانون واحد ولغة رسمية واحدة، وقررت إلغاء الدراسات الأمازيغية التي كانت في المؤسسة التي حولت إلى كلية الآداب كما ألغت بطريقة تمييزية من أنظمة التعليم الثلاثة القائمة حينئذ نظام التعليم الأمازيغي الفرنسي وأبقت على نظام التعليم العبري – الفرنسي والتعليم العربي الفرنسي بدون أي تغير إلى حدود 1965 (10). 22-وفي مجال التعليم أعلنت سياسة التعريب وجعلت الحكومات «الوطنية» بعد الاستقلال من بناء الشخصية العربية الإسلامية هدفا أساسيا، كما اتخذت عددا من الإجراءات من أجل «تعميق الوحدة الوطنية» والقضاء «على الخصوصيات» و»المظاهر» التي تعوق وحدة الشعب ، هكذا يمكن القول إن السياسة الرسمية تتنكر للواقع الثقافي الأمازيغي «اللهم إلا عندما يلائم رغباتها». وفي هدا الإطار أبقت «من أجل تلبية الدعايات الحكومية خصصت قناة في الإذاعة المغربية للبرامج البربرية (11) . 23- وفي مجال الأراضي والموارد والأقاليم والغابات فإن الحكومة الوطنية للدولة المستقلة ابتهجت بالإرث الذي انتزعته دولة الحماية الاستعمارية من الجماعات والقبائل واعتبرت نفسها وريثة لكل القوانين التي انتزعت بها دولة فرنسا من القبائل المقاومة أملاكها الجماعية ، بعد أن دمرت فرنسا منازلهم ومؤسساتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتملكت كامل أملاكهم الجماعية المنظمة في إطار القوانين العرفية الأمازيغية، أصبح أفرادها مثل العصافير والطيور والفارق الوحيد أن العصافير والطيور تستطيع أن تطير بينما اغلب أبناء تلك القبائل والجماعات محصورة داخل المنازل التقليدية المهدمة أحيانا والحاملة لـ»علامة» تفيد أن الخطوات التالية التي سيمشيها الساكن ستكون في الغابة ملك الدولة الأمة الذي انتزع من القبائل بقانون الدولة الفرنسية، 24- ونفس الشيء حصل مع كل الموارد المعدنية. فالدولة الوطنية فرحت كذلك بقانون المعادن والذي وضع من طرف الدولة المستعمرة لنزع الموارد من القبائل المقاومة، فاعتمدته الدولة – الأمة الجديدة كقانون لها، ولم تول أية أهمية لمقاولة تلك الجماعات ولا لقوانينها وأملاكها الجماعية، وهكذا فإن قبائل إيمضر الذين اكتشفوا معدن الفضة منذ آلاف السنين، وقد ذكر حانون في رحلته الشهيرة أن الأمازيغ يعرضون معادن من بينها الفضة في الشواطئ ويقايضون بها، فأصبحوا مع قانون الاستعمار محرومين من مواردهم المعدنية بالكامل ثم اعتبرت الدولة الوطنية مواردهم الجماعية ملكا لها، وظلوا محرومين منها والآن أصبحت مخوصصة لصالح شركة معدنية وطنية (12). 25 – وفي مجال التنمية الاقتصادية فإن الدولة الأمة الوطنية تصرفت في كل الأراضي الجماعية القريبة من المدن بدون أي احترام للقانون أو للحق المسبق الحر والمستنير فضمت الأملاك أو انتزعتها بدون احترام المساطر (13) وأنجزت المشاريع السياحية وخوصصت الكثير من الأراضي التي لم تكن ملكا لها بل انتزعها الاستعمار بالقانون واعتبرت الدولة الوطنية نفسها وريثة لقوانين دولة الحماية. 26- وفي إطار حماية التنوع البيولوجي فإن الدولة التي تملكت الغابات بناء على قوانين دولة الحماية وأعلنت الكثير من المناطق منتزهات ومحميات وطنية دون احترام للمعايير الدنيا لحقوق الإنسان بدعوى حماية حقوق الحيوانات أحيانا، وهكذا فإن كل مناطق الأطلس الصغير والكبير أصبحت عبارة عن محميات تم إعلانها بدون احترام حتى للقانون الموضوع من طرف دولة الاستعمار التي ورثته الدولة الوطنية والخاص بالمحميات والمسطرة الضروري اتباعها، ولم تحترم لا الحقوق الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا الثقافية، 27- لقد أدت هذه السياسة الاستيعابية والتنمية الاقتصادية المتوحشة إلى حرمان الكثير من الأمازيغيين من متابعة حياتهم في مجالات كانت ملكا جماعيا لأجدادهم واضطروا إلى الهجرة بعد أن أصبح «بوتاكانت بوغابة» يمارس ممارسات محرومة من طرف القوانين الاستعمارية نفسها وهي التي ورثتها الدولة الوطنية، وقد نتج عن ذلك تدمير قوي وشامل للكثير من مكونات الثقافة الأمازيغية. خامسا: نضال الحركة الثقافية الأمازيغية، مراجعة السياسة الاستيعابية وإقرار مبادرة التنمية البشرية: الخطاب الملكي 2001 وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: 28- لقد شكل الاعتراف بالبعد الأمازيغي وباللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لسنة 2001 تجاوبا مع نضال الحركة الثقافية الأمازيغية ومطالبها كما أنه شكل بداية التراجع بالنسبة للسياسة الاستيعابية الهادفة إلى القضاء على الهوية الثقافية الأمازيغية. ويمكن القول بانطلاق مسلسل إعادة الاعتبار للهوية والثقافة واللغة الأمازيغية بخطاب أجدير الذي على إثره تم إصدار ظهير تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما تم في وقت متقارب اعتماد المدونة الجديدة بخصوص حماية وتنظيم الأسرة وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، وتم انجاز إصلاحات أخرى موازية تم على إثرها إعلان مبادرة التنمية البشرية، 29- لقد تبين للمغرب كدولة أن «مؤشرات التنمية البشرية» IDH «المعتمد في ترتيب الدول على مستوى التطور المتوازن والعام قد أدى بالمغرب إلى التقهقر درجات إلى الأسفل. فعندما أنشأ المغرب صندوق التضامن المعروف برقم 111 كان المغرب مرتبا في تقرير التنمية البشرية تحت عدد 111 وقد تراجع باستمرار إلى أن وصل إلى الرقم 125،ولم تكن الثقافة الأمازيغية بعيدة عن هذا التطور، فبجانب قرارات المنع التي لحقت الدراسات الأمازيغية في الجامعات وسياسة التنكر للهوية الثقافية الأمازيغية وتهميش لغتها ومعارفها أفقدت سياسة اعتماد قوانين الاستعمار بشأن الأراضي والموارد والغابات والمياه، أفقد الكثير من الأمازيغيين في المغرب كل الوسائل التقليدية للعيش وظلوا بسبب ذلك مبعدين تماما عن الاستفادة من نتائج الاستقلال رغم المقاومة العتيدة ضد الاستعمار، وأدى ذلك إلى مشارف القضاء على كل مظاهر الثقافة الأمازيغية. وهكذا فبدل أن تعتبر الهوية الثقافية الأمازيغية مكونا أساسيا للهوية الثقافية المغربية فإنها اعتبرت خطرا على الوحدة ومصدرا للتجزئة فمنعت الأمازيغية هوية ولغة وثقافة. 30- ولأن تأكيد الهوية الثقافية مرتبطة بالكرامة الفردية والجماعية فإن الثقافة الأمازيغية انبثقت من أوساط الشعب الأمازيغي للمطالبة بإعادة الاعتبار لكل مظاهر الثقافة الأمازيغية والقيم التي تحملها وتطورت الحركة وكان من بين وسائل عملها التنسيق ومواجهة الخروقات والتنديد بها على المستويين الوطني والدولي، وقد شكل كل من ميثاق اكادير مذكرة الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية إلى المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان منعطفا حاسما في تنبيه الدولة والعالم إلى الخطر الذي يستهدف الهوية الثقافية الأمازيغية العريقة التي هي تراث ليس فقط للمغاربة بل للإنسانية جمعاء وكان ذلك مصادفا لإحدى فقرات إعلان المؤتمر العالمي بشأن السياسات الثقافية: «إن الهوية الثقافية هي ثروة حافزة تزيد من فرص ازدهار الجنس البشري وهي التي تدفع كل الشعوب والجماعات إلى الاغتراف من معين ماضيها وتقبل الاسهامات الخارجية التي تتواءم وسماتها المتميزة والاستمرار على هذا النحو في تقديم إبداعها» (14). أهداف الألفية التنموية والثقافية الأمازيغية: 31- تبعا للاعتراف بالبعد الأمازيغي للهوية الثقافية المغربية، فإن التنمية في المغرب يجب أن تتحول من التنمية الاقتصادية المتوحشة إلى التنمية البشرية أو التنمية ذات الطابع الإنساني. وهذا هو المفترض أن تستهدفه كل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي هي الصيغة المغربية للتنمية البشرية موضوع تعريف إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحق في التنمية 4 دجنبر 1986. غير أن الكثير من برامج هده المبادرة لا تزال تنفذ بمنطق التنمية الاقتصادية وليس بروح التنمية البشرية، وهكذا فإن تعليم الكبار مثلا الذي يستهدف محو الأمية لا يزال يجري ويتم ليس باللغة الأمازيغية بل فقط باللغة العربية الفصحى، أغلب مشاريع المبادرة الوطنية المذكورة لا تعطى الأولوية للمشاركة المباشرة للسكان في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية التي هي الهدف الأسمى لبرامج التنمية البشرية، وفي ظل برنامج المبادرة اتخذت إجراءات جديدة وأنجزت مشاريع كبيرة دون استشارة السكان وتفويت مجالاتهم ومواردهم دون احترام حق الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة (مشروع من صميم – المنتزهات الوطنية والمحميات في الأطلس الكبير والصغير والمتوسط وكل مناطق شجرة اركان»). أهداف الألفية والتنمية البشرية والحركة الثقافية الأمازيغية: 32- انعقد مؤتمر قمة الألفية في شتنبر 2000 وقد حضر أكبر عدد من ملوك ورؤساء العالم في نيويورك واعتمد إعلان الأمم المتحدة للألفية واعتمد برنامج عمل لتحقيق أهداف ثمانية عرفت بأهداف الألفية MDGS « والتزم زعماء العالم تبعا لذلك بالأهداف التالية: - الهدف الأول : القضاء على الجوع والفقر المدقع. - الهدف الثاني : استكمال التعليم الابتدائي عالميا - الهدف الثالث : تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء - الهدف الرابع : التخفيض من وفيات الأطفال - الهدف الخامس تحسين صحة الأمومة - الهدف السادس : محاربة السيدا والملاريا وباقي الأوبئة - الهدف السابع : تأمين بيئة مستديمة -الهدف الثامن : تطوير شراكة شاملة من أجل التنمية. 33- حدد مؤتمر الألفية سنة 2015 الوصول إلى تحقيق أهداف الألفية المذكورة أعلاه وقد كان العالم على موعد مع تقييم العمل المنجز بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة سنة 2005، إلا أن الملاحظ أن التقدم المحرز رغم أهميته فإنه ضعيف جدا، وكان المغرب قد أطلق مبادرة التنمية البشرية سنة 2004 أي قبل سنة من هدا المؤتمر، فماذا يجب أن يكون عليه دور الحركة الجمعوية الأمازيغية والحركة الثقافية الأمازيغية من أجل تحقيق أهداف الألفية؟ 34- إن التنمية بدون احترام الهوية الثقافية هي تدمير للإنسان ومحيطه وكرامته، وإنكار لحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي تكريس للتمييز وعدم المساواة. وهي تعمل على توسيع ونشر الفقر والمرض والجهل بدل القضاء عليها، لذلك فإن الحركة الثقافية الأمازيغية والحركة الجمعوية الأمازيغية مدعوة إلى المشاركة الفعالة من أجل تحقيق أهداف الألفية في احترام وتطوير كاملين للهوية الثقافية الأمازيغية. وفي هدا المجال فإن المشاريع التي يجب أن تحظى بالأولوية هي المرتبطة بالمشاركة في الحياتين الثقافية والسياسية الاقتصادية في ارتباط بتطوير المظاهر المختلفة للثقافة الأمازيغية والقيم العليا التي تختزنها وتحملها وتنقلها. فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا تهتم بكل الأهداف الثمانية في نفس الوقت بل تركز على «التخفيض من الفقر» والتخفيض من الفقر بدون إعادة الاعتبار لكل مظاهر الثقافة الأمازيغية والقيم التي تحملها يحد من فعالية النتائج، المبادئ التي يجب احترامها في إطار برامج التنمية البشرية من أجل تحقيق أهداف الألفية: 35- من الضروري أن يهتم الفاعلون في مجال التنمية البشرية وفي برامج تنفيذ أهداف الألفية المبادئ التالية : 1- اعتماد البعد الثقافي للتنمية كبعد أساسي. وهذا يستلزم احترام الهوية الثقافية ومظاهرها المختلفة المشار إلى بعضها أعلاه ( اللغة، القوانين العرفية، المعارف الأمازيغية ). 2- اعتماد الطابع الإنساني للتنمية، لأن الهدف هو تعزيز الكرامة الفردية والجماعية والتمتع الكامل بالحقوق والحريات الأساسية في مجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 3- تحقيق تنمية متوازنة من خلال الدمج بين المعطيات الثقافية وبين إستراتجية التنمية باعتبار أن الإنسان هو صانع التنمية وغايتها، 4- ضرورة التقييم الدوري لعملية التنمية وإعادة توجيهها لتطويرها، 5- اتخاذ الإجراءات من أجل تحقيق المشاركة في الحياة الثقافية من طرف كل مؤسسات الدولة ويشمل ذلك حماية هذا الحق عن طريق حماية الهوية الثقافية واللغة الأمازيغية في الدستور المغربي، 6- ضرورة ربط المشاركة في الحياة الثقافية بالمشاركة في الحياة السياسية وضمان حق المشاركة في الحياة السياسية للامازيغيين بدون أي تمييز، 7- ضرورة اتخاذ إجراءات دستورية وقانونية وإدارته للقضاء على كل أوجه التمييز وعدم المساواة التي لحقت الثقافة الأمازيغية ومظاهرها المختلفة والقيم التي تحميها، 8- انتهاج سياسة التمييز الايجابي من أجل القضاء على الهوة الثقافية الناتجة عن السياسة الاستيعابية وتخصيص ميزانيات لإعادة الاعتبار لكل مكونات ومظاهر وقيم الثقافة الأمازيغية. (حسن اد بلقاسم، 01/12/2007) ********* مراجع الثقافة الأمازيغية والتنمية البشرية 1-الصفحة 3 من جريدة تاسافوت العدد الثاني مارس 1992 وقد نشر به الإعلان العالمي بشأن السياسات الثقافية « المعروف بإعلان ميكسيكو بشأن الثقافة. 2-الفصل الأول من إعلان الأمم المتحدة حول الحق في التنمية المعتمد من طرف الجمعية العامة بتاريخ دجنبر 1986 ( موقع الأمم المتحدة – الجمعة العامة ) 3-انظر ظهير 1919 – الكتاب المطبوع من طرف وزارة الداخلية حول الأراضي الجماعية، ويستعمل القانون نفسه الجماعة الأصلية كمصطلح مختلف عن الجماعة المنتخبة، وفي منوشرات وزارة الداخلية حول الأراضي الجماعية يستعمل مصطلح الجماعات السلالية بدل الجماعات الأصلية، كانت الحماية – الاستعمارية قد أفقدت القبائل الأمازيغية وكل الجماعات المذكورة بسلطتها على مجالها وأراضيها ومواردها وغاباتها بمقتضى ظهير إقرار وصاية وزارة الداخلية والتي عمقها إدريس البصري حيث أصدر مراسيم ومناشير أدت إلى إعطاء الحق لوزير الداخلية ليحل محل الجماعات والقبائل في تفويت الأراضي والمجالات التي كانت ملك لها، 4-انظر كتابles berbères lumière de l’occident « «. 5- اقرأ كتاب اسنوس وورغ - - الحمار الذهبي – الترجمة إلى العربية – الدكتور فهمي خشيم – أنجزت الترجمة الأمازيغية من طرف كل من اكوناض محمد والفرخسي محمد وهي تنظر الطبع، 6-كتاب «السيف المسلول فيمن أنكر على الركراكيين صحبة الرسول» تتداوله الزوايا الركراكية وهو يشير إلى أن سبعة رجال الذين من بينهم سيدي واسمين رحلوا من منطقة اسفي – الصويرة نحو الجزيرة العربية والتقوا بالرسول وهو في عز دعوته، وتحدث إليهم بالأمازيغية فمكثوا هناك زمنا اخذوا منه الإسلام وأدخلوه إلى المغرب قبل مجيء عقبة بن نافع وهي واقعة ينكرها المعارضون للركراكيين وهم يقبلون كل المعجزات لكنهم ينكرون على الرسول إمكانية الحديث باللغة الأمازيغية. 7-القوانين الاستعمارية 8-انظر كتاب الصنهاجي عن حياته، المقاوم المعروف ف اتحاد الجنوب باسم ازلماض، 9-انظر محتويات مطالب الحركة الوطنية بعد ظهير المحاكم العرفية سنة 1930 منشورة في جريدة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية العدد 121 بتاريخ 15 ماي 1980. 10-انظر ص 348 من كتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي الصيغة الرابعة. 11-انظر مطبوع البيان « اللغات والثقافات الأمازيغية جزء لا يتجزأ من التراث الوطني المغربي ص30- العمود الأيمن. 12- انظر موقع « مناجم» في الانترنيت. 13-انظر بيانات جمعية اسماود والجمعيات المناضلة من أجل الأرض في اكدير ونواحيه. 14-إعلان ميكسيكو المرجع أعلاه. 15-نفس المرجع السابق
|
|