| |
الخطة
الأمازيغية البديلة: من القاعدة إلى القمة
بقلم: مبارك بلقاسم
من المفروض أن معظم المناضلين والناشطين
الأمازيغ، وحتى المتتبعين الموضوعيين للقضية الأمازيغية، قد تفطنوا واكتشفوا أبعاد
سياسة المخزن الجديدة تجاه الأمازيغية أو ما يسميه بعض المناضلين بـ»السياسة
البربرية الجديدة». والعناصر الأساسية في هذه السياسة يمكن تركيزها واختزالها في
الآتي على لسان حال المخزن:
«إذا كنا، نحن المغاربة العرب، لا نستطيع مواجهة الناشطين الأمازيغ ب:
1- الرصاص والتقتيل والقمع الشامل (ثبت فشله بالجزائر، ولا يتماشى مع سياسة تلميع
الواجهة تجاه العالم الخارجي والغرب خصوصا).
2- الحوار المباشر الصريح (لن يجلب لنا أية مكاسب، ونتيجته محسومة سلفاً لصالح
الأمازيغ. لأنه إذا حاورناهم باعتبارهم أقلية فسيطالبون بقوانين وإجراءات حمائية
قوية استثنائية تحمي لغتهم وثقافتهم وحقوقهم وتعتني بها كما هو الشأن في دول العالم
الديموقراطي، أما إذا حاورناهم باعتبارهم أغلبية فسيطالبون بالسلطة التي تستحقها
الأغلبية وبالاعتراف بالأمازيغية بعدا رئيسا للهوية المغربية يسمو على بقية الأبعاد
الأخرى. وفي كلتا الحالتين نحن الخاسرون).
3- الاستجابة لمطالبهم (هذا خط أحمر، ويعني نهاية الشكل الحالي للمملكة المغربية
ونهاية مصالحنا وسلطتنا، وتغير جذري في علاقة المملكة المغربية مع فرنسا والشرق
الأوسط)
فإن السبيل الوحيد لنجاتنا، نحن عرب المغرب، من الخطر الأمازيغي هو في الانحناء
أمام العاصفة عبر مداهنة الأمازيغ بمنحهم بعض المكاسب الصغيرة المتدرجة والمستهلكة
للوقت. سنمنحهم معهدا ثقافيا نخبويا يصلح للتعامل مع وزارتي التربية الوطنية
والإعلام بمنطق متعاون لين لا بمنطق مطلبي متصلب. كما سنسمح بتعليم لغتهم في بعض
المدارس الابتدائية في السنتين الأوليين لبضع سويعات أسبوعيا وسنسمح لبعض فلكلورهم
بالظهور في الإعلام. وإن تطلب الأمر ذلك فسنسمح حتى بإنشاء قناة تلفزية، محدودة
الميزانية والقوة وتحت الرقابة، تذيع فلكلورهم وثقافتهم. ويجب أن نتجنب منحهم أي
مكسب نتيجة لحوار جدي معهم. فتكرمنا عليهم يجب أن يظهر مبادرا سباقا مفاجئا متفردا
نازلا من فوق مثلما تنزل قطرات المطر على أرض عطشى انتظرت طويلا. فنحن نعطي ونأخذ
دون أن يملي علينا أحد. في نفس الوقت لن نتردد من حين لآخر في استعمال نوع من القمع
التأديبي المحدود والمتحكم به ضد الفئات المشاغبة الغير المدجنة منهم بالجامعات
والجمعيات. وهذا فقط للتذكير بوجود الهراوة التي تمثل هيبة الدولة ولنخبرهم بأننا
غير سهلي المنال. وفي نفس الوقت بالضبط سنعطي كل القوة والدفع وبالسرعة القصوى
لسياسة تعريب شاملة تشمل الإدارة والتعليم والإعلام. وسنزيد من إنشاء القنوات
التلفزية بالعربية والفرنسية. وذلك لتقليص انتشار اللغة الأمازيغية بأسرع وقت ممكن.
وسنستخدم «حملة محو الأمية» لمحو الأمازيغية من المدن والقرى والسهول والجبال
وتعويضها بالعربية. كما سنقوي ارتباطنا، بل التحامنا، بقضايا ومشاكل المشرق العربي
عبر الإعلام والتعليم. و سنستمر في التأكيد على عروبة المغرب في كل مناسبة وسنزيد
من نشاطنا في الجامعة العربية وسنكثف ونزيد من احتضان مؤتمرات القومية العربية
والإنفاق عليها. وسنعمق علاقاتنا بفرنسا التي ستمنحنا القوة والدعم السياسي
والإستراتيجي. وسنظهر بمظهر الحريصين على تقريب المغرب من الحضارة الحديثة والتقدم
الغربي، وفرنسا خير دليل يدلنا على الطريق وخير سراج ينير لنا السبيل. يجب أن ننشئ
جيلا مغربيا يتقن اللغة الفرنسية لربطنا بأمنا فرنسا سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا،
ويتقن اللغة العربية لربطنا بأبينا المشرق العربي روحيا ووجدانيا وثقافيا. وإذا
سرنا في هذا الدرب وطبقنا إستراتيجيتنا بطول نفس وحسن تنظيم، فسنقضي عمليا على
الخطر البربري الأمازيغي وستتحول اللغة الأمازيغية في المستقبل القريب إلى لغة
أقلية لا يزيد متكلموها عن بضعة آلاف.»
هذه باختصار وتركيز أهم أبعاد «السياسة البربرية الجديدة» التي تنهجها الطبقة
السياسية العربية التي تتحكم بمعظم دواليب الدولة المغربية.
إن خلاص الأمازيغ من هذه السياسة الماكرة الحربائية المتكيفة الداروينية يمر
بالضرورة بتشخيص صارم لنقاط ضعف البناء الأمازيغي على مستوى الحركة الأمازيغية وعلى
مستوى الشعب المغربي ككل. ثم يجب علاج نقاط الضعف هذه علاجا جماعيا حاسما وفعالا
يمكّن الأمازيغ من انتزاع حقوقهم انتزاعا، باستخدام الأساليب الديموقراطية السلمية
وبواسطة الضغط الشعبي والمشاركة السياسية الفعالة والمنظمة.
التشخيص:
من المسلم به أن اللغة هي روح وجوهر أية هوية أو ثقافة أو حضارة متجانسة. فالثقافة
الأمازيغية منقرضة حتما إذا انقرضت اللغة الأمازيغية، وهي مشعة مزدهرة فقط إذا
ازدهرت اللغة الأمازيغية وانتشرت وشاعت وكثر الإنتاج العلمي والأدبي والفني الرفيع
المستوى بها. فاللغة هي حامل الثقافة وخزان التاريخ ومفتاح التقدم إلى الأمام.
إذا لم تكن هناك لغة أمازيغية فليس هناك أي معنى أو داع أو جدوى من حركة أمازيغية
أو ثقافة أمازيغية أو مطالب أمازيغية أو نموذج حضاري أمازيغي. إذا اضمحلت اللغة
الأمازيغية (أو سمحنا بذلك) فلا داعي لكل ذلك الكلام حول الثقافة أو النضال
الأمازيغي لأنه سيصبح كلاما فارغا غير ذي معنى أو جدوى.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: ما هي حالة اللغة الأمازيغية في بلادها الأصلية:
المغرب خصوصا وشمال أفريقيا عموما؟
الجواب مقسم على عدة أقسام:
-وضع اللغة الأمازيغية:
1- على المستوى الشعبي: لا تزال اللغة الأمازيغية حيوية نسبيا في المغرب وأربعة
بلدان أفريقية أخرى. وتواجه هذه اللغة خطر الانقراض الكامل في خمسة بلدان أفريقية
أخرى. وهنا سنركز على الحالة المغربية حيث تتميز اللغة الأمازيغية بانتشارها في كل
مناطق ومدن المغرب بدون استثناء. وأول ما يجب التوقف عنده هو كون اللغة الأمازيغية
لا يتم استخدامها إلا فيما بين المغاربة الذين يتكلمونها كلغة أم. أما اللغة
المستخدمة بين مغربي أمازيغوفوني ومغربي لا تمثل الأمازيغية لغته الأم فهي غالبا
العربية الدارجة المغربية أو الفرنسية. هنا تتراجع اللغة الأمازيغية لصالح الدارجة
أو العربية أو الفرنسية بشكل أتوماتيكي. والسبب الكامن وراء هذا الخلل هو ذلك
القانون العرفي الخفي الذي يقول بأن الأولوية للدارجة والعربية والفرنسية وغيرها
وأن الأمازيغية «لا تصلح ولا تصح». وهذا القانون العرفي تم ترسيخه ب50 سنة من
التعريب والفرنسة في الإدارة والتعليم والإعلام والممارسة السياسية. هذا يشكل نقطة
ضعف قاتلة في استخدام الأمازيغية يجب أن تعالج. وهناك نقطة ضعف قاتلة أخرى تتمثل في
نزوع نسبة كبيرة من الأمازيغ إلى التواصل فيما بينهم بالدارجة المغربية أو الفرنسية
عوضا عن الأمازيغية. حيث يقوم أمازيغي من سوس مثلا باستعمال العربية الدارجة (التي
تعلمها إجباريا في المدرسة وعبر الإعلام) مع أخيه أمازيغي الريف أو الأطلس رغم أن
استخدامه لأمازيغيته تفي بالغرض خصوصا إذا تعمد توضيح كلامه وتبسيطه واستخدام
المترادفات أو حتى الخلط بين الأمازيغية والدارجة إذا تطلب الأمر ذلك. إن مسألة
عزوف المغاربة المنحدرين من مناطق متباعدة جغرافيا (سوس، الريف، الأطالس، الصحراء
الشرقية والجنوبية، السهول...) عن محاولة استخدام لغة أمازيغية وسطى (Tamazight
Tanammast) فيما بينهم تعتبر من أقوى العوامل إضرارا بانتشار اللغة الأمازيغية بل
هو سبب مساهم في تقلصها وانكماش انتشارها الجغرافي تدريجيا. المشكل هو أن الأمازيغي
المغربي المتوسط من الريف مثلا لا يبذل أي مجهود لاستعمال اللغة الأمازيغية مع
أمازيغي من سوس والعكس صحيح. إنه ينطلق بشكل أتوماتيكي من حقيقة “مسلم بها” وهي أن
التفاهم مستحيل مع ذلك الأطلسي أو السوسي إلا بالعربية الدارجة أو الفرنسية. وما
يثير الاهتمام هو أن الأمازيغوفوني المغربي يعمد بشكل أوتوماتيكي أيضا إلى استعمال
العربية الدارجة، وإن لم يكن يتقنها جيدا، مع أي مغربي عربوفوني حتى ولو كان هذا
الأخير يقل عنه في المقام أو السن أو الدرجة الاجتماعية أو الرتبة في العمل أو
الوظيفة. وفي الملتقيات العامة كالندوات والاجتماعات أو حتى في الحفلات نلاحظ دائما
أن الحضور الأمازيغي كله أو معظمه سرعان ما يغير لغته من الأمازيغية إلى العربية
الدارجة بمجرد أن ينطق شخص واحد بالدارجة. فتنقلب المعادلة رأسا على عقب وتصبح لغة
الأقلية هي السائدة. وفي هذه الحالة لا يحس ذلك الشخص-الأقلية بأي غربة أو حرج أو
ضغط لأن كل ذلك قد نزل على عاتق الأغلبية التي تجتهد كل الاجتهاد في نطق العربية
وتنميقها وتحسينها وتلطيفها أمامه. وبهذا فإن ذلك الشخص-الأقلية لا يرى أية ضرورة
في تعلم اللغة الأمازيغية على الإطلاق. هنا نجد نفسنا أمام حالة من التنازل المجاني
عن الأمازيغية لصالح لغات أخرى نمارسه نحن الأمازيغ يوميا. ويتكرس هذا التنازل أكثر
فأكثر بعامل الزمن الذي تتم عبره عملية تثبيت هذا السلوك (التنازل) ليصبح عادة أو
جزءا من الثقافة! إننا لم نعتد أن نطرح السؤال: Tssawald Tmazight? (هل تتكلم
الأمازيغية؟). وطرح هذا السؤال البسيط على الآخر (مغربيا كان أو أجنبيا) سيوصل
رسالة مؤدبة ولكن واضحة بأن اللغة الأمازيغية هي لغة هذه الأرض وأنه من المتوقع من
ذلك الشخص أن يحاول تعلمها، لا أن يخاطبنا (بشكل مستمر ورسمي) بلغته الأجنبية في
عقر دارنا!
2- على المستوى الرسمي: خلال الاحتلال الاستعماري الفرنسي الإسباني للمغرب بدأ
ميزان القوة السياسية يختل بل ينقلب في المغرب ضد الأغلبية الأمازيغية. وأصبحت لغة
الأقلية العربوفونية الفاسية محمية بسلطة الاستعمار. ومنذ ذلك الحين بدأت عملية
تعريب وفرنسة مكثفة تواصلت مع استقلال المغرب الذاتي في 1956. في مغرب ما بعد 1956
مثل مغرب ما بعد 1912 وما بعد 1926 لم يكن هناك من مكان للغة الأمازيغية في أي
ميدان من ميادين الحياة العامة من تعليم وإدارة وسياسة واقتصاد وثقافة. هكذا تغيرت
القوانين السوسيوثقافية المتعلقة بالاستخدام اللغوي. فأصبحت اللغة الأمازيغية “لا
تصح ولا تصلح”. وأصبحت الأولوية القصوى للعربية الدارجة والفرنسية والإسبانية في
التخاطب والتحاور (على المستوى الرسمي) وأمست الأولوية القصوى للفرنسية والعربية في
مجال الكتابة والتوثيق والنشاط السياسي. لقد استمرت وضعية اللغة الأمازيغية ومعها
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأغلبية المغربية في التدهور والانحدار إلى أن وصل إلى
ما وصل إليه اليوم من ضعف موغل في التعقد.
-الوضع الحالي لأمازيغية المغرب:
1-على مستوى الحركة الأمازيغية: بذلت الحركة الأمازيغية منذ نشأتها جهودا من أجل رد
الحقوق للغة الأمازيغية وللشعب المغربي. أسست مئات الجمعيات ونظمت مئات المؤتمرات
والندوات والمظاهرات وحاول المغاربة كل حسب طاقته وقدرته العلمية ومهاراته أن يفعل
شيئا لصالح اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية ولأجل بناء مجتمع مغربي ديموقراطي
أمازيغي. لم تنجح كل المحاولات ولم تفشل كلها. لم تقم السلطة بالاستجابة لدعوات
الحوار التي أطلقها الأمازيغ، فما بالك بالاستجابة للمطالب وأهمها الاعتراف باللغة
الأمازيغية لغة رسمية في الدستور والتنصيص على أمازيغية المغرب وفصل الدين عن
الدولة وعدم خلطه بالسياسة وإعطاء الصلاحيات لجميع جهات المملكة في تدبير شؤونها
والتدريس الإجباري والشامل للغة الأمازيغية في كل قطاعات التعليم. وانتهج المناضلون
غالبا أسلوب: “نحن نطالب ب...”. والدولة المخزنية كما نعرفها لم ولا تريد أبدا أن
تعتاد على تدليل من ينطق بعبارة: “نحن نطالب ب...” فما بالك لو كان هؤلاء أمازيغيي
التوجه!!
وجرب الأمازيغ مؤخرا الخوض المباشر في السياسة بتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي،
فواجه هذا الأخير محاولات قتله في المهد من رفض للاعتراف به ومحاولة اغتيال رئيسه
السيد أحمد الدغرني قرب الرباط، ومنع مؤتمره العام الأول بمراكش حاضرة الأمازيغ
التاريخية، إلى رفع وزير الداخلية لقضية كيدية مسرحية لدى المحكمة يطالب فيها بحل
الحزب... وما زالت العراقيل تتناسل وتتكاثر. ووزارة الداخلية تجاهد في حصار الحزب
وخنقه. أما الأحزاب “الوطنية” و”الإسلامية” فتصفق لها تصفيقا سرا وجهرا.
2-على المستوى السياسي العام: الأحداث بوتيرتها الحالية لا تبشر بخير. فالبوتقة
المخزنية الجديدة قد اكتمل شكلها. في هذه البوتقة يتم صهر أمازيغية المغرب وحرقها
وفق وصفة قديمة جديدة عنوانها الرئيسي “مغرب عربي فرنكوفوني”. ومن هذه البوتقة يخرج
دخان يشكل السياسات التعليمية والإعلامية والاقتصادية والإدارية للدولة المغربية.
ولا بأس من إضافة بعض “التوابل المعطرة” من ماركة “الانفتاح على الأمازيغية” و”الروافد
المتعددة للهوية المغربية” للتغطية على رائحة احتراق اللغة والهوية الأمازيغية في
هذه البوتقة. ومن بين التوابل المعطرة التي قد يمكن إضافتها في المستقبل القريب:
إدماج الأمازيغية بعدا للهوية المغربية وراء العروبة والإسلام أو ربما الاعتراف
باللغة الأمازيغية لغة وطنية (على غرار الجزائر). بل وإن الأمر قد يصل إلى استخدام
أقوى المستحضرات العطرية ألا وهي: الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية للمغرب،
إذا اشتد وارتفع الضغط الأمازيغي. والخطير في الأمر أن رائحة هذا العطر القوي قد
تتسبب في إصابة بعض الأمازيغ بنوع من الدوخة أو سكرة النصر، وهم غافلون عن أن
الدستور المغربي مليء بفصول لا تنفذ ويتم انتهاكها يوميا، وأن إقرار رسمية
الأمازيغية لن يغير الواقع كثيرا إذا لم تعقبه ترسانة قانونية قوية وإجراءات
بيروقراطية كثيرة وسياسة شاملة وصارمة لإدخال أفقي وعمودي للأمازيغية في كل الأجهزة
العمومية. وهذا لن يحدث بسهولة لأن أعداء الأمازيغية كثيرون في الجهاز البيروقراطي
المخزني ولا ينوي هؤلاء القيام ب”مغادرة طوعية” لكراسيهم في المدى القريب!
في نفس الوقت فشل الأمازيغ عموما، والحركة الثقافية الأمازيغية هي فقط جزء منهم، في
بناء ما يمكن أن نسميه “النموذج الأمازيغي”. أقصد أن الحركة العلمية الأمازيغية
بقيت ضعيفة بل شبه ميتة. باستثناء الأبحاث التي تم إنجازها حول اللغة الأمازيغية
وغالبا باستخدام لغات أخرى، والمصنفات القليلة التي طبعت ونشرت من قواميس وكتب
النحو والتاريخ الأمازيغي والدواوين الشعرية وبعض المحاولات الأدبية الأمازيغية.
أما في ما يخص ترجمة المعارف والعلوم إلى اللغة الأمازيغية فلا يمكن أن نقول بأن
هناك حركة ترجمة أمازيغية حقيقية باستثناء بعض المحاولات المحدودة.
وعلى مستوى الفنون نلاحظ، بعكس ما سبق، تراكما هائلا في إنتاج الأغنية الأمازيغية
والموسيقى الأمازيغية. إلا أن ما يؤسف له هو انخفاض الجودة الفنية لجزء كبير من هذه
الأغاني (50% منها على الأقل) وسقوطها في البهرجة والسوقية والفولكلورية. ويلاحظ
أيضا بطء تطور وتحسن الأغنية الأمازيغية وقلة المواهب الموسيقية الخلاقة المتميزة
وضعف التشجيع والتكوين. أما المسرح الأمازيغي فهو على الأرجح النقطة القوية في
الإنتاج الفني الأمازيغي بفضل ديناميكيته وجودة قيمته الفنية وابتعاده النسبي عن
البهرجة وسرعة تطوره خصوصا في السنوات الأخيرة. إلا أن فناني المسرح الأمازيغي لم
يفلحوا في إنجاز الانتقال نحو “المسرح الحديث” ألا وهو فن السينما. فالسينما هي
تزاوج وتمازج الفنون والآداب والتكنولوجيا، حيث يجتمع المسرح والموسيقى والقصة
والشعر والمؤثرات خاصة، في إطار فيلم واحد متناسق.
معظم أفلام الفيديو الأمازيغية، التي تنتج في الدار البيضاء وأكادير، ضعيفة المستوى
فقيرة القصة مفككة الحوار منعدمة الجمالية السينيماتوغرافية هزيلة الأداء التمثيلي
موغلة في أجواء البادية الفولكلورية منعزلة عن العالم الواقعي وكأن الشعب الأمازيغي
يسكن فقط في البيوت الطينية بالقرى والجبال ولا يعرف حياة المدينة!
إن مفتاح الخروج من هذا التخلف يتمثل في بناء أسس “نموذج أمازيغي” عبر الخطوات
التالية:
1-الاهتمام باللغة الأمازيغية وتدريسها على أوسع نطاق للكبار والصغار.
2-قيام حركة ترجمة أمازيغية لنقل العلوم والتكنولوجيا والآداب من لغات العالم إلى
الأمازيغية.
3-قيام حركة طباعة ونشر كبيرة للكتاب الأمازيغي وتوصيله إلى كل المغاربة.
4-إطلاق حركة فنية سينيمائية أمازيغية تشكل هوية فنية أمازيغية مغربية وتستفيد من
تجارب الأمم الأخرى على المستويين الفني السينيماتوغرافي والتكنولوجي.
وإذا كانت هناك وزارة تربية وطنية مغربية ترفض تعليم اللغة الأمازيغية بشكل جدي
حقيقي وتتهكم على الشعب المغربي بتنظيمها بعض “الأيام التكوينية” ل”تكوين” بعض
المعلمين ممن لا يعرفون عن هذه اللغة شيئا، وإذا كانت الوزارة تتثاقل وتماطل في
جدولة تعليم اللغة الأمازيغية في جميع المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات قبل
الانتقال لتحويلها إلى لغة تعليم، وإذا كانت مندوبياتها في الأقاليم غالبا ما تلغي
أو تعرقل السويعات المعدودة من تعليم الأمازيغية، وإذا كان مندوبوها وموظفوها
يعتبرون الأمازيغية مضيعة للوقت وتعديا على وقت العربية، وإذا كان الأمازيغ لا
يملكون السلطة التي تمكنهم من معاقبة وطرد هؤلاء العابثين في الوزارة ابتداء
بالوزير وانتهاء بذاك الموظف الأمازيغوفوبي، فالحل الوحيد والمنطقي هو أن تكون
للأمازيغ “وزارة تربية وتعليم” خاصة بهم. أي أن يشكلوا جهازا مستقلا يشرف على توحيد
الجهود والموارد من أجل تدريس ونشر اللغة الأمازيغية. وإذا كانت المدرسة والجامعة
المغربية ترفض إيجاد مكان أساسي ورئيس للغة الأمازيغية فيها، فالحل هو أن تكون
للأمازيغ مدارس وجامعات خاصة بهم تدرس فيها اللغة الأمازيغية والعلوم باللغة
الأمازيغية. بهذه الطريقة وحدها يمكن أن نواجه “السياسة المخزنية البربرية الجديدة”
ونقطع عليها الطريق لكي لا تدمر وتخرب ما تبقى من لغة وهوية وثقافة أمازيغية
مغربية.
إن الحل هو أولا وأخيرا لدى الأمازيغ وحدهم. والحل يتمثل في أن يشمروا عن سواعدهم
ويبدأوا في بناء مؤسساتهم ومدارسهم وجامعاتهم ومسارحهم وقاعاتهم السينمائية
وقنواتهم التلفزية بأنفسهم ما دامت الدولة لا تريد أن تعمل ذلك وتصر على “عروبة
المغرب وفرنكوفونيته”.
لقد عبر المفكر والشاعر التونسي المقيم بفرنسا عبد الوهاب المؤدب، ببراعة ونجاعة،
عن هذا وقدم نصيحة ذهبية للأمازيغ بالذات، رغم أنه لا يتكلم الأمازيغية ولا تشكل
لديه اهتماما أساسيا. وقد عبر عن رأيه في المسألة الأمازيغية خلال حوار له مع صحيفة
“الشرق الأوسط”:
-الشرق الأوسط: “لفت انتباهي أيضا مقال لك عن “البربري" (الأمازيغي)، وأحببت أن
أعرف إن كان من باب افتتان الشاعر باللغات، باعتبارها ذخائر وكنوزا، أم من باب موقف
سياسي متضامن مع لغة وثقافة هُمّشتا وهُشّمتا، أم أن دماء أمازيغية تسري في
شرايينك؟"
-عبد الوهاب المؤدب: "فيما يخص الأمازيغية، فحسب علمي لا يوجد رباط دم مع
الأمازيغ1.. إنّ الذي يدعوني إلى الأمازيغية، العدالة وحبّ اللغات.. وفي نفس الوقت
ثمة دافع سياسي. ولكني أقول للأمازيغيين: إذا أردتم أن تكون لغتكم معترفا بها
اشتغلوا عليها واقترحوا علينا المؤلفات الكبيرة التي توجد في لغتكم، ترجموا الأعمال
الكبرى نحو لغتكم، هكذا يمكنكم صياغتها وتكوينها وليس فقط من خلال المطالبة
السياسية وعدم فعل شيء. أمامكم عمل ضخم يتوجب القيام به.. إنني أعير أهمية كبيرة
لمسألة القيمة، حين نكون في وضعية خضوع وهيمنة، ففي غالب الأحيان تكون المسؤولية
على الذات أكثر مما تكون على الآخَر المُهَيْمِن."
هذا صحيح! إن نشر ترجمة أمازيغية للموسوعة العلمية البريطانية أو لمقدمة ابن خلدون
أو لكتاب لمحمد أركون أو ترجمة القصص الأمازيغية إلى اللغات العالمية وخصوصا
الإنكليزية لن يكون إلا دليلا باهرا على قوة اللغة الأمازيغية وعمق الثقافة
الأمازيغية. وسيكون إنجازا يسكت أفواه خصوم الأمازيغية والمشككين فيها.
حقا إن هناك عملا ضخما يتوجب علينا نحن ئمازيغن القيام به. ويمكن صياغة بعض جوانب
هذا العمل الحضاري الضخم في المشاريع التالية:
أولا: مشروع الجامعة الشعبية الأمازيغية (Tasdawit Taghrfant Tamazight):
هذه الجامعة يجب أن تتميز بمبدأين أساسيين هما: الشعبية والمجانية. أي أن تكون
موجهة لجميع فئات الشعب المغربي بالمجان. ويجب أن تقدم دروسا في اللغة والثقافة
الأمازيغيتين كمرحلة أولى قبل أن تتوسع إلى تطوير وتقديم دروس في مختلف فروع العلم
من تاريخ ورياضيات وفيزياء وفلسفة واقتصاد واجتماع ولاهوت وفنون وكومبيوتر.
ولكن كيف يمكن إنشاء هذه الجامعة؟ وما هي المواصفات والوظائف التي ستتميز بها؟
إن تحقيق مثل هذا المشروع يمر بإنجاز خطة عامة متينة ترتكز على تقسيم المشروع إلى
مهمات وجزئيات صغيرة يسهل تنفيذها. وهذا بجانب تجميع الموارد المالية الضرورية
وإدارتها لصالح المشروع. أما عناصر الشفافية ودمقرطة الحوار وإفساح المجال لكل فكرة
بناءة فهي بنفس الأهمية.
الرأسمال المالي: يتم تجميعه عن طريق فتح حساب بنكي (أو صندوق مالي) لجمع مساهمات
المغاربة بالداخل والخارج ومواطني شمال أفريقيا كما يمكن طلب الدعم المادي والتقني
من اليونسكو وغيرها. ولتحقيق ذلك يلزم تنظيم حملة تبرع واسعة النطاق على جميع
المستويات باستخدام وسائل الإعلام المتاحة من إنترنت وجرائد ومنشورات. ومن المنطقي
أن يتم تشكيل منظمة تضم لجنة أمناء منتخبة تتجدد كل سنة أو سنتين وتتشكل من
الناشطين الأمازيغيين الأكفاء والمشهود لهم بالنزاهة والأمانة، وتنظم هذه اللجنة
عملية التخطيط للمشروع والدعوة للمساهمة وجمع الرأسمال ومباشرة عملية اقتناء العقار
المناسب والتجهيزات واللوازم الضرورية لإنشاء هذه المؤسسة التعليمية الشعبية
المستقلة. وغني عن البيان أن المداخيل والمصروفات يجب أن توثق وتنشر في تقارير
مالية دورية متاحة لجميع المواطنين (على شبكة الإنترنت مثلا). ولا بأس من نشر أسماء
المساهمين ماليا من الأشخاص والمؤسسات (على الإنترنت مثلا) لغرضي التكريم
والشفافية.
ويمكن الاستفادة من تجارب الجمعيات الغير الحكومية بالمغرب وخارجه خصوصا الجوانب
المتعلقة بالطرق الحديثة في الإدارة والتدبير وتقنيات وطرق تمويل المشروع بشكل
دائم. حيث تعمد بعض المنظمات إلى تنظيم أنشطة وعروض وملتقيات فنية وثقافية تجمع
فيها المساهمات المالية، وتطلب الدعم من الشركات ورجال الأعمال وتستثمر الفائض من
الأموال في أنشطة اقتصادية (عقارات للكراء، كراجات ومرائب للسيارات، إيداع الأموال
في صناديق الاستثمار والأبناك...إلخ)
وإذا افترضنا على سبيل المثال أن هذا المشروع سيتطلب رأسمالا إجماليا مقداره 10
ملايين درهم (1 مليار سنتيم)، فهل نحن المغاربة حقا عاجزون عن تجميع هذا المبلغ
وإنفاقه بشكل سليم؟! إذا ساهم 10.000 شخص بمبلغ 1000 درهم للشخص، يمكن تجميع هذا
المبلغ بسهولة!!
إننا قطعا قادرون على تجميع أموال أكبر من هذا المبلغ بمئات المرات وإنفاقها في
مشروعات حضارية أمازيغية عظيمة لو توفرت فينا الإرادة الحديدية وعناصر الثقة و
الأمانة والنزاهة.
وفي المغرب هناك آلاف النماذج الناجحة لعمليات تجميع أموال طائلة لبناء مساجد
بأكملها ومدارس دينية. وحتى الطرق ومجاري الوادي الحار يتم إصلاحها في بعض المدن
الريفية من طرف السكان المحليين رغم أنهم يدفعون الضرائب! أما في أوروبا، فقد تمكن
المهاجرون المغاربة من جمع أموال طائلة بالملايين لبناء عشرات المساجد بمختلف المدن
الأوروبية رغم الغلاء الشديد في أسعار العقار. فلماذا لا يتوفر لمشروع الجامعة
الأمازيغية هذا الدعم والتضامن الشعبي القوي؟!
إن هذا يمكن أن يكون امتحانا للحركة الأمازيغية وللشعب المغربي وللنموذج الأمازيغي
في النزول إلى أرض الواقع لبناء مؤسسات ثقافية حضارية كبيرة الحجم بالإمكانيات
المادية الذاتية، بدل الاكتفاء بالتنظير. فلماذا نتردد في قبول هذا التحدي؟
الرأسمال العلمي: وهو يتجسد في استقطاب الكوادر والأساتذة الأمازيغ الخبراء باللغة
الأمازيغية من المغرب وخارجه. وهنا تبرز مسألة التمويل مرة أخرى. وإذا لم تتوفر
الموارد المالية الكافية لدفع تعويضات منتظمة للأساتذة والكوادر فالحل لن يكون إلا
في أن يتطوع هؤلاء الأكاديميون الأمازيغ بجزء ولو صغير من وقتهم لتدريس اللغة
والثقافة الأمازيغيتين للمواطن المغربي. فعقلية العمل التطوعي المجاني النضالي هي
من أساسيات النضال الثقافي الأمازيغي منذ ولادته. ومعظم العمل الثقافي والعلمي
الأمازيغي (ندوات، محاضرات، أوراش، مؤتمرات، كتب، جرائد، مواقع الإنترنت...) نفذت
وتنفذ بالعقلية التطوعية أساسا. ولم تصبح الثقافة الأمازيغية مصدر دخل للبعض إلا في
عصر المهرجانات المخزنية.
وهناك جزء من الرأسمال العلمي يتمثل في البيبليوغرافيا الأمازيغية. فمن المؤكد أن
إنشاء مكتبة أمازيغية ملحقة بالجامعة أمر أساسي. هذه المكتبة ستضم كل ما نشر عن
اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية والتاريخ الأمازيغي من كتب وقواميس ومصنفات
ومخطوطات لتكون متاحة للدارس بالمجان.
طرق وتقنيات التدريس: هناك العشرات من الطرق البيداغوجية التي يمكن اعتمادها حسب
الظروف والإمكانيات. والأكاديميون والكوادر هم وحدهم المؤهلون لصياغة نظام تدريس
متكامل يحقق الغرض المطلوب وهو تعليم اللغة الأمازيغية وتبسيطها ونشرها على أوسع
نطاق وربطها بالحياة اليومية.
أما التقنيات فيأتي على رأسها استخدام الكومبيوتر والتقنيات السمعية البصرية وشبكة
الإنترنت. فالمحاضرات والدروس يمكن تسجيلها بالفيديو والصوت وإتاحتها لأكبر عدد
ممكن من الطلاب خارج وقت الدرس. وأيضا يمكن وضعها على شبكة الإنترنت ليستفيد منها
الآلاف داخل وخارج المغرب. بل وإن تقنية الإنترنت اليوم تسمح بسهولة (وبتكاليف
محدودة) ببث محاضرة أو ندوة مباشرة (Live) على شبكة الإنترنت ليشاهدها الآلاف في أي
مكان في العالم كأنهم يشاهدون مباراة لكرة القدم على الهواء مباشرة على
التيليفيزيون. والحوامل البيداغوجية من مطبوعات وكتب يمكن إتاحة نسخها بالفوطوكوبي
للجميع بتكاليف محدودة كما يمكن وضعها على شبكة الإنترنت.
اللغة الأمازيغية الموحدة: الحرف الأفضل والأنسب لكتابة الأمازيغية هو بلا شك حرف
تيفيناغ نظرا لأصالته ولحمولته الرمزية والغرافيكية القوية. وإن مسألة توحيد
استخدام الأمازيغية ليست بالصعوبة التي قد تبدو للبعض. ولكن ماذا نعني بعبارة
"توحيد الأمازيغية"؟ هل نعني بها خلق لغة جديدة تختلف عن اللهجات؟ كلا! لأن هذا
سيصيب الأمازيغية في مقتل! إن المطلوب ليس هو توحيد اللغة الأمازيغية (هي موحدة
أصلا) وإنما المطلوب هو توحيد تعليم وتدريس اللغة الأمازيغية. وحينما أقول بأن
مسألة توحيد استخدام الأمازيغية ليست بالصعوبة التي قد تبدو للبعض فإنني أعني بذلك
أن الخرافة/الأسطورة التي تقول بأن التفاهم بالأمازيغية بين الريفيين والأطلسيين
والسوسيين والقبايليين مستحيل، قد تكون صحيحة فقط إذا لم تتح لهؤلاء فرصة تعلم
قواعد قراءة وكتابة لغتهم. أما إذا تعلموا قواعد اللغة والمعجم الأمازيغي وتعلموا
كيفية ضبط وفهم التغيرات اللهجية المناطقية فسيتفاهمون فيما بينهم بنفس السهولة
التي يتفاهم بها الإسكوتلاندي مع الأمريكي والأيرلندي مع الأوسترالي.
إذن فالطريقة الأسهل والأبسط والأجدر بالتبني هي تعليم القواعد الأمازيغية اللغوية
العامة المشتركة أولا ثم تعليم اللهجات المحلية للجميع فالسوسي يتعلم اللهجات
الأخرى ونفس الشيء ينطبق على الريفي والأطلسي والصحراوي. أما الاختلافات المعجمية
فما هي إلا مترادفات (Synonyms) يجب تعلمها كلها. والمترادفات موجودة في معظم لغات
العالم. ففي الإنكليزية مثلا تستخدم الكلمات (Picture, Photo, Image) على المستوى
الشعبي بشكل يومي ومتكرر للدلالة على معنى "الصورة". والمترادفات الأمازيغية يمكن
التعامل معها على هذا الأساس. والملاحظ أن الشعوب المثقفة والمتعلمة والغنية تعمد
إلى الاستخدام الكثيف للكلمات المترادفة في لغاتها اليومية لتوسيع المعنى وإغنائه.
إذا قمنا بتعلم لهجات ومترادفات بعضنا البعض واستخدامها فيما بيننا بشكل واسع،
فستتشكل وتظهر بشكل تدريجي وأتوماتيكي معالم لغة أمازيغية وسيطة (Tamazight
Tanammast) تأخذ من كل اللهجات الحالية وتستند عليها. وهكذا سيتم انتقال الأمازيغية
بشكل هارموني هادئ وسلس من الوضعية الحالية اللهجية إلى وضعية لغة وسيطة مشتركة
(Lingua franca) تتميز بمعجم واسع وغني.
مقر الجامعة: يمكن إنشاء الجامعة الأمازيغية في أية مدينة مغربية. لا يجب بالضرورة
أن تكون هذه الجامعة في إحدى المدن المغربية ذات الأغلبية الأمازيغوفونية الكبرى
كالناظور أو أكادير أو الحسيمة أو الخميسات، بل يمكن أن تتمركز بمدن كالدار البيضاء
أو طنجة أو مراكش أو وجدة والتي تتميز بتقارب نسب الناطقين بالدارجة والأمازيغية
فيها. وفي حالة نجاح هذا المشروع يمكن إنشاء فروع لهذه الجامعة بمدن أخرى.
ثانيا: مشروع المؤسسة الأمازيغية للنشر (Tuddsa Tamazight n Usizreg):
إن إنشاء مؤسسة أمازيغية تتكفل بتوحيد جهود اللغويين والكتاب والمثقفين الأمازيغ
وطباعة ونشر أعمالهم ومؤلفاتهم ودراساتهم بحرف تيفيناغ لهو شيء عظيم الأهمية. فرغم
ظهور العديد من المؤلفات الأمازيغية الأدبية والشعرية واللغوية بمختلف مناطق المغرب
في السنوات الأخيرة إلا أن حجمها يبقى ضئيلا بسبب غياب مؤسسات أمازيغية قوية قادرة
على دعم الكتاب الأمازيغي اللغة وإنزاله بقوة في السوق بسعر يناسب المواطن. ويبقى
المبدعون والكتاب الأمازيغ رهائن لأمزجة مالكي دور النشر وسط ضعف الإمكانيات
الذاتية والتهميش المتعمد من الدولة.
إن إنشاء مؤسسة أمازيغية لطباعة ونشر الكتب الأمازيغية على نطاق واسع أمر ضروري
ولازم من أجل نشر اللغة الأمازيغية وانتشالها من الشفوية القاتلة. فإذا كانت
الأمازيغية قد صمدت عبر القرون عن طريق التداول الشفوي فإنها حتما ستنسحق اليوم تحت
طوفان اللغات الأجنبية القوية الممعيرة التي تغزونا عن طريق الكتاب والمجلة
والجريدة والإنترنت والسينما وألعاب الكومبيوتر، إذا لم تنتقل إلى التدوين الكتابي
والإلكتروني الممعير. وبالتالي فالاهتمام بتكثيف نشر الكتاب الأمازيغي بالمغرب
وخارجه هو قشة النجاة للغتنا. وهذا لن يحدث إلا إذا أسسنا منظمة قوية تتوفر على
الموارد والوسائل التي تمكن من إنتاج المعرفة الأمازيغية ونشرها ورقيا وإلكترونيا.
ثالثا: المؤسسة الأمازيغية للإنتاج السينيمائي: تكون هذه المؤسسة مركزا لنشر
الثقافة الفنية السينيمائية والموسيقية بمحتوى أمازيغي. في هذه المؤسسة يجتمع
الشباب المغربي لتعلم التعبير الفني وإطلاق طاقاته في شكل أعمال فنية سينيمائية
وموسيقية تتخذ من الواقع الاجتماعي المغربي أساسا موضوعاتيا ومن اللغة الأمازيغية
أداة تعبيرية ومن التكنولوجيا الأمريكية أداة تقنية ومن روح الانفتاح على الأفكار
الجديدة وتجنب الفلكلرة عاملا تطويريا. ويجتمع في هذه المؤسسة نشطاء ورواد الفن
الأمازيغي بجانب الأكاديميين والتقنيين لصياغة مشاريع أفلام وموسيقى أمازيغية بجودة
فنية عالية ويساهمون في تكوين الشباب فنيا وثقافيا ليبدأوا هم بدورهم الإنتاج
الفني. ولا بأس من الاستعانة بخبراء أجانب في مجال السينما والموسيقى لسد النقص
المعروف في الكوادر المغربية ولغرض الانفتاح والتبادل الثقافي. والمتوقع طبعا من
مؤسسة كهذه هو إنتاج ملموس لأفلام سينيمائية وموسيقى أمازيغية ذات قيمة فنية عالية
تبتعد عن عقلية الفولكلور السياحي وتحقق التراكم المطلوب وتؤسس لذوق فني أمازيغي
متطور لدى المواطن المغربي يغنيه عن الانشداه والانبهار اللامشروط أمام كل ما هو
أجنبي غريب. ويفترض في الأعمال السينيمائية الأمازيغية أن تقوم بالجمع بين اللهجات
الأمازيغية المغربية من أجل تسريع عملية المعيرة وخلق وعي فني أمازيغي مشترك يسمو
فوق التقسيمات اللهجية المناطقية.
إن هذه المشاريع الثلاثة التي قمت بصياغتها ما هي إلا أفكار أولية قابلة للنقاش
والتغيير والتوسيع. وكل قارئ لهذه الجريدة وكل مواطن مغربي وشمال أفريقي مدعو
للمساهمة بالأفكار والخبرات والإمكانيات المادية والمعرفية.
هذه هي ثورتنا الأمازيغية! (D ta d tagrawla nnegh!)
في المغرب هناك من يخطط لقلب النظام وتأسيس الخلافة أو الجمهورية الإسلامية.. في
المغرب هناك من يريد تحويل البلاد لمزبلة لأفكار حزب البعث العربي.. وهناك من يريد
تحويل البلاد إلى حديقة خلفية أو گراج احتياطي لفرنسا.. وفي المغرب هناك أيضا من
يريد تحويل المغرب إلى بلاد للجهاد تنفجر فيها السيارات في الشوارع وتفجر فيها
مقابر يهود ماتوا منذ قرون.. في المغرب من يضع غزة وبيروت ودمشق على رأس أولوياته
ولا يعبأ بالمعطلين في الحسيمة وأطفال الشوارع بالدار البيضاء وفقراء تيزنيت.. في
المغرب من يريد خوصصة البلاد وتفويتها لشركة القاعدة الجهادية المجهولة الاسم..
وهناك من يريد عزل المغرب عن أصله الأفريقي وضمه لآسيا أو أوروبا كعضو من الدرجة
الثانية... في المغرب من يريد محو اللغة الأمازيغية ويعتبر المناضل الأمازيغي إما
عنصريا فاشيا وإما عميلا للمخابرات الأجنبية فقط لأنه يدافع عن لغته وثقافته
وحقوقه..
أما نحن الأمازيغ المغاربة أصحاب الأرض، فمشروعنا لا يمكن إلا أن يكون مشروعا
حضاريا علميا سلميا.. نحن لا نفجر السيارات ولا نسجن أحدا ولا نمنع اسما ولا نكمم
فما ولا نتآمر لقلب نظام ولا نكفر عالما ولا نهدد متكلما ولا نستخدم الدين أداة
سياسية..
إذا كان لابد من ثورة أمازيغية فلابد من أن تكون سلمية حضارية هادئة حرة سلاحها
الوحيد العلم والمعرفة سبيلا للتقدم.
فلنشمر عن سواعدنا ولنبدأ في بناء مؤسساتنا العلمية والثقافية والحضارية الأمازيغية
بإمكانياتنا الذاتية، لبنة لبنة من القاعدة إلى القمة.
|