|
ريح الخيبة تجتاح قلاعيا (بصدد حوار مع بنيس) بقلم: حمو بوشخار التلميذ النجيب، في التعريف التقليدي، سيكون واحدا من التلاميذ المهذبين الذين يصغون لنصائح أساتذتهم وأوصيائهم. وأكثر من ذلك، الوفاء لهذا الخط على طول العمر ولو غطى الشيب ذقنه والوجه عامة، إن لم يكن قد تسلل إلى ’’ ثيفذنين نسن‘‘ كما قال الامدياز الأمازيغي أي أخمص القدمين. أعتقد أنه ما زال في آذانكم طنين الكلام الذي رماه لهذا التلميذ النجيب شاعر مغربي هو محمد بنيس إن لم تشتط بي ذاكرتي القرائية. ولذلك أخذ على عاتقه تدبيج نصوص، سيضطر مع الوقت إلى إنشاء دار لضمان نشرها، لأن لا أحد يستطيع تحميل نفسه قراءة حروزه دون أن يصاب بالإرهاق. لقد مر على هذه الواقعة ما يزيد عن ربع قرن، ولم يستبدلها إلا بأمر آخر لا يختلف عنه في الجوهر. أقصد انتظار من سيملي عليه ما سيقوم به. الأمر يتعلق بتحويل نص يعود لمالارمي إلى العربية. فـ’’الاقتراح هو الأمر الذي كنت أتهيأ له‘‘1، وإحساسه بأن ’’الرغبة في ترجمة «رمية نرد» كانت سعيا نحو مستحيل غير قابل للإدراك‘‘ مصيبة. ولا كثر من وجه. إن منطق الأستاذية الذي كان خلف كل ما سيكتبه لم يتخل عنه ولو لبرهة، حتى نضج اللحظة التي تكون عليه فتحا جديدا. ويبقى قوله ’’كان لقائي بإيزابيلا وبرنار حاسما، وبدونه لم يكن بمستطاعي أن أنجز الترجمة‘‘ في حاجة لأكثر من زاوية تحليل، لا جل فك الوثاق السري الذي يجعله ينتظر من يسعفه على الوقوف على رجليه. لا يمكن لقارئ الحوار مع الأستاذ بنيس، إلا الاندهاش أمام الحاجة إلى من يشجعه ويمنحه الدفعة كي يتمكن من إنجاز ما يحظى برضا من يوحي له بذلك، وهو الذي اصدر العديد من الكتب. وقوله ’’شجعني على كتابة ما أفكر فيه‘‘ تبدو كما لو كانت صادرة عمن يجرب خطوته الأولى في مجال الكتابة. وإذا كان الحال على هذه الشاكلة، هل يمكن لهذا الذي سينجز الفروض أن يقدم شيئا للقصيدة التي وقعها صاحبها أي مالارمي. عبث ووهم أن تعتبر’’ترجمة القصيدة وطبعها بالعربية، إضافة إلى القصيدة بالفرنسية نفسها‘‘. الأوهام حين تنمو يصعب ألا تتناسل. وإضافة لما سبق يمكن أن تسمع ادعاءه بخصوص الرقابة التي يتعرض لها من قبل الحداثيين، إذ يمنعونه من النشر في الصحافة المغربية. فيما المنع الذي قد تمارسه السلطة فلم يعد واردا معه، ومشكلته أنه ’’ممنوع لا من طرف السلطة بل من طرف الذين يدعون الدفاع عن الديمقراطية (والحداثة)". ومعضلة ما بعدها أخرى من اختار السلم مع السلطة كي يتهم من نعتهم بالديمقراطيين والحداثيين، فقط لأنهم يصدرون عن رؤى أكثر انفتاحا ولا صلة لها بالتسلط أو التعصب الذي يمعن في تمريره على أتباعه وحاشيته. إن ما يعاني منه الرجل ليس المحاربة التي يتعرض لها، وإنما الهجران، الذي سمحت به الثورة المعلوماتية للمبدعين، بتدشينها لعصر اللامركزة، الذي بشرت به ما بعد – الحداثة، عكس عصر الحداثة التي ’’ارتبطت بتمركز السلطة‘‘2 .لذا ما زال يتشبث بها. غير مستعد للتنازل عن القلعة التي يرأس، حيث يعقد الاجتماعات ويصدر الأوامر، إنه يحيي ويعزل. في قلعته لا أمر سوى أمره. لكنها ضيقة. فكانت مصدر الخيبة التي اجتاحته.
عندما لا تمنح العلاقة أرباحا تتحول إلى مرض. وإن ما يمكن أن ينعت كـ’’«مرض المشرق» العصي على التحليل لا يعانيه سوى من يعتقد أنه يقدم خدمة له ولا يعترف له بصنيعه. وكرد على ذلك سيعمل على تهريب الشرق، بتزليع مركزيته وجعل الملحق مركزا آخر، فكان أن عمد إلى الإكثار من المراكز الثقافية باختراعه واحدا للمغرب. ليعطل الاختلاف الذي يميز شمال إفريقيا والذي سيطمسه في الإشارة إلى نوع من’’الميراث الثقافي المغربي‘‘. الأمازيغيون في المغرب ’’يعلنون حربا على العقلية المشرقيةّ، العربية‘‘ الإقصائية التي يحمل رايتها المثقفون المراسلون من المغرب وفيه. الحرب هنا تهم كشف التغريب الذي تعشش فيه فئة من الأقلام المغربية التي ما تزال مستميتة في الدفاع عن الانتماء للشرق واعتباره ’’الاختيار الوحيد الممكن للثقافة العربية، في المشرق والمغرب معا‘‘. فالامازيغ اليوم إذ يسعون إلى إعادة الاعتبار لتاريخهم وثقافتهم بالخروج من حالة الاغتراب الذي حبكها فقهاء الاستقلال ومن تلاهم يأتي م. بنيس إلى رميهم بنعت الأصوليين. في سلة واحدة مع الإسلاميين والفرونكوفونيين. ’’يقودنا التقليد، حين يحررنا من الفكر المحافظ كي يعلمنا أن نفكر أمامنا ‘‘3. هذا التحديد للتقليد يجعل نعت الأصولي أو التقليدي حكم قيمة إذا وفر لمن الصق به الخروج من المسخ الذي يشوهه جراء تبعيته. الثقافة المغربية في النسخة العربية تعيش حالة انفصام بسعيها لإحداث قطيعة مع أمها المشرقية لأنها لن تصل أبدا إلى مرحلة الفطام. والحد الأدنى الذي يمكن أن يفهم من الدعوة إلى العناية بالثقافة المغربية يبدأ من تعريف قراء العربية بواحد ’’كاتب مغربي كبير اسمه م. خير-دين‘‘ 4. الأندلس تاريخ صمت ولكن خلا حرقة دموعو مازال تتسيل. لدينا مفردة مغربية محضة أعني أمازيغية وهي كلمة ’’ژهر‘‘والتي يقابلها في المعنى بالعربية الحظ، لأنه لو وجد لها مكانا في قاموس ابن منظور لما تأخر في ذكر ذلك، ولكن بما أنها أمازيغية فلا بد من العثور لها عن أصل في الدارجة الأندلسية؛ ولو أنها طلعت ذات مرة مع أفواج الحرﮔين للجزيرة الإبيرية في ليل التاريخ. ولا أعلم إن كان سيرد علامة ’’ييس‘‘ إذا جردت من الملصقة ’’بن‘‘ التي يتركب منها اسمه إلى إرث أندلسي بدورها. ايس كمفردة أمازيغية، يرادفها في المعنى الفرنسي cheval 5 .مشكلة مراسل الجزيرة العربية بالمغرب لا يتحمل أن تضرب من اسمه رائحة الأطلس. ولقد شاهدنا مرة في دوزيم (حميش) من يبحث عن نسابة عند صاحب لسان العرب. إلى متى سيطاردهم هذا الشبح؟ لا أستطيع التخمين. بما أن وجوه الاغتراب متعددة ودقيقة. إحالات: 1 ـ الشرق الأوسط، الأربعاء 14نوفمبر 2007 العدد 10578 ـ محمد بنيس. قابله : جلال الحكماوي - ورد ع. المالك، مجلة وجهة نظر. ع 33/34، صيف خريف 2007. ص 44 23 - Heidegger : Questions 1et 2 ; Gallimard 1968, p 276. - ع. ر الخصار’’ما الذي وقع لمحمد بنيس حتى يفقد حاضره ومستقبله في المغرب‘‘ المساء ع 382 ليوم 11/12/200745 - ahmed Haddach, dictionnaire de TAMAZIGHT , 2000, p 64.
|
|