|
الحماية القانونية للأعراف الأمازيغية الإيجابية أساس للتنمية المستديمة بقلم: رشيد نجيب سيفاو طيلة أيام الندوة الوطنية التي نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول موضوع: "القانون في الثقافة الأمازيغية"، تحدث مجموعة من الأساتذة الباحثين عن الكثير من الأعراف القانونية الأمازيغية القديمة والعريقة في القدم، بعضها مدون في ألواح ووثائق قديمة، بينما بعضها شفوي تتداوله الألسن محفوظا في الذاكرة جيلا عن آخر. وهناك من الباحثين من تعمق في إبراز العلاقات الموجودة بين هذه الأعراف وبين حقول علمية ومعرفية هامة من قبيل: القانون المقارن، التاريخ، اللسانيات، الأنتروبولوجيا، علم الاجتماع، الاقتصاد... وكان الجميع متفقا على أهمية استثمار واستغلال المضامين والمكونات الإيجابية التي تتوفر عليها هذه الأعراف التي يطلق عليها أمازيغيا اسم إزرفان. كما كان الجميع متفقا على أهمية إدراج الأعراف القانونية الإيجابية ضمن العملية التنموية ببلادنا، وأهمية إدراجها كفصول ومواد قانونية ضمن الآليات والمكانيزمات التشريعية الوطنية والدولية حتى يستفيد منها المجتمع ولا يضيع بالتالي المجهود المواكب لإنتاجها وإنجازها سدى. الثقافة الأمازيغية: أية مساهمة تنموية؟ تتوفر الثقافة الأمازيغية، كغيرها من الثقافات الإنسانية، على مجموعة من العناصر والمكونات التي بإمكانها المساهمة في العمل التنموي، وهي: أولا، المكون اللغوي الأمازيغي: وهو ما يسمى الممتلكات الرمزية، فالأمازيغية كلغة تتوفر على معجم متنوع بتراكيب وبنيات متنوعة... وتحمل فكرا وثقافة وحضارة، وتحضر بشكل دائم في اليومي المغربي وبإمكانها الإسهام في التنمية، إذ يكفي توظيفها مثلا لا حصرا في محو الأمية، ولنا أن نتخيل النتائج الإيجابية التي يمكن أن تسفر عن ذلك في مناطق الأمازيغ. ثانيا، المكون القانوني الأمازيغي: ألف الأمازيغ قوانين عرفية تسمى إزرفان، ويمكن استغلال ما هو إيجابي منها في تعزيز الترسانة التشريعية الوطنية. هذه الأعراف لها امتداد تاريخي يمتد إلى فترات ما قبل الإسلام وذلك لعلاقتها بالنظام القبلي عند هذا المجتمع الذي عرف هذا النظام بخصوصياته الاجتماعية، والسياسية، الاقتصادية، الثقافية والأنتروبولوجية قبل وصول الإسلام إلى هذه الأرض. وتعتبر الأعراف الآلية التشريعية الموضوعة لإيجاد حلول للمشكلات التي تحدث بالقبيلة في عدة مستويات ووضع العلاقات بين الأفراد والجماعات في مسار صحيح. وينجز العرف بشكل واتفاق جماعيين على كل مقتضياته. ثالثا،المكون المعماري الأمازيغي: أنشأ الأمازيغ بنايات عمرانية صمدت إلى اليوم، ويمكن استغلال القديم منها، بعد ترميمه، في تطوير النشاط السياحي بالمناطق التي تتواجد بها ضمن السياحة الثقافية المبتعدة عن الفلكلور دون إهمال وظيفة تلك البنايات. ويبقى أكادير (المخزن الجماعي) أهم هذه البنايات، ويكون على شكل حصن بمثابة مخزن القبيلة ويلبي حاجيات كثيرة منها الاقتصادي، الاجتماعي، الدفاعي، الديني... رابعا،المؤسسات التقليدية الأمازيغية: أبدع المجتمع الأمازيغي مؤسسات تقليدية لعبت دورا مهما في إصلاحه وإنقاذه من الأزمات الطارئة في مراحل هامة من تاريخه. وحاليا، ساهمت هذه البنيات في ظهور نسيج من الجمعيات التنموية وخاصة في سوس عكس باقي الجهات، إذ شكلت قاعدة لانطلاق هذه الجمعيات. العلاقة بين التشريع والتنمية، علائق متعددة ومترابطة... إن التنظير لعملية إدماج الأمازيغية في المسلسل التنموي وفي العمل التشريعي والدعوة الصريحة إلى ذلك، أمر يدفعنا إلى دراسة وتفسير مختلف العلائق والروابط الموجودة بين كل من عمليتي التشريعي والتنمية. فمن حيث الطبيعية، يمكن القول إن كلا من التشريع والتنمية هما ظاهرتان اجتماعيتان، لا وجود لمجتمع دون تنمية وتشريع (قانون)، وهما يسهمان في الجانب الحضاري للمجتمع وتطوره. أما من حيث النطاق، فإن التشريع هو عملية محاسبة وتقدير تنظم السلوك الخارجي للفرد حتى وإن كان قاصرا. في حين أن نطاق التنمية أوسع من نطاق التشريع لأنها عملية كبرى تستهدف التغيير على نطاق واسع وعام. ومن حيث المضمون، فإن التشريع هو مجموعة من قواعد تتناول الحقوق والواجبات والأوامر والنواهي والرخص والشروط والإجراءات والعقوبات... والتي يضمن تطبيقها السير العادي للمجتمع. أما التنمية فهي مجموعة من أفكار ونظريات ومبادرات ومشاريع تتسم بالاجتهاد والإبداع في غياب عنصري الإلزام والقسر. ومن حيث الوجود والعدم، فإنه يمكن استخلاص بكل تبصر أن وجود التشريع والتنمية معا وجودهما يساهم في توطيد دعائم الاستقرار والازدهار. أما غياب التشريع فيؤدي إلى الصراع الاجتماعي والفوضى وسيادة قانون الغاب الذي يمنح الحق للقوي على حساب الضعيف. أما غياب التنمية فلا ينتج عنه سوى التخلف والجهل والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية... في تعريف الأعراف إن وضع التعاريف للأشياء وتحديدها مفاهيميا من الأمور المتعارف عليها في مثل هذه اللقاءات العلمية. كما أنه يساهم في التقريب من وجهات النظر بين مختلف المتدخلين ويجعل دائرة الاختلاف أو الخلاق تضيق شيئا فشيئا. وفيما يتعلق بتعريف الأعراف، فإنها لغويا تطلق على الشيء المعروف والمستحسن. أما على المستوى الفقهي، فقد درج الفقهاء على اعتبار الأعراف "ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول بشرط ألا يخالف نصا شرعيا". وفي الجانب القانوني فإنها "مجموعة من القواعد المستمدة من العادات اليومية المألوفة لدى الناس في بيئة اجتماعية معينة، وتتكون بشكل تلقائي، ثم تتحول إلى نوع من الإلزام الأخلاقي والقانوني دون أن تسند إلى سلطة شرعية فتحظى بالاحترام من طرف الجماعة، ويصبح لها قوة قانونية إلزامية". في مشروعية الأعراف الأمازيغية تتمتع الأعراف عامة بمشروعية دينية تتجسد في ورودها بالذكر الحكيم في أكثر من سورة، من ذلك ما جاء في الآية 199 من سورة الأعراف حيث يقول جل من قائل: "خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين" الآية. وفي الفقه الإسلامي، فقد توارث الفقهاء مجموعة من الأقوال والعبارات، ومنها: العادة محكمة-الحقيقة تترك بدلالة العادة- الممتنع عادة كالممتنع حقيقة- المعروف عرفا كالمشروط شرطا- عوائد الناس كالإقرار... أما فيما يتعلق بالمشروعية السياسية التي كثيرا ما يطالب بها المجتمع، فإن الأعراف القانونية الأمازيغية تتمتع بمشروعية سياسية جد خاصة تتمثل بالأساس في اعتراف مجموعة من السلاطين والملوك المغاربة بها. ومن ذلك: رسالة السلطان المولى سليمان إلى أعيان فاس في 22 غشت 1820: "احفظوا هذه الوصية واحذروا فإن الدين النصيحة، اللهم اشهد فإن أردتم أمان أنفسكم يا أهل فاس فادخلوا حلف البربر فإن لهم قوانين ومروءة تمنعهم من الظلم ويقنعون بالكفاف". ثم ديباجة الظهير الذي أصدره السلطان المولى يوسف في 11 شتنبر 1914المتعلق بإدارة القبائل الأمازيغية، والتي أبرز فيها حرص هذه القبائل على الاحتفاظ بقوانينها وأعرافها الغريقة في القدم، وأن مصلحة الرعايا وطمأنينة المملكة تقتضيان الاحتفاظ بالتنظيم العرفي لهذه القبائل. وخطاب السلطان محمد الخامس الذي قرئ في المساجد ليلة عيد المولد النبوي في 11 غشت 1930: "...إن للقبائل البربرية (الأمازيغية) عوائد قديمة يرجعون إليها في حفظ النظام ويجرونها في ضبط الأحكام وقد أقرهم عليها الملوك المتقدمون في أسلافنا المقدسين ومن قبلهم...". أما المشروعية الواقعية فنجدها مجسدة في عمل القبائل الأمازيغية بأعرافها القانونية منذ ما قبل مجيء لفتح الإسلامي إلى الآن. الاتفاقية الدولية 169: آلية قانونية ناجعة لحماية الأعراف القانونية الأمازيغية وإدماجها في التنمية يمتد اهتمام منظمة العمل الدولية التي أصدرت الاتفاقية الدولية 169 حول الأعراف وأهمية حمايتها وإدماجها في عمليتي التنمية والتشريع إلى سنة 1921 لما قامت هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة بإنجاز لعدة دراسات حول أوضاع اشتغال لعمال في المستعمرات. وفي سنة 1957 ستقوم المنظمة باعتماد الاتفاقية 107 المرتبطة بالأعراف والأرض وشروط العمل والصحة والتربية والتي ستقوم بإعادة صياغتها وتحيينها في سنة 1970. ستة عشرة سنة بعد ذلك، سيجتمع المجلس الإداري لمنظمة العمل الدولية ويقر بتجاوز المقاربة الإدماجية لهذه الاتفاقية. وهو ما سيؤدي به إلى إصدار الاتفاقية 169 في سنة 1989. وقد شكلت هذه الاتفاقية مصدرا للإلهام والتشريع والاستنباط بالنسبة لمجموعة من الدول من أجل حماية أعرافها وعاداتها وتقاليدها مع إدماجها في تشريعاتها الخاصة بها. في المغرب يمكن إدماج مجموعة من الأعراف الأمازيغية التي يمكن إدماجها في عملية التنمية. ومن نماذج ذلك الأعراف الإيجابية المتعلقة بالأرض، الأعراف الإيجابية المتعلقة بتدبير المياه، الأعراف الإيجابية المتعلقة بالحفاظ على الأمن، الأعراف الإيجابية الخاصة بالزواج وبقية الطقوس الاحتفالية.
|
|