|
نهاية الأسبوع وقراء الجريدة في المرحاض بقلم: محمد بوزكَو أحيانا أفتح عينيّ صباحا وأكتب شهادة ميلادي الجديد على مرآة دولابي، وفيها أقرر أن أظل منتشيا فرحة الحياة. فمجرد أن أحيى فرحة. والحياة في النهاية لا تستحق أقل من الفرحة. أرتشف قهوة الصباح متصفحا جرائد اليوم التي تترك في يديّ وسخا أسود مرارا ما لحسته مع أول لقمة غذاء... وأنا دائب في تطبيق قراري أعلاه أقترح علي أحد الأصدقاء قراءة مقال حملته جريدة "الأسبوع الصحفي" الصادرة في تاسع مارس الحالي.. مقال تنبعث من كاتبه رائحة الحزق: ...عبد الحي الحسن العمراني. في عناد مع قراري قررت من جديد ألا يغير ما في المقال من سب وذم وحشو وحزقات فكرية من فرحتي.. قرأت ما جاء في تلك الحلقة الرابعة والله أعلم ما جاء في السابق وما سيأتي في اللاحق لأني ما قرأت السابق وما سأقرأ اللاحق. عبد الحي العمراني ذاك القروي (من القرويين) التخريج، بعد أن كان يطفو على سطح جريدة الاتحاد الاشتراكي والأحداث المغربية فوق بالون مقالات يقذف منها مكبوتاته وأحقاده التي يكنها للإنسان الأمازيغي.. قبل أن يغرق إلى الأعماق ليُلفظ على الهامش.. ها هو الآن استُأجر من طرف جريدة "الويكاند" كي يفتح رجليه باحثا في القواميس عن مفردات يحزق بها علينا نحن الأمازيغ... فليحزق ما شاء مثنى وثلاث ورباع فالرائحة ستظل تراوح محيطه ولن ينتشي عبقها سواه. سأشرب قهوتي هذا الصباح في المرحاض، وفيه سأقرأ جرائدي ومنه سأستمر في كتابة هذه السطور.. والحقيقة أن بعض المقالات لا تستحق مكانا آخر غير المرحاض لقراءتها، على الأقل سيتماها القارئ مع المقروء من حيث المكان والرائحة والمعنى. سوف أتعمد الرد على ذلك "الحي" بهذا الأسلوب المرحاضي لأن مقاله ذاك غرف أسلوبه وألفاظه من مجاري المياه النتنة بمدينة فاس في محاولة يائسة لتلويث كل من له صلة بالهوية الأمازيغية.. ولكن لا يعيش في القواديس إلا الحشرات النتنة من صراصير وطوبين.. فليختر أيا منها هو. ماذا ينتظر من عبد حي صقلت جامعة القرويين موهبة الإقصاء فيه وغرست بين ضلوعه هوائيا موجها صوب الشرق غير قابل للتحويل كي يتشبع بالأفكار الشرقية في الجهة الغربية!... التقت الأسلاك في جمجمته وبدأ يعجن ويخبز في المصطلحات والعلم ما شاء الله... تابعوا معي هذه الجملة الناجمة عن صعقة فكرية: "عاش البرابرة في إفريقيا الشمالية قبل الإسلام، كما عاش غيرهم من الأمم المتوحشة عيشة الحرية المطلقة كالحيوانات في الغابات وفي البحار لا تخضع لقانون ولا تستجيب لأخلاق، ولم تمسهم الحضارة إلا بمجيء الاسلام.." (جريدة الويكاند) أولا: اختيار المفردات: البرابرة، المتوحشة، الحيوانات، الغابات.. هي مصطلحات يحاول الكاتب بها تشويه الإنسان الأمازيغي ليظهره في صورة حيوان متوحش مكانه الطبيعي إما الغابة أو حديقة الحيوانات ولن يكره أن تكون تلك الحديقة في "جنان سبيل" بفاس حتى يأتي بمعية تركته ويتفرج علينا عشية آحاده.. وبوجهه الأحمر يتحدث عن العرب كأنهم منقذو البشر في الشمال والجنوب ومؤسسو الحضارات. والحال أنه بالرجوع إلى كتب التاريخ ومنها بالخصوص مقدمة ابن خلدون نجد غير ذلك، فهذا الأخير يقول إن العرب يخربون البلاد التي يستولون عليها: "والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم ... وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له" (مقدمة ابن خلدون ص 118 ). ويضيف في الصفحة الموالية أن "افريقية والمغرب لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحق بها وعادت بسائطه خرابا كلها، بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمرانا..." أظن أن ابن خلدون كتب عن هؤلاء ورد عليهم قبل أن يولدوا فبالأحرى أن يكتبوا.. وليس بعد هذا الكلام ما أضيفه سوى أن أشفق على الكاتب حاله وبؤسه الفكري والتاريخي.. وسأهدي له بالمناسبة هذين البيتين الشعريين وفيهما مغزى ومعني، قال ابن شرف: مما يُزهدني في أرض أندلس** أسماءُ معتصم فيها ومعتضد ألقابُ مملكة في غير موضعها**كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد ثانيا: الافتراء والكذب: في مقدمته، يقول ابن خلدون إن العرب حينما جاءوا إلى شمال إفريقيا هاجمين وغاصبين باسم الإسلام، كانوا يقتلعون الحجر من المباني ليضعوها أثافي للقدر، كما كانوا يهدمون أسطح المنازل لينصبوا خيامهم بأعمدتها الخشبية.. ألا يبعث هذا الكلام على الشفقة والضحك.. ويأتي اليوم عبد الحي كي يتكلم عن الحضارة، أي تقدم هذا !أية حضارة هاته!.. على الأقل كانت في شمال إفريقيا بنايات ومنازل لا خيم وأوتاد. وبفرحة الصبيان حين يكتشفون لعبة جديدة، زف لنا صاحبنا خبر "أنه ليس للبربر آداب راقية... وليس لهم علماء وأدباء وفلاسفة ..." (الجريدة إياها). لا شك أن قبورا ستهتز لهذا المعلوم، منها قبر الكاتب الأمازيغي الكبير والفيلسوف مدراوش "Apulée" الذي ولد في الشاوية سنة 125 ميلادية، وقبر صديقه بوتيانوس "Pontianus " المولود بليبيا الحالية، وسان أغوستين، ومحمد خير الدين ... واللائحة طويلة.. سوف لن أستمر في سرد المزيد من التناقضات لأن ذلك ليس هدفي من هذا الرد، وإنما أردت فقط أن أرفع الغطاء عن هذا الغائط الفكري كي تخرج الرائحة وينكشف مصدرها.. أما الآن فقد حان الوقت للخروج من المرحاض وترك الجريدة ورائي تصارع إعصار العبور عبر الثقب نحو الأسفل... وأنظف يديّ مستغفرا الهي من شر ما خلق، فالحياة لا تستحق الحزق ولا كثرة القلق وإنما غرس الزهر وانتشاء العبق. (محمد بوزكَو، thawalin@hotmail.com )
|
|