|
لكن قبل ذلك ثمة موضوع آخر يطرح نفسه هنا بإلحاح ويتعلق الأمر بمحاولة السلطات المصرية الناصرية استغلال الوضع في انتفاضة الريف والتأثير على قيادة حركة التحرير والإصلاح الريفية، من أجل توجيهها للسياسة العربية الناصرية من خلال قيام عبد الناصر وأذنابه باستغلال تواجد مولاي محند في مصر والضغط عليه بهدف توجيه زعماء الحركة الريفية إلى أطروحة الثورة الناصرية ومن ثمة تسييس الانتفاضة الريفية بسياسة القومية العربية الفاشستية. وفي هذا يندرج قيام المصريين بإصدار بيان ثوري منسوب إلى مولاي محند موازٍ لبيان ميثاق الريف الذي قدم للملك، ويتضمن البيان الصادر من مصر عدة مطالب عروبية في ميثاق ثوري يحمل شعار الثورة الناصرية (الحرية – الواحدة- العدالة). طبعا عبد الناصر لم يكن يؤمن بالحرية والعدالة، ونسبته إلى مؤسس دولة الريف الأمازيغية، وأكثر من هذا زعمت القيادة المصرية أنها مطالب سكان الريف، ومن بين هذه المطالب المنسوبة إلى الحركة الريفية مطلب مغربة الإدارة وتسريع تعريبها وتحقيق وحدة وطنية ضمن الوطنية العربية المزعومة والعمل على قيام الجمهورية العربية الثانية... هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنه توجد وثيقة تاريخية لميثاق ثوري منسوب إلى ثوار الريف بتاريخ 7 أكتوبر 1958 يحمل اسم »جبهة النهضة المغربية« ويحمل نفس الشعار الناصري المتضمن لحوالي ثلاثين مطلبا. وطبعا الفارق كبير هنا بين المطالب الأربعة عشر لحركة التحرير والإصلاح الريفية في جبال الريف ومطالب الحوالي ثلاثين لقيادة عبد الناصر في مصر التي أضيفت إليها طبعا مطالب مصرية عروبية، ففي المطالب المعنونة بالأهداف ـ في الصعيد الوطني نجد في المطلب الأول إعلان النظام الجمهوري (العربي) باسم »الجمهورية المغربية الثانية« وفي المطلب التاسع نجد مطلب مغربة الإدارة وتعريبها وفي المطلب الثاني عشر نجد مطلب تحقيق وحدة وطنية بعيدة عن العنصرية، طبعا بعيدة عن الوطنية الأمازيغية. وقبل مناقشة هذه المطالب المنسوبة إلى مولاي محند وإلى ثورة الريف والتي كررت في عدة بيانات صادرة من مصر باسم مولاي محند والتي هي في حقيقة الأمر مطالب عبد الناصر وليست مطالب شعب الريف كما سنبين ذلك بتفصيل فيما بعد، قبل ذلك لابأس أن نتطرق في البداية إلى بعض آخر مما نسب إلى مولاي محند له علاقة بانتفاضة الريف ثم سنحاول التعليق عليه حتى نستطيع أن نفهم أكثر بعضا من جوانب ملابسات المرحلة وجوانب مناورات المصريين والانعكاس الذي نتجت عنه خرجات وبيانات اللاوطنية المنسوبة إلى مولاي محند والمثيرة للاندهاش والاستغراب التي تنم عن نزعة قومجية عروبية مفرطة أكثر من نزعة القومجين المصريين أنفسهم وبعضها كما يلي: ـ بيان منسوب إلى مولاي محند في أواخر شهر يونيو 1958 قيل عنه إن مولاي محند قد أذاعه عبر إذاعة أمواج مصر، وإذا كان هذا صحيحا فإننا نعتقد أنه أذيع عبر أمواج أثير »صوت العرب« التي أنشأها النظام الناصري للدعاية له وللقومية العربية العنصرية، وفي ما يلي بعض فقراته: »جاءتني من مراكش أنباء تؤكد بأن بعض ساسة مراكش قد أخذوا يخفون وجههم الحقيقي الذي عرفوا به ولبسوا قناعا جديدا يتسترون وراءه لخداع الجماهير العربية بمراكش. هذا القناع الجديد هو استغلال شعارات مبادئ القومية العربية المتحررة وأهدافها في الحياد الإيجابي الحقيقي وعدم الانحياز والتحرر الصحيح الكامل والوحدة الشاملة (...) وقد أخذ هؤلاء الساسة يتقمصون هذا الوجه الجديد بعد أن أتبتت القومية العربية أنها منتصرة دائما مهما حاول المزيفون والمضللون وعملاء الاستعمار تحويلها إلى غير طريقها الصحيح. وأن ادعاء بعض هؤلاء الساسة في مراكش الآن أنهم يؤمنون بأهداف القومية العربية المتحدة إنما هو خطة تكتيكية للوصول بها إلى الحكم لتحقيق أهدافهم الشخصية الاستعمارية وليس عن عقيدة أو مبدأ حقيقي صادق على ما يؤكد واقعهم«، بيان أوردته جريدة الجمهورية (المصرية) في يوم الخميس 31 يونيو 1958. ـ في حوار منسوب إلى مولاي محند في جريدة »الصحيفة« المصرية بتاريخ 3 دجنبر 1958 حول الأسباب الداخلية والخارجية لانتفاضة الريف، زعم فيه مولاي محند أن من ضمن الأسباب الخارجية لانتفاضة الريف هي عدم انتهاج الحكومة (المركشية) سياسة عربية تحررية ترتكز على مبدأ الحياد الإيجابي. ـ بيان منسوب إلى مولاي محند بتاريخ 22 يناير 1959 حول الأوضاع الصعبة والحرجة بالمنطقة الأمازيغية، الذي قيل عنه الكثير، وهو عبارة عن رسالة موجهة إلى جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية المصرية تقول الرسالة المنسوبة إلى الذي كان رئيسا للجمهورية الريفية الأمازيغية: »إن الحالة الراهنة – الداخلية والخارجية- في المغرب العربي تنذر بالخطر على الأمة العربية، وعلى صراعها القومي التحرري (..) وعن هذه الحالة في المغرب العربي نخرج بنتيجة واحدة وهي أن القوى السياسية الحاكمة في الأقطار الثلاثة (المغرب والجزائر وتونس) متفقة ومتضامنة كلها مع الاستعمار لتحقيق غايات مشتركة بينهم جميعا : 1-منع تحرير شعب المغرب العربي تحريرا حقيقيا كاملا. 2-إبعاد هذا الشعب كله من القومية العربية بمختلف الوسائل منها : (...) ب-إنشاء اتحاد المغرب العربي. ج – دخول تونس والمغرب في ظروف قومية ودولية معينة وتحت شروط معينة إلى الجامعة العربية لتخريبها وتحطيمها إما علنا ومباشرة، أوسرا وغير مباشر وببطء وحذر. د- بث الشكوك وسوء الظن بين قطري الأمة العربية – المشرق والمغرب- بإثارة النعرات الإقليمية والعنصرية والسياسية. ه-الدأب على مواجهة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) وباعتبارها قاعدة هذه القومية المتحررة. (...) وأما في المغرب فقد اندلعت مرة أخرى ثورة شعبية بزعامة القائد محمد أمزيان ليست ضد الاستعمار فحسب بل ضد عملائه أيضا في الدرجة الأولى، وأهداف هذه الثورة الحاضرة التي ستؤدي أغراضها بإذن الله إن نالت التأييد من قادة الحرية والقومية العربية هي: أ-في الميدان الخارجي (..) 3-إعادة القطر العربي إلى دائرة قوميته العربية الحرة بأسرع ما يمكن وبكل الوسائل الصريحة المباشرة ب-في الميدان الداخلي:1-القضاء على النظام المتعفن الذي مسخ التاريخ والوجود (..) 4-تحقيق إرادة المواطنين (..) والتعاون وتكافؤ الفرص بالقضاء على التفرقة الحزبية والسياسية والإقليمية والعنصرية بينهم (..) فهذا إجمالا أمال وأهداف الشعب العربي في جناح منطقته الأيسر (..) ولاشك عندي في أن لدى سيادتكم حلولا ومقترحات لمعالجة هذا الوضع كما لاشك عندي أيضا أن الأمال معلقة على سيادتكم شخصيا بقيادة الشعب العربي إلى شاطئ الآمان – الحرية الحقيقية والوحدة الكاملة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عبد الكريم الخطابي«. للتعليق على ما جاء أعلاه من كلام قومجي نسب إلى مولاي محند، فبادئ ذي بدء وجب الذكر أن السفير المغربي بمصر عبد الخالق الطريس احتج بشدة لدى المسؤولين المصريين على التصريحات المنسوبة إلى مولاي محند ونفى أن تكون حكومته لا تنتهج سياسة القومية العربية، والاحتجاج جاء على وجه التحديد للتصريح الوارد أعلاه في جريدة »الصحيفة« القاهرية سنة 1958، وهي السنة التي انضم فيها رسميا المغرب إلى المسماة الجامعة العربية وبداية رحلات القومية لمحمد الخامس إلى الشرق الأوسط لإعلان تأييده ومساندته للقومية العربية العنصرية وإعلان عروبة المغرب المزعومة. هذا من جهة ومن جهة أخرى وجب الذكر أيضا أن سعيد الخطابي نجل مولاي محند رفض أن ينسب لأبيه رسالة مولاي محند الموجهة إلى عبد الناصر الواردة أعلاه، عندما أوردها زكي مبارك في ندوة علمية دولية نظمت بروتدام الهولندية سنة 2001 تحت شعار: » عبد الكريم الخطابي، شخصية القرن« ، وإزاء هذا الرفض لا نفهم الأسباب الحقيقية التي جعلت سعيد الخطابي يطعن في الرسالة ويرفض أن تنسب لأبيه ونستغرب من ذلك الرفض خصوصا وأنها تتضمن أفكارا قومجية وتنم عن نزعة قومية عروبية مفرطة والتي لا زال المدعو سعيد الخطابي يؤمن بها حتى يومنا هذا. ولسنا نبالغ إذا قلنا هنا إن فكر سعيد الخطابي عروبي حتى النخاع، لما عرف به من دفاعه الشديد عن عروبة المغرب وشمال إفريقيا. فهو دائما لا يترك الفرصة تمر عليه دون أن يثير ويشير في تصريحاته وكتابته ومشاركته في الندوات إلى عروبته المزعومة التي يفتخر بها دائما. وأكثر من هذا فهو يردد أمام الملأ من الأمازيغ ويستفزهم بكلمات عروبية إقصائية في الندوات والملتقيات من قبيل إننا عرب، نحن كعرب، أنا عربي ... وضمن هذا الإطار الضيق لا بأس أن نضع بين يد القارئ بعض ما قاله سعيد الخطابي في الندوة العلمية المنعقدة بهولندا أيام 9-10-11 دجنبر 2001 بجامعة ليدن، فقد افتتح مداخلته بما يلي: » ما أحوجنا في هذه الظروف العصبية التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية إلى أن نتذكر أخلاق وتصرفات رائدا من رواد التحرر، (...) إن تسليط الأضواء على شخصية الأمير عبد الكريم الخطابي اليوم امر يفرضه الواجب، خاصة بعد أن أصبحت صورتنا كعرب ومسلمين مشوهة وأصبحت هناك علامات استفهام حول مبادئ الدين الإسلامي والأخلاق العربية الأصيلة«. هذا هو سعيد الخطابي وهذه هي مواقفه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو لماذا رفض سعيد الخطابي إذن رسالة والده القومجية إلى القومجي عبد الناصر مادام أنها تنم عن نزعة قومية عروبية متطرفة، وهي التي يدافع عنها سعيد. هل لأن السبب في ذلك يعود إلى احتوائها و تضمنها لهجوم شرس من مولاي محند الى النظام العلوي وأيضا تضمنها في الوقت نفسه على مدح وتقدير من مولاي محند إلى العسكري جمال عبد الناصر، وسعيد الخطابي يتعاطف مع النظام المغربي. وإذا كان الأمر بهذا الشكل فإننا لا نفهم لحد هذه الأسطر لماذا لم يطعن سعيد الخطابي أيضا في مطالب عبد الناصر المنسوبة إلى أبيه وإلى ثوار الريف في ميثاق ثوري يحمل شعار الثورة الناصرية، أسئلة كثيرة أخرى إذن تبقى عالقة دون أجوبة مقنعة عن الأسباب والدواعي الحقيقية التي تجعل سعيد الخطابي يطعن أو يؤيد ما نسب إلى أبيه. والغريب والمصادفة هنا هو أن يكون جميع أنجال زعماء الريف الآخرين: الدكتور الراحل عمر الخطابي نجل عبد السلام الخطابي عم مولاي محند، جمال أمزيان وأخوه محمد أمزيان نجلي محمد سلام أمزيان يؤيدون وينسبون هم أيضا مطالب مصر العروبية إلى مولاي محند وإلى ثوار الريف، وخاصة مطلب مغربة الإدارة وتعريبها بدل تمزيغها. وإجمالا يمكن القول إن من ضمن الأسباب الرئيسية التي تجعل سعيد الخطابي يطعن في بعض ما نسب إلى أبيه هو عندما تتضمن نقدا لاذغا للنظام المخزني وهجوما على محمد الخامس، سيما وأن سعيد الخطابي يتعاطف مع القصر ويدافع عن النظام المخزني. وأكثر من هذا لا يعترف بالجمهورية الريفية الأمازيغية التي أسسها الريفيون سنة 1921 بقيادة مولاي محند، حيث يزعم ويدعي مثل أخته عائشة أن والدهم مولاي محند لم يؤسس دولة الريف بل كان يدافع عن النظام العلوي المخزني، وأدرج الذين يخالفونه الرأي في خانة »خصوم عبد الكريم الذين طالما حاولوا تزييف التاريخ وإظهار عبد الكريم وحركته كزعيم محلي ووصموه بالنزعة العرقية والانفصالية والسعي للاستحواذ على السلطة، مع أن عبد الكريم لم يكن مغاربيا فقط بل كان عربيا إسلاميا«. هذا ما قاله سعيد الخطابي في ندوة » البعد المغاربي في شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي « التي نظمته جماعة العدل والإحسان في سنة 2003 بمناسبة مرور أربعين سنة على وفاة مولاي محند. وفي سياق نفس الموضوع وجب الذكر كذلك ان سعيد يطعن أيضا في كتابات محمد الحاج سلام أمزيان غير المطبوعة بسبب احتوائها على مذكرات أبيه تهاجم بشدة النظام المخزني بأكمله، وهي مذكرات كتبها محمد الحاج سلام أمزيان أيام تواجده بالقاهرة في ضيافة مولاي محند، ودون الدخول في متاهات واستنتاجات أخرى لا يمكن الجزم بصحتها وحقيقتها بشكل مطلق فإننا لا يسعنا سوى القول إن كل ما نسب إلى مولاي محند ما يزال يحتاج إلى مزيد من البحث والتفسير وإلى قراءة جديدة بشكل نقدي تراعى فيه خصوصية المرحلة والظروف التي كتبت بها ومن كتبها، سيما وأن العديد من الرسائل والبيانات المنسوبة إلى مولاي محند كان يحررها كتاب عرب ومصريون وكان من عادة مولاي محند أن يوقع فقط بدليل أن معظم هذه الرسائل والبيانات المنسوبة إلى مولاي محند يختلف بعضها البعض في الأسلوب والتعبير الكتابي وأيضا في المضمون السياسي والإيديولوجي حسب توجه كل محرر. ونفس الشيء بالنسبة لتصريحات مولاي محند في الصحافة المصرية التي عادة ما يحرفها الصحافيون المصريون وفق أهوائهم ووفق تواجهات الجريدة التي يعملون بها. ومهما يكن من أمر فإننا لا نفهم لماذا لم يطعن إذن مولاي محند في تصريحاته المحرفة إن كانت فعلا محرفة ويرفض أن تنسب إليه خصوصا وأن الصحافة المصرية ظلت تنشر وبشكل مستمر ودائم تصريحات عروبية قومجية منسوبة إليه، أم أنه كان على علم بذلك وكان لازما عليه أن يعتمد على الخطاب العروبي في حديثه وبياناته وأيضا في رسائله إلى عبد الناصر وإلى شخصيات سياسية أخرى التي يفرض فيها الاعتماد على البرتكول الناصري وعلى الخطاب العروبي، وهو ما لم يكن باستطاعة مولاي محند أن لا يعتمد عليه في ظروف سياسية صعبة يستحيل فيه على أي زعيم سياسي مقيم بمصر أن لا يستعمل الخطاب العروبي في زمن الصحوة العربية العنصرية وفي زمن توحيد سوريا ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة بين البلدين. وهكذا فإن لم يكن مولاي محند لا يستعمل الخطاب العروبي في بياناته ومقالاته وتصريحاته الصحفية وأيضا فيما نسب إليه لكانت هناك انعكاسات سلبية عليه وعلى مركزه السياسي بمصر، ولكان قد فقد الدعم المادي والسياسي الذي كان يحظى به من طرف القيادة المصرية وبالتالي لكانت هناك عواقب وخيمة على مشروعه التحرري وعلى ثورة الريف التي كانت تحظى بدعم مصري مصلحي من أعلى سلطة في البلاد. وحتى لا نظهر كمن يدافع عن مولاي محند وعن أعمال قام بها لصالح السياسة العربية القومجية، فإننا من جهة أخرى نؤكد أن القيادة المصرية قد استغلت مولاي محند بشكل جيد ومفيد في سياستها العربية التوسعية وظلت تكثف من ضغطها عليه طيلة فترة الانتفاضة الريفية من أجل أن يحاول التأثير على توجهات زعماء حركة الريف، ومن ثمة يستطيع أن يستميلهم إلى أطروحة الثورة الناصرية التي كانت لها أطماع سياسية وتوسيعية بالمنطقة الأمازيغية، والتي كانت تحاول الاحتفاظ لنفسها ببعض الـتأثير على الأقل على قادة حركة الريف. ففي هذا الإطار التاريخي تم استغلال تواجد مولاي محند في مصر واستغلال شعبيته ومكانته لدى الريفيين ووجدوا الفرصة سانحة لهم للتأثير من خلاله على الأمازيغ الريفيين. وفي علاقة بهذا الموضوع كتبت مجلة الإكسبريس (l’express ) في عدد فاتح يناير 1959 تقول: » والحالة هذه، تشاء المفارقة أن يكون هؤلاء البربر الريفيون- أي الأكثر ممانعة أمام التعريب – يجدون دعمهم في التأثيرات القاهرية المستمرة« . بالفعل كانت هناك تأثيرات من القاهرة من أعلى سلطة في البلاد التي ظلت هذه العاصمة المصرية طيلت فترة الانتقاضة الريفية تضغط على مولاي محند ومن خلاله على حركة التحرير والإصلاح الريفية وتحاول أن تستغل الموقف لصالحها لصالح الخندق العروبي لدرجة أن كان الديكتاتور عبد الناصر دائما يبعث وفدا عسكريا الى بيت مولاي محند لكي يستغله سياسيا ويقنعه بأهداف الثورة الناصرية وبأفكار القومية العربية ومن ثمة يستطيع أن يصدر هذه الأفكار المسمومة الى الريف اللأمازيغي، لكن على الرغم من ذلك فالمؤكد تاريخيا هو الفشل الذريع للقيادة المصرية في استمالة ثوار الريف الى الخندق العروبي الناصري، عكس مولاي محند الذي لم يستطيع مقاومة الفيروس العربي الناصري أمام الضغوطات والتأثيرات المصرية العربية المتكررة والمتتالية والمستمرة طيلة فترة حكم عبد الناصر. وأمام ظروف خاصة فرضت عليه بمصر. وفي ختام هذا التعليق نستطيع أن نستنتج بعد ذلك أن مولاي محند قد سقط فعلا في فخ العروبة وقد تأكدت هذه العروبة أكثر بعد مكوثه تسع سنوات تحت الهيجان الناصري العربي، وتأكدت أيضا فيما نسب اليه من بيانات ورسائل و مقالات وتصريحات صحفية تنم في مجملها عن توجهات قومية عروبية مفرطة أكثر من نزعة القوميين العرب أنفسهم في كثير من الأحيان، وطبعا نستثني هنا ونأخذ بعين الاعتبار البعض الآخر الذي كان يحرف وتعاد صياغته وفق التوجه العروبي إن لم نكن نرجح أن السواد الأعظم مما كان ينسب الى مولاي محند من كلام قومجي في فترة حكم عبد الناصر كان من عنده. إذن بعد هذا التعليق التلميحي نعود الى نقاش مطالب مصر العروبية... يتبع
|
|