|
افتتاحية: الانتحارات الإرهابية بالمغرب: ومن حب العروبة ما قتل وفجّر! بقلم: محمد بودهان جلّ العلميات الإرهابية التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة لا تخلو من مشاركة فعالة لعناصر مغربيه، مثل أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة و11 مارس بمدريد وتفجيرات الدار البيضاء والرياض... كما لا تخلو ملفات التحقيقات القضائية في الأعمال الإرهابية الإسلاموية، على الصعيد الدولي، من أسماء مغاربة متورطين في هذه الأعمال. هذه "السمعة" العالمية للمغرب كبلد منتج ومصدّر للإرهابيين جعلت بعض الدول تحذر مواطنيها من زيارة المغرب. لماذا أصبح المغرب من أشهر البلدان المنتجة للإرهابيين والانتحاريين الإسلامويين؟ لن أكرر ما سبق أن كتبته بالعدد 75 بمناسبة التفجيرات الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء في 16 ماي 2003 حيث شرحت دور المدرسة، بمضمونها العروبي المشرقي، في برمجة عقول المغاربة ليصبحوا إرهابيين انتحاريين بخلق الاستعداد النفسي والإيديولوجي لديهم للموت والقتل في سبيل القضايا العروبية (انظر http://membres.lycos.fr/tawizaneghmis/Tawiza75/75.htm). هذا المقال ليس إذن تكرارا لما سبق أن كتبته حول موضوع الإرهاب بالمغرب، بل هو استمرار وتكميل له، لأن التفجيرات الإرهابية لـ 11 مارس و10 أبريل بالدار البيضاء هي كذلك استمرار وتكميل للمشروع الإرهابي الذي بدأ في 16 ماي 2003. إن مقولة "ومن الحب ما قتل" قد تسعفنا في تفسير هذا الميل إلى الانتحار الإرهابي الذي (الميل) يكاد يصبح علامة مميزة للمغرب. إن المدرسة، والإعلام، والأحزاب، واللغة العربية، والنقابات، وخطب الجمعة... وكل الثقافة العربية والدينية التي يتشربها الجميع بالمغرب، سواء عن طريق المقررات المدرسية أو التلفزيون أو المسجد أو حتى الأسرة، تساهم كلها في خلق ارتباط بالعروبة وبالمشرق العربي، يجعل الإنسان المغربي ينخرط وجدانيا وعاطفيا في كل ما هو عربي ويتماهى معه إلى حد التوحد والفناء بالمفهوم الصوفي. وهو ما تنتج عنه حالة من العشق الجنوني لكل ما هو مشرقي عربي، فنا كان أو شعرا أو رقصا أو غناء أو حجابا أو "جهادا" أو انتحارا أو لحية أو تكفيرا أو لباسا أفغانيا... ومما يزيد من قوة هذا العشق وحدّته، كما بيّن ذلك الأستاذ ميمون أمسبريد في مقاله بعنوان "العروبيون المغاربة وعقدة الدونية" بالعدد 118 من "تاويزا"، هو أنه حب من جانب واحد، من المغربي لما هو عربي دون أن يقابله نفس الحب في اتجاه العربي نحو ما هو مغربي. وهذا ما يجعل منه حبا غير عاديّ، حبا مجنونا وأحمق. هذا الحب من جانب واحد هو النتيجة المباشرة لسياسة الاستلاب والتعريب الهوياتي الماسخة للانتماء والأصالة، والماسحة للاستقلال والتميز. وهي سياسة امتدت على مدى أزيد من نصف قرن في شكل مخطط واعٍ وإجباري ومحدد الأهداف والغايات، بالإضافة إلى قرون من نفس السياسة التي كانت على شكل عفوي وبسيط. لقد أصبح المغربي، بسبب هذه السياسة العروبية الإجرامية، لا يعرف من قضايا يدافع عنها ويستعد للتضحية من أجلها سوى القضايا العربية ـ سواء في مضمونها القومي أو الإسلاموي الجديد ـ التي أصبحت تربطه بها علاقة حب عذري قوية يعمي ويصمّ. وبما أن القضايا العربية، القومية والإسلاموية، تدور كلها حول فكرة المؤامرة ضد العرب والعروبة والدين العربي، وفكرة المخطط الصليبي الذي يقوده اليهود والولايات المتحدة والغرب عامة ضد العرب لكونهم خير أمة أخرجت للناس، فإن المغربي المستلب الولهان بالعروبة وقضاياها القومية والإسلاموية، يصبح عدوه اللدود هو كل معادٍ للعروبة ودينها العربي، بل كل من لا يعادي من يعادي العروبة والدين العربي. وبما أن أصدق عربون عن الحب هو استعداد المحب للتضحية من أجل المحبوب، فإن التفجيرات الإرهابية هي الشكل الأرقى للتعبير عن هذه التضحية في سبيل هذا الحب. وبما أن هذا الحب أعمى ومجنون لأنه من جانب واحد وفي اتجاه واحد كما سبق أن شرحنا، فإن التضحية ستكون هي كذلك عمياء ومجنونة عندما تتحول إلى تفجير انتحاري يقتل الذات المنتحرة والذوات الأخرى التي يعتقد المحب أنها تقصّر في حب ما هو عربي. فإما أن تحب أو يقتلك معهم المحبون! والتضحية انتحارا وانفجارا، بقدر ما هي برهان عن الحب، فهي كذلك تدمير للذات وانتقام منها لفشلها في استمالة المحبوب ليبادل المحب المنتحر نفس الشعور بالحب. إن الثقافة العربية المستلِبة (إنها بالفعل تسلب العقل لأنها تعطّل التفكير) المفروضة على المغاربة، هي ما يدفع بعضهم إلى النحر والانتحار في سبيل القضايا العربية، سواء اتخذت شكلا قوميا أو إسلامويا، خصوصا عندما تقنعهم هذه الثقافة الخرافية المستلبة، بعد النصب عليهم وغسل أدمغتهم، أن وراء هذا النحر والانتحار حور عين حسانا تنتظرن المنتحرين على باب الجنة المفتوحة لهم. وكل هذه الأفكار الخرافية والنصبية (من النصب) المستلبة جزء من الذهنية العروبية ومن الفضاء الثقافي العربي الذي غزا عقولنا بسبب سياسة التعريب المدمر للذات والهوية والعقل. إن ما يقوي ويبرر هذا الارتباط بما عربي، إسلامويا كان أم قوميا، هو الاستعمال السياسي للإسلام الذي (الاستعمال) يجعل من الدفاع عما هو عربي دفاعا عما هو إسلامي. وهذا الاستعمال السياسي للإسلام كان حاضرا دائما منذ الغزو العربي لشمال إفريقيا، بل كان هو أنجح سلاح استعمل في هذا الغزو، وباسمه تم احتلال الشعوب الأخرى وفرض اللغة العربية كلغة للدين الإسلامي. فالإرهابيون المنتحرون يعتقدون أنهم يموتون ويقتلون الآخرين في سبيل الإسلام، في حين أنهم يموتون من أجل أوهام عروبية ويقتلون من أجل العروبة والقضايا العربية التي لا تكفّ السلوكات العروبية عن خلقها خلقا استنادا إلى نظرية المؤامرة التي تحكم هذه السلوكات. وهي سلوكات بدوية جاهلية لم يستطع الإسلام القضاء عليها، بل هي التي نجحت في توظيفه واستعماله وتكييفه حسب ما تقتضيه تلك السلوكات البدوية الجاهلية. لنتأمل مبدأ الإسلامويين الذي ينادي: "الشهادة أو النصر"، أي الانتصار على الولايات المتحدة والغرب المسيحي وسحق إسرائيل ومحوها من الوجود أو الاستشهاد، أي اختيار الموت. فهذا مبدأ جاهلي وجد قبل أن يظهر الإسلام الذي يوظفونه لتبرير هذا المبدأ الجاهلي الذي عبر عنه بوضوح عمرو بن كلثوم حين قال: ونحن قوم لا توسط بيننا ** لنا الصدر دون العالمين أو القبر. هذه الأفكار والسلوكات والقناعات الجاهلية هي ما يدافع عنها اليوم الإسلامويون الذين يريدون أن يحكموا العالم وتكون لهم الصدارة على العالمين أو الموت والقتل في تفجيرات انتحارية. فالإسلام ليس إلا وسيلة لتبرير الغاية التي تبقى عروبية بدوية جاهلية. هذه الأفكار والسلوكات والقناعات ذات الأصول الجاهلية هي التي تغرسها وتنشرها الثقافة العروبية بالمغرب حتى أنها أصبحت جزءا من الوعي المغربي نفكر فيها وبها ولأجلها. بل أصبح الكثير من المغاربة في علاقة عشق وهيام بها، ومستعدين للتضحية/الانتحار من أجلها. الجميع يتظاهر بالتنديد بالإرهاب والتطرف، والجميع يرجعه إلى الفقر والتهميش الذي تعيشه بعض الأحياء، أو إلى ما يسمونه غطرسة أميريكا وإسرائيل. ولكن لا أحد يرجع هذه الظاهرة إلى مصدرها الحقيقي، وهو تبعيتنا للمشرق العربي التي تجعلنا نتبنى إيديولوجيته وأفكاره وندافع عن قضايا ومشاكله. فالأعمال الإرهابية التي نفذها مغاربة ليست سوى تطبيق لتلك الإيديولوجية ذات الأصل الجاهلي الصحراوي التي تريد أن يكون لها "الصدر دون العالمين" أو القبر والموت للجميع. الحلول المقترحة للقضاء على التطرف والإرهاب تتلخص في محاربة الإقصاء والفقر ونشر ثقافة التسامح والاعتدال، والتوعية والقضاء على الأمية... إنها مجرد إنشاءات كثيرة تحاول القضاء على الإرهاب انطلاقا من نفس الثقافة السياسية التي خلقت الإرهاب ووفرت شروطه وتربته. لا واحدا من الذين ناقشوا هذه الإشكالية، سواء من الحكومة أو الأحزاب أو المثقفين والصحفيين، وضع يده على السبب المباشر والحقيقي الذي قلنا بأنه يتمثل في التبعية للمشرق، خصوصا فيما يتصل بالثقافة السياسية. وبالتالي فإن السبيل للقضاء على ثقافة الإرهاب هي القضاء على الثقافة التي أنبتته وخلقته، أي القطع مع التبعية الإيديولوجية والثقافية والذهنية والدينية للمشرق العربي. طبعا هذا القطع مع العروبة كإيديولوجية وفكر وسلوك وذهنية وثقافية سياسية، يتطلب إعادة النظر في البرامج الدراسية وفي اختيارات الدولة وتوجهاتها الأساسية. لكن كل هذا يتوقف أولا على الرجوع الرسمي والسياسي إلى الأمازيغية كثقافة سياسية وكهوية رسمية للمغرب وللدولة الأمازيغية بالمغرب. فالأمازيغية، عندما تتبناها الدولة كخيار ثقافي وإيديولوجي ، تعمل على ترسيخها عن طريق المدرسة والإعلام وتغرس عشقها في الأذهان والقلوب، بنفس الحماس الذي سبق لها أن رسخت وغرست به في التربة الأمازيغية المغربية ثقافة الموت البدوية الجاهلية، تصبح ترياقا طبيعيا ضد الإرهاب وجسما مضادا anticorps للتطرف وللنزعات الظلامية والاعقلية. منذ أزيد من خمس سنوات والاعتقالات والمحاكمات مستمرة في من يشتبه بأنهم إسلامويون متطرفون. لكن المسؤول الأول والحقيقي عن التطرف الإسلاموي هم أصحاب القرار السياسي، ذوو الثقافة السياسية العروبية، الذين أقصوا الأمازيغية وألحقوا المغرب بالعروبة وفتحوا باب المغرب ومساجده وعقول أبنائه وأفئدتهم لكل الأفكار العروبية المتطرفة القادمة من صحراء الربع الخالي. فهؤلاء هم الأولى بالاعتقال والمساءلة والمحاكمة لأنهم وفروا الظروف والشروط لنشأة الأفكار العروبية المتطرفة التي تغذي ثقافة الموت والإرهاب بالمغرب.
|
|