|
الفكري-السياسي يحتضر والثقافوي-الفرجوي يزدهر بقلم: أتعفوفت عمر يعتبر منع الأنشطة الفكرية والسياسية في مغرب اليوم السمة البارزة التي تطبع مشهدنا السياسي. ولعل أبرز ضحايا هذه السياسة هم النشطاء الأمازيغ الذين منعوا في مناسبات عدة وهم بصدد الإعداد لتنظيم أنفسهم سياسيا وفكريا/أيديولوجيا، باعتباره الحق الطبيعي الذي تقره جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والذي لا يمكن العيش بدونه مواطنة كاملة، يسمى الأفراد الذين يعيشون في ظلها مواطنين يتمتعون بكامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات. لقد منع الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي من استكمال تنظيماته على مستوى الأقاليم والجهات كما يقر ذلك القانون، كما منع ومورس في حق مناضليه أسوأ المعاملات من طرف أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل من تيزنيت ومراكش وطنجة وآيت باعمران وأكادير وايفران ومكناس والناظور... والبقية ستأتي لا محالة. نفس الأمر يتكرر مع جمعية أفرا بمدينة تيزنيت حيث تم منع محاضرة من تنظيم الجمعية ذاتها يو م27 دجنبر 2006. وهاهي جمعية إدرفين للثقافة والفن بأكادير هي الأخرى ضحية المنع المخزني البليد للنشاط الذي تعتزم تنظيمه يوم الأحد 18 مارس 2007 بمقر القصر البلدي لمدينة أكادير، رغم قيامها بجميع الترتيبات والإجراءات القانونية المنصوص عليها في القوانين المعمول بها في البلاد. هدا النشاط الذي كان من المقرر أن تستضيف فيه الجمعية المذكورة كل من الصحافيين مصطفى عنترة وسعيد باجي لمناقشة كتابيهما اللذين صدرا مؤخرا بحسب ما جاء في نص الدعوة التي نشرت على نطاق واسع على شبكة الانترنيت من طرف الجمعية ذاتها. هذا المنع غير المبرر والغير القانوني الصادر شفويا من طرف السلطات المحلية لمدينة أكادير يكشف مرة أخرى عن زيف الشعارات المرفوعة من طرف المخزن والمستفيدين من كعكة الحكم في البلاد من قبيل "دولة الحق والقانون" و"العهد الجديد"و "الإنصاف والمصالحة".... إلا أن اللغز المحير الذي يثير استغرابنا لم يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه لطرح العديد من التساؤلات والإشكالات في ظرفية تتسم بالعديد من التناقضات. منع نشاط فكري سياسي للجمعية المذكورة مقابل منح ترخيص لتنظيم نشاط ثقافي، عفوا ثقافوي (أمسية فنية) لجهات أخرى بنفس المدينة وتحديدا بالمركب الثقافي والرياضي محمد جمال الذرة في حي الداخلة. فهل هي رسالة من طرف المخزن لمنع وقمع الفكر والمفكرين وتشجيع الثقافة في بعدها الفلكلوري: "الشطيح والرديح" و"تو الهم ايتوك"... ؟ إن هذه السياسة النيومخزنية التي مافتئ يعبر عنها بواسطة خنق ومنع كل نشاط فكري، سياسي أمازيغي جاد وهادف خاصة بعد التحول الجذري الذي شهده العمل الأمازيغي. لقد أصبح العمل الثقافوي والمهرجاناتي ذو الطابع الفرجوي العابر هو الوحيد المسموح به، والذي يبقى في آخر المطاف متنفسا ولحظات مثلى لإفراغ مكبوتات الجماهير لاسيما في هذه الظرفية الخطيرة والحساسة جدا والتي تنذر بزلزال سياسي وشيك مع قرب المهزلة. وهدا الأمر بدا واضحا منذ الإعلان عن تأسيس بعض المؤسسات التي تدخل في هذا النطاق، بالإضافة إلى الإعلان عن تنظيم مهرجان تيميتار ومهرجانات صيفية أخرى ترصد لها ميزانيات خيالية في الوقت الذي تم فيه محاصرة الأنشطة الفكرية والسياسية ومختلف المشاريع الرامية فعلا إلى النهوض بالثقافة والفكر الأمازيغيين، كذلك في زمن يعيش فيه السكان في الجبال والسهول أسوأ أيام حياتهم وذلك نتيجة للانعكاسات الخطيرة للجفاف الطبيعي والتهميش المخزني. لقد عبرت هذه السياسة اليوم وبالملموس عن حساسية المخزن تجاه السياسة الأمازيغية الحقيقية التي تطمح للوصول إلى الحكم أو على الأقل التأثير في مصنع السياسة العامة للبلاد، كما أنه يربط بشكل جدلي بين ما هو لغوي-ثقافي وبين ما هو سياسي-اقتصادي واجتماعي،في إطار الكل الذي لا يتجزأ، ولا يقبل التجزيء. إن المتتبع للشأن الأمازيغي اليوم ببلادنا لا يشك لحظة واحدة في أن المخزن يروم، بشكل لا يقبل الجدل، ضرب السياسي بالثقافي/الثقافوي عبر آلية تشجيعه للعديد من المهرجانات والأمسيات الفنية ومختلف أشكال "البهرجة"، ليس حبا منه في الثقافة والفن الملتزمين، لكن الهدف هو محاولة حصر والهاء الجماهير في الثقافوي حتى لا ينصرفوا نحو الأطروحة السياسية الأمازيغية خاصة وأن الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي أعلن منذ البداية عن تحديه ومقاومته السياسية الشرسة مع المخزن وذلك عبر محطات نضالية متعددة. ترى إلى متى سيشجع المخزن ومؤسساته الأنشطة الثقافوية الفرجوية ويمنع الأنشطة الفكرية والسياسية؟؟؟ إلى متى سيستيقظ من يعتبرون أنفسهم مناضلين من سباتهم الثقافوي الذي اثبت عدم فعاليته؟ فهل يمكن أن يشكل هذا الحدث، الذي يحمل في طياته تناقضات عدة يستحق معها التتبع والقراءة، لحظة تأمل للبعض في السياسة النيومخزنية تجاه المد الأمازيغي اليوم؟
|
|