|
منع الأسماء الأمازيغية انتهاك لمعيار "عدم التمييز" رشيد نجيب سيفاو* في أحيان كثيرة يقوم مجموعة من رؤساء جماعات وبلديات أو ضباط الحالة المدنية بها على منع تسجيل الأسماء الأمازيغية المنقاة من طرف الآباء لمواليدهم بدفاتر الحالة المدنية، وذلك لأسباب لا يمكن أن تندرج إلا في إطار العنصرية المحضة والتمييز الواضح المحظورين عالميا بمقتضى كل وثائق ونصوص المرجعية الدولية في مجال حقوق الإنسان والمعتمدة من قبل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الموازية. إذ يعتبر هؤلاء أن هذه الأسماء مرفوضة لأنها حرام ما أنزل الله بها من سلطان على حد تعبير معظمهم. أمر المنع هذا كثيرا ما نسمع به على لسان العديد من أرباب ومسؤولي الأسر أو العائلات المتضررة من حرمان أبنائها من حق التسجيل، فيسرعون إلى إصدار البيانات والبلاغات المنددة بهذا الخرق وإلى الاتصال الكتابي مع المنظمات الحقوقية، وفي أحيان كثيرة إلى رفع دعاوى قضائية لدى المحكمة الإدارية، وهي كلها مؤشرات واضحة على الوعي الحقوقي والوعي بقيم المواطنة لدى هؤلاء الآباء المتضررين... فما هي إذن، الأبعاد والدلالات الخطيرة لقرار منع تسجيل الأسماء الشخصية الأمازيغية، والذي يكون في الغالب قرارا مؤسسا على الهوى والنزوات المؤطرة بأيديولوجية عنصرية مريضة؟ إن الكثير من المسؤولين عن منع تسجيل الأسماء الأمازيغية يبررون سلوكهم هذا بناء على كون هذه الأسماء تدخل فيما هو حرام، بذلك فهم يصدرون فتوى تندرج حتما في إطار التحريم، وهو ما يشكل تطاولا بينا على المؤسسات القائمة بالبلاد. فمن المعلوم أن مصادر الإفتاء معروفة ومنظمة بقوانين تسمح لها بإصدار الفتاوى وليس كل من هب ودب من أمثال رؤساء الجماعات الذين يحرمون الأسماء الأمازيغية لأسباب عنصرية محضة يغلفونها بغلاف ديني لتبرير منعهم لدى الرأي العام. إن أولئك الذين يمنعون الأسماء الأمازيغية من حق التسجيل يضربون عرض الحائط بالقوانين المدنية الجاري بها العمل في المغرب، حيث أن قانون الحالة المدنية واضح في حالة مجموعة من الأسماء التي يمنعونها، فبمقتضى المادة 23 من هذا القانون، فإن الاسم الذي سبق للجنة العليا للحالة المدنية أن درسته وتداولت بشأنه يصبح العمل بها إلزاميا بجميع المكاتب في أي مكان من المغرب وفي قنصلياته وسفاراته دون استثناء يذكر. ومن المعلوم أن هذه اللجنة سبق لها أن حسمت بالقبول وعدم الرفض في عدة حالات لأسماء سبقت أن عرضت عليها، وما على ضباط الحالة المدنية إلا تسجيل هذه الأسماء دون اللجوء مجددا إلى اللجنة العليا لأنها ستحكم في الأخير بجواز استعمال الاسم اعتمادا على اجتهادها السابق وتطبيقا للقاعدة القانونية القائلة ب: "حجية الشيء المقضي به". إن المسؤولين الذين يتحملون وزر منع تسجيل الأسماء الأمازيغية، يتطاولون واقعيا عل أسمى قانون بالبلاد وهو الدستور الذي يقر في ديباجته بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. لأنهم يصرون على منع مواطنين من حق جد بسيط من حقوقهم وهو تسمية مواليدهم بأسماء أمازيغية معبرة عن هويتهم. إن قرار منع تسمية المواليد الجدد بأسماء أمازيغية الذي يتخذه بعض المسؤولين هو قرار يرمي إلى إشاعة العنصرية وإعطاء الطابع الشرعي للتمييز بين المواطنين والإساءة إلى صورة المغرب على الصعيد الدولي إذ يكفي أن نذكر أن كلا من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهي أكبر تجمع دولي للمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان عبر العالم وكذا المفوضية العليا لحقوق الإنسان في تقريرها حول المغرب الصادر في ماي الماضي، قد دعتا المغرب إلى منح الحرية للمواطنين في اختيار أسماء مواليدهم دون مثبطات. فبقراراتهم تلك يتطاول هؤلاء المسؤولون على القوانين الدولية التي صادق عليها المغرب، ويجعلونه بذلك يتنصل من التزاماته السابقة في هذا المضمار. كما يساهمون بذلك في ترتيب بلادنا في أسفل الترتيب عندما يتعلق الأمر بممارسة حقوق الإنسان والحريات العامة. وحيث أن ضباط الحالة المدنية يرفضون هذه الأسماء الأمازيغية للمواليد وهو ما يزعزع الشخصية القانونية لهؤلاء الأطفال، ولأن الاسم يشكل الدعامة الرئيسية لهذه الشخصية القانونية فإنهم يخرقون المادة 6 من الإعلان العلمي لحقوق الإنسان والتي تقول: "لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية". ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن تمتع هؤلاء الأطفال الأمازيغيين بالجنسية المغربية لأن الجنسية لا تأخذ معناها إلا إذا اقترنت بالاسم، وهو الأمر الذي يشكل خرقا للفصل الأول من المادة 15 من نفس الآلية والتي تقول : "لكل طفل حق التمتع بجنسية ما". وحيث أن الأطفال يعدون جزءا من الأسرة، فمن واجب الدولة حماية هذه الأسرة وليس التسبب لها في مشاكل هي أصلا في غنى عنها. إن هؤلاء المسؤولين يخرقون الفصل 4 من المادة 16 من نفس الإعلان والذي جاء فيه: "الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة". ولأن السم المختار من قبل الأسرة يعكس طريقة تفكيرها في الحياة والمنهج التي ستربي على أساسه وليدها، ولأن للأسرة الدور الهام في عملية التنشئة الاجتماعية، فإن قرارات منع التسمية التي يتخذها بعض المسؤولين تتنافى ومنطوق الفصل 3 من المادة 26 من نفس الإعلان: "للآباء الحق الأول في اختيار نوع التربية لأولادهم". وحيث أن المكلفين بالحالة المدنية يعطلون بقرارهم هذا التسمية الإدارية والقانونية لهؤلاء الأطفال، فإنهم بذلك يخرقون المادة 24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "لكل طفل الحق في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر على أسرته وعلى كل من المجتمع والدولة دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الولادة". وجاء في الفصل 2 من نفس المادة:" يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم". أما ما تتنافى معه قرارات المنع هذه مع مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل فحدث ولا حرج. فالفصل 1 من المادة 2 من الاتفاقية يقول: "تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضوعة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز وغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو ديانتهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الاجتماعي، أو ثروتهم أو عجزهم أو مولدهم أو أي وضع أخر". ولأن في الحياة جانبا مهما ماديا وأخر معنويا رمزيا، فإن قرارات المنع المتخذة في شأن هذه الأسماء تمس بالبعد المعنوي في حياة هؤلاء الأطفال لأن الفصل 1 من المادة 6 من نفس الاتفاقية يقول: "تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا في الحياة". أما الفصل 1 من المادة 8 من اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليه عالميا فيقول: "يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية". فإننا نورده بلا تعليق مادام في غير حاجة لذلك. نستخلص إذن أن قرارات ضباط الحالة المدنية القاضية بمنع تسجيل بعض الأسماء الأمازيغية هي في مجملها تدخل غير شرعي يستهدف حرمان أطفال أبرياء من أسمائهم للنيل من هويتهم. *عضو بالمكتب التنفيذي للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان
|
|