الضجة على ظهير 16 ماي 1930
والصمت على قانون التجنيس لـ 17 ماي 1947 بآيت باعمران
بقلم: عبد النبي ادسالم أباعمران
إننا هنا أمام نموذج حي للكثير من الأحداث التي استغلتها ما
يسمى بـ"الحركة الوطنية" في فترة المقاومة. وقد نجحت في تمرير إيديولوجيتها على
حساب الشرعية التاريخية للأمازيغ التي نالت منها بطريقة أو بأخرى.
نحن هنا بصدد التطرق إلى نوعين من الإجحاف والإقصاء الذي مورس ضد أبناء القبائل
الأمازيغية. التاريخ سجل ذلك في أضخم مجلداته. فظهير 16 ماي 1930 لم يكن يحمل في
عمقه تلك الاتهامات الموجهة إليه من زرع الفتنة بين أبناء الشعب وتقسيم البلاد على
أساس عرقي. فقد كان ظهيرا شريفا يحمل خاتم السلطان محمد بن يوسف تحث اسم الظهير
المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف الأمازيغية. وكانت رغبة فرنسا من وراء
ذلك استكمال الحماية والتوغل داخل القبائل، خاصة وأنها تعي تمام الوعي أن النسيج
القبلي للمجتمع المغربي يستمد قوته من مجموعة من الأعراف والتقاليد تدعى "إزرفان"،
ويتم تطبقها على مستوى "انفلاس" و"امغارن" الذين يكونون مجالس كمجلس أيت ربعين بآيت
بعمران كأعلى هيئة تقريرية في شؤون القبيلة. إلا أن صدور هذا الظهير تحول إلى
أسطورة في تاريخ المغرب ترسخت في أذهان المغاربة وأدرجت في المقررات المدرسية
للتاريخ لتزرع الحقد والكراهية بين أبناء هذا البلد، وتشكل إيديولوجية أمازيغوفوبية
سائدة كان الهدف الحقيقي وراءها تقوية بداية تأسيس ما يسمى بـ"الحركة الوطنية"،
خاصة بعد اتحاد حركتي بلافريج و علال الفاسي في 1927، ويكون ظهير 16 ماي ورقة رابحة
وأرضية خصبة لممارسة العمل السياسي. ورفعت شعارات من قبيل حماة السلام والعروبة
والوحدة الوطنية، وتسربت مواقف تحمل العداء والحقد على لأمازيغ. وهنا ندرج كلام أحد
أقطاب الفئات التي تصدت لهذا الظهير، وهو موقف سياسي بدون التباس، في ما أعلنه محمد
حسن الوزاني زعيم حزب الشورى والاستقلال عند رده على كتاب فرنسي انتقد العربية
الدارجة. وهذا ما قاله بالحروف عن الأمازيغية: "إنها لهجة رعاة وقوم سذج لا لهجة
تحرر يتداولها أناس صقلهم العلم وهذبهم الرقي وطبعتهم المدينة كما هو شأن لناطقين
بالعربية". هذا الموقف يوضح بالملموس العداء الذي يكنه أولئك الذين يسمون أنفسهم "وطنيين"
ويسمون غيرهم "سذجا" لأنهم لا يعرفون العربية. وهنا نتساءل حول الدوافع الحقيقية
وراء هذا الحقد و العداء؟ هل العروبة كتوجه قومي يقر أحادية اللغة العربية وأحادية
الفكر أيضا من خلال الغطاء الديني، أم أن ذلك مرتبط أساسا بالمقولة السائدة في
تاريخ المغرب حول الصراع بين الدخيل والأصيل، وبين المخزن وبلاد القبيلة، وبالتالي
الخوف من أن يكون هذا الظهير بداية إحياء النظام القبلي لأن الظهير أقر الاعتراف
بأحد المكونات الأساسية في التكوين السوسيولوجي للمجتمع المغربي ألا وهو القبيلة
ذات النظام القبلي الديمقراطي كأساس ايديولوجى يسير "تقبيلت"، والذي سماه عمر افا
بعهد الديمقراطية الأمازيغية.
فاللغز الذي حيرني دائما مند أن حاولت الاطلاع على تاريخ آيت باعمران هو أنه إذا
كانت هذه النخبة أثارت ضجة كبرى في تاريخ المغرب ضد هذا الظهير وصلت إلى حد قرائة
اللطيف في المساجد أثناء صلاة الجمعة، فلماذا لم تواجه قانون التجنيس لـ 17 ماي
1947 بآيت باعمران "كظهير بربري" ثانٍ يستهدف إخراج الباعمرانيين عن هويتهم
وثقافتهم؟ ولماذا لم تتحرك "الحركة الوطنية" ضد هذا القانون الذي عبر في مضامينه
بشكل صريح عن نوايا إسبانيا في تغيير المجتمع البعمراني وجعله إسبانيا بالقوة لا
بالفعل؟ وقد واجهت قبائل آيت باعمران لوحدها هذه المحنة كباقي القبائل المغربية
التي واجهت محنة الحماية، والتي تعد مأساة تاريخية كان من ورائها أباء أولئك الذين
استنجدوا بالقوى الأوروبية كفرنسا وإسبانيا لتكون سندا لهم ضد ما يسمونهم بـ"الرعاة"
و"السذج". لكن التاريخ اعتبرهم "أبطالا" و"مقاومين" ضحوا بدمائهم من أجل الانعتاق
والتحرير، وحملوا دائما فكر التحرير والديمقراطية. وها نحن اليوم نقاسى من افتراءات
هذه الشرذمة من الانتهازيين وتزييفها للتاريخ والحقائق، هذه الشرذمة التي استطاعت
بعلاقتها الحمائية وتكوينها في مدارس المستعمر أن تتربع على مناصب دولة الاستقلال.
وها هو التاريخ اليوم يكشف لنا عن الحقائق والاغتيالات والاختلاسات وغيرها.
ومن هذا المنبر الحر ندعو مرة أخرى كل الضمائر الحية إلى تصحيح التاريخ المغربي
وإعادة الاعتبار لرموزه وفضح كل أشكال التزوير والتزييف التي طالت هذا التاريخ.
وأجدد تكرار السؤال الأهم في هذا المقال: لماذا تحول ظهير 16 ماي 1930 إلى أسطورة
دغدغت مشاعر المغاربة ولم يتحول قانون التجنيس لــ 17 ماي 1947 الذي أصدرته اسبانيا
في حق آيت باعمران إلى "ظهير بربري" يقرأ اللطيف لمنع تطبيقه؟.. والأكيد أن التاريخ
سيجيب لا محال عن كل التساؤلات العالقة في تاريخ المغرب...
(عبد النبي ادسالم أباعمران Abdenbi @Yahoo.fr )
|