| |
بوجمعة هباز... مأساتنا
جميعا
(رسالة مؤجلة إلى الفقيد الغالي)
بقلم: الحسين أداي
عزيزنا بوجمعة هباز، فقيدنا الغالي.
أن يسرق وطن أبناءه في واضحة النهار، مصيبة. وأن يسرق وطن واحدا من أبنائه ممن
لديهم مشروع لرقي وخدمة هذا الوطن نفسه حتى تتمكن جميع فئات هذا الوطن وجميع
مكوناته من العيش الرغد الكريم، مصيبة كبيرة. وأن يتنكر لك رفاقك من الأكاديميين
الأمازيغيين بالأمس القريب أو البعيد، كلاهما سيان، وقد قاسمتهم الحلوة والمرة وملح
الطعام، بتعبير إيمازيغن أنفسهم، فيما مضى من الأيام الطوال، وقاسمتهم ظروف التأسيس
في نهاية الستينيات، وما أقساها، وما أشقاها، وما أصعبها، أن يتنكروا لحقيقة
اختطافك، وحق وجودك الإنساني، ولا يبذلوا أي مجهود في سبيل الكشف عن هذه الحقيقة
فتلك مصيبة أكبر وأعظم.
جريمة السرقة / الاختطاف ومؤامرة الصمت الأمازيغي لهما نفس القدر في ميزان العدالة
الانتقالية بكل معايير القانون الدولي الإنساني وفي موازين كل الشرائع والتشريعات.
ما أقسى وطنا يسرق أبناءه! بئس الرفاق، رفاق يتنكرون لرفيق لهم!
عزيزنا بوجمعة هباز، فقيدنا الغالي.
ها أنت ترى بأم عينيك، أن غلبت قوة الامتيازات والإغراءات والمناصب السامية
والتمثيليات في المؤسسات والمجالس الرسمية الإدارية، ولنختصر الكلام فنقول
المخزنية، غلبت كلها على منطق الحقيقة المرة، وغلبت على تاريخ من الصداقة والعشرة
الطويلة، إنها لعمري مأساة ما بعدها مأساة.
ماذا عساك تقول الآن، وقد أصر معظم رفاقك من الأمازيغيين واليساريين، فهم سواء،
والذين عاشرتهم في أكثر من موقع وأكثر من لحظة، أن يتنكروا لك اليوم. ويكاد البعض
منهم ـ عن سبق الإصرار والترصد ـ ولحسابات الله وحده يعلمها، أن يجردوك ليس فقط من
حقك في الحياة، بل وهذا أدهى وأمر، من حقك في التاريخ ومن هويتك النضالية
والتاريخية الأمازيغية التقدمية. وتأبى إرادة بعض رفاقك من المتواجدين في هيئة
الإنصاف والمصالحة إلا أن تمنع عائلتك الصغيرة، وعائلتك الكبيرة من الحركة الثقافية
الأمازيغية التقدمية، لا المخزنية، وتمنع بالتالي جحافل من مناصري الحق والحقيقة
والعدالة من معرفة حقيقة اختطافك. وتأبى إرادة نفس رفاقك الرسميين الذين أصبحوا
تلاميذ جيدين لدى أستاذهم وسيدهم المخزن إلا أن تتستر عن أسماء مختطفيك وجلاديك. يا
للمهزلة.
شاءت إرادة هؤلاء، والذين لطالما شاركتهم القراءة والتحليل من كتب كارل ماركس، ليس
من ترجماتها العربية، ليس بروح قومجية، لكن من أصولها وبروح إنسانية، شاءت أن تسجلك
في لوائحهم الرسمية المشؤومة بدون هوية، يا للجهل. وهل يحتاج بوجمعة هباز إلى هوية؟
وهو الهوية ذاتها، وهو الوطن ذاته.
قليلون من يعرفون أنك كنت بمثابة مولود معمري المغربي، وأنك عملت المستحيل، مضحيا
بحياتك، أغلى ما لديك، في سبيل إفراز تيار تقدمي غير ممخزن في صفوف الحركة الثقافية
الأمازيغية منذ الثمانينات، ولنا أن نتصور حاضر قضيتنا لو أننا توفرنا على هذا
التيار الذي مازلنا نفتقد إليه منذ ذلك الزمن الثمانيني؟ في الوقت الذي اختار فيه
البعض من زملائك الارتماء في أحضان المخزن الواسعة منذ ذلك الزمان، وإن اختلفت
وسائل الخدمة عما عليه الآن.
عزيزنا بوجمعة هباز، فقيدنا الغالي.
اختار رفيقك إدريس بنزكري غض الطرف عنك في تقريره المرفوع. اختار أن تشكل الاستثناء
الوحيد.
اختار رفاقك الإركاميون مؤامرة الصمت. فكانت التمثيليات وظهائر التعيين. ألهذه
الدرجة تنمي تربية دار المخزن في نفوس مريديها الخذلان والتنكر؟
اختارت الجمعيات الأمازيغية كذلك سياسة السكوت من ذهب ومن مقاعد بالمجلس الإداري
لمعهد يتيم. ألهذا المستوى تعلم الرغبة في ولوج دار المخزن الصمت عن الحق؟ أليس
الساكت عن الحق شيطانا أخرس؟
أما نحن فقد اخترنا طريق البحث عن الحقيقة وفضح مؤامرة الصمت. وطوبى للمعينين
بالظهائر والممثلين، وطوبى للحالمين والعاملين على السواء. هنيئا مريئا.
ملفك غريب وعجيب، فهو ملف حديث نسبيا في تاريخ الانتهاكات التي عرفتها البلاد
وشهدها العباد في سنوات الرصاص، فواقعة الاختطاف التي كنت عرضة لها لم تقع إلا في
أبريل 1981، فإذا كنا نعرف الكثير عن انتهاكات الخمسينيات البعيدة والستينيات
البعيدة والسبعينيات البعيدة، والكثير عن انتهاكات الثمانينيات، فما الذي يمنع أن
نعرف عن واقعة اختطافك وتعذيبك؟
إنك يا بوجمعة مثال صارخ وحي عن الطريقة التي يتعامل بها المخزن مع قضيتنا، منظوره
ينطلق من جعل الأمازيغيين مواطنين من الدرجة العاشرة، ولذلك فليكونوا هم وقضيتهم
الاستثناء في كل شيء، لا يهم: في التعليم، في الدستور، في التنمية، في الإعلام، في
التاريخ، في العمل، في الحقيقة... لذلك اختاروا أن تكون، وأنت الأمازيغي القادم من
المغرب غير النافع من منظورهم، أن تكون الاستثناء في الحقيقة.
عزيزنا بوجمعة هباز، فقيدنا الغالي.
كثيرا ما ننتقد الأحزاب المغربية القومجية، ونكيل لها سيلا من الشتائم والسباب، ولا
نقيم لها وزنا ولا اعتبارا. غير أنني هذه المرة أدعو الحركة الثقافية الأمازيغية
إلى أن تأخذ الدروس والعبر من هذه الأحزاب في طريقة تعاملها مع مناضليها في
مساندتها لهم وتضامنها معهم في السراء والضراء، يكفي أن نرى بأم أعيننا كيف يستحضر
حزب الاتحاد الاشتراكي ذكرى مناضليه المهدي وعمر.
أتعوزنا نحن الوسائل لكي نخصك بذات التكريم؟ لا أعتقد ذلك، بل لنقل صراحة إننا
مصابون بعدوى نسيان مناضلينا والتنكر لخدماتهم وتاريخهم النضالي.
إن المخزن بإمكانه أن يحتوي من يشاء من أبناء شعبنا الأمازيغي المقهور، المغلوب على
أمره، أن يدجن منهم كالدجاج من يشاء، أن يروض منهم كالقرود من يشاء لخدمة سياساته
البربرية القديمة /الجديدة، لكن لا يمكن له ـ والتاريخ رهان ـ ولأكاذيبه ومناوراته
أن يفلح في توجيه هذا الشعب الأمازيغي والذي يسميه "بربريا" في أدبياته، ما لم يحصل
على حقوقه كاملة غير منقوصة، وتذكروا جيدا. واهم هو من يعتقد أنه ستكون هناك مصالحة
ما لم يتم الكشف عن من كان وراء اختطاف المناضل الكبير بوجمعة هباز، حالم من يعتقد
أن دولة للحق والقانون ستكون، وأن عهدا جديدا قد بدأ، ما لم يتم تحرير حقيقة هذا
الاختطاف الجريمة.
فيا سيد بنزكري، إن قضية بوجمعة هباز أكبر من أن يحملها تقرير.
ويا سادتي الإركاميون، لقد سقطت أوراق التوت عنكم جميعا، ووضعكم بوجمعة أمام
الحقيقة، وكشف المستور، ما ظهر وما بطن.
ويا أيها الضمير الحي، بوجمعة هباز مأساتنا جميعا، فلنكافح لتدق ساعة الحقيقة.
ويا بوجمعة هباز، اطمئن، فكما قال كارل ماركس، ولعل هذا من أنبل ما قاله: "يستطيعون
قطف كل الزهور ولكن لا يستطيعون وقف زحف الربيع".
|