|
الاستمرار في إعادة إنتاج أسباب أحداث 16 ماي الإرهابية بقلم: محمد بودهان بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، تكررت على ألسنة مسؤولين ومحللين عبارة "إن مغرب ما بعد 16 ماي لن يكون هو مغرب ما قبله". وهو ما يعني العزم على القضاء على العوامل والأسباب التي كانت وراء فاجعة 16 ماي. ولا يخفى أن أحد الأسباب الحقيقية والمباشرة لما حدث هو ارتباط المغرب بالمشرق العربي، ذهنيا وإيديولوجيا وثقافيا، وليس حتى اقتصاديا. وعندما نقول بأن مغرب ما بعد 16 ماي لن يكون هو مغرب ما قبله، فمعنى ذلك أن المغرب، بعد 16 ماي، لن يبقى مرتبطا بالمشرق وتابعا له. لكن اختيار الرباط عاصمة للثقافة العربية لسنة 2003، مع ما ارتبط بذلك من تنظيم ندوات حول "إسهامات المغرب في الثقافة العربية"، يبين بجلاء أن مغرب ما بعد 16 ماي هو نفسه مغرب ما قبل هذا التاريخ، أي أن نفس الأفكار ونفس القناعات ونفس السلوكات ونفس نمط التفكير ونفس الثقافة، المتمحورة حول التبعية للمشرق وتمجيد الولاء له، والتي أدت إلى أحداث 16 ماي، لا تزال مهيمنة وسائدة يعاد تكرارها وإنتاجها لترسيخ ذلك الولاء وتلك التبعية. وهذا يؤكد أن لا شيء تغير في العقليات والثقافة بعد أحداث 16 ماي. فبدل القطع مع التبعية للمشرق التي أدت إلى الانفجارات الإرهابية بالدار البيضاء، ينظم المغرب ندوة حول موضوع "إسهامات المغرب في الثقافة العربية" ليقدم الحساب والأدلة، دون أن يطلب منه ذلك أحد، للمشرق العربي على أنه لا زال تلميذا مجتهدا ومريدا أمينا ومخلصا لأسياده المشارقة. لكن في مقابل هذا العطاء الذي يسهم به المغرب في الثقافة العربية المشرقية، ماذا أعطت هذه الأخيرة للمغرب؟ لقد أعطت للمغرب القومية والبعثية والوهابية ثم الإرهاب الذي رأيناه يمشي على رجليه يوم 16 ماي بالدار البيضاء. فلو أردنا أن يكون مغرب ما بعد 16 ماي ليس هو مغرب ما قبله، لتم تنظيم ندوة، ليس حول "إسهامات المغرب في الثقافة العربية"، بل حول "إسهامات الثقافة العربية في المغرب" ليعرف المغاربة أن ثقافة المشرق هي التي نشرت بالمغرب ثقافة التطرف واللاتسامح والتكفير والإرهاب والعداء للمرأة Misogynie ورفض الاختلاف والتعدد، حتى يكون ذلك مبررا كافيا للتخلص من التبعية لهذا المشرق الذي هو مصدر ما أصبح يعرفه المغرب من تخلف وأمية وتطرف إسلاموي. إن هذا الارتباط بالمشرق، بقدر ما جعل من الرباط عاصمة للثقافة العربية، جعل من الدار البيضاء عاصمة للإرهاب الذي ضربها يوم 16 ماي، هذا الإرهاب الإسلاموي ذي الأصل العربي. إن محاربة جذور الإرهاب الإسلاموي ينبغي أن تنطلق أولا من محاربة التبعية الثقافية للمشرق العربي وترسيخ استقلال ثقافي حقيقي عن هذا المشرق. وليس هناك من أنجع وسيلة لوضع حد لهذه التبعية وحماية لهذا الاستقلال الثقافي سوى الأمازيغية، التي هي أصلا شيء قائم بذاته ومستقل عن المشرق، لغة وثقافة وهوية وتاريخا وحضارة. فلماذا الاستمرار في تفضيل التبعية على الاستقلال، والذل على العزة، والتطرف عن التسامح، وثقافة الموت والقبر على ثقافة الحياة والانفتاح؟ إذا كان هذا التفضيل يرجع إلى أسباب "مازوشية"، تجعل صاحبها يجد لذة في تعذيب نفسه وإذلالها، فإن التحليل النفسي قد بين أن بعض الأحداث التي تقع في حياة الشخص المصاب بالمازوشية قد تجعله، نظرا لخطورتها ووقعها على حياته، يعي وضعه المازوشي ويعمل على تجاوزه والتخلص منه. مثل هذه الأحداث الهامة والخطيرة التي تغير الحياة النفسية للفرد، يقابلها على المستوى الجمعي للمغرب أحداث الدار البيضاء الإرهابية. فلماذا لا تسمح هذه الأحداث، لهولها وفضاعتها، بعودة الوعي بحقيقة الهوية المغربية والتمرد على سادية المشرق تجاه المغرب والتخلص من النزعة المازوشية الثقافية التي تشد المغرب إلى هذا المشرق؟ |
|