|
افتتاحية: مرحبا بالأمازيغية في المدرسة العمومية بقلم: محمد بودهان قررت وزارة التربية الوطنية والشباب، بتنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تدريس اللغة الأمازيغية ابتداء من الموسم الدراسي 2003 ـ 2004 بدءً من المستوى الأول من التعليم الابتدائي. وسيغطي تدريس الأمازيغية 5% من مجموع المدارس بتعبئة 1090 من المدرسين. ثم تتوسع هذه النسبة كل سنة لتشمل بالتدريج ما يلي من المستويات الأعلى إلى أن يغطي تدريس الأمازيغية كل المستويات بكل الأسلاك التعليمية في حدود 2009 ـ 2010. إن إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية يخلق لدينا مزيجا من مشاعر النصر والرضى والابتهاج، ولكن كذلك مشاعر القلق والتردد، وخصوصا التخوف من الفشل. لاسيما أن هناك ما يبرر هذا القلق وهذا التخوف من الفشل: ـ إذا كان النظام التعليمي المغربي قد عرف فشلا ذريعا باعتراف الجميع، فكيف نطمئن أنفستا بنجاح تدريس الأمازيغية داخل نظام أخفق على جميع المستويات؟ فإذا فشل هذا النظام منذ أزيد من ثلاثين سنة، فكيف سينجح تدريس الأمازيغية التي ظلت مقصاة من التعليم منذ الاستقلال؟ لا شك أنها ستكون الحلقة الأضعف، وبالتالي الأكثر قابلية للفشل. لكن، من منطق آخر وعلى مستوى آخر، علينا أن ندرك أن السبب الرئيسي لفشل نظامنا التعليمي هو إقصاء الأمازيغية من هذا التعليم، كهوية وحضارة وتاريخ ولغة، وتعويضها بهوية ولغة أجنبيتين ومشرقيتين، وهو ما أدى، ليس إلى إخفاق تعليمنا فحسب، بل إلى إخفاق مشروعنا المجتمعي المغربي برمته، وإلى أحداث الدار البيضاء الإرهابية ليوم 16 ماي 2003. وفي هذه الحالة، فإن إدماج الأمازيغية في التعليم لن يكون عاملا لنجاح تدريس الأمازيغية فقط، بل سيساهم في إنجاح وإصلاح نظامنا التعليمي الذي كان فاشلا بسبب إقصاء الأمازيغية، الشيء الذي جعل مضمونه شرقانيا عروبيا ووهابيا إسلامويا. إذن، رغم أن تدريس الأمازيغية ربما قد يعرف في بدايته ـ ككل البدايات ـ بعض التعثرات أو بعض مظاهر الفشل، إلا أن هذا الإدماج لا يمكن إلا أن يكون عملا ناجحا في حد ذاته لأنه، مقارنة مع الإقصاء الذي كانت الأمازيغية ضحية له، بمثابة ثورة حقيقية في الأفكار والذهنيات والمواقف السياسية. ـ هناك كذلك تخوف من الفشل ناتج عن التسرع الملاحظ من خلال الشروع في تدريس الأمازيغية ابتداء من الموسم الدراسي 2003 ـ 2004، في غياب تحضير مادي ولوجيستيكي مناسب، كتكوين المدرسين التكوين الملائم وإعداد الكتب المدرسية بطريقة سليمة. وقد كان أول مظهر سلبي لهذا التسرع هي الخريطة الخاصة بتوزيع المدارس التي تدرس بها الأمازيغية حسب المناطق واللهجات. فقد أُعدّت هذه الخريطة على أسس خاطئة وغير سليمة، بل أسس خطيرة كانت ستعصف، لو طُبّقت تلك الخريطة، بهذا المشروع منذ سنته الأولى. وقد أعطى المسؤولون موافقتهم والتزامهم بإلغاء تلك الخريطة وتعويضها بأخرى بمجرد ما تم تنبيههم إلى أخطائها/مخاطرها.(*). كما أن 120 ساعة المخصصة لتكوين المدرسين (دورتان بـ60 ساعة لكل دورة) قليلة جدا وغير كافية إذا عرفنا أن الأمازيغية، بكتابتها ونحوها وإملائها وتاريخها، شيء جديد على هؤلاء المدرسين رغم أنها لغة الأم بالنسبة لهم. بلإضافة إلى أن الوزارة اختارت المعلمين بناء على رغبتهم وتطوعهم دون أي تحفيز مادي يشجعهم ويكافئ المجهود الإضافي الذي يبذلونه، خصوصا فيما يتعلق بفترة التكوين أثناء عطلة يمنحها لهم القانون. وهنا يجب أن نضع نصب أعيننا أن ما هو مجاني لا يمكن إلا أن يعطي نتائج مجانية تنقصها الجدية والجودة. هذا التسرع وهذا الغياب لتحضير جدي لتدريس الأمازيغية قد يبرران ويسهّلان جدا القولَ بأن من قرروا البدء بتدريس الأمازيغية هذه السنة دون أي إعداد حقيقي مناسب لذلك، يريدون في الحقيقة أن يفشلوا إدماج الأمازيغية في التعليم. وبالتالي فقد كان عليهم أن ينتظروا على الأقل حتى الدخول المدرسي 2004 ـ 2005. لكن إذا أخّرنا تدريس الأمازيغية إلى أن تجتمع الشروط المثالية لذلك، فربما لن تلج هذه اللغة المدرسةَ أبدا، لأنه مهما وفرنا من ظروف جيدة لتدريسها فإنها لن تبلغ الكمال المنشود، ويبقى هناك دائما نقص وخصاص يمسان هذا الجانب أو ذاك، وينتظر بالتالي التحسين والتعديل والإصلاح. لهذا فإن توفير شروط أحسن، من خلال تصحيح الأخطاء وتجاوز ما هو قائم وإعادة النظر في الخطة المتبعة، يقتضي الشروع أولا في الإنجاز، ثم العمل على تحسين المردودية والرفع من مستوى الأداء بعد تشخيص للخلل والوقوف على الثغرات والعمل على تلافيها. ـ هناك تخوف كذلك حول الوضع والوظيفة اللذين ستُعطيان للأمازيغية في المدرسة المغربية: هل ستدرّس كلغة يتعرف عليها التلميذ ويتعلمها، ولكن لا يدرس بها المواد الأخرى؟ وفي هذا الحالة سيكون وضعها ووظيفتها لا يختلفان عن وضعها ووظيفتها في البلدان الأجنبية التي تدرس بها الأمازيغية كفرنسا وهولاندا مثلا. ومبعث التخوف أن الأمازيغية، بهذا الوضع وهذه الوظيفة، أي مجرد لغة تُتعلم، ستكون شبه لغة أجنبية في وطنها المغرب. أم أنها ستدّرس كوسيلة لتحصيل المعرفة واكتسابها، مما سيرفع من قيمتها ويوفر لها حماية أكثر وعناية أكبر؟ إذا كانت هذه المسألة لم تحسم بعدُ بشكل واضح، وإذا كان معروفا أنه في الدخول المدرسي المقبل لن يدرس التلميذ الرياضيات بالأمازيغية، فإننا مقتنعون أن مآل إدماج الأمازيغية في المدرسة هو أن تصبح في المستقبل لغة لتحصيل المعرفة واكتساب العلم، وإلا فسيكون قرار إدماج الأمازيغية في التعليم عبارة عن عملية نصب Escroquerie على الأمازيغية والأمازيغيين، ستكون مثل بترول "تالسّينت". وهو ما سترجع معه الأمور، فيما يتعلق بالأمازيغية، إلى نقطة الصفر. وهو ما ليس في صالح أي أحد ولا أية جهة. لكن رغم كل هذه التخوفات، المشروعة والمعقولة، التي يثيرها لدينا الشروع في تدريس الأمازيغية لأول مرة بعد الاستقلال، فإن إدماجها في التعليم لا يمكن إلا يكون مشروعا ناجحا كما سبق أن قلت. لماذا؟ ـ لأن هذا الإدماج تجاوز المكانة الحقيرة التي خص بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين الأمازيغية التي جعل منها مادة اختيارية "يستأنس" بها في مساعدة التلميذ على تعلم العربية. فحسب الوثائق والخطة التي أعدتها وزارة التربية، بتنسيق مع معهد الأمازيغية، حول مشروع تدريس الأمازيغية، يتأكد بشكل واضح لا لبس فيه ولا تأويل أن الأمازيغية ستدرّس لذاتها وليس لغيرها، أي كلغة تابعة للعربية. ـ وفي ارتباط بالعنصر السابق وكنتيجة له، فإن تدريس الأمازيغية سيكون إجباريا يشمل كل التراب الوطني، أي يدرسها كل المغاربة، سواء كانوا ناطقين بالأمازيغية أو الدارجة. وهذا مطلب كان يشبه الحلم أصبح واقعا وحقيقة. وهنا يجب أن نعترف لوزارة التربية الوطنية والشباب بموقفها الشجاع الذي اتخذته في ما يتعلق بالحسم في مسألة الإجبارية والتعميم. ـ لقد تقرر أيضا، وبشكل واضح لا لبس فيه ولا تأويل كذلك، أن الأمازيغية ستدرس، لا كلهجات ثلاث منفصلة بعضها عن البعض، بل كلغة واحدة موحدة ومشتركة بين كل المناطق والجهات. طبعا الانطلاقة ستكون من اللهجات، لكن مع السير تدريجيا نحو التوحيد حسب خطة علمية مدروسة من الناحية اللسنية والبيداغوجية أعدها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عليها تعتمد وزارة التربية في إدماج الأمازيغة في المدرسة في أفق توحيدها والوصول إلى أمازيغية معيارية مشتركة تكون هي لغة المدرسة مستقبلا لكل المغاربة. وتدريس أمازيغية موحّدة كان كذلك احد المطالب الرئيسية للحركة الأمازيغية. وها هو في طور التحقق. عندما نتأمل بموضوعية هذه المكاسب المرتبطة بتدريس الأمازيغية، والمتعلقة بتجاوز الميثاق فيما يخص مكانة ووظيفة الأمازيغية، وإقرار إجباريتها وتعميمها، وقرار تدريس أمازيغية موحدة ومشتركة، فسنلاحظ أن هناك تعاملا جديا وصادقا ومسؤولا مع تدريس الأمازيغية يشكّل قطيعة مع الطريقة "الاستئناسية" والاستخفافية واللامسؤولة التي أدخلت بها وزارة التربية، في عهد الوزير السابق، الأمازيغية إلى المدرسة في السنة المنصرمة. كما سنلاحظ أن هذه المكاسب الثلاثة كانت دائما مطالب رئيسية للحركة الأمازيغية فيما يتعلق بتدريس الأمازيغية. وهو ما يعني أن السلطات بدأت تستجيب عمليا لهذه المطالب. والأهم في كل هذا أن هذه السلطات، من خلال خطتها المتبعة لتدريس الأمازيغية، أعطت الدليل على أنها جدية وصادقة في مشروعها هذا. وهذا شيء مهم جدا يعبر عن تحول في المواقف الرسمية تجاه الأمازيغية لأن الجدية وصدق النوايا كانا دائما غائبين في تعامل السلطات مع الأمازيغية في الماضي. طبعا، حتى لا يكون هناك تشكيك في هذه الجدية وهذا التعامل بصدق مع الأمازيغية، يبقى إجراء واحد هو شرط نجاح مشروع رد الاعتبار إلى الأمازيغية، كما أنه معيار صدق السلطات ودليل حسن نيتها تجاه الأمازيغية. هذا الإجراء هو تعديل دستوري ينص على أن الأمازيغية لغة وطنية ورسمية. *****(*)هذا ما تم الاتفاق عليه ـ إلغاء تلك الخريطة وتعويضها بأخرى سليمة ـ يوم الأربعاء 2 يوليوز بالرباط في جلسة خاصة بهذا الموضوع جمعت بين ممثلين عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وممثلين لوزارة التربية الوطنية والشباب وأعضاء من المجلس الإداري للمعهد، الذين كانوا وراء إثارة الانتباه إلى ما يشوب الخريطة من عيوب وأخطاء. ونفس الالتزام بإصلاح الخريطة أكده السيد الحبيب المالكي في حوار أجرته معه أسبوعية "الاتحاد الأسبوعي" بالعدد 66 بتاريخ 16 ـ 17يوليوز 2003، حيث قال: "إن الخريطة المشار إليها ليست إلا مجرد مسودة قابلة للتعديل كلما تبين أن هناك إمكانية لتحسين ملاءمتها مع الخريطة اللغوية في بلدنا"، مضيفا: "وجبت الإشارة أيضا إلى أن مختلف الاقتراحات والتعديلات التي تقدم بها بعض أعضاء المجلس الإداري للمعهد (يقصد فيما يتعلق بالخريطة) كانت كلها موضوعية ومن شأنها العمل على تحسين ملاءمة هذه الخريطة مع الخريطة اللغوية". إلا أن نفس الجريدة، وبنفس العدد، وبجانب تأكيد السيد الوزير على أن الخريطة "ليست إلا مجرد مسودة قابلة للتعديل"، نشرت الجريدة الخريطة تحت عنوان: "الخريطة الكاملة للمدارس الابتدائية المختارة لتدريس اللغة الأمازيغية"، مع أن هذه الخريطة أصبحت لاغية وغير معتبرة كما أكد ذلك المسؤولون بالوزاة المعنية والمعهد المكلي في اجتماع 2 يولويوز كما أشرت. لكن أن تنشر جريدة مقربة من وزير التربية والشباب ومقربة من الحكومة تلك الخريطة المدرسية التي قيل لنا بأنها أصبحت ملغاة وستعوّض بأخرى، فهذا ما يطرح أكثر من سؤال: هل نشرها يعني أنها هي المعتمدة رسميا وبصفة نهائية رغم ما تتضمنه من أخطاء، بل ومن تهور؟ وبالتالي: هل كل ما تم الالتزام به من مراجعة للخريطة وتعديلها وإصلاحها مجرد وعود "كاذبة" الهدف منها طمأنة المحتجين على تلك الخريطة وإسكاتهم مؤقتا مع النيتة المبيتة على تطبيق نفس الخريطة المنشورة كوثيقة رسمية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يكون هناك نصب وتدليس قد يخلقان من المشاكل الإضافية الأخرى أكثر مما خلقته الخريطة نفسها؟ كيف يؤكد الوزير في حواره بالجريدة بأن الخريطة "ليست إلا مجرد مسودة قابلة للتعديل"، وفي نفس الوقت تنشر نفس الجريدة تلك الخريطة باسم "الخريطة الكاملة للمدارس المختارة لتدريس اللغة الأمازيغية"؟ هل معنى ذلك ـ كما يبدو ـ أنها لم تبق "مجرد مسودة"، بل هي عمل نهائي على أساسه سيباشر الإنجاز والتنفيذ؟ |
|