|
إثنوغرافية رقصة أحيدوس (تتمة) رقصة آيت سدارت الجبلية نموذجا بقلم: الحسين دمامي (ورزازات) توزيع الأدوار في صف الإناث: لا يمكن تصور رقصة "أحيدوس" دون شطرها الثاني ممثلا في الحضور النسوي لأن الرقصة مناسبة لاستكشاف الزيجات المقبلة والبحث عن زوج بالنسبة للفتاة، أو للقاء مُتيّم في ساحة عامة وإن كان التلاقي لا يتم بكيفية مباشرة طالما أن المرقص مليء بالمتفرجين. والناظم حين ينشد لا يقصد الجمهور فقط، بل قد يكون شعره موجها لفتاة بعينها يمدحها لخصالها الجمالية أو لأنها محبوبته التي يعلن لها أمام الملإ عن حبه بعيدا عن شبهات العزلة التي قد تنطق ألسنة السوء بما قد لا تحمد عقباه، علما أن المنطقة المعنية ليست ذات ثقافة تقمع التعبير عن الحب والعشق. إن الفتيات يحضرن للرقصة للقاء بالجنس الآخر ولسماع الشعر والتعبير عن مواهبهن الفنية كبقية "تيفرّاحين"، ولإيصال صوتهن ولو بترديد اللازمة فقط طالما أن الإلقاء الشعري مهمة ذكورية بدون منازع في رقصة أحيدوس. كما أن الرقصة هي فرصتهن للظهور بكامل زينتهن. أما فيما يخص هندسة صف الإناث، والذي يظهر بدوره التراتبية الأنوثية، فنجد الفتيات المتمرسات بالرقصة في وسط الصف، وتحيط بهن الفتيات الصغيرات اللواتي يلجن الرقصة لأول مرة أو لأنهن مبتدئات. وتقوم إلى الرقصة حتى المطلقات فيما لم تعد المتزوجات يقمن نهائيا للرقص، وإن كان قيامهن سابقا مسألة عادية لا تثير الاستغراب. كما يمكن قراءة تموضع الراقصات حسب بلوغ مرحلة الزواج. ففي وسط الصف نجد من وصلن إلى تلك المرحلة فيما هامش الصف توجد به فتيات صغيرات. ويمكن رسم خطاطة لصف الإناث على الشكل التالي: ****** فالرقم 1 يشير إلى الفتيات اللواتي بلغن سن الزواج، سواء عذارى أو مطلقات. ويعود هذا الامتياز إلى تمرسهن بالرقصة، مما يؤهلهن لإنجاحها عكس المبتدئات اللواتي ما زالت أقدامهن لا تطاوعهن لإنجاح الرقصة، مثلما أن ذاكرتهن قد تخونهن لحظة الترديد. أما الرقم 2 فيشير إلى مكان الفتيات الجديدات في المرقص، واللواتي لم يصلن بعد سن الزواج، أو لم يدخلن المنافسة الزواجية الأنثوية بشكل رسمي. ومن خصائص الصف الأنثوي هو عدم اقتصاره على إناث القرية فقط، بل قد تقف إليه حتى الزائرات، وأغلبهن من قريبات أسرة العريس أو العروسة أو مرافقات العروسة إن كانت من قرية مغايرة لقرية العريس. أما عدد الراقصات فيعبر عن إعجابهن بالناظم. إذ كلما تزايد عدد الإناث إلا وكان ذلك دليلا على جودة النظم. التحولات التي طالت قيام الإناث إلى الرقصة: بما أن الرقصة عرفت تحولات ـ كما قلت سابقا ـ بحكم الاحتكاك بالثقافة الرسمية مدرسيا وإعلاميا أو في السوق والطريق (كمؤشر مركزي ـ فيما يخص الطريق ـ على تحول الثقافة القبلية واحتواء المجتمع الكلي المركزي لها وتغلغله في البادية وسعيه لتدجينها)، فصف الإناث يعبر عن التحولات المجتمعية المحلية واحتداد المنافسة الأنثوية والصراعات التي لم تعد تسمح للفتاة بالقيام إلى الرقصة لوجود فتاة أخرى أو فتى بعينه. لقد أصبح صف الإناث في رقصة أحيدوس يخضع للاحتكار، إذ تشكل الصديقات مجموعة خاصة بهن، إما تقوم لوحدها للرقص أو تجلس إن قامت مجموعة أخرى. وفي حالة التحاق فتاة ما من خارج المجموعة فمكانها هو هامش/طرف الصف وليس مركزه. وهذا المعطى لم يكن موجودا في الرقصة التقليدية حيث لا نجد تكتلات أنثوية مكشوفة إما لضعف النمو الديموغرافي أو لتغلغل ثقافة التضامن والتعاون بين الإناث. وهذا التحول يتجلى في الحياة العملية في تشكيل النساء لمجموعة صديقات تقدم كل منهن المساعدة للأخريات في إطار نوع من العلاقة الزبونية دون المبالاة ببقية نساء القرية. وهذا السلوك الجديد يظهر سيادة علاقة الحساب والمنفعة والمعاملة بالمثل في ظل بروز عينة من الساكنة يطلب مساعدة الغير ويتجنب تقديم عونه بأوهى التبريرات، وحتى في حالة الاستجابة لا يعمل بجد حيث كلفة مردوده التعاوني دون مستوى ما يقدم له من مساعدات ووجبات. ومن تجليات التحول مغادرة بعض الفتيات للصف دون إتمام الرقصة، سواء بالعودة إلى مجلس المتفرجات أو الانسحاب إلى المنزل بشكل تلقائي أو لتدخل أحد ذكور الأسرة الذي يرافق إناث الأسرة إلى المنزل بما أن الرقصة تقام بغية التخلص من تبعات الحراسة. خاتمة: إن الرقصة المكتملة (أي القديمة) كانت منسجمة انسجام الجماعة التي تحتضنها وتنجزها، فيما الرقصة التحريفية لم تعد منسجمة مع جماعة لم تعد بذاتها منسجمة ثقافيا بقدر ما أصبحت التوترات تخترقها لتباين المرجعيات الثقافية ومصالح الأعضاء حيث النموذج المرغوب فيه يوجد خارج القبيلة وليس بداخلها تاريخا وذاكرة. إن رقصة أحيدوس عالم مجهري يمكن قراءة المجتمع القروي الأمازيغي من خلالها بحثا عن أسسه الثقافية وثوابته والتحولات التي تطاله من جراء الاحتكاك الاختياري أو الاضطراري بالمجتمع الشمولي والثقافات المغايرة. وهاته القراءة أنتروبولوجية تتوخى فهم هذا المجتمع من داخله وعلى ضوء قيمه لملامسة غناه وحركيته وصدوده بدل تهريبه نحو قراءات لها منطلقاتها القائمة على أن اللامفكر فيه هو المجتمع القروي وثقافته من خلال اختزال الثقافة في المدون على حساب الثقافة بمعناها الأنتربولوجي. وليس غريبا أن نجد من ينطلق من رؤية أنتروبولوجية يمنح لهاته الثقافة قيمة إيجابية ويبرز غناها وخصائصها الإنسانية، فيما من ينطلق من رؤية غير أنتروبولوجية يمنحها قيمة سلبية رغم أن الخطاب العالم قد يكون على صعيد الوعي تعبير ا عن عقل كتابي بينما على صعيد اللاوعي وفي بياضه يعبر عن ممارسات حياتية ت جذورها في أنتروبولوجيا المجتمع.
|
|