|
افتتاحية: من
أجل علمانية
من نوع آخر بقلم:
محمد بودهان كم
كان الأستاذ
عبد الله
ساعف، وزير
التربية
الوطنية،
صريحا وواضحا
وصادقا عندما
أكد لأسبوعية
"مغرب اليوم" (عدد
6 بتاريخ 23/5/2002)
بأنه متمسك
بتوقيعه على "العريضة
من أجل قانون
ضد العنصرية"
التي نشرتها
أسبوعية La vérité،
بصيغتها
الأولى
والأصلية،
التي تنص في
حيثياتها على
"عنصرية بعض
المتطرفين
الأمازيغيين
ضد العرب"، أي
قبل أن تضاف
إلى ديباجة
العريضة، في
صيغتها
الثانية،
وبعد ردود
الفعل القوية
للحركة
الأمازيغية،
عبارة "عنصرية
بعض
المتطرفين
العرب تجاه
الأمازيغيين".
لقد كان إذن
منطقيا مع
نفسه بتمسكه
بتوقيعه على
النص الأول
للعريضة لأن
أي تغيير
يطرأ على
مضمون عريضة
موقعة يجعل
منها عريضة
جديدة لا
تلزم
الموقعين
السابقين
الذين من
حقهم أن
يطعنوا في
العريضة
الثانية
المعدلة
بالتزوير
لأنها تتضمن
توقيعاتهم
الخاصة بغير
تلك العريضة. وعندما
يقول الأستاذ
إنه يتمسك
بتوقيعه على
الصيغة
الأولى
للعريضة وليس
على الصيغة
الثانية،
فمعنى ذلك
أنه يؤكد أن
هناك عنصرية
أمازيغية ضد
العرب، لكن
بالمقابل
ليست هناك
عنصرية عربية
ضد
الأمازيغيين،
وهو ما
أضافته
العريضة
الثانية التي
لم يوقعها
الأستاذ ساعف.
وهذا موقف
شجاع وصريح
ومنسجم مع
قناعات السيد
ساعف، عكس من
سحبوا
توقيعاتهم
بعد تنديدات
وبيانات
نشطاء الحركة
الأمازيغية. لماذا
تمسك السيد
ساعف بتوقيعه
عكس وزراء
آخرين؟ ذلك
أن هؤلاء
الوزراء
فوجئوا
بالمضمون
الأمازيغوفوبي
البين
والمقصود
للعريضة،
والذي كشف
عنه ونبه
إليه مناضلو
الحركة
الأمازيغية،
مما اضطرهم
إلى التراجع
عن توقيعاتهم
بعد أن
أدركوا أن
أصحاب
العريضة
نصبوا لهم
فخا تحت
طعم
محاربة
العنصرية، مع
ان الهدف هو
محاربة
الأمازيغية.
أما السيد
ساعف فهو لم
يسحب توقيعه
ولم يتراجع
عن إمضائه
لأنه لم
يفاجأ
بالمضمون
الأمازيفوفوبي
للعريضة، بل
كان على علم
وبينة من ذلك.
فهو إذن قد
وقّع على ما
أراد التوقيع
عليه، ولم
يكن ضحية
خدعة أو نصب
أو احتيال أو
استعمال
Manipulation. وهذا
ما جعل البعض
يقولون بأنه
هو من كان
وراء مبادرة
العريضة،
وليست جريدة
La vérité. إلى
هنا يكون
الأستاذ ساعف
منسجما في
موقفه،
منطقيا مع
نفسه
وقناعاته.
إلا
أن هذا
الانسجام
سيضطرب، وهذه
القناعات
ستهتز عندما
يقول ـ بنفس
الجريدة، "مغرب
اليوم" ـ "بأن
مبدأ التمسك
بالقومية
العربية
والتشبث
بالحقوق
الثقافية
الأمازيغية
لا تشكل
بالنسبة له
أي تناقض".
فكيف
يوقع الوزير
ساعف على
عريضة من أجل
قانون ضد
العنصرية وهو
يصرح أنه
متمسك
بالقومية
العربية التي
هي حركة
عنصرية في
أساسها لأنها
تقوم على
العرق العربي
والانتماء
إلى الإثنية
العربية؟ صحيح
أن العروبة
لا تتناقض مع
الأمازيغية
ما دامت لا
تسعى إلى
القضاء على
الهوية
الأمازيغية
واحتلال
فضائها
والتموقع
مكانها. لكن
ذلك ليس
صحيحا
بالنسبة
لحركة
القومية
العربية التي
تقوم على
فكرة ومشروع
إلغاء وقتل
كل القوميات
والهويات
الأخرى
المتواجدة
فيما بين
الخليج
والمحيط من
أجل بقاء
وهيمنة قومية
وهوية واحدة
هي العروبة.
فالتناقض إذن
كبير وصارخ
بين
الأمازيغية
التي تطالب
بحقها في
الوجود كهوية
مستقلة
وقائمة
بذاتها، وبين
القومية
العربية التي
تترامى على
أرض الغير في
شمال
إفريقيا،
والتي تنفي
كل اختلاف
وتعدد ولا
تعترف بأية
هوية أخرى
مغايرة لها. وهذا
التعارض بين
الأمازيغية
Amazighité والقومية
العربية التي
يتبناها
ويدافع عنها
الأستاذ
ساعف، هو ما
يفسر أن هذا
الأخير
يرفض دسترة
الأمازيغية
لأنه "لم يصل
بعد إلى
مستوى الوعي
بهذه المسألة"،
حسب ما نقلته
عنه "مغرب
اليوم". وهذا
ما يبرز، مرة
أخرى، تناقض
موقف الوزير
ساعف عندما
يرفض دسترة
الأمازيغية،
لكنه يؤكد في
نفس الوقت
التشبث
بالحقوق
الثقافية
الأمازيغية.
فكيف يمكن
الاعتناء
بهذه الحقوق
وصيانتها إذا
لم يكن هناك
دستور يعترف
بها ويضمن
حمايتها
ويلزم
المؤسسات
باحترامها؟ أما
من الناحية
العملية، فإن
هذا التعارض
بين
الأمازيغية
والقومية
العربية يظهر
بشكل واضح
عند الأستاذ
ساعف: فبصفته
وزيرا
للتربية
والتعليم، ما
هي المكانة
التي خصصها
للأمازيغية
في الإصلاح
الجديد لنظام
التعليم
بالمغرب؟ ففي
الكتاب
الأبيض الذي
أصدرته
وزارته،
والذي يتضمن
مراجعة
المناهج
التربوية،
أعطيت فيه
خمسون ساعة
سنوية
للأمازيغية،
وذلك على
أربع سنوات
فقط، سنتان
في التعليم
الأولي،
وسنتان في
التعليم
الابتدائي،
ثم يتوقف بعد
ذلك تعليم
الأمازيغية.
فهل هذه هي
الحقوق التي
يؤكد عليها
الأستاذ ساعف
ويدعو إلى
ضرورة
الاعتناء
بها؟
نلاحظ أن حصة
الأمازيغية
هي عبارة عن
فترة استراحة
للتسلية
والترفيه، لا
غير. لا شك أن
هذه المكانة
المهينة التي
"شرّف" بها
الوزير ساعف
الأمازيغية
أملتها
إيديولوجيته
العروبية
وقناعاته
القومية، مما
يؤكد، مرة
أخرى، أنه لا
يمكن الجمع
بين القومية
والأمازيغية،
عكس
ما يدعيه
الأستاذ ساعف. وهنا
تطرح مسألة
إسناد منصب
عمومي حساس
وأساسي
كوزارة
التربية
الوطنية إلى
مسؤول قومي
يعلن قوميته
ويجهر بها.
مما لا شك فيه
أن الوزير
القومي
سيستعمل
الوسائل
العمومية
لوزارته
لخدمة
إيديولوجيته
القومية ـ
وإلا لما كان
قوميا ـ على
حساب
الأمازيغية.
وهذا ما فعله
الأستاذ ساعف
في الكتاب
الأبيض حيث
حظيت فيه
الأمازيغية
بحصة
الاستراحة
والتسلية،
إمعانا في
إهانتها
والاستخفاف
بها. فالمطلوب
إذن، الفصل
بين القومية
وتسيير شؤون
الدولة، إي
إقامة نوع
جديد من
العلمانية
الخاص
بالقومية
العربية في
المغرب كبلد
أمازيغي.
فإذا كانت
العلمانية هي
فصل الدين عن
الدولة ـ
الأصح عن
الحكومة ـ
بحيث لا يجوز
لهذه الأخيرة
أن تدعو إلى
دين معين ولا
أن تمنع
المواطنين من
اتباع دين
معين، فإن
النوع الجديد
من العلمانية
يتمثل في فصل
القومية
العربية عن
الحكومة
وتسيير الشأن
العام. وهكذا
سيحتفظ
الأستاذ ساعف
بقوميته كشأن
خاص به، لكن
كوزير لا يجب
عليه أن يكون
قوميا، وإلا
سنسقط في
نظام شبيه
بنظام جنوب
إفريقيا
السابق حيث
كانت الأقلية
الحاكمة
تتبنى قومية
أجنبية عن
الأغلبية
المحكومة،
الشيء الذي
جعل هذه
الأقلية
تستعمل وسائل
الدولة
للدفاع عن
قوميتها
الأجنبية بسن
قوانين ضد
القومية
الوطنية
لأغلبية
الشعب، وهو
شيء يقترب ـ
مع كل
الاختلافات
الكبيرة بين
الإثنين ـ
مما رأيناه
في الكتاب
الأبيض الذي
جعل من
الأمازيغية
مادة للترفيه
على الصغار
في السنوات
الأربع
الأولى من
التحاقهم
بالمدرسة.
لنتصور أن
وزيرا
للتعليم في
فرنسا يصرح
بأنه متمسك
بالقومية
الألمانية،
التي هي
قومية أجنبية
عن الشعب
الفرنسي.
ماذا سيكون
رد الفعل؟
النتيجة
الأولى
والفورية
ستكون طبعا
إقالة الوزير
صاحب التصريح
النشاز. فهل
وعى وزراؤنا
ما معنى أن
يكونوا
قوميين في
حكومة
بالمغرب
الأقصى
ويصرحوا بذلك
علانية وباسم
مسؤوليتهم
الوزارية؟ |
|