|
حانون،
ابن تامازغا
.... بقلم:
عساسي
عبدالحميد (الرباط) كانت
سفينتي
العتيقة
بالأمس تمخر
عباب البحر،
فجابت
المتوسط
وساحل بحر
الظلمات .
وصلت قبالة "تيكنارين"
المواجهة
للجانب
الغربي
لتامازغا،
وتعدت تلك
الأصقاع إلى
ما وراء ساحل
الذهب حيث
رأيت بأم
عيني أناسا
أشداءا،
يسابقون
الظباء عدوا
، ويصطادون
الوحيش برماح
لا تخطئ ،
ويصارعون
الضواري و
السباع
بشجاعة
منقطعة
النظير. وقد
عادت العتيقة
إلى قرطاج
بسلام، محملة
بنفائس لا
تقدر، و
بضاعة لا
تحصر من تبر
جيد خالص،
وعاج ثمين
ناصع، وبيض
نعام وجلود
غزلان ، وطيب
وبخور وغيرها
من طرائف
الأشياء و
نادرها. و
كان البحارة
يطلقون على
سفينتي لقب "عروس"
البحر، وكانت
كذالك بحق،
فصناع السفن
بقرطاج
أتقنوا كل
حيز منها
بمهارة تفوق
حد الوصف، و
دقة تتعدى
الخيال، فأتت
أجزاؤها
متناسقة
متناغمة تبهر
العين
بروعتها
وتسلب العقل
برونقها،
فتخالها
عذراء فاتنة
تتهادى تيها
ودلالا في
آنسيابها و
طوافها،
وكعروس في
كامل زينتها
تترقب بشوق و
لهفة ليلة
عرسها و
فرحتها. نعم
هكذا كانت
عروس البحر،
فدفتها كانت
تسعف راحة
اليد فتنقاد
بسلاسة
متناهية وسط
الأمواج، و
سواريها
المصنوعة من
خشب الأرز
ممشوقة لا
يشوبها
آعوجاج، و
قمرتها تبعث
في النفس
راحة غريبة و
إحساس
بالمتعة
لتقصي
المجهول
وآكتشاف
المستور، و
أشرعتها
مصنوعة من
القماش الجيد
الذي يقاوم
الأنواء و
أعاصير
البحر، طابقها
السفلي مقسم
لغرف كثيرة
قصد
آستعمالات
عدة، أما
طاقمها فمن
فريق في غاية
التمرس و
المهارة في
شؤون البحر و
الملاحة. أما
اليوم و قد
صارت العتيقة
غير قادرة
على سبر
أغوار البحر،
فقد آنزوت
بمكان منعزل
في الميناء،
وحيدة تتحسر
على الماضي
التليد، و
ترثي أياما
خوالي كانت
لها فيها
صولات
وجولات،
فهي اليوم
ترقب
الصيادين
العائدين
محملين بما
يجود به
البحر،
و تناجي
نجوم الليل
التي طالما
كانت لها
هاديا ومؤنسا
طوال تر
حالها
وتجوالها
. نعم...
لقد رست
العتيقة إلى
الأبد وجعلت
منها نوارس
البحر أوكارا
لفراخها،
واتخذت منها
الطيور
المهاجرة
محطة
لاسترجاع
أنفاسها، قبل
أن تحلق في
العلياء
لتكمل رحلتها
إلى ما وراء
قرطاج. وأثناء
حياتي
المديدة
وسفرياتي
العديدة، و
مخالطتي
لأجناس و
أقوام، تكونت
لدي فكرة عن
طباع الناس
ونمط تفكيرهم
وطريقة
تصرفهم، و
كونت صداقات
مع أناس
كثيرين،
فمنهم المفكر
و الحاكم ر
والتاجر و
الكاهن و
غيرهم من
أصحاب الحرف
الأخرى. و
كانوا من
بلاد مختلفة،
من
الإسكندرية و
قرطاج،
وفينيقية
وكورنثوس،
وروما
ومالطا، و
ليبية
وليكسوس،
وغيرها من
سائر البلاد.
و خرجت
بخلاصات
وآستنتاجات
عديدة، و لعل
أهم خلاصة
شدت اتباهي،
والتي يجدر
بي أن أبوح
بها و أنا في
كامل نضجي
بعيدا عن
حماس الشباب
وتسرع
العاطفة،
لأننا نحن
معشر الشيوخ
المغامرين،
الذين نذروا
حياتهم
للترحال
والتجوال،
غالبا ما
تكون أحكامنا
سديدة و
صائبة. لم
أر في حياتي
شعبا كريما
مضيافا كشعب
تامازغا
العظيم، فما
أن تحل ضيفا
على أحدهم
حتى يهب
لخدمتك بكل
همته وحماسه،
وكامل فرحته
وسعادته، وقد
يبيع المضيف
كل ما يملك
لإرضاء الضيف
و راحة
الغريب. ولم
أر أرضا
ينصهر فيها
الغريب
الوافد مع
أبناء البلد
بتلقائية
غريبة وسرعة
مذهلة كما هو
الشأن بأرض
تامازغا، فما
أن يهم
الوافد على
اتخاذ هذه
الربوع موطنا
له و مقاما
حتى يتطبع
بطباع أهلها،
ويتخلق بخصال
أبنائها
فيصير فردا
منهم له ما
لهم وعليه ما
عليهم، هذه
حقيقة أقولها
بضمير حي،
وذهن متبصر
بعيدا عن كل
انفعال جارف
و آنحياز
خاطئ. وأنا،
حانون .... عاشق
البحار وزائر
الأمصار
يسعدني أن
أنتمي لشعب
أبي، يفيض
كرما و
طيبوبة، و
يفور نخوة و
شهامة، كما
يسعدني أن
أكون من نبت
هذه الربوع
المعطاءة
التي تعلق
بها قلبي منذ
يفاعتي، و
سأظل على هذا
إلى أن يلامس
الموت وجهي
بأجنحته
البيضاء،
تحملني آلهة
السماء إلى
عالم الخلود
والصفاء . وستبقى
لأجيال
تامازغا ذكرى
سفينتي
العتيقة، و
صدى ترحالي و
تجوالي بين
أمم الأرض و
شعوبها، و
أصقاع
المعمورة
ومجاهلها.
|
|