|
|
أهمية البحث في الثقافة الأمازيغية بقلم: رشيد نجيب سيفاو (أكلميم) يكتسي البحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين والقضايا المرتبطة بهما أهمية كبرى وخاصة، إذ أن الأمازيغية تشكل بعدا أساسيا من الأبعاد المركبة للهوية المغربية المتمثلة في كل من البعد الإسلامي والبعد الإفريقي والبعد اليهودي والبعد الكوني(1). وهي أبعاد لكل واحد منها خصوصياته التي تميزه عن الأخرى. بيد أنها تداخلت وتفاعلت في ما بينها على مر العصور، الشيء الذي أضفى على الهوية المغاربية صفتي التعددية والتنوع... وبالرجوع إلى مجموعة من الدراسات والأبحاث اللسانية والأركيولوجية والتاريخية يتضح لنا أن الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة، ذات أهمية مركزية داخل الإطار الهوياتي المغاربي. فهي تعد أقدم لغة عرفتها هذه البقاع ذات التاريخ العريق. ولعل العلامات الطوبونومية خير شاهد على ذلك. فهي ذات تاريخ بعيد وطويل يفوق 50 قرنا(2)، وهي ذات نظام تواصلي متكامل قائم بذاته صمد منذ آلاف السنين أمام توافد لا محدود لثقافات ولغات كثيرة على أرضه. ورغم محاولات هذه الأخيرة الرامية إلى احتواء الأمازيغية أو القضاء كلية على أركانها وطمس معالمها في إطار مبدأ سيادة اللغة المسيطرة أو سيطرة اللغة السيدة، أي تلك اللغة التي تستخدمها السلطة السياسية، فإن العكس هو الذي حدث تماما حيث نجد أن اللغات التي كانت لها في ما مضى من الزمن سلطة وهيمنة على اللغة الأمازيغية كاللاتينية والفينيقية وغيرها قد انسحب كليا أو جزئيا من الواقع اللسني العالمي أو لنقل السوق اللغوية حسب تعبير الدكتور أحمد بوكوس، بينما بقيت تمازيغت متحدية منافسيها صامدة وحية. وحاليا ها هي سياسات التعريب تنضاف إلى تلك المحاولات الغابرة. والتعريب هنا كعملية إقصائية ينهجها المخزن للقضاء على المعالم والرموز الأمازيغية مثل ما يحدث في الشقيقة الجزائر حيث تم إقرار فانون التعريب الشامل. وفي المغرب يتم تعريب أسماء الأماكن الأمازيغية بالمدن والقرى وتمنع الأسماء الشخصية الأمازيغية كنوميديا وأماسين وإكلي وتومرت... إلخ إن اللغة والثقافة الأمازيغيتين من مرتكزات تاريخنا الوطني، فهي لغة مجموعة من الأبطال الحقيقيين الذين صنعوا التاريخ المجيد لهذا الوطن وكتبوا حروفه بدمائهم، بانتصاراتهم وأمجادهم، بدءا ب"تيهيا" التي يسميها المؤرخون العرب ب"الكاهنة" أو "الداهية" نظرا لمقاومتها لقادة الغزو العربي الأموي لشمال إفريقيا؛ والملك "ماسينيسا" صاحب النداء الشهير "إفريقيا للآفارقة"(3)؛ و"يوگرتن" المسمى "يوغرطة"؛ و"يوبا" صاحب أعظم مكتبة وموسوعة في التاريخ: ليبيكا(4) مرورا بطارق بن زياد الذي فتح بلاد الأندلس إسهاما منه في نشر الدعوة الإسلامية بتلك الربوع وأعطى بذلك بعدا إسلاميا للغته الأم: الأمازيغية. فجيشه كاد يكون خلوا من الجنود المتكلمين بالعربية. ومعنى ذلك أن خطبته المشهورة لم تلق بالعربية، ولكن ألقيت بالأمازيغية وترجمها المؤرخون في ما بعد إلى العربية(5) بعد أن أزالوا من الوجود النسخة الأمازيغية. ويوسف بن تاشفين والمهدي بن تومرت الذي ألف كتبا باللغة الأمازيغية، وصولا إلى موحى أوحمو الزياني المقاوم العظيم الذي هزم المستعمر في معركة "لهري" الخالدة، وأحمد أحنصال و"أكغار سعيد أبا عمران، وبلقاسم أنگاد وعسو باسلام الذي هزم القوات الفرنسية في معركة بوگافر سنة 1933، والأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاتل المستعمرين وقاوم جحافل قواتهم الإمبريالية في معركة أنوال المجيدة في 21 يوليوز 1921 الي انتصر فيها رغم فارق العدة والعتاد واستعمال الأسلحة الكيمياوية المحظورة(6)، والتي يعاني أهل الريف إلى يومنا هذا من ويلاتها. وجدير بالذكر أن ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار اعتبرت مرجعية تستقي منها الشعوب المستعمرة استراتيجيتها في التحر ر الفردي والجماعي. وهكذا، فإن الاهتمام باللغة والثقافة الأمازيغيتين هو في واقع الحال تكريم فعلي لتاريخنا المجيد وأبطاله الحقيقيين الذين استرخصوا حياتهم وجاهدوا في ساحات الحروب ضد المستعمر وأذياله قاصدين تحرر بلادهم واستقلالها الكامل. كما أن الاهتمام بهذا الإرث الثقافي واللسني يترجم عمليا الاهتمام بتدبير للتنوع الثقافي واللغوي الذي تتوفر عليه بلادنا، وهو إسهام بارز في ترسيخ أسس ثقافية وطنية في إطار التصديق بالوحدة في التنوع. ولا حاجة للقول إن الاهتمام بالأمازيغية واجب على كل مغربي مغربي يؤمن بأنها معطى ثقافي هام زاخر بالكثير من الكنوز(7) سيساهم في حالة إيلائه الأهمية التي يستحقها في قيام نهضة وتنمية ثقافيتين نحن في أمس الحاجة إليها من أجل التقدم والازدهار، إضافة إلى أن للأمازيغية على المستوى التاريخي عبقرية وتاريخانية ضاربة عروقها في جذورنا الوطنية. وعلى المستوى الديموقراطي يجب الاهتمام بالأمازيغية لكون الديموقراطية الحقيقية لا تقبل التجزئة كما أنها تفرض المشاركة الجماعية للمواطنين في اتخاذ القرار. وحسب ما أورده محمد اليازغي الاتحادي ووزير إعداد التراب الوطني، فإن الأمازيغيين بالمغرب يشكلون 85% من الساكنة العامة(8)، مما يفرض التحدث إليهم بلغتهم الأم من أجل التنمية الشاملة وتجاوز المعضلات الاجتماعية، علاوة على كون الأمازيغية من الحقوق اللغوية والثقافية للإنسان المغربي دون تمييز أو استثناء ووجب التمتع بهذه الحقوق. وهذا ما نجده مجسدا في الشعارات التي ترفعها الحركة الثقافية الأمازيغية، وخصوصا "الأمازيغية مسؤولية وطنية"، و"الأمازيغية شأن الجميع" و"لا ديموقراطية مع إقصاء الأمازيغية"...وعلى المستوى الإيكولوجي، فإن الأمازيغية بكافة مكوناتها النحوية، التاريخية، التراكيبية... تدخل ضمنيا في منظومة الإرث الحضاري الإنساني. فهي بذلك من أسس التنوع اللسني للعالم وجب الحفاظ عليه. وكما يقول إدگار موران "إن غابة الأمازون كنز بيولوجي، على البشرية أن ترعاه، كما أن عليها أن ترعى الأنواع الحيوانية والنباتية والاختلافات الثقافية التي هي نتاج تجارب تعود إلى ملايين السنين، ونحن ندرك اليوم أن هذه الاختلافات لا يمكن فصلها عن الاختلافات الإيكولوجية"(9). ومجمل القول، إن على طلبتنا الاهتمام بالبعد الأمازيغي في أبحاثهم التي ينجزونها على مستوى الإجازة أو دبلوم الدراسات العليا أو الدكتوراه، وعلى أساتذتنا تشجيعهم على ذلك لما في ها العمال من خدمة لتاريخنا وثقافتنا الأصليتين. الهوامش: 1 ـ "ميثاق أگادير حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين" 2 ـ نفسه. 3 ـ محمد شفيق، "لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين"، دار الكلام 1989. 4 ـ نفسه. 5 ـ محمد شفيق، "تقرير حول ضرورة العناية باللغة الأمازيغية وضرورة تدريسها للمغاربة كافة"، مجلة "تيفاوت"، عدد 8. 6 Lhussain Zergui, “Des gaz toxiques contre Abdelkrim”, Tawiza n° 35. 7 ـ حسن أوريد، "لماذا يجب الاهتمام بالثقافة الأمازيغية؟"، الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، سلسلة "أعلام الثقافة الأمازيغية: محمد شفيق 1991. 8 ـ أحمد أرحموش، "تعليق على تصريح المغرب بجنيف يومي 22، 23/11/2000، تاسافوت عدد 33، فبراير 2001. 9 ـ أورده حسن أوريد، مرجع سابق. |
|