|
|
عبد الرحمان بن عمرو يتابع نهج الأندلسيين بقلم: علي أمصوبر (سلا) تحية طيبة إلى كل الإخوان الساهرين على "تاويزا"، هذه الجريدة الغراء التي تشكل المتنفس الوحيد الذي يقي لنا نحن الأمازيغيين في مجال الإعلام. نتمنى لها من أعماقنا الازدهار والتوفيق وطول العمر. فلولاها لغابت عنا كثير من الحقائق ولما افتضح أمر بعض المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون. إن ما دفعني إلى مكاتبتكم هو ما قام به الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو (ذلك المناضل الكبير في مجال حقوق الإنسان ياحصراه!) من اعتراض على التوصية المتعلقة بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية. إن موقفه هذا لأمر بشع وفظيع. فما معنى أن يتغنى المرء بحقوق الإنسان ثم يعارضها؟ إنه النفاق بعينه. إنهم مستعدون للدفاع عن حقوق كل الشعوب باستثناء الحقوق الأمازيغية كأنهم يقولون بتصرفهم هذا: "كن من شئت إلا أمازيغيا". أقول لأمثال هؤلاء: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". هذا هو حالنا مع مطرودي الأندلس. فبعدما انحرفوا عن مبادئ الإسلام، ألقى بهم الإسبان في البحر، فأسرعنا لنجدتهم فانتشلناهم وأنقذناهم من الهلاك المحقق وآويناهم وأكرمناهم وآثرناهم على أنفسنا أسوة بما فعله الأنصار مع المهاجرين. لكن، مع كامل الأسف، فبمجرد ما جفت أقدامهم وشعروا بالدفء وامتلأت بطونهم واستعادوا عافيتهم انقلبوا علينا شر انقلاب وأصبحوا يضمرون لنا الحقد والكراهية وينسجون لنا الدسائس ولا يدخرون وسعا في محاولة القضاء علينا وإبادتنا، لا لشيء وإنما فقط لأننا أحسنا إليهم وأكرمنا مثواهم. وهنا يحضرني المثل القائل: "اتق شر من أحسنت إليه". فهاهم الآن يجازوننا على حسن صنيعنا جزاء سنمار. إن هذا النوع من التصرفات الذي يصدر عن أمثال هؤلاء ليس جديدا ولا غريبا علينا. فمن منا لا يعرف قصة طارق بن زياد مع موسى بن نصير حينما بعث به هذا الأخير إلى بلاد النصارى مع جيوشه الأمازيغيين ظانا منه أنهم سيهلكون جميعا لا محالة. إلا أنه بمجرد ما علم بالانتصارات التي حققها هؤلاء حتى بدأ الحقد والحسد يدبان إلى قلبه ويتسربان إلى كل جسمه، فخالطا الدم واللحم وأعميا بصيرته فأسرع في الإرسال إلى طارق يأمره بالتوقف وهو في أوج انتصاراته حتى يلتحق به وينسب إلى نفسه كل ما أنجزه هذا الرجل الفذ من بطولات، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أهانه أمام الملأ بصفعه على خده، فلم يرد عليه طارق حفاظا على المصلحة العليا للمسلمين والإسلام الذي لا زال في بدايته في هذه الديار. إنه شخص يقدر عواقب الأمور، فلم يعمِ بصيرته الطمع ولا حب الشهرة (إنها خصائص الأمازيغيين، يعملون كثيرا ولا يتكلمون إلا قليلا ولا يحبون الظهور والتبجح بما يقومون به، وربما هذا هو ما أدى بهم إلى الوضعية التي هم عليها الآن!). للقراء الأعزاء أن يتخيلوا ما معنى أن يصفع بطل مغوار أمام جيشه. ومع ذلك فالتاريخ تتبع كل خطوات موسى بن نصير من ولادته إلى مماته، بينما طارق ظل مجهولا وغفْلا لا يعرف أحد متى توفي ولا أين دفن لأن الذين يكتبون التاريخ من أمثال ابن عمرو يتجاهلون كل ما هو أمازيغي. نفس الشيء يقال بالنسبة لأكسيل (حرف العرب اسمه إلى كسيلة كي يشوهوه كما فعلوا الشيء نفسه مع دهية التي أصبحت لديهم الكاهنة) الذي اعتنق الإسلام وأكرم وفادة عقبة بن نافع. وما لبث هذا الأخير أن عاد إلى المغرب ثانية على رأس جيوشه. وكان أول ما قام به إلقاء القبض على الملك الأمازيغي (الذي أحسن استقباله أول الأمر) فأهانه أمام شعبه بطريقة مرضية سادية. ومع ذلك عندما يتكلمون عن عقبة يقولون "رضي الله عنه" وعندما يذكرون كسيلة يقولون "لعنه الله". أنها العقلية العروبية الشرقانية. إن كتب التاريخ تزخر بهذا النوع من الأمثلة. فقضية يوسف بن تاشفين معروفة مع الشاعر العربي الفاسق الماجن المعتمد بن عباد الذي استعان بالمسيحيين ضد المسلمين لكي يبقى في السلطة. الغاية عنده تبرر الوسيلة حتى لو كانت هذه الوسيلة هي التضحية بدينه وإخوانه (أنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ـ صدق الله العظيم). لقد أصبحت بذلك دولة الإسلام في إسبانيا على شفا حفرة لولا تدخل البطل الأمازيغي يوسف بن تاشفين. فبفضله استمر الإسلام في تلك البلاد أزيد من أربع مائة سنة. ومع ذلك وصفه المفكر العربي "الكبير" أحمد أمين "بالبربري الأجلف" لأنه أسر الشاعر العربي الخائن، مع أن هذا الأخير يستحق عقوبة الإعدام حسب كل الشرائع لأن ما قام به يعتبر خيانة عظمى، إلا أننا نرى العكس، إذ يحتفل بذكرى الشاعر الماجن من حين لآخر، بينما البطل المجاهد لا أحد يتذكره لأنه أمازيغي. ونفس الشيء يقال بالنسبة لموحى أوحمو الزياني وعسو أوبسلام وعباس المساعدي الذي اغتالته الأيادي الآثمة من أمثال ابن عمرو لأنه رفض أن يسير على نهجهم اقتناعا منه أن ما يقومون به ليس من مصلحة المغرب في شيء. وعبد الكريم الخطابي، مفخرة المغرب وبطل المقاومة الشعبية والوطنية ضد الاستعمار ورمز هذه المقاومة لدى كل الشعوب، الذي لا زال رفاته في الغربة لأن ليست لديهم الشجاعة الكاملة لاسترجاعه لأنه الحقيقة التي ترهبهم وتقض مضجعهم. إن ابن عمرو وأمثاله لا يريدون أن يسلموا أن الوقت قد تغير وانه آن الأوان لإظهار الحقيقة، هذه الحقيقة التي لا تؤلم ولا تخيف إلا الجبناء وضعاف النفوس. لقد غًذينا خلال السنين المظلمة بكثير من الأوهام والافتراءات والأكاذيب والأساطير. لكن أقول لابن عمرو وأمثاله من مطرودي الأندلس أن الوقت حان حيث الحقيقة وحدها هي التي تستطيع أن تشفيهم وتطهر قلوبهم من الكراهية والحقد الذي يأكلهم كما يأكل السيف غمده. هذا إذا لم تكن الأمازيغوفوبيا قد صمت آذانهم وأعمت بصرهم وبصيرتهم إلى الأبد، وبذلك يكون قد فات الأوان. إن حقدهم على السكان الأصليين لهذه البلاد أصبح لديهم كورم خبيث ينخر أجسامهم شيئا فشيئا حتى يهلكهم. ومع ذلك أقول لهم إننا نحن إيمازيغين نحب كل الناس ولا نضمر الشر لأحد. ولذلك أدلهم على دواء ناجح يشفيهم من دائهم، إنه تقبل الحقيقة والواقع بصدر رحب وان يقتنعوا أن شخصية أي شعب ترتكز على ثقافته، ولكل ثقافة لغتها وحضارتها، ونحن الأمازيغ لنا حضارتنا وثقافتنا نناضل من أجلها ولن نتخلى عنها أبدا مهما كان الثمن.
|
|