|
|
لمحة عن المعمار الأمازيغي بقلم: حساين عبود (الرباط) علاوة على كون الأمازيغ، ساكنة إفريقيا الشمالية، قليلي الاعتزاز بماضيهم وعدم تدوينهم له، وتولى الغير عنهم هذه المهمة بالوكالة، وما قد ينطوي عليه ذلك من تحامل واستصغار لشأنهم تكريسا لسلبية دورهم وهامشيته في بناء الإرث المشاع للإنسانية، علاوة على ذلك يذهب البعض إلى أن الأمازيغيين لم يهتموا بالجوانب المادية للحضارة اهتماما يكون على قدر توى اهتمامهم بما هو رمزي منها كالعقائد والعادات والأعراف والفنون... وعلى هذا الأساس يقال بأن طبائعهم أميل وأقرب إلى استحسان شظف العيش وجلد النفس وتعويدها على تحمل المشاق، والتعفف عن حياة البذخ والرغد والترف والإقبال على التصوف أفواجا في مراحل من تاريخهم. إلا أن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى تبخيس إسهامهم في هذه الجوانب المادية ونفيه نفيا باتا، إذ لا محالة أبدعوا فيها. ومن ضمن هذه المجالات المعمار الذي تبقى مآثره وبقاياه معاندة للزمن، شاهدة على عظمة من خلفوها. ويلاحظ انه في مجال المعمار الأمازيغي تستأثر الأضرحة والقبور باهتمام الدارسين ويؤكدون انتماءها، رغم انتشارها الواسع، إلى منظومة ثقافية واحدة. وهيمنة العمارة الجنائزية تطرح تساؤلات عديدة. وللأستاذ شفيق فرضية في هذا الصدد مفادها أن سكان إفريقيا الشمالية والصحراء الكبرى كانوا في بدايتهم يعتمدون الانتجاع والترحال، ولم تكن لهم مساكن قارة، وشعروا في مرحلة من تطورهم عند دفن موتاهم بضرورة تعليم (وضع علامة عليه) مكان الدفن حتى يبقى ظاهرا للعيان، فراكموا الدفن ركاما من الحجارة. وكان ذلك أول عهدهم بالبناء. لكن المؤكد بعد ذلك أنهم لم يبقوا سكان المغارات والكهوف كما هو متداول في التاريخ المدرسي. وإنما شيدوا مراكز وتجمعات سكنية دشنوا بها التمدن والاستقرار وبلوروا ثقافة معمارية غاية في البراعة والإتقان تضاهي ما وصلت إليه كبريات المدنيات القديمة. ولا يعوزنا الدليل في هذا، فلنا العبرة في الأسوار التي نعاينها بغالبية مدننا العتيقة، كما أن الصوامع والمساجد والمنارات والماريستانات ومجاري المياه والسواقي والقناطر بالشكل الذي بنيت به في القرون الوسطى وتبنى بها إلى عهد قريب قصبات الجنوب والحصون والقلاع لا تمثل إلا حلقة من حلقات ثقافة عمرانية متعددة المرامي، عسكرية، مدنية، تعبدية... أليست مدينة "فزاز" بقلب الأطلس المتوسط و"وليلي" التي توصف تجاوزا بأنها مدينة ذات ملامح رومانية، وبالجزائر وتونس وليبيا إلا النزر القليل من بقايا هذه الثقافة الضاربة جذورها في التاريخ، وأبرز خصائصها البساطة وتوخي المتانة وتوظيف نقوش "تيفيناغ"، النظام الخطي العريق للأمازيغية؟ تبقى جوانب كثيرة من هذا المعمار مفقودة تحتاج التنقيب وينتظر من البحث الأركيولوجي أن يحقق فتوحات في هذا الميدان لإظهارها كي تكون مرجعية معطاء لنا نستمد منها ما يحفظ لنا ذاتيتنا واستقلاليتنا ولنقتنع أننا ورثة حضارة لن نرضى عنها بديلا. |
|