|
|
الأمازييغة في المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي التراجع من ”المسألة الأمازيغية“ إلى ”المسألة الثقافية“ بقلم: محمد بودهان لم يفاجئنا المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي بعدم إيلائه أية أهمية تذكر للقضية الأمازيغية، وبعدم حصول أي تقدم إيجابي في موقفه من الأمازيغية... لم يفاجئنا لأن الخط الإيديولوجي للحزب معروف بأمازيغوفوبيته الشديدة، كما أن ما سمي "بمشروع الأرضية السياسية للمؤتمر" سبق أن أقصى الأمازيغية نهائيا من محتوياته. لم يكن هناك إذن ما يفاجئ، كل شيء كان معروفا ومتوقعا. لكن نلاحظ أن هناك تراجعا وعودة إلى الوراء في التعامل مع الأمازيغية من طرف الاتحاد الاشتراكي منذ توليه الحكم: 1 ـ لم يكن للحكومات السابقة عن "التناوب" موقف من الأمازيغية خاص بها. كان موقفها هو موقف السلطة المخزنية، هذا الموقف الذي عرف قفزة نوعية وتطورا إيجابيا مع خطاب الراحل الحسن الثاني، في عشرين غشت 1994، القاضي بتدريس الأمازيغية. وهو اعتراف رسمي بالأمازيغية دشن مرحلة جديدة في النظر إلى الأمازيغية والتعامل معها. لكن حكومة "التناوب" التي يرأسها :"الاتحاد الاشتراكي"، بدل ان تطور هذا المعطى الإيجابي الموروث عن عهد ما قبل "التناوب" بتطبيق مضمون خطاب 20 غشت والشروع في الإعداد المادي والمعنوي لإدخال الأمازيغية إلى المدرسة، نجد أن التصريح الحكومي، الذي ألقاه السيد عبد الرحمان اليوسفي أمام البرلمان يوم 17 أبريل 1998 يتراجع عما تحقق، في ما يخص الأمازيغية، في عهد الحكومات السابقة. فعوض الحديث عن تدريس الأمازيغية، تتميما ومواصلة لما أنجز في السابق، تحدث التصريح عن "إنعاش الأمازيغية"، وهي عبارة قد تعني كل شيء إلا تنمية الأمازيغية بتدريسها. هذا تراجع إذن بالنسبة لما تحقق في السابق من اعتراف رسمي ودعوة رسمية إلى تعليم الأمازيغية في المدارس الحكومية للمغاربة. 2 ـ في التقرير العام الذي قدمه السيد اليوسفي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي، نجد أن "المسألة الأمازيغية" تختفي لتستبدل بالعبارة الفضفاضة: "المسألة الثقافية". ولا يذكر التقرير لفظ "الأمازيغية" إلا في الإحالة على الراحل الحسن الثاني في ما يتعلق بتدريس اللهجات الأمازيغية التي يقول التقرير عنها: »وقد عملنا على طرحها مع جلالة المغفور له الحسن الثاني، وكان جلالته قد تجاوب مع آرائنا بإعطاء موافقته السامية على أن تدرس اللهجات الأمازيغية في كل الجهات التي هي موجودة فيها«. وهذه معطيات ملتبسة، خاطئة وغير سليمة، لأن الراحل الحسن الثاني أعطى موافقته على تدريس اللهجات الأمازيغية منذ أن أعلن ذلك في خطاب 20 غشت 1994، وليس بعد أن تم تنصيب السيد اليوسفي وزيرا أول في 1998 كما يفهم مما جاء في التقرير، وهو شيء غير صحيح تماما. إذن التقرير لا يتكلم عن "المسألة الأمازيغية"، بل عن "المسألة الثقافية" التي تتسع لكل شيء ويدخل فيها كل شيء: الملحون، الطرب الأندلسي، أحيدوس، "جنوب الروح" لمحمد الأشعري، الرقص، الزرابي، الفروسية، أكلة سكسو، اتحاد الكتاب، إملشسل، مهرجان الرباط.. إلخ. إنه تعويم للأمازيغية داخل ما هو ثقافي بالمعنى الأنتروبولوجي الواسع، لإخفاء معالمها وحجب مطالبها المعروفة والمححدة والمتميزة عما هو "ثقافي" بالمعنى الذي يتحدث عنه التقرير. وهذا تراجع آخر بالمقارنة مع ما جاء في التصريح الحكومي الذي تحدث عن "إنعاش الأمازيغية". فرغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه العبارة، يبقى أنها تشير على الأقل إلى الأمازيغعية كشيء محدد وملموس. أما تقرير المؤتمر السادس فيتحدث عن "المسألة الثقافية"، وهو شيء فضفاض وعائم ولا عالقة له بالمطالب الأمازيغية كما هي معروفة ومتداولة. إلا أن المؤسف والمحزن في هذا التقرير، ليس هو تغييب "المسألة الأمازيغية" لتحل محلها "المسألة الثقافية"، بل هو ربط "الإشارات" التي قد تفهم منها الأمازيغية، بهاجس "الوحدة الوطنية". يقول التقرير: »ومن ثم فإننا، واستنادا إلى المعاينة الواقعية لتعامل مختلف شرائح المجتمع المغربي بعضها مع بعض، موقنون أن ما قد يهدد أواصر التماسك الثقافي ببلادنا هو الغرور أو المغالاة أو الاستعمال المغرض لمسائل مشروعة، ولكن بأهداف يمكن أن تعود بنتائج غير محمودة بالنسبة لبلادنا«. لن أعلق على المضمون الخصب والغني لهذا النص، بل اكتفي بالقول بأن أسطورة "الظهير البربري" هي التي كانت تتكلم على لسان الوزير الأول! وأخير، إن التقرير يوضح بشكل لا لبس فيه، أن "الهوية العربية الإسلامية" غير قابلة للنقاش أو الانتقاص: »...نعتبر أن مقومات الاندماج القومي في بلادنا لا يمكن أن يتهددها إلا ما يشكل اعتداء على هويتنا العربية الإسلامية"(!). وهذا ما يعني أن الأمازيغية لا تزال تنتمي إلى اللامفكر فيه عند الاتحاد الاشتراكي وكاتبه الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي. ولما أثار مجموعة من المؤتمرين، أثناء مناقشة المحور الثقافي، عدم الإشارة إلى الأمازيغية في المشروع السياسي، نقلت جريدة الحزب ما يعبر عن موقف الحزب، وهو الموقف الذي اعتبرته صائبا: »وكان تدخل الأخ فريد النعيمي قويا وواضحا في هذا المحور، حيث أكد أن مبدأ الوحدة الوطنية وتقوية المنجز المغربي اليوم، لا يقبل العبث في مواضيع ليست مجالا للعبث، مؤكدا أن سؤال الأمازيغ أينما كانوا في المغرب، ليس سؤالا حول الهوية أو الخصوصية الإثنية الأمازيغية، إنما هو سؤال حول السبل السالكة لتحقيق التنمية، بل إن الأمازيغ حريصون على تعليم أبنائهم بلغة البلاد الرسمية لولوج أسباب تحقق التنمية، وهي المداخلة التي صفقت لها القاعة«(!) (جريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 1/4/2001). مرة أخرى نلاحظ حضور "أسطورة الظهير البربري" من خلال التلويح بهاجس "الوحدة الوطنية" مع حضور أفكار الدكتور الجابري كذلك... أما البيان العم الصادر عن المؤتمر فلم يتعرض بتاتا لموضوع الأمازيغية لا من باب اللباقة واللياقة ولا حتى من باب الديماغوجيا. إذا كان هذا الموقف السلبي من الأمازيغية معروفا لدى الاتحاد الاشتراكي، فإن هذا الموقف يبعث اليوم على كثير من القلق، لأنه لا يعبر فقط عن موقف الحزب، بل عن موقف الحكومة التي يسيرها الحزب، وبالتالي فإنه يمثل موقف الدولة المغربية من الأمازيغية. وهذا شيء خطير ينبئ بأن المعركة من أجل رد الاعتبار للأمازيغية ستكون طويلة وصعبة. ونحن، الأمازيغيين، ما هو رد فعلنا؟ هل نكتفي بتحليل وانتقاد المواقف الأمازيغوفوبية والتفرج عليها؟ يجب أن نعترف ونصارح أنفسنا بأن هذه المواقف السلبية من الأمازيغية هي نتيجة لسلبيتنا نحن، وأن إقصاء الأمازيغية من طرف مثل هذه الأحزاب شيء صنعناه بضعفنا وتقاعسنا في الدفاع عن هويتنا ولغتنا. مشكلتنا أننا جميعا مع الأمازيغية، لكن القليل منا يستطيع الدفاع عنها حتى الموت. لقد كنا دائما نضحي حتى الموت من أجل الأرض في مواجهة شتى أنواع الغزو والاستعمار. ويبدو أن الأمازيغية لن تستعيد مكانتها إلا إذا ضحينا من أجلها بنفس الأسلوب الجهادي التضحوي الذي كنا نضحي به من أجل استرداد الأرض. |
|