|
|
حميد خمو، فنان من ذهب في أحضان الأطلس الكبير إعداد: موحى بن ساين / تاديغوست صحيح أن فن العزف على لوتار ترعرع وانتعش بشكل كبير في أحضان الأطلس المتوسط، وغير صحيح أن نسلم بأنه لم يبرع في هذا الفن أداء غير الأطلسيين... فالفرجة والمتعة بهذا الفن ليست صناعة أطلسية فقط، فأسامر أنجب مبدعين في هذا الفن المغربي الأصيل ولا زال يحتضن بين ظهرانيه عددا كبيرا من المبدعين لم تسلط عليهم عدسات كاميرات إعلامنا الرسمي. ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في المغرب العميق الذي قست عليه الجغرافيا وزادت عليه السياسة الثقافية المتبعة في هذا البلد، لكنهم على منوال أجدادهم لم يؤمنوا يوما في الفكر والإبداع بثنائية المركز والهامش لذلك فاض عطاؤهم في مختلف مجالات الإبداع.... حميد خمو واحد من هؤلاء، فنان مقتدر، هادئ الطبع، لا تفارقه ابتسامة خفيفة تحمل الكثير من الوقار، كبير في كبريائه، ذو أنفة عالية، مثقف أصيل، ذو نفس طويل وصدر كبير وصبر وفير.... قيمه المنحدرة إليه من أجداده، المنغمسة في تربة املاكو وتاديغوست تجعله محط تقدير وإعجاب واحترام الجميع.... استطاع أن يصنع نموذجه ونمطه بعصامية منقطعة النظير ويفرض اسمه باحترام بعيدا عن التزلف والطرق الملتوية حتى اقتنعنا فعلا أنه يشكل مدرسة عزفا وغناء في هذا الفن العريق... يعزف باحترافية عالية فيتحف، يغني بطريقة مؤثرة وبحنجرة ذهبية نادرة فيصنف في خانة العظام، ثقافته الواسعة أهلت أغانيه لتعانق القضايا الكوني.... غنى حميد للهوية، غنى للأمل، غنى للقلوب الجريحة وللأقدام الحافية، غنى للحب والشعور النبيل، غنى للعادات المنسية والثقافة والفن الأمازيغي المختزل في الفولكلور، غنى لأبطال بلا مجد، غنى للطبيعة، غنى للعقول المستلبة، غنى بغصة في الحلق لمراسيم أحيدوس السائرة في طريق الانقراض... ويتجلى ذلك على سبيل المثال لا الحصر في أغانيه الآتية: Aldjig n tifsa - Ad rugh - righ uddur. كلما اسمع موسيقاه وأغانيه أتيه في غياهب الماضي واستفيق على وقع كلمات الأمل في آخر كل قصيدة من قصائده. كلما أسمع موسيقاه وأغانيه تنتصب أمامي لوحة تشكيلية تراجيدية تنطق تفاصيلها بالمعنى الحقيقي لمأساة المعاناة الوجودية التي يجترها أبناء الأمازيغ في هذه الربوع... ويتخيل إلي أنني أدحرج شمس السراب واليأس المستبدة نحو مرافئ الغروب لأستسلم لحلم ممزوج بأمل إشراقة شمس غد أفضل. بكل أمانة، استطاع هذا الفنان الموهوب أن يكسر تلك الصورة النمطية المرتبطة بالعازف على لوتار ذي المستوى الثقافي المتواضع وسيرته الذاتية الحبلى بالبقع السوداء المقترنة بعالم المجون والليالي الحمراء.... كما لا زال يصارع أن يرتقي بهذا اللون الفني ويمنحه المكانة اللائقة به ويصحح تمثلات الذاكرة الجمعية بمسح ما تختزله من تصورات وتمثلات مغلوطة وبناء حقيقة هذه الآلة وعازفها وهو واعٍ كل الوعي أن ذلك لن يتأتى إلا بانتشال هذا اللون الفني من براثين عالم المجون ووحل المخدرات و»القصاير» والخمر والفحش الذي مرغت فيه سمعة لوتار ولطخت به سمعة حامله. ووعيا من فناننا حميد خمو بمدى خطورة ذلك على مستقبل هذا الفن انكب على العمل دون كلل ولا ملل لتصحيح الوضع القائم بمجهودات ذاتية صرفة، وبأسف شديد سجل عدم كون وسائل الإعلام متاحة له للتحسيس والتوعية بهذه المعضلة اختصارا للجهد والوقت. باعتباره مجازا في الشريعة الإسلامية وابن استاذ حافظ لكتاب الله، سألته ذات يوم كيف استطاع المزاوجة بين ذلك والفن؟ فأجاب: «الفن أخلاق قبل أن يكون ممارسة، اغترفت من أبي من القيم الإسلامية النبيلة ومن أمي قيم المرأة الأمازيغية الشهمة الحرة ذات الحس الفني والجمالي الراقي، أما آلة لوتار فهي مصنوعة من خشب الأرز وجلد الماعز وخيوط من حرير كل ذلك من الطبيعة والطبيعة من طبعها الغناء فاين الحرام في هذا...؟» وأضاف بهدوئه المعهود: «الشريعة تبحث عن الحقيقة والفن يبحث عن الجمال... والحقيقة نسبية أما الجمال فهو مطلق...»واستطرد قائلا: «لو علم الجذي أن جلده دواء للروح ما تقبل ان يرعى بل سيصبح راعيا.» كما سألته عن علاقته بفناني الأطلس المتوسط فأجاب: « تربطنا علاقة لا يسودها ود مفرط ولا عداوة ظاهرة». في كل حديث مع هذا الفنان تحس بمتعة الكلام ودعابة الروح وفصاحة اللسان ولا ينسى دائما أن يؤكد على العمل الجماعي في أي عمل فني وترحابه باي نقد بناء وأي مقترحات وأي كاتب كلمات وأعطى أمثلة واضحة في نجاعة العمل الجماعي شارحا اياها كالآتي: - فاطمة ابراهيم (كحنجرة ) + الشيخ زكرياء + السنباطي+عبد الوهاب + محمود درويش.....= مشروع متكامل لقب في الختام أم كلثوم. - الهواري محمد بانامله الدهبية + محمد شرف + برحو لحسين + احمد ريان + حكم الله + موحى بيبي + علي ودا +بوزكري + مولود احموش= مشروع متكامل سيبقى خالدا في الاذهان سماه الزمن محمد رويشة. رحم الله فنانا الخالد وهرمنا الشامخ محمد رويشة وندائي لمن يقول إن فن لوتار مات بموته أنه هاذٍ فيما يقول.... فلا خوف على هذا الفن ما دام أمثال الفنان حميد خمو على قيد الحياة، فسيرتقي به إلى أعلى الدرجات فيكفي فقط أن تنفتحوا على فنانين آخرين في هذا اللون فأكيد ستجدون دررا غالية ومواهب تحتاج اليكم لتشجيعها والأخد بيدها وصقل مواهبها. جميع أغاني حميد خمو في الإذاعة الوطنية، شارك في عدد كبير من المهرجانات والملتقيات: مهرجان اميلشيل لمرات عديدة، مهرجان ارفود، مهرجان تيوان بميدلت مهرجان موسيقى الطفولة والشباب بالرباط، مهرجان الشعر الأمازيغي بازرو كما شارك في سيمفونية فزاز. بمجهوداته الجبارة وتفانيه في العمل وتناسل أصوات المناضلين في الجنوب الشرقي لرفع الحيف والميز ضد فناني هذه الربوع بحضورها في الإعلام ومختلف الانشطة التي يقوم بها الاركام توج الفنان حميد خمو بالجائزة الكبرى صنف الأغنية الكلاسيكية بجدارة واستحقاق سنة 2011 وها نحن ننتظر تلفزتنا الأمازيغية والقنوات المغربية الأخرى ومختلف المنابر الإعلامية أن تنصف هذا الفنان وأتمنى صادقا أن لا تكون هذه النداءات صيحة في وادٍ وهمسا في عالم الضجيج. |
|