|
|
دولة لا تخاطب الناس بلغتهم بقلم: حسن أبراهيم
إن المتأمل في ما يدور حولنا من أحداث، تظاهرات، استغاثات... لن يجد لها إلا جوابا واحدا ووحيدا، وهو أن هذه الدولة تتقن جميع الفنون إلا فن الإصغاء والمخاطبة. دولة تخرج بكراكيزها المقنعين بأقنعة الغيورين على الوطن ومشاطرة هموم المواطنين في كل صوب وحدب، لا يتقنون إلا سياسة «التزواق» وتلميع صورة المغرب بمساحيق براقة تزينها مختبراتهم التجميلية بأبهى الأشكال ولسان حالهم يقول إن المغرب نعيم وروضة من رياض الجنة ولا ينقصها «الخير» في حين أن المشاكل تزداد حدة يوما بعد يوم، والبؤس والقفر ينتشر كالنار في الهشيم. عندما يخرج الملايين من البشر منددين بالفساد، باقتصاد الريع، بالمحسوبية، بغلاء المعيشة ... فهذا يعني أن سكين الأزمة وصل العظم وأصبح يهدد الحياة ويعرضها للزوال. كنت في الماضي لا أعير أية أهمية لكل ما له صلة بالمظاهرات أو بثقافة الاحتجاج لأنه ببساطة كان يحمل في جوهره قضايا غريبة عن مجتمعي ولا أحس فيها بارتياح إذ لا يعقل أن أحمل مظلة في ما الشمس ساطعة في بلدي وهي ممطرة في الشرق- فأهل مكة أدرى بشعابها- وأهل المغرب أدرى بمشاكلهم وهي أولى لهم من غيرها، وكيف لنا كمغاربة أن نتبنى قضايا مشرقية ونتخذها قضايا وطنية وندافع عنها ببسالة مستغلين جهل وانعدام الوعي في المجتمع وتهييج العواطف الرقيقة والقلوب المدغدغة بالحماس. إذ لم نسمع ولو لمرة وحيدة عن تضامن «الأشقاء العرب» مع المغرب في إطار «وحدته الترابية» على سبيل المثال. حاليا، ومع تنامي الوعي وتطور العقلية المغربية وتحررها من أساطير و»تباخير» القرون الوسطى التي ما زالت تؤمن بالقدسية وبتضخم الأنا العرقية، اتضحت الوجهة وأصبحت السهام موجهة إلى مشاكل الوطن وما يعانيه المواطن المغربي في حياته اليومية، فعوض أن نسمع بمظاهرات مليونية مع فلسطين أو العراق أمسينا نسمع صراخا وتنديدا يوميا ومظاهرات مليونية ضد الفساد والاستبداد المتفشي في البلاد... لا أحد ينكر أن شعوبا أطاحت بطغاة يضرب لهم المثال في الاستبداد، ولا ينكر أحد أن شعوبا ارتقت بفعل انغماسها في قضاياها ومعالجتها، وبالتالي فالشعب هو الحلقة المفقودة في تقدم مجتمعنا ولن ندفع بعجلة التطور إلا إذا كانت لهذه الدولة الصماء آذان تسمع أنين المريض وصراخ المتضرر ونواح الأم على أبناء طالهم النسيان في غياهيب الجب وتناسىتهم العدالة المغربية. وقد صح القول في أمر الدولة التي يغيب فيها العدل والعدالة الاجتماعية: فلا فرق بينها وبين قطاع الطرق. أي أن الدولة في استخلاصها الضرائب من جيوب المواطنين دون أن ينعموا فيها بأدنى ظروف العيش البسيطة فلا مانع من تصنيفها في خانة قطاع الطرق. إن القلب النابض للشارع المغربي يعيش حالة تضخم لم يعرف لها التاريخ مثيلا. وعندما تنفجر شرايينه فستأتي على الأخضر واليابس ولن تترك الفرصة لسماسرة الشعب والوطن الذين يظنون أن المغرب ما زال بقرة حلوبا. على العكس من ذلك فالوعي بالأزمة يواصل اكتساحه للمنازل بوتيرة أشبه بانتشار الضوء، وعليه فعلى الدولة أن تقعد مصطلحاتها وتخاطب الناس بلغتهم وإلا فإن الشعب سيخاطبها بلغة لا يتقنها إلا أبناء الشعب الحقيقيون فهو يقول: أعطونا الحق في نقطة نظام، لقد استمعنا إليكم بما فيه الكفاية وقد حان الوقت لكي تسمعوا أصواتنا وإلا فإن نقطة النظام ستتحول إلى نقطة فوضى وستغدو سيلا وتجرف الأصنام. |
|