|
|
سياسة الإلهاء بقلم: حسن أبراهيم
إن تحويل الرأي العام الوطني منه والدولي عن المشاكل التي يعيشها الوطن، والتي لا تصلها وسائل الإعلام سواء المكتوبة منها أو المسموعة، هو ضرب من ضروب سياسة الإلهاء، التي يعتمدها النظام لتمويه الشعب، سياسة تعتمد التركيز على الجوانب التافهة التي لا تهم المواطن بالدرجة الأولى، وتمرر برامج لا علاقة لها بقضايا الوطن، «سكاتات» لا تعدو أن تكون إلا أدوات للتسلية ونسيان الهموم. إستراتيجية الإلهاء ضروريّة لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ما يقع في الكواليس من صفقات خيالية، يتم فيها بيع وتفويت «الوطن» لمصالح خارجية. إستراتيجية لا يعيها ولا يعرفها إلا أصحابها، تجعل من الإعلام حجر الزاوية، تمرر عبره سمومها وتأتي أكلها غالبا. تخترع وتبتكر مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية، تجعل الشعب يعيش وينغمس في مشاكل بعيدة عما يعيشه في وطنه، فتراه يفتح فاه أمام التلفاز ويتلقى المعلومة دون نقد ودون «غربال» فيسيطر حديث التلفاز على لسانه وأحاديثه. لا شك أن ما يحدث في العالم من رياح التغيير وربيع الحرية أحدث ما لم تحدثه أزمنة مضت، لقد أجج وتيرة المطالبة بالعدالة الاجتماعية والكرامة، الشيء الذي ضايق الأنظمة الحاكمة فيها مما جعلهم يبتكرون أساليب جديدة لإلهاء شعوبها وجعلها تهيم وتنسى ما تطالب به. [...] قد يصل بها الحد إلى ابتكار أيام تضامنية مع شعوب أخرى قد تكون دوافعها إنسانية، قومية، أو دينية، لكن الدافع الأساسي هو إلهاء الشعب وعزله عن مشاكله اليومية وما يجري في الوطن بغية تمرير مخططات وعقد صفقات خارج نطاق المعهود ودون أن تلفت انتباه الآخرين في جو يسوده «حسي مسي» . واضحة حينا، غامضة في معظم الأحيان، يطليها الدهان، ترفرف رايتها عاليا، تمنح نفسها الشرعية والثقة العمياء وتعطي وقتا كافيا وتفصيلا مملا عن أتفه الأشياء، ولا تلمح للأساسيات والمعاناة اليومية لبقية الشعب. وتقدم حلولا ساذجة لا تسمن ولا تغني من جوع. إن الحلول الساذجة الهينة التي تحل مشاكل العصر حلا وهميا بالفرار منها أو بإلغائها لا نفع فيها ولا عناء بل فيها الضرر الخسران، فلنكن على حذر من دعاتها ولنحاربهم بكل ما نستطيع. سياسة الإلهاء هاته تعتمد شعارا مفاده «إذا أردت أن تلهي شعبا ما، قم بإلهائه بقضايا تافهة، وخصص لها صفحات وأوقات كثيرة وضجات إعلامية، وقم بإلهائه بقضايا أوطان أخرى، وجعلها قضايا حية وقضايا مهمة، واجعله ينظم مسيرات ومظاهرات مليونية لدعم تلك القضايا، وبالتالي ينغرس في هذه القضايا وينسى مشاكله اليومية ثم ينسى نفسه”. وأختم هذا المقال بعبارة لتشو مسكي يقول فيها “حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، حتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات.” (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة). |
|