|
|
افتتاحية: الأمازيغية في الدستور المقبل: هل حان الوقت لانتقال الدولة بالمغرب من «الشرعية العرقية» إلى «الشرعية الترابية»؟ بقلم: محمد بودهان
لأول مرة ستدخل الأمازيغية إلى الدستور. هذا ما ورد في الخطاب الملكي ليوم التاسع من مارس 2011. لكن المهم ليس أن يعترف الدستور بالأمازيغية، بل مضمون هذا الاعتراف ومستواه والصيغة التي سيرد بها في النص الدستوري. عندما نقرأ الخطاب الملكي، نستطيع أن نستخلص، في ما يخص الهوية والأمازيغية، عناصر يمكن أن توجه اللجنة التي أسند إليها الملك مهمة إعداد مشروع الدستور الجديد. 1ـ يتحدث الخطاب عن «مراجعة دستورية عميقة». وما دام الأمر يتعلق بـ»العمق»، فالمسألة تخص إذن الأسس والثوابت. ومن بين هذه الأسس والثوابت الانتماء الهوياتي للدولة، الذي هو انتماء عربي منذ 1912، تاريخ تأسيس الدولة العربية بالمغرب من طرف فرنسا. «المراجعة العميقة» تعني، إذن، على هذا المستوى الهوياتي الذي يهمنا، مراجعة عميقة «للشرعية العرقية» التي تبني عليها الدولة العربية بالمغرب وجودها السياسي والهوياتي، وتمارس باسمها سلطتها السياسية كدولة. ونعني بـ»الشرعية العرقية» للدولة انتساب هذه الأخيرة إلى أصول عرقية عربية من خارج الأرض التي تسود عليها في المغرب. وهذه حالة شاذة على مستوى الانتماء الهوياتي للدولة، وذلك لأن: ـ الدولة تستند في وجودها الهوياتي والسياسي إلى «شرعية عرقية» تتنافى مع الحداثة والعصر، وتنتمي إلى المراحل البدائية لنشأة الدولة. ـ هذه «الشرعية العرقية»، ولأنها ذات مصدر خارجي يرجع إلى الجزيرة العربية، فإنها تجعل هوية الدولة مختلفة عن هوية الأرض والشعب بالمغرب، وهو ما تصبح معه هذه الدولة في الحقيقة «أجنبية» عن هذه الأرض وعن هذا الشعب. ـ أقلية صغيرة تعتقد أنها عربية فتفرض نسبها العرقي العربي على كامل الدولة بالمغرب دون اعتبار للأعراق الأخرى المكونة للشعب المغربي. فـ»المراجعة العميقة» الحقيقية للدستور يجب أن تشمل إذن إلغاء وتجاوز «الشرعية العرقية» للدولة، واستبدالها بـ»الشرعية الترابية» المستمدة، ليس من عرق أجنبي من خارج المغرب، بل من أرض المغرب نفسها التي هي أرض أمازيغية. والإقرار الدستوري «للشرعية الترابية» يكون بالتنصيص على أن المغرب دولة أمازيغية انسجاما مع الأرض الأمازيغية للمغرب. ولأن اللجنة لن تملك لا الجرأة ولا القناعة لتقترح عبارة «الدولة الأمازيغية»، فيمكنها، تجنبا لاستعمال لفظ الأمازيغية مقرونا بالدولة، أن تختار أي تعبير يدل على الهوية الترابية ـ وليس العرقية ـ مثل: «المغرب مملكة تستمد هويتها من موطنها بشمال إفريقيا»، تأكيدا على الانتماء الترابي والموطني للدولة والقطع من أي انتماء عرقي من خارج التراب المغربي. 2ـ جاء في الخطاب الملكي وهو يتحدث عن المرتكزات الأساسية لمشروع الدستور الجديد: «أولا: التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة». نلاحظ إذن أن إشكالية الهوية يضعها الخطاب في مقدمة المجالات التي ينبغي أن يشملها الإصلاح الدستوري. من السهل، تحت تأثير «السياسة البربرية الجديدة»، قراءة هذه العبارة، المتعلقة بالهوية، على أنها تعني الاعتراف بالأمازيغية كـ»رافد» و»مكوّن» للهوية الوطنية، وهو اعتراف لا يخرج عن تكريس مضامين نفس «السياسة البربرية الجديدة». ـ لكن «الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة» قد يعني، رغم ما قد يبدو في ذلك من تناقض ظاهر (التعدد في مقابل الهوية الموحدة)، التعددَ العرقي واللغوي والثقافي والديني، ولكن في إطار هوية واحدة موحدة، هي الهوية الترابية للأرض الأمازيغية التي تنتمي إليها الدولة المغربية. وهذه هي العلاقة الطبيعية بين التعدد والوحدة، على مستوى الهوية، في جميع البلدان والدول: هناك دائما هوية واحدة تحددها الأرض الواحدة للدولة، لكن هذه الهوية الواحدة تضم تنوعا عرقيا وثقافيا ولغويا ودينيا يمارس ضمنها وداخلها. وهذا ما يؤمل أن يجسده الدستور الجديد بتنصيصه على أن الدولة تستمد هويتها من أرضها الأمازيغية كأرض واحدة موحدة، تمنح هذه الدولةَ هوية واحدة موحدة مع تعدد في أصول السكان ولغاتهم وثقافاتهم. فـ»الشرعية الترابية» هي مصدر الوحدة الهوياتية للدولة، عكس «الشرعية العرقية» التي هي في الأصل متعددة ومتنوعة بتعدد الأصول وتنوع الأنساب. ـ جاء في الخطاب: «وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة». فبأي معنى تشكل الأمازيغية رصيدا مشتركا لكل المغاربة؟ أو ما هو الشيء الذي يجمع المغاربة ويشكل رصيدهم الذي يشتركون فيه جميعا؟ إنها أرضهم الأمازيغية التي ينتمي إليها الجميع باختلاف أصولهم العرقية والإثنية، والتي تعطي لهم هويتهم التي تميزهم عن باقي شعوب العالم. وهذا هو المعنى الذي يجب أن يعطي للأمازيغية «كرصيد لجميع المغاربة»، أي كهوية ترابية ينتمون إليها جميعا. وأول هؤلاء المنتمين لهذه الهوية الترابية هي الدولة المغربية نفسها، التي يجب أن ينص الدستور الجديد على انتمائها الترابي ـ وليس العرقي ـ إلى الأرض الأمازيغية. هذا هو الإصلاح الدستوري الحقيقي في ما يتصل بالهوية. وهو إصلاح يخص تصحيح الوضع الشاذ للانتماء الهوياتي للدولة بالمغرب. إنه تصحيح يستكمل في الحقيقة الاستقلال الهوياتي للمغرب بتخليصه من «الشرعية العرقية» الأجنبية، التي أسست عليها فرنسا دولتها العربية بالمغرب ابتداء من 1912. إنه تصحيح لوضع شاذ لأنه سيعطي للدولة شرعيتها الحقيقية المتمثلة في الشرعية الترابية التي تستمدها من أرضها الأمازيغية بالمغرب، وليس من أصول عرقية مفترضة من خارج المغرب. أما إذا اقتصر الاعتراف الدستوري بالأمازيغية على التنصيص عليها كـ»رافد» و»مكوّن»، وخصوصا إذا لم يقرّ بها كلغة رسمية رغم أن ذلك غير كافٍ في علاقته بهوية الدولة التي تبقى عربية، فسيكون ذلك الاعتراف ليس دسترة للأمازيغية كما تطالب بذلك الحركة الأمازيغية، بل دسترة «للسياسة البربرية الجديدة» التي انطلقت مع تأسيس «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية». وهو ما سيجعل هذه المبادرات لصالح الأمازيغية مجرد تنافس بين المغرب والجزائر، في مجال احتواء الأمازيغية وإبطال مفعولها السياسي، وذلك بالاعتراف الدستوري بها كـ»رافد» أو كلغة «وطنية» تنص عليها الوثيقة الدستورية. وهكذا يمكن اعتبار، مثلا، أن إنشاء «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية» بالمغرب في 2001، جاء كرد على إنشاء «المحافظة السامية للأمازيغية» في 1995، وأن المبادرة الحالية لدسترة الأمازيغية (لا ندري بعدُ مستواها ولا صيغتها) بالمغرب هي رد كذلك على دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ـ وليس رسمية ـ بالجزائر في 2002. لكن الملاحظ أن كل هذه المبادرات «الأمازيغية»، سواء في الجزائر أو المغرب (باستثناء المبادرة الأخيرة التي لا نعرف صيغتها بعدُ كما قلت)، لم تغير شيئا من الإقصاء السياسي للأمازيغية في البلدين، مع استمرار هيمنة المنظومة العروبية والانتماء العربي للمغرب والجزائر. ولهذا فإن هذه المبادرات لا تخرج عن إطار «السياسة البربرية الجديدة» التي تنوّع الصيغ والمقاربات دون تغيير في جوهر الإقصاء السياسي للأمازيغية. وفي هذه الحالة سوف لا يختلف خطاب تاسع مارس، فيما يخص الأمازيغية التي أعطى الأمر بدسترتها، عن خطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001، الذي خلق آمالا كبيرة وكثيرة، سرعان ما تبخرت وخابت وذابت في «السياسة البربرية الجديدة» التي أعطت الفرصة والمبرر لمزيد من التعريب والاستعراب، مع مزيد من الإقصاء السياسي للأمازيغية. إلا أن ما يبعث على التشاؤم أكثر هو طبيعة اللجة التي كلفها الملك بإعداد الدستور الجديد. فهي تضم، في جزئها الأكبر، أعضاء يمثلون قمما معروفة بـ»علوها» الأمازيغوفوبي «المرتفع» جدا. ولا شك أن هؤلاء الأعضاء سيعملون كل ما في وسعهم من أجل النزول بالاعتراف الدستوري بالأمازيغية إلى مستواه الأدنى، الذي لن يغير شيئا كثيرا من وضعية الإقصاء السياسي الذي تعانيه الأمازيغية. الشيء الإيجابي الوحيد في الخطاب الأخير ـ إلى الآن وقبل الإعلان عن النص النهائي للدستور الجديد والمكانة التي سيخصصها للأمازيغية ـ أنه يكشف أن الأمازيغية تشكل هاجسا حقيقيا وحاضرا بقوة لدى الحكام يأخذونه بعين الاعتبار في كل قراراتهم السياسية الهامة.
|
|