|
|
الأمازيغيون في بلاد العرب بقلم: ميمون أمسبريذ بعد عشر سنوات من خطاب أجدير الذي كان من المفروض أن يطلق دينامية تفضي إلى إعادة النظر في حد الهوية المغربية لجعله (الحد) يكف عن أن يكون مبنيا على تحكمية إيديولوجية مفارقة، ليخضع لمعطيات الأرض والتاريخ والأنتربولوجيا – أقول: بعد كل هذه السنين لا يزال المغرب عربيا: أرضا وشعبا ودولة، بعد أن أغلق على الأمازيغية في معهد ملكي للثقافة الأمازيغية فيما يشبه الإقامة الإجبارية التي تمنع بموجبها من مغادرة قاعاته وردهاته لتعانق الفضاء الرحب للوطن والمواطنة. لقد أريد لهذه المؤسسة، التي قدمت على أنها استجابة من الدولة لمطالب الحركة الأمازيغية، أن تكون، إذا استعرنا مصطلح النحويين، كالفعل اللازم الذي لا يتعدى إلى مفعول: إذ عملها ينبغي أن يقتصر عليها ولا يتعداها إلى الفضاء العمومي ليفعل فيه. بعبارة أخرى: لقد أرادت الدولة العربية - في حركة تجميل لصورتها أمام مرآة العالم الحر – أن تسوي «المسألة الأمازيغية» دون كبير خسارة. وذلك بأن تتظاهر بأنها استجابت للمطالب الأمازيغية (المعهد، القناة «الأمازيغية»، تدريس افتراضي للأمازيغية)، لكن دون المس بالأساس الإيديولوجي والقانوني المتمثل في حد الهوية المغربية كما صاغته دولة الاستقلال. هكذا لا يزال المغرب في وسائل الإعلام العمومي بلدا عربيا، وشعبه شعبا عربيا، ودولته دولة عربية. أما الأمازيغية فتبقى من المنوعات الطريفة التي تختتم بها نشرات «الأخبار» المملة، للتدليل على تسامح الدولة العربية مع الأقليات والجاليات المقيمة على ترابها (لازمة التنوع الثقافي الذي لا شك أنهم سيضيفون العنصر الصيني إلى القائمة الطويلة لعناصره). يترتب عن السياسة التمويهية تلك أن من لا يشاهد «القناة الأمازيغية» من المغاربة، ومن لا يعلم بوجودها من الأجانب لا يجد في المغرب شيئا يوحي له بما يسمونه «المكون الأمازيغي» للهوية المغربية. من هذا المنظور – منظور حد الهوية المغربية الذي هو المعيار الوحيد لقياس درجة جدية الدولة في التعامل مع الأمازيغية – يمكن أن نجزم بدون تردد أن لا شيء تغير في موقف الدولة من الأمازيغية منذ الاستقلال إلى الآن. وعليه، فإننا – نحن الأمازيغيين المغاربة – لا يزال وضعنا القانوني هو وضع الجاليات الأجنبية في بلدان إقامتها: فنحن أمازيغيون نقيم في بلد عربي-تحكمه-دولة عربية-عضو في جامعة الدول العربية-الممثلة لشعوب الأمة العربية. بعبارة أخرى: نحن الأمازيغيين، قانونا، شعب بدون أرض apatrides. هذا ما عنيته ذات مقال عندما كتبت شارحا عبارة «المغرب العربي» – متوجها إلى الأمازيغي -: «إنك تقيم في مغرب ليس لك، وليس لك منه شيء ما دام هو مغرب العرب». وقد عدني السيد محمد الساسي وقتها، في مقال له بمنشور بـ»المساء»، من موقظي الفتنة النائمة. بطبيعة الحال، لقد فهم السيد الساسي تماما ما أعني وغيري من الأمازيغيين الرافضين لسياسة ذر الرماد في العيون. ولكنه، كغيره ممن يمنعهم العمى الأيديولوجي من رؤية الحقيقة، يفضل خلط الأوراق حتى لا تتضح قوانين اللعبة السياسوية التي تلعبها الدولة على الأمازيغيين (أقول: «عليهم» وليس معهم).ومع ذلك، ومع أن شرح الواضحات من المفضحات كما يقال، فإني سأوضح للسيد الساسي وغيره ممن يدعون أن كل شيء على خير في أحسن العوالم بالنسبة للأمازيغية في المغرب. حقا إن الأمازيغي يمكنه أن يباشر كل الأفعال المسموح بها قانونا: من بيع وشراء وزواج وطلاق وتوريث، الخ. بل يمكنه أن يلج إلى المسؤوليات السيادية، وأن يؤسس الأحزاب السياسية (بشرط أن تكون عربية طبعا)، وأن ينتخب وينتخب، الخ. أي أن الأمازيغي في المغرب يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها المقيم في بلد التحق به حديثا وحصل على أوراق الإقامة فيه أو تجنس بجنسيته، شأن الجاليات المغربية المقيمة بأروبا مثلا (أما المقيمة في الدول العربية فلها قصة أخرى). لكن ما يتناساه هؤلاء هو أن الأمازيغيين ليسوا جالية مقيمة في المغرب، التحقت به حديثا بحثا عن شغل، حتى تحصر مطالبهم في مطالب اجتماعية تتعلق بالعمل والسكن والصحة وليس لها أن ترقى إلى ما فوقها من مطالب ذات صلة بهوية الأرض التي عمروها آلاف السنين وبهوية الدولة التي تحكمهم فوق تلك الأرض.يحسبون العروبة حالة طبيعية، والأمازيغية شذوذا عن الطبيعة. يعدون العروبة قاعدة والأمازيغية خروجا عن القاعدة. إن من يقرأ ما يتقيؤه بعض الكتبة من الشباب المتخرج من مدرسة «الحركة الوطنية» على صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية يدرك إلى أي حد نجحت إيديولوجيا هذه الحركة، بما سخر لها من ترسانة قانونية وموارد بشرية ولوجيستيكية، في تطبيع ذاتها في أذهان هؤلاء. وقد ازدادت فعاليتها مع تقلد ورثة هذه الايدولوجيا للمسؤولية الحكومية منذ ما عرف بحكومة التناوب، كما لو أنها كانت في تنافس مع ما أبداه الملك من انفتاح مبدئي على الأمازيغية، سعيا للحد من آثار ذلك الانفتاح في الواقع. هكذا لم يتغير واقع الأمازيغية في شيء: لم تغيره خطب رئيس الدولة عن الأمازيغية والهوية الوطنية؛ ولا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ولا تلك الهدية المسمومة المتمثلة في «تدريس اللغة الأمازيغية» في بعض المدارس.إن هذا الواقع ينبغي أن يجعلنا – نحن الأمازيغيين – نقلع عن الموقف الراهن للحركة الأمازيغية التي، بذريعة أن الأمازيغية أصبحت معترفا بها من قبل الدولة، ترى ضمنا أنه لم يبق لها إلا أن تدبر هذا «الاعتراف». يجب أن نقلع عن هذا الموقف التدبيري ونستعيد الزخم النضالي لتسعينات القرن الماضي. ذلك الزخم الذي أحدث رجة في الوعي المطمئن للمخزن وولد لديه وعيا شقيا جعله يقدم على بعض التنازلات لصالح الأمازيغية – تنازلات لم يلبث الزمن أن كشف عن أنها كانت مناورات الهدف منها إخماد جذوة النضال الأمازيغي من خلال جرعات صغيرة من الإجراءات الصورية التي لا أثر لها في الواقع. كما أن على الحركة الأمازيغية أن تكف عن البحث في صفوفها عن كبش الفداء الذي تفتدي به نفسها. فليس ذلك غير مجد فحسب، بل يؤدي إلى الانقسام والتشرذم وإهدار الطاقات في تصفية الحسابات، بدل توجيهها نحو النضال من أجل انتزاع الاعتراف الكامل وغير المشروط بالهوية الأمازيغية للمغرب.. إن المرحلة الجديدة للنضال الأمازيغي يجب أن تتمحور حول هدف واحد ووحيد هو: إعادة تحديد هوية المغرب. ذلك أنه عن حد الهوية تتفرع كل السياسات والبرامج والتدابير الإجرائية.. فبما أن هوية المغرب راهنا هوية عربية، فإن كل السياسات والبرامج والتدابير المتعلقة بالأمازيغية ستظل تتعامل معها على أنها ملحقة تفرد لها بعض الإجراءات الموضعية التي لا ترقى إلى أن تكون إعادة نظر في حد هوية المغرب، التي تبقى هوية عربية في عقيدة المخزن والطبقة السياسية. وستظل الإجراءات الصغيرة les mesurettes التي تتفضل بها الدولة العربية على الأمازيغية من قبيل تلك الإجراءات الرمزية التي تتخذها دول الإقامة لصالح الجاليات الأجنبية المقيمة على ترابها، ضمانا لحسن التعايش (الترخيص بتأسيس جمعيات ثقافية، برمجة دروس في اللغات والثقافات الأصلية، بث برامج تلفزيونية وإذاعية ينشطها أفراد من تلك الجاليات وتتوجه إليها، الخ). إننا مدعوون في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمازيغية إلى خوض صراع إيديولوجي، سياسي، قانوني له رهان واحد: هو رهان الهوية. أما ما عداها فتفاصيل. تذييل الآن وقلاع القومية العنصرية الاستئصالية البغيضة تتهاوى الواحدة تلو الأخرى على رؤوس أصحابها بعد أن عاثوا في الأرض فسادا وفي الشعوب إذلالا وتقتيلا على مدى نصف قرن... الآن والشعوب العرببة والمعربة تستفيق من حالة التخدير التي وضعت فيها باسم القومية العربية، فلم نسمع شعارا واحدا على مدى شهرين من المظاهرات يحيل عليها من قريب أو بعيد ـ الآن صار لنا نحن الأمازيغيين حليف موضوعي هي هذه الشعوب التي اكتسبت المناعة ضد مرض القومية العرقية، بعد أن تغلبت على جراثيمه (صدام بالأمس، والقذافي اليوم).
|
|