|
|
فلسفة الحرمان في التواصل اليومي بقلم: مبارك اباعزي
كتب كثير من الفاعلين السياسيين الأمازيغ عن التعلات التي كانت وراء بزوغ الوعي السياسي الأمازيغي، فذهب بعضهم إلى أن حرمان الأمازيغي، من فرص العيش البسيطة، هو سبب هذا الظهور المتأخر للذات الأمازيغية. فيما اعتبر البعض الآخر، أن حرمان الأمازيغي من الممارسة اللغوية الأمازيغية، هو ما يعزى إليه هذا الظهور. ورغم أن الخطاب الأمازيغي يركز دائما على أن نضاله ليس ماديا، أو خبزيا كما يقول البعض، وأن اللغة والثقافة هما المؤسسان الرئيسان لوجود هذه الطاقة النضالية، إلا أن الجانب المادي لا يفتأ يظهر بين الحين والآخر، بل إنه يحتل في بعض الفترات مكانة الأسد ضمن المطالب الأمازيغية. ومهما يكن من أمر، فإن ما نتفق عليه جميعا، هو أن هناك فلسفة عروبية يمكن أن نسميها «فلسفة الحرمان»، حرمان الذات الأمازيغية من لغتها، وحرمانها من كرامة العيش... لا نريد هنا أن نسبح سباحة حرة، فنستحضر الأحداث التاريخية، الجروح الغائرة، التي طبعت الذات الأمازيغية بأثرها، ولكننا نرغب حقيقة، في الكشف عن كثير من الأمور التي تسود تواصلنا اليومي، وكيف، في المقابل، تحرم بعض اللغات، وهذا هو بيت القصيد، من حقها في التواصل والتفاعل. قبل بضع سنوات، كان كافيا، أن تتحدث الأمازيغية في حافلات العاصمة الجزائرية، لتجد نفسك مراقصا لظلمة زنزانات بوتفليقة، وهذا ما دفع بعض الكتاب الأمازيغ، إلى كتابة ابداعاتهم بالفرنسية والأمازيغية. تذكر أحلام مستغانمي في «فوضى الحواس»، أن كاتب ياسين كان يكتب مسرحياته بالأمازيغية والفرنسية احتجاجا على الوضع اللغوي في الجزائر. وفي المغرب، هذا البلد التعيس، تكررت السمفونية نفسها تقريبا في عهد الحسن الثاني. وإذا عدنا الآن إلى المقال الذي نشره علي صدقي أزايكو: «في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية» لما وجدنا فيه شيئا يستحق أن يسجن عليه. سيكون القمع اللغوي، الممارس من لدن السلطة، من الأسباب التي تكرس اجتثاث اللغة من جذورها التواصلية، فضلا عن القمع الممارس من طرف الأفراد، بإيعاز من توجهات السلطة لغويا وثقافيا، يضاف إلى ذلك ما تم إلصاقه تاريخيا بالكيان الأمازيغي. وإذا كان هذا الأمر الأخير مما يمكن دراسته صورولوجيا imagologie ،فما قبله يحتاج إلى كثير من التأمل الاجتماعي، ما دام هذا النوع من التحليل غائبا معظمه في النصوص الأمازيغية. آراء كثيرة تذهب إلى القول بأن اللغة تقتصر على وظيفتها التواصلية، ويمكن الاستغناء عنها في حالة تحقيق التواصل بشكل من الأشكال، لهذا تجدهم يتواصلون بالدارجة المغربية بسبب من هذا الاقتناع. وفي صفوف الأمازيغ، تجد الكثير من المناضلين، وبعضهم أشباه مناضلين، يفضلون الدارجة المغربية أو العربية الفصيحة في التعبير عن مواقفهم، سواء في لقاءات الجمعيات.. أو في «الحلقات» الجامعية وغير ذلك، مما عزز فكرة قصور الأمازيغية عن تقديم نفسها لأهلها. إن الإشكال الأول غارق في الوهم، إنه موقف هلوسي لا يمت إلى العلمية بصلة، إذ كيف نحرم لغة من اللغات من حقها في التواصل، من حقها في التفاعل، وأخيرا، من حقها في الوجود. أما الإشكال الثاني، فهو يعيد الرأي القديم، الجديد، الذي يقول إن الأمازيغ هم من حرموا أنفسهم من لغتهم. وما زلنا نقوم بذلك، بعد كل ما وصلنا إليه. هل وصلنا فعلا إلى شيء؟!! في الحياة العادية، غالبا ما يبدأ الإنسان الأمازيغي يومه بلسان غيره، خصوصا إذا كانت الجغرافيا، متعددة لغويا؛ في الأسواق، في الحافلات، في المقاهي.. يبدأ كل ما يفعله باللهجة العربية من باب ذكائه؛ إنه ليس غبيا كلية، ذلك أنه يضع التواصل هدفا له، والوسيلة عنده سيان. أما الأمازيغي المناضل، فإن تمسكه بالوسيلة أكبر، ويظل الهدف ثاويا وراء الوسيلة، وثانويا مقارنة معها. إنه لا يهتم بالهدف إذا كان خاليا من الوسيلة، لقد انقلبت الآية المكيافيلية كلية، فالوسيلة هي التي تبرر الغاية. ويظل الإشكال التواصلي قائما في صفوف العامة، إذ ما الذي يجعلهم يعتقدون أن عليهم التنازل عن حقهم في التواصل بلغتهم؟ من بين الأمور التي يمكن بسطها هاهنا، الربط الميتافزيقي بين اللغة والدين، لقد خيطت العربية بخيوط حديدية مع الإسلام، وخيطا معا بأذهانهم، ولن تستطيع عنها انفصالا. كما أن الانتماء اللغوي لا يشكل لديهم أية أهمية، ويصل الأمر ببعضهم إلى تعريب نفسه، ما دام مسلما. ويكفي أن تقول لأحدهم إنك تحب الأمازيغ ليقول لك إن الرسول كان عربيا، وهذا كله نتيجة تكريس الخطاب السياسي للدولة المغربية لمنطق العروبة والإسلام في وسائل تطويق العقول: الإعلام، المدرسة...يضاف إلى هذا، إلصاق العرب بعض الصفات الخبيثة، بالمكون الأمازيغي كالشلح: قاطع الطريق، والريفي: رمز عن التقليد والبداوة، والبربري: رمز عن الوحشية وعدم الرحمة. وبما أن إظهار اللغة مؤشر على الانتماء، فإن الكثيرين يبادرون إلى محو آثار الانتماء اللغوي. يندمجون كلية في الحديث بالدارجة بطريقة توحي بانتماء جديد. هذا ما حصل للكثيرين، ويحصل الآن في أماكن، يعتقد خطأ، أنها متعددة لغويا. حكاية محمد شكري في هذا الباب، كانت وثيقة تاريخية عن العنصرية اللغوية التي كان يربي عليها الآباء العروبيون أبناءهم، هذه العنصرية التي مورست على الأمازيغ في المدن؛ «أ الريفي، أولد الجوع...»، هذا ما كان يقوله الأطفال لمحمد شكري، مما دفعه إلى اختيار سبيل آخر، إذ لم يصادق غير أطفال الغجر والأندلسيين، لأنهم كانوا بدورهم، منبوذين لغويا. يقول شكري إنه استطاع التخلص من اللكنة نهائيا، ووزير الثقافة القديم، محمد الأشعري، كان النطق الأمازيغي يظهر على لغته الدارجة والفصيحة أيضا. ولسنا هنا نرغب في غبن هؤلاء، لقد كانوا ضحية للاستفزاز والازدراء، في مرحلة ما من مراحل حياتهم، وهذا ليس عيبا، بل العيب كله، أن ينظر إليك شخص ما، عربي ما، نظرة شزراء، لأن لك انتماء لغويا يختلف عن انتمائه. لقد رأينا عددا كبيرا من الحالات - وهي مؤسفة حقيقة- التي يتحول فيها منزل أمازيغي بكامله، إلى منزل يتحدث العروبة، ونحن متأكدون أن الآباء في هذه الحالات كانوا قد عانوا مما أشرنا إليه. طانطان 2011-01-09
|
|