|
|
المقومات الفنية والموسيقية والإبداعية للفنان الأمازيغي – العملاق، عموري مبارك بقلم: محمد أيت بود قامت قناة تمزيغت في سهرة يوم السبت:20-11-2010، ضمن برنامج: « تيروريوين « مشكورة باستضافة الفنان ـ العملاق، الأمازيغي، عموري مبارك. وإذ أشكر القناة على استضافة هذا الفنان الكبير، فإني أود أن أستغل هذه المناسبة للكتابة عنه، والتعريف بفنه، بحكم كونه من الأعلام الأمازيغية التي قلما حظيت بفرصة الظهور في التلفزيون، إلا نادرا، والحق يقال، فإن استضافة هذا الهرم الفني الكبير من طرف قناة تمزيغت هو بمثابة تكريم له، وبمثابة اعتراف من طرف جزء من المشهد السمعي البصري المغربي، الذي تجاهله طويلا، بعطاء هذا الفنان المتميز، ضمن مشوار فني طويل، حافل بالمحطات المضيئة، ابتدأ مبكرا، في سنوات السبعينيات من القرن الماضي رسميا مع مجموعة أوسمان، ولا يزال مستمرا، لكن بمفرده، بدون ملل ولا كلل. هذا الفنان المناضل، الذي، اعتقد أن الزمان لن يجود بمثله، يجب أن يحظى كما لا يزال على قيد الحياة، بكل الاهتمام الذي يستحقه، يعد من الأوائل الذين خاضوا مغامرة تحديث الأغنية الأمازيغية شكلا ومضمونا، وعندما أقول مغامرة، فلأن الغناء بهذا النمط الموسيقي في سنوات السبعينيات، بالنظر إلى كل الإكراهات، الفنية، واللوجستية، وكل المعيقات التي تحف به، في الإنتاج والتوزيع والتسويق، وخاصة ما له علاقة بالذوق العام، الذي لا يزال رهين نمط معين من الموسيقى، والأداء، هو بمثابة مغامرة، خاصة وعدم مواكبة الدعم الإعلامي له، بيد أن الأكيد أن للإعلام دورا بارزا في الإسهام في عملية تهذيب الذوق العام، والرقي به، وانتشاله من الشعبوية والارتجالية، إلى مصاف الذوق الراقي، و الواعي بأهدافه والمتحكم في أدواته. فما الذي يميز هذا الفنان عن غيره من الفنانين سواء الذين عاصروه، أو من المتأخرين؟ وما هي مقومات إبداعه الفني والموسيقي والغنائي؟ هذا ما سوف أحاول الكشف عنه من خلال هذه السطور. المسار الفني والإكراهات الماثلة: ينتمي هذا الفنان إلى إحدى المداشر المتواجدة بسفوح الأطلس الكبير الغربي، بقرية تدعى: «امزغالن» بفرقة بولعجلات قبيلة اركيتن، ومن الناحية الإدارية لجماعة أيت مخلوف دائرة وإقليم تارودانت، نشأ في ميتم تابع لكنسية كاثوليكية بمدينة بتارودانت في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، تعلم اللغة الفرنسية صغيرا من الأخوات اللائي كن يسهرن على تربية نزلاء الميتم، عشق الفن منذ الصغر، وعانق القيثارة وهو لا يزال يافعا، رضع الفن الراقي من تضافر عشقه للقيثارة وتذوقه لمعاناة اليتم منذ الصغر، كوّن بالمدينة التي نشأ بها (مدينة تارودانت) فرقة موسيقية صغيرة، سرعان ما فتحت له أبواب الذهاب بعيدا في مساره الفني الذي اتسم بالتميز والاختلاف منذ البداية، الآلة الموسيقية، والألحان، وطريقة الأداء، والكلمات المغناة، كلها أشياء كانت بالنسبة لمرحلته أشياء سابقة لأوانها، صعبة التقبل من طرف مجتمع مجبول على تذوق نمط معين من الموسيقى، تتجلى في موسيقى الروايس، بالإضافة إلى شيوع التقاليد الفنية المرتبطة بالتراث الموسيقى الاحتفالي، الذي يتجلى في احتفالات أحواش، أي كل ماله علاقة بتقاليد «أسايس». ظهر هذا الفنان في فترة اتسمت بقلة استوديوهات التسجيل التي تدعم اللون الموسيقى الذي يقدمه، فباستثناء بعض الجمعيات الثقافية، خاصة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، لم يلق هذا النمط الموسيقي أي دعم، من أية جهة أخرى، لهذا فإن بداية المسار الفني لهذا الفنان لم تكن مفروشة بالورود، وانطباع الذوق العام الأمازيغي بنمط معين من الموسيقى، تتمثل في موسيقى الروايس، لم يساعد تجربة “مجموعة أوسمان” على الاستمرار، بالرغم من النجاح الظرفي الذي حققته المجموعة في زمن قياسي، وهنا تكمن المفارقة، والتي تتمثل في سيطرة ذوق مدارس الروايس، ونجاح تجربة أوسمان في فترة قياسية قصيرة، ثم اضمحلال المجموعة والتجربة برمتها ودخولها في طي النسيان في زمن قياسي أيضا، فكان لاندثار أوسمان الأثر البارز على مسار عموري مبارك، الذي غلب عليه الطابع النضالي، لأن مشكلة التسجيل تنضاف إليها مشاكل أخرى مثل التوزيع والتسويق تضافرت في محاصرة هذا الفنان وإجباره على الدفاع عن أسلوبه بشكل نضالي، ومحاولته فرض هذا الأسلوب يشكل في حد ذاته نوعا من التحدي الذي يستدعي الكثير من التضحيات، فبعد توقف المجموعة اضطر الفنان إلى معانقة قيثارته، وشقه لدربه بشكل فردي، هذه المعاناة، وهذا النفس النضالي الصامد والمصر على المواصلة والاستمرار، هو ما افرز أهم الروائع الفنية الجيدة والمتميزة التي أنجزها، والتي عناوينها: Awal Inu Gan Amazigh . - Tazwit Nra Nikdim Anmun. – Janvillier. – Ganagh Gar Idudan Tament Nsalat. -Mqqar d Mqqar. - As Nna Iran Yan Aykerz. - Afoulki… هذه الأعمال الجميلة والخالدة، تجعل من الفنان عموري مبارك، فنانا استثنائيا في زمن استثنائي، ويمكن اعتباره المجدد والمحدث للأغنية الأمازيغية بلا منازع.يعود للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي الفضل الكبير في احتضان مجموعة اوسمان التي كان يترأسها الفنان الذي نحن بصدده، ودعمها، في إطار تصور جزئي يندرج ضمن تصور فكري، إطار، متكامل لدور الأغنية في عملية النضال من أجل إبراز وتطوير القيم اللامادية للهوية الأمازيغية، والحفاظ على خصوصية وتفرد الثقافة الأمازيغية، هذه الجمعية التي ظهرت في سنوات الستينيات من القرن الماضي (1967)،والتي كانت تضم مجموعة من الشباب الغيورين على اللغة والثقافة الأمازيغة، منهم الشاعر والمناضل الراحل، علي صدقي أزايكو، إبراهيم أخياط، أحمد عصيد، محمد شفيق، عبد الله أوسادن، محمد الشامي، وآخرون، ساهمت إلى حد كبير في بقاء اللون الموسيقى الذي امتازت به مجموعة «أوسمان» في البداية قبل أن يكون اللون الذي انطبعت به كل أغاني عموري مبارك فيما بعد، فتواجد هذه النخبة من الشباب المثقف خلف هذه المجموعة هو الذي أمدها بالدعم المادي والمعنوي كما أسلفت، وتتجلى أبرز مظاهر هذا الدعم وهذا الاهتمام من طرف هذه الجمعية بهذه المجموعة الغنائية خاصة في الأشعار التي كان يمدها بها أولئك الشعراء المنخرطون في الجمعية، خاصة الشاعر والمناضل الراحل على صدقي ازايكو، هذا الشاعر سوف يكون المزود الرئيسي للفنان عموري مبارك بالقصائد الشعرية الهادفة والملتزمة،فيما بعد . المقومات الإبداعية - المضمون: لقد أقر الفنان هو نفسه أن مساره الفني لم يكن منفصلا عن مسار الشاعر المناضل الراحل علي صدقي أزايكو، بحيث إنه وجد في أشعاره ضالته التي كان يبحث عنها، وكأن ألاثنين ولدا ليكمل بعضهما الأخر، ولعل ماجعل الفنان ينجذب إلى القصائد التي ألفها الشاعر الراحل، طابعها النضالي،بحيث كانت السمة الغالبة على هذه الأشعار، هي سمة التغني بمعاناة الإنسان، وآلامه، وهمومه، وعلاقاته الاجتماعية، بالإضافة إلى معانقتها للقضية الأمازيغية، ولعل أي مستمع – قارئ، للقصيدة التي يقول مطلعها: Awal inu gan amazigh ur ten iri an.Ussin urd imik ,mad izdern assers ihuc سوف يدرك من غير الحاجة إلى البحث عن تتمة القصيدة على أن الأمر يتعلق باللغة الأمازيغية، التي تعاني من التهميش والإقصاء، وهكذا تميز الفنان عموري مبارك، بعلاقته الوطيدة بالشعر الملتزم، خاصة قصائد الشاعر الراحل، المناضل على صدقي أزايكو، كما أسلفت، بالنظر إلى كونه قد غنى تقريبا جل القصائد المتناثرة في دوانيه:»تيمتار» و»إز مولن». الشيء الذي جعله بعيدا عن الاستئثار بالاهتمام الشعبي، عكس غالبية الروايس والموسيقيين الذين كانت أغانيهم تتفق أولا، مع ذوق الجمهور من حيث اللون الموسيقي، ثانيا، من حيث الكلمات المغناة، والتي كانت بسيطة وقريبة من الإدراك العام، عكس القصائد الشعرية الملتزمة التي كتبها فطاحل الشعر الأمازيغي الحديث، خاصة المرحوم على صدقي ازايكو، والذي تميز أسلوبه بالاستعصاء ولغته الشعرية بالرصانة وصوره الشعرية بالتعمق والانزياح عن المألوف لدى المستمع الأمازيغي العادي، والذي لا يزال مستمرا في تذوقه لقصائد الروايس المتسمة بالواقعية والمباشرة والتبسيط. لهذا بقي فنانا بعيدا عن الأضواء بشكل جعل منه ذلك الفنان الغريب بين أهله وقومه، الذين يغني بلغتهم، بحيث لم يكن معروفا سوى لدى أقلية من المتذوقين لفنه، أو من لدن بعض الناس الذين يعتبرونه شكلا مشوها للأغنية الأمازيغية، بحيث أدى التجاهل الذي قوبل به هذا الفنان من طرف الجمهور،حد التندر، إلى عدم الاهتمام بأغانيه، وعدم رواج أشرطته، سوى لدى فئة قليلة جدا من الشباب المتعلمين، والحاملين لوجهة نظر فنية وموسيقية وغنائية، مغايرة لوجهة نظر الجمهور، خاصة أمام استفحال ظاهرة المجموعات الغنائية في سنوات التسعينيات، بحيث اعتبر فنه وكذلك فن تلك المجموعات بمثابة الشكل الدخيل على جسد الأغنية الأمازيغية الأصيلة، يؤيد هذا الرأي قول الرايس عبد الله بن إدريس المزوضي في إحدى أغانيه: Ifughd Izenzar d Usman ighama iggig Ad ifwgh aysker lawtar ness, ar itlخab Ngh- agh kullu yut acku nfugh lmudvuo ولم يتسنّ له أن يستقطب اهتمام الفاعلين في الشأن الثقافي الأمازيغي، بعد انحسار الدور الذي كانت تقوم به الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، على اثر اندثار مجموعة أوسمان، إلا في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، عندما تم اكتشاف أعماله المتميزة من طرف شريحة من الشباب المناضل، ليعود وبقوة إلى التربع على عرش الأغنية الأمازيغية الحديثة والملتزمة، كأحد الأعمدة الصلبة والشامخة للأغنية الأمازيغية ذات المنحى النضالي. المقومات الموسيقية والغنائية - الشكل: لقد انطبعت تجربة أوسمان منذ البداية بالانزياح عن الشكل الموسيقى المألوف، ويكفي لملاحظة هذا الأمر النظر إلى الآلات الموسيقية التي وظفت من طرف هذه المجموعة العصرية، والتي اعتبرت سابقة لعصرها بكثير. فآلة الأكورديون، والقيثارة، والبيانو، وطام طام، والكمان، كلها كانت آلات غريبة عن المألوف لدى المستمع الأمازيغي العادي، الذي لم يتسن له بعدُ أن يكتشف هذه الآلات، وأن يتذوق طعمها مؤداة بها الأغنية الأمازيغية، والذي لا يستطيع، في تلك الفترة المبكرة، أن يتذوق الأغنية الأمازيغية بغير آلة الرباب ولوتار والناقوس، فهذه الآلات بالنسبة للذوق العام آنذاك، هي آلات غربية، واستعمالها من طرف هذه المجموعة لأداء الأغنية الأمازيغية، هو بمثابة بدعة يجب أن ترفض وتزدرى بكثير من الإشفاق وعدم الإنصات، ويكفي لمعرفة الخطوط العريضة للمسار الموسيقي لمجموعة أوسمان، وبعدها للفنان عموري مبارك، التأمل في هذه القولة التي اعتبرت بمثابة المبدأ الموسيقي للمجموعة، والتي كان الفنان عموري يستهل بها سهرات المجموعة: « La musique est un arbre qui se nourrit de patrimoine populaire, et que respire par les courants de la musique moderne « وعندما استقل الفنان عموري بنفسه، وشق دربه الفني لم يشذ عن تجربة أوسمان كثيرا، خاصة وأنه كان المؤدي للأغاني، والعازف على القيثارة ضمن تلك المجموعة نفسها، بمعنى أنه هو واضع الألحان المغناة من طرفها، لذلك تميز أسلوبه الغنائي بالتركيب الموسيقي، أي بتعدد طبقات الألحان، ساعده في ذلك حنجرة ذهبية لا يزال الفنان محافظا على حرارتها إلى الآن، كما أن من التقنيات الحديثة التي أضفت نوعا من الجدة على أسلوب الفنان، تقنية التوزيع الموسيقي، بحيث ساعدت هذه التقنية الفنان في تركيب العديد من الألحان التي لا تخطؤها الأذن المتمرسة جدا، والمتذوقة جدا، على أنها ألحان تراثية أصيلة، أعيد توزيعها بشكل عصري وحديث، أضفى عليها عنصر التوزيع الموسيقى، والآلات الموسيقية الحديثة، الروعة والجمال والإبداع. بالإضافة إلى تقنية التوزيع الموسيقي، ساعدت تقنية أخرى، هي تقنية التنسيق الموسيقي L’arrangement musical الفنان على تنسيق أجزاء متفاوتة من الأغنية المؤداة، وصهرها في بوتقة القطعة الموسيقية المنسجمة، والجميلة، لحنا، وأداء، في قالب عصري متميز، يندرج ضمن المجهودات المبذولة للإسهام بالأغنية الأمازيغية في الثقافة الكونية من بوتقة الخصوصية الأمازيغية، كما أن للآلات الموسيقية الموظفة، والتي تشكل قيثارة الفنان أحدى أعمدتها الرئيسية، التي تضفي على القطعة الموسيقية روعة وجمالا منقطع النظير، الدور البارز في جعل أغاني الفنان عموري مبارك، أغاني متميزة بكل المقاييس، كما كان لعملية تنويع الأشكال واستلهام نماذج من الموسيقى العالمية ومواكبة التطور التكنولوجي الأثر الحميد على عملية العصرنة والتطوير، التي لم تقطع مع مقومات الأغنية الأمازيغية – خاصة في سوس – والتي تتميز بمقامها الخماسي، لكن مع الاستفادة من التجارب الكونية، وتطعيم الأغنية المحلية بنماذج رائدة من التراث العالمي. لقد استطاع الفنان عموري وبنجاح أن يوظف كل الأشكال التراثية والكونية في مساره الغنائي الذي تميز بالبحث عن المتميز والجديد في كل محطة من محطاته الفنية، فاستعمل آلة الرباب ولوتار، ووظف شكل الجوق الموسيقى العصري ، ووظف العديد من الأشكال لا يسمح الحيز بسردها كلها. مجمل القول إن هذا الفنان المناضل، والملتزم، يعتبر بحق عمودا من أعمدة الفن الأمازيغي الحديث يجب أن يحظى بكل الرعاية والاهتمام، وأن يعرف بفنه ومساره الفني، في إطار تصور فكري عام، للنهوض بالفنون الأمازيغية، وتبويئها المكانة المرموقة التي هي جديرة بها، وجعل من نموذجه الغنائي النموذج العصري للأغنية الأمازيغية الحديثة الذي يجب أن يحتذى.
|
|