|
|
تحقيق: استمرار تآكل سور تاجنة تاهلة - احتضار معلمة بتواطؤ الطبيعة والإنسان - إعداد: محمد بورمضان
تعتبر المآثر التاريخية جزءا من الذاكرة المحلية للشعوب، بل مكتوبا ماديا يعبر عن المراحل التاريخية التي بني خلالها. بل يصنفها بعض الباحثين في خانة المصادر التاريخية المنطقية المحايدة، أي أنها لا تخضع لإيديولوجية الكتاب والمؤرخين . وقد عرف عهد السلطان الحسن الأول بانتشار الأسوار والقصبات في عدة أنحاء بالمغرب نظرا للتصادمات القبلية التي عرفتها المرحلة وعزم السلطان في استباب الأمن في كل المناطق حيث عرف بالسلطان الذي لم يبرح صهوة جواده . منطقة حوض إيناون عرفت خلال هذه الحقبة صراعا قبليا قل نظيره حيث نزلت قبيلة آيت وراين من جبال الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي بقطعان ماشية كبيرة إلى سهول هضبة تاهلة مطاردة القبائل المستقرة بها خاصة آيت سادن والحياينة، هذه الأخيرة لم ترغب في التخلي عن مجالها فكان الصدام مع آيت وراين محتدما حتم على السلطان الانتقال إلى عين المكان والبداية في تشييد سور «تاجنة» على شكل قصبة بمحيط أكثر من أربع كيلومترات وبعلو حوالي خمسة أمتار وسمك حوالي متر، ذي بابين: باب جنوبي في اتجاه الهضبة لمراقبة قبيلة آيت وراين، وآخر في اتجاه الشمال لمراقبة قبيلة الحياينة. قصة البناء: بحكم التواجد شبه الدائم للحسن الأول بمدينة فاس، لم يكن يرغب في استمرار الصراع بين قبيلتي الحياينة وآيت وراين، خاصة أن الأولى حسب تقسيم «ﯕلينو» تصنف في دائرة قبائل المخزن والثانية في دائرة القبائل غير الخاضعة . ونظرا لطول الحرب بين القبيلتين منذ سنة 1873م والتي لم تنفع معها المراسلات السلطانية إلى قائدي القبيلتين من أجل الصلح، اتخذ قراره سنة 1890م بإنزال جنده وإقامة معسكر لا تزال آثاره قائمة بكدية «تاجنة» حوالي ست كيلومترات جنوب مدينة تاهلة حاليا. حيث كانت منطقة مستوطنة من طرف قبيلة الحياينة، فاختار السلطان ملتقى الهضبة والسهل في منطقة تشكل منبعا مائيا لا ينضب لحد الآن على واد «كرمة خابة»، وزرع بها أشجار التين والنخيل التي لا تزال قائمة لحد الآن، أما سور القصبة فقد بني بالتربة التي جلبوها من دوار عين فندل المجاور وتم خلطها بالجير وهي تربة صلبة على غرار الأتربة التي بنيت بها مختلف الأسوار المغربية بطريقة اللوح . وقد تبث السلطان الزاوية الوزانية هناك لإقامة الصلح بين القبيلتين، وكان أول شرفائها سيدي علال بن محمد بن الطاهر المتوفى سنة 1312هجرية. وقد جاء في شهادة أحد أحفاده الذي لا زال يستقر قرب هذه المعلمة أن «القايد لحسن المصمودي هو الذي كان «قايد المائة» عند ايت وراين، وقد أخبر بوفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 م، فأخبر هو الآخر سيدي علال بن الطاهر وطلب منه عدم تعميم الخبر تفاديا لاشتعال الحرب بين القبيلتين من جديد». هذه هي قصة بناء سور قصبة «تاجنة»، فما هي قصة تخريبه؟ في محاولة لتحديد مسؤولية ما آلت إليه هذه المعلمة، قابلنا عدة جهات لها ارتباط بالموضوع. جهل الساكنة وانتقامها: اشتهر دواري عين فندل وتاجنة بالمنازل الطينية المبنية بطريقة اللوح، وقد ظل السكان يرممونها بعناية كبيرة بتغيير سقوفها عند حلول كل موسم شتاء، وقد كانت تربة سور تاجنة هي الأقوى كما يؤكد محمد الطريبق أحد المستقرين بجانب السور: «هذه التربة جيدة لإصلاح سقف المنازل وبناء الجدران لأنها غير متوفرة حاليا ونظرا لأنها مخلوطة بالجير الذي يعطيها المتانة». مصادر من الساكنة أشارت إلى أن تخريب هذه المعلمة جائز ما دامت السلطات المعنية لا تمنع ذلك وباعتبار أن هذا السور ملك للطبيعة فلكل واحد الحق في أخذ نصيبه منه . وقد صرح أحد الشيوخ الكبار بالمنطقة أن الساكنة تملك حق أخذ تراب هذا السور باعتبار أن أجدادها ضحوا بالغالي والنفيس في الحرب من أجل انتزاع الاستقرار بهذا المجال. المسؤولون لا علم لهم: انتقلنا إلى المصالح الإقليمية بتازة للتقصي في أمر من يحمي هذه المعلمة من الضياع؟ لكن للأسف الشديد وجدنا أن كل من زرناه يجيب أن لا علم له بوجود سور حسني بدوار تاجنة ! بدءا بالسيد مندوب وزارة الثقافة، والمسؤول عن المباني التاريخية بالمندوبية، وكذا رئيس الشؤون الاجتماعية بتازة والذي يشرف على المباردة الوطنية للتنمية البشرية في نفس الوقت. كل هذه الأطراف ادعت عدم علمها بوجود هذا السور التاريخي وما يتعرض له من ضياع . السيد عبد الله صالح مدير التراث بوزارة الثقافة أكد أن لا علم له هو أيضا بهذه المعلمة وأن مسؤولية التعريف بها على عاتق مثقفي المنطقة والجماعة القروية التي يوجد بترابها. أما الأستاذ يوسف بوكبوط أستاذ الحفريات والآثار فقد أشار في اتصال معه حول قوانين حماية المآثر التاريخية، إلى أن هناك مرسوما خاصا بها لكن لا يحمي سوى المآثر المصنفة، مؤكدا أنه في هذه الحالة على الجمعيات المحلية مراسلة مديرية التراث بوزارة الثقافة . اتصلنا بممثل دوار تاجنة السابق بجماعة مطماطة لمعرفة الإجراءات التي اتخذها المجلس القروي سابقا لحماية السور فأجاب أنه :« لم يتم التداول في موضوعه قط وأنا أعتبر أن المسؤولية على وزارة الثقافة». أما السيد بلقاسم أوراغ فقد أكد علمه بهذه المعلمة لكن لم يتوصل بأي اقتراح أو مراسلة في شأن حمايتها طيلة رئاسته للجماعة القروية. وقد كان لا بد من التأكد من مدى اتخاذ المنتخبين الجدد بالجماعة لأي قرار في شأن تحديد مسؤولية تخريب السور واتخاذ إجراءات لحمايته. الكاتب العام للجماعة القروية لمطماطة أفاد بأنه: «منذ إنشاء هذه الجماعة القروية وأنا في منصب كاتب عام لها لم يسبق طرح موضوع سور تاجنة بأي وجه من الأوجه». وهو نفس ما أكده عبد القادر لحنين أقدم مستشار بهذه الجماعة القروية والذي أضاف قائلا: «بيننا وبين الأمور الثقافية مسافة كبيرة». السيد القائد رئيس ملحقة بني وراين الغربية سألناه عن الإجراءات المتخذة في شأن هذا الموضوع فأشار إلى عدم معرفته بالموضوع، وأنه لم يسبق أن بلغ به. وعند تذكيره بما صرح به سيدي علال بن الحسن الوزاري المستقر قرب السور المذكور حيث أشار إلى أن أحد قواد تاهلة سبق أن زار هذا السور ونبه شيخ القبيلة إلى مغبة استمرار الساكنة في تخريبه، وكان رد مسؤول السلطة المحلية أن أكد كلامه السابق مضيفا أن: «على جمعية اعريمن نايت وراين أن تأخذ المبادرة وأنا سأقوم بمهمتي في هذا الشأن». المجتمع المدني وقصر ذات اليد: بعد أخذ رأي المسؤولين والمنتخبين كان لا بد من الرجوع إلى المجتمع المدني في الموضوع. والجمعية الوحيدة بالمنطقة هي جمعية إعريمن نايت وراين للتنمية والحفاظ على الثقافة والتراث بعين فندل القريب من دوار تاجنة حيث يتواجد السور. وقد قال أحد الباحثين في التاريخ والمسؤول على برامجها الثقافية إنه سبق أن راسل السيد وزير الثقافة السابق والسيد رئيس الجماعة القروية لمطماطة في شأن حماية هذه المعلمة من الاندثار خلال بداية التسعينات، لكن لم يكن هناك أي إجراء. وبالنسبة لدور الجمعية في هذا الشأن قال: «نددنا ونبهنا الساكنة إلى عدم تخريب هذا السور لكن دون جدوى . ليس لدينا مداخيل تؤهلنا لإعادة ترميمه .خلال مهرجاناتنا الثقافية الأربعة التي نظمناها بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نظمنا زيارات ميدانية إلى هذه المعلمة التاريخية بغية إثارة الانتباه إليها وهذا ما يمكن فعله حاليا ». مصدر آخر مقرب من الجمعية أشار إلى أن الجمعية ستقوم بطرح مشروع ترميم سور تاجنة على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لم تنخرط فيها الجمعية بعد. المسؤولية مسؤوليتان: إذن بعد الاطلاع على رأي مختلف الأطراف نستخلص أننا أمام مسؤوليتين، مسؤولية التعريف بهذه المعلمة والتي هي على عاتق المجتمع المدني ومثقفي ومنتخبي المنطقة والمفروض منهم رفع التقارير والمراسلات لدى الجهات المسؤولة ونشر الوعي لدى الساكنة بقيمتها وضرورة الحفاظ عليها كجزء من ذاكرتهم .غياب هذه المسؤولية هي التي أدت إلى الوضعية التي آل إليها سور تاجنة . أما مسؤولية إعادة ترميم السور فهو على عاتق وزارة الثقافة والجماعة القروية لمطماطة، الطرفين اللذين لم يأخذا بعين الاعتبار إحدى الرسائل التي تتضمن تقريرا في الموضوع منذ بداية التسعينات . وكذا المجلس الإقليمي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أكد المسؤول عنها أنه: « يمكن إدخال مشروع ترميم سور تاجنة في إطار برنامج مندمج تشاركي بين مختلف الأطراف بما فيها المجتمع المدني »، وهو نفس الرأي الذي يطرحه مدير التراث بوزارة الثقافة . يتضح إذن، أن سور تاجنة هو ضحية كل من هو في المسؤولية من سلطات محلية مفروض فيها إصدار قوانين زجرية ضد المخربين، وكذا وزارة الثقافة التي تغض الطرف عن مآثر هي الوصية عنها وتنتظر دعوة من أطراف أخرى لحمايتها . إلى أن تحل الجهات المسؤولة بالمعلمة للاطلاع على وضعها، يبقى سور تاجنة يتلقى ضربات السكان والعوامل الطبيعية مستنجدا ببركة سيدي علال الوزاني.
|
|