|
|
إدمـاج اللغـة الأمازيغية فـي المدرسـة المغربيـة بقلم: بقلم محمد كَيلمي، أستاذ وباحث في الشأن الأمازيغي (تاوينخت / تازنَاخت)
لقد تولد عن موضوع إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية المغربية سجال معرفي لم يسبق للمدرسة المغربية أن عاشته من قبل، حيث تجاوز الموضوع جدران الفصول وأصبح حديث كل الأسر، يتساءلون عن مستجداته يوميا إلى أن أفرز هذا الموضوع صراعا نفسيا وخوفا شديدا في نفسية الآباء وهيئة التدريس، فمنهم من احتج بشدة ورفض هذا المشروع الجديد بشكل مطلق ومنهم من اطمأن وارتاح بالفكرة لينتظر في الأخير نتائج هذا الحدث الهام. ونأتي هنا لنطرح سؤالنا المهم والذي ينتاب فكر الذين أنيطت بهم هذه المهمة والذين هم في طور التكوين، أية قيمة مضافة للمدرسة المغربية من تدريس اللغة الأمازيغية؟ عرف النظام التربوي المغربي مجموعة من التوجهات الجديدة التي أفضت إلى تحولات جوهرية في مختلف الجوانب والمجالات. ولعل أبرزها خلال مطلع هذا القرن هو إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية. إن هذا الحدث التاريخي يسعى إلى تحقيق مرامٍ أساسية أهمها المصالحة مع الذات عن طريق إعادة بناء الشخصية المغربية، والمصالحة مع الماضي عن طريق إعادة بناء الذاكرة المغربية، والمصالحة مع الغير عن طريق إعادة بناء الهوية المغربية. ويمكن الوقوف هنا على المعطيات التي تُظهر بجلاء بعضا من الجوانب الإيجابية والقيم المضافة التي بدت واضحة مع إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، وما لهذه القيم من أبعاد معرفية ونفسية واجتماعية على الأستاذ والتلميذ والمجتمع المحيط بالمدرسة، الشيء الذي سيمكن من رسم المعالم الحقيقة للمدرسة المغربية ويمكن إيجاز أهمية هذه القيم في ما يلي: - إن الدرس الأمازيغي جعل من المتعلم عنصرا فاعلا قويا ومقاوما للسلطة المعرفية التي يمتلكها الأستاذ نظرا لقدراته اللغوية والثقافية المرتبطة بهذا الدرس. - إن تقاسم السلطة المعرفية بين التلميذ والأستاذ يشكل انقلابا جوهريا لم يسبق للمدرسة المغربية أن حققته، وهذا التقاسم إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تحول المدرسة إلى تحمل مسؤولية وإشاعة الديمقراطية وروح الديمقراطية بين كل الأطراف الفاعلة فيها كقيمة معرفية. - خلق جسور التواصل بين اللغة الأمازيغية واللغات الأخرى، خاصة اللغتين العربية والفرنسية كقيمة لغوية. - الحيوية الملموسة خلال حصص اللغة الأمازيغية بين التلاميذ الناطقين وغير الناطقين بالأمازيغية, الشيء يفصح عن الأهمية الحميمية للغة ولو في غياب مظاهرها الخارجية كالكلام مثلا (بالنسبة لغير الناطقين بها) ونتوقع هنا أن يكون للدرس الأمازيغي أثر كبير في إعادة بناء العلاقة التربوية وتصحيحها حتى تصبح موضوعية وتسمح بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، كقيمة مرتبطة بالعلاقة التربوية. - لعل المتأمل في الشخص المغربي، خريج المدرسة المغربية حسب نظامها التربوي المعهود، يجد أمامه موسوعات ملمة بأحداث وقائع الشرق والغرب، ولكن مع جهل شبه تام بالمكان والمحيط الذي يحضنه ويستنشق هواه كقيمة مرتبطة بطبيعة المدرسة المغربية. - إن تدريس الأمازيغية بالمدرسة يعني تدريس المكون الثقافي لهذه اللغة، وهو في نفس الوقت مكون ثقافي أساسي لكل المغاربة بدون استثناء. - استعادت المدرسة مكانتها المنسية، ولم تعد عبئا على الآباء الذين لا يرون فيها إلا الفروض المنزلية التي تزيد من توتر العلاقة بين الآباء وأبنائهم، فالدرس الأمازيغي خلق فرصا جديدة للتواصل البناء. - تتجلى أيضا قيمة إدماج اللغة الأمازيغية في كون المدرسة ساهمت إلى حد كبير في إعادة ربط وشائج الاتصال مع الجذور، خاصة لدى ساكنة الوسط الحضري وبعض النخب التي تملصت من أصولها لأسباب اجتماعية، نفسية، كقيمة مرتبطة بانفتاح المؤسسة. - تدريس الأمازيغية هو الكفيل بإبراز المكون الثقافي الأمازيغي الذي يبدأ من المحيط القريب للمتعلم والأستاذ والمجتمع ليطال أبعادا أخرى كالوطن والتاريخ والحضارة والوقوف على العادات والتقاليد والأعياد والمناسبات وكل مظاهر الاحتفال ينمي ويرسخ مفهوم الذات والهوية في بعديها الحضاري والتاريخي. - إن الثقافة التي تروجها كتب اللغة الأمازيغية في المدرسة، كفيلة بترسيخ مفهوم المواطنة والوطن لدى التلاميذ والكبار نظرا للحمولة الثقافية التي تؤسس لحب الوطن والمصالحة مع الذات بعد معرفتها والمصالحة مع الماضي عبر إحياء الذاكرة القريبة والبعيدة والمصالحة مع الغير عبر بث قيم التسامح والاختلاف كقيمة مرتبطة بالمعطى الثقافي. إن انجاز إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية المغربية، يعتبر خطوة جبارة في اتجاه اهتمام المدرسة بمكونات المجتمع اللغوية ويتجلى في الانطلاقات الفعلية لتدريس الأمازيغية في المدرسة المغربية ويمكن تلخيص هذه الأهمية في الدلالات التالية: 1) من الناحية السياسية والقيمية: يعني إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية تدبير شأن من شؤون الوطن ظل على هامش بؤر التفكير والتدبير السياسيين ودون مبرر سياسي مقبول. وهذا يعني أن العقل السياسي المغربي بتعلقه للشأن الأمازيغي، سيتمكن من إدراج هذا الحدث في مختلف الأطروحات التي سينتجها كما أن هذا التعقل سيمهد الطريق أمام تداول قيم المساواة والمشاركة والانخراط في أوراش الوطن الكبرى. 2) من الناحية التربوية: يشكل تدريس الأمازيغية ثورة جديدة، ذلك أن المتطلبات والإلحاحات التي يفرزها المجتمع المغربي، سيكون على المدرسة أن تدبرها وأن تستجيب لها بدل التنكر لها. 3) من الناحية الديدكتيكية: أغنت الممارسات التعليمية في درس اللغة الأمازيغية المنظومة الديدكتيكية بوقائع وحالات تهم أشكال التعليم وتعلم اللغة الأم واللغة الوطنية الثانية بشكل يسمح بمعاينة وقائع وأحداث متفردة ولم يسبق لها مثيل. وهذا ما فتح مجال البحث الديدكتيكي، ومن المنتظر أن يوسعه ويغنيه. في الأخير، وانسجاما مع التوجيهات العامة والغايات الكبرى لسياسة الدولة في مجال التعليم والتكوين من جهة عامة، وتفعيلا لإستراتيجية تعزيز مكانة الأمازيغية في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي من أجل إعطائها دفعة جديدة كتراث وطني يعد مبعث اعتزاز لكل المغاربة من جهة خاصة، أصبحت الأمازيغية، التي لم تكن تتوفر من قبل على رصيد تعليمي، تتمتع اليوم بالشروط التربوية والعلمية الأولية كأرضية لتوطيد الإدماج التدرجي في النسق التربوي ببلادنا. طموحنا جميعا هو تعميق التفكير حول الأهداف الإستراتيجية لتدريس الأمازيغية، والمزيد من تجند جميع الفاعلين الإداريين والتربويين، كل في نطاق اختصاصه، من أجل الارتقاء بهذا المشروع الوطني إلى الأفضل، وتجاوز كل الصعوبات والعراقيل التي تحول دون ذلك، من أجل النهوض بالأمازيغية، لأن من شأنه أن يسهم في إرساء أسس مدرسة مواطنة متجذرة في عمق تاريخ المغرب ومنفتحة على القيم الكونية، ومن ثمة، فأمر إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية يجب أن يرافقه إدماجها في العقل والذهنية والثقافة.فإذا كان تدريس اللغة الأمازيغية سيمكن من بناء الإنسان المغربي وشخصية الإنسان المغربي في أبعادها الوطنية والكونية، ألا يجدر بنا الانخراط في هذا الورش الكبير؟...
|
|