|
|
هل تتذكرون ذلك اليوم اللعين؟ بقلم: مبارك بلقاسم هل تتذكرون ذلك اليوم اللعين؟ يوم الدرس الأول في المدرسة المروكية العروبية المخزنية. شعور رهيب كان هو. الخوف من المستقبل المجهول، والذي لم يلبث أن تحول فيما بعد إلى خوف من الحاضر الضاغط المر المخيف. هل تتذكرون يوم اقتلعنا من بيوتنا الآمنة وتم رمينا في تلك الحجرات القبيحة الموحشة لنتعلم لغة أهل الجنة ولغة أهل النار؟ لنتعلم لغة عنترة بن شداد ولغة لويس السادس عشر، عوضا عن لغة بيتنا وشارعنا وأصدقائنا! هل تتذكرون مدرسة كريم ومريم؟ مدرسة الألف والباء والتاء. مدرسة التلاوة والمحفوظات المملة. مدرسة العصا والتييو، وبقية أسلحة الدمار الشامل الجسماني والنفسي. مدرسة التحميلة والعقوبات اللعينة الأخرى. مدرسة حصص الـConjugaison وL’oral والـGrammaire المقيتة.مدرسة “سوايع المراجعة”. حيث يتعلم التلاميذ أبجديات الفساد والرشوة والتمييز الطبقي. مدرسة “هضر العربية!”، و”سرح يدك!”. مدرسة “وقف! جلسْ! مرافق!”. مدرسة “ْآ لحمار!” و”آ لبغل!”. حيث يتعلم التلاميذ بروتوكولات الإتيكيت المخزني وآداب الحوار الحضاري بالعربية. طيب! إذا تمكنتُ من تنشيط ذاكرتكم قليلا، فلتعلموا أن هذه المدرسة اللعينة ما زالت حية ترزق. اليوم، ربما لم تعد العصي والتييوات تلهب أيدي ومؤخرات الأطفال كما في جيلنا. ربما تراجعت نسبة العنف المدرسي الجسدي. ولكن ماذا عن العنف الفكري والنفسي؟ ماذا عن عقلية التحفيظ؟ ماذاعن عقلية التلقين بالإرغام ومعاقبة التلميذ على عدم الفهم؟ ماذا عن اضطهاد اللغة الأم للطفل؟ أحيطكم علما أن كل هذا الخراب والتخلف موجود، وبألف خير!
أطفال العالم المتحضر تتفتح عقولهم في المدرسة. ويتحاورون بلغتهم
الأم مع أستاذتهم البشوشة أو مع معلمهم الباسم دون خوف ولا رعب. يلعبون ويمرحون
ويضحكون. يتعلمون الحساب والحروف بالتي هي أحسن. وإذا كان هناك تلميذ يعاني من
صعوبة في التعلم أو الفهم أو الاستيعاب فإن معلمه لا يعاقبه ولا يصفه بـ”الحمار”
ولا بـ”البغل” بل يأخذ بيده برفق ويبذل معه مجهودا إضافيا أو يستعمل معه طرقا
بيداغوجية أخرى. أما أطفال العالم الأمازيغي البئيس وما أدراك ما العالم الأمازيغي البئيس، ففي بؤس مقيم وعذاب عظيم.
في أول يوم من المدرسة، أول شيء ترتطم به عقولهم الغضة البريئة هو
تلك اللغة الغريبة المنفرة التي يرطن بها المعلم المكفهر الوجه. لغة لا يعرفونها
ولم يسمعوا أحدا يتكلمها في البيت ولا في الشارع. يا للمعلم البائس! مشوش. شارد. لعله يفكر في أين سيجد المال لدفع ثمن الكراء وشراء البوتاغاز. الجيم، الحاء، الخاء... التلاميذ المساكين ذاهلون، فاغرون أفواهم منكمشون في مقاعدهم الخشبية. يحارون بين أمرين كلاهما مر. يحارون بين تهجي الحروف المقوسة العجيبة على السبورة، وبين الانتباه للمعلم الذي يصخب بلغة مجهولة.
بعد مرور ردح من الزمن يزمجر الجرس اللعين هو الآخر ايذانا بفترة
الاستراحة. نندفع لنلعب لعبة Tazzla. نجري ونطارد بعضنا البعض. نسقط ونعفر ثيابنا في التراب. التراب والعجاج والشمس الحارقة أرحم من الدرس اللعين والحروف اللعينة. حذار من المعلمين الذين يقومون أحيانا بدوريات “الحراسة” لمنع التلاميذ من الجري والتدافع. في أيدي هؤلاء المعلمين-الحراس تييوات حمراء عملاقة، يستخدمها عادة عمال الكهرباء. الجري والتدافع خطير. يمكن أن تسقط فتكسر أسنانك بسهولة على ياجورة ناتئة أو تدق رأسك على حجر ضخم مخفي بعناية بين ثنايا الأرض غير المعشوشبة وغير المبلطة . ولكن لعبة Tazzla أو Zimzamzu مغرية رغم كل ذلك. أما إذا وقعت في يد معلم من “دورية الحراسة” فلتعلم أنه سريع العقاب. وعقابه لا يقل قسوة عن العقاب الجسدي المعلوم داخل القسم. يزمجر الجرس مرة أخرى. ننطلق بأقصى سرعة إلى صنبور المياه للصراع على شربة ماء طعمه غريب. أما المراحيض فهي منطقة كوارث سامة كيماويا. البقاء فيها أكثر من دقيقة مخاطرة جدية وعذاب مهين. نعود إلى القسم مهلوكين. المعلم يضرب على السبورة بعصاه. يملأ آذاننا مرة أخرى بأصوات وكلمات غريبة نرددها بعده بصوت عال وتكرار رتيب. نرسم تلك الحروف على دفاترنا. قبل أن نغادر القسم إلى بيوتنا يخاطبنا المعلم بلغة أخرى غريبة أيضا، نغمتها مختلفة عما كنا نردده وراءه. وكأنه يأمرنا بشيء. الجميع ينصت بانتباه ووجوم رغم أن معظمهم لا يفهم شيئا. لم أفهم حرفا مما قال. أسأل زميلي. يترجم لي بعض العبارات إلى الأمازيغية.
نخرج من القسم والمدرسة بانتظام في صفين، نمشي وظهورنا محنية قليلا
بسبب ثقل محافظنا المملوءة بكتب “العلم والمعرفة”. إصلاح التعليم: لا يبدو المثقفون والمفكرون الأمازيغ مهتمين ولا واعين بمسألة إصلاح هذا التعليم المهترئ الفاشل. أما الناطقون بالأمازيغية منهم فكل ما نسمعه منهم هو المطالبة بـ”إدماج” اللغة الأمازيغية، وإعادة كتابة التاريخ. لماذا لا يطور المثقفون الأمازيغ تصورا مفصلا لمنظومة تعليمية أمازيغية حديثة ومتكاملة؟ لماذا لا يفتحون قنوات للحوار مع قطاع المدارس الخاصة؟ لماذا ينتظرون الوزارة الفلانية أو المجلس الفلاني أن يفكر لهم في الحلول؟ لماذا نتذكر أهمية التعليم الأمازيغي فقط حينما يتعلق الأمر بتدريس مادتي اللغة والتاريخ؟ ماذا عن درس الرياضيات؟ والجغرافيا؟ ماذا عن الأنشطة الأخرى؟ من أجل تصور متكامل لتعليم أمازيغي: لقد ثبت بالملموس المحسوس، لمن كانت لديه نية حسنة، بأن المخزن لا ينوي بالأمازيغية خيرا. وثبت، لمن كان لديه شك، أن مستقبل الأمازيغية ليس مع حرف تيفيناغ بل إن مستقبلها هو مع الحرف اللاتيني. وحرف تيفيناغ يستخدم حاليا لتحنيط الأمازيغية وتجميدها.
هل هناك عاقل اليوم يتخيل أن العلوم الطبيعية والرياضيات والفيزياء
ستدرس يوما للتلاميذ المروكيين بحرف تيفيناغ؟ هذا لن يحدث طبعا لأن الأدوار قد قسمت بعناية. العربية والفرنسية في الإبتدائي والثانوي. الفرنسية لغة العلوم والإقتصاد في التعليم العالي. والعربية لغة الأدبيات والقانون والدراسات الإنسانية. أما الأمازيغية (بحرف تيفيناغ) فيريدونها لغة وثقافة تدرس لذاتها دون أي دور لها في الحياة العامة. يريدونها لغة خارج التاريخ وخارج الحدث. لهذا تأتي ضرورة أن يقوم المثقفون والمفكرون بصياغة مبادرة أمازيغية ذاتية في شكل تصور مفصل لنظام تعليمي أمازيغي متكامل يشمل كل المواد التعليمية. وتأتي ضرورة ترجمة مقررات الوزارة بإذنها أو بدونه إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني المبسط. لقد ولى زمن التمني والمطالبات والانتظارية بعد أن برهنت الدولة مرة أخرى عن سوء نيتها تجاه الأمازيغية. الدرس المخزني البليغ: أيها الناشطون الأمازيغ! طالبتم الدولة بالحرف اللاتيني فأعطتكم تيفيناغ! طالبتم الدولة بأكاديمية أمازيغية حرة فأعطتكم معهدا تراقبه وزارة الداخلية! طالبتم الدولة بإعلام أمازيغي فأعطتكم شذرات وشظايا يتيمة هنا وهناك! طالبتم الدولة بقناة أمازيغية اللغة، بعد أن نفذ صبركم وعلا صوتكم، فأعطتكم قناة نصف عربية! طالبتم الدولة بتدريس الأمازيغية فبدأت التدريس البائس من القسم الأول الابتدائي بدل قسم البكالوريا. من تحت إلى فوق. وذلك من أجل تضييع أقصى قدر ممكن من الوقت وتفويت فرصة التعرف على اللغة الأمازيغية على أقصى عدد ممكن من التلاميذ! طالبتم الدولة بتعميم تدريس الأمازيغية إجباريا على كل المدارس فأعطتكم 10% من المدارس الابتدائية! طالبتم بإنشاء مسالك جامعية أمازيغية في كل الجامعات، فأعطتكم ثلاث مسالك موزعة على ثلاث جامعات من أصل 17 جامعة! طالبتم الدولة بفتح ورشة وطنية لإعادة كتابة التاريخ، فأعطتكم احتفالية باذخة بالملايير تخليدا لـ”12 قرنا من تاريخ مغربهم الذي ليس لغيرهم”! فهل فهمتم الدرس المخزني البليغ؟ هل وعيتم ضرورة وحتمية تغيير الوضع القائم بأيديكم؟ هل وعيتم أهمية البعدين السياسي والثقافي في القضية الأمازيغية؟ هل وعيتم أهمية الفصل بينهما مع الدفع بهما إلى الأمام؟
|
|