|
|
جمعية ماسينيسا الثقافية بطنجة تقرير خاص بندوة «الجهوية من منظور الحركة الأمازيغية»إعداد: محمد أزناكي
نظمت جمعية ماسينيسا الثقافية بطنجة، يوم السبت 29 ماي 2010، ندوة فكرية في موضوع: «الجهوية من منظور الحركة المازيغية»، وقد أطر أشغال الندوة – التي عرفت حضورا جماهيريا ونخبويا كثيفا غصت به جنبات قاعة المحاضرات بمجمع الصناعة التقليدية بطنجة- كلا من الأستاذين: حسن اذ بلقاسم، الخبير الدولي المعتمد لدى منتدى الأمم المتحدة الخاص بالشعوب الأصلية، والرئيس السابق لمنظمة ثمينوت، والأستاذ خالد المنصوري، الفاعل الأمازيغي المعروف، خريج مدرسة الحركة الثقافية الأمازيغية من داخل الجامعة. وقد جاءت الندوة في سياق عام يعرف نقاشا عموميا حول ضرورة إعادة النظر في طبيعة الدولة المغربية من ناحية تدبير مجالها الترابي، بالموازاة مع التفكير في إعادة النظر حتى في المنظومة القانونية والسياسية والدستورية المؤسسة المؤطرة لها. في بداية أشغالها، وبعد كلمة الترحيب المعتادة، وضع مسير الندوة، السيد: سهيل عبو، (نائب أمين مال الجمعية)، وضع الحضور الكريم في الإطار العام الذي جاءت في مصوغات الجمعية لتنظيم الندوة من حيث التوقيت، الذي يتزامن مع حدة النقاش العمومي الذي يعرفه المغرب حول تدبير المجال الترابي للدولة المغربية الذي لامس حتى التفكير والرغبة في ضرورة وآنية إعادة النظر في المؤسسات والترسانة القانونية والدستورية والوضع السياسي العام للبلاد، ومن حيث طبيعة الموضوع، فإنه جاء كنتاج لاستقراء خاص قامت به الجمعية لطبيعة الفاعلين المجتمعيين الذين تعددت خطاباتهم و»اقتراحاتهم»، وتفاوتت مجالات وجوانب محاور أطارحيهم، في الفترة الأخيرة، تحت سقف ما سماه الخطاب الرسمي للدولة ب «الجهوية الموسعة»، بينما غابت الحركة الأمازيغية، بشكل او بآخر عن «ساحة النقاش الرسمي» هذه، رغم كونها من أكثر الحركات المجتمعية إنتاجا للتصورات والمفاهيم ذات الصلة بعوالم الأنظمة التدبيرية الجهوية، بعدما كانت الحركة الأمازيغية سباقة لفتح النقاش حول الموضوع كلمة الأستاذ حسن اذ بلقاسم في بداية عرضه، وبعد كلمة الشكر والمجاملة في حق الجمعية وعموم مناضلي الحركة الأمازيغية بطنجة، أبرز الأستاذ حسن اذ بلقاسم الدور الكبير والمبادر الذي لعبته الحركة الأمازيغية بمختلف تياراتها، منذ بداياتها الأولى، في فتح نقاش عمومي جاد وعميق وهادف حول ملف الجهوية وما يدور في فلكه من تسميات ومفاهيم ومقاربات، من فيدرالية، وكونفدرالية، وحكم ذاتي، واستقلال ذاتي، وتسيير ذاتي، ولامركزية، وغيرها، وكمثال على ذلك مبادرة منظمة ثمينوت التي سبق وان طرحت فكرة العمل بجناحين، سياسيي وثقافي، حتى يتسنى للحركة الأمازيغية الاشتغال بحرية وتكامل وفعالية أكثر على كل الملفات والقضايا ذات الصلة بمطالب الحركة، من حقوق الشعب المغربي، الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، السياسية والمدنية، الفردية والجماعية، على اعتبار أن الحركة الأمازيغية حركة حقوقية حاملة لمشروع مجتمعي متكامل، كما استعرض الأستاذ المحاضر بعض أهم المحطات والتجارب التي شهدها مسار الحركة الأمازيغية في مجال اشتغالها على الملفات ذات الصلة بالنظام الجهوي بالمغرب، اذ أن الجهوية التي حسبه يجب أن تكون بالفعل ورشا مفتوحا في حاجة لبناء جماعي، عن طريق فتح حوار جاد وشامل حولها بمشاركة كل الفرقاء المجتمعيين، دون سقف محدد ولا شروط مسبقة، مع العمل على الانتقال بالنقاش من خانة الصراع عن السلطة بين المركز والجهات، إلى خانة النقاش حول تقسم السلطة والثروة بينهما كلمة الأستاذ خالد المنصوري في مستهل كلمته شكر الدكتور خالد المنصوري جمعية ماسينيسا الثقافية على الفرصة التي أتاحتها للتواصل بين أبناء الحركة الأمازيغية، خاصة مع مناضلي الحركة بطنجة، وعموم فعاليات المدينة وساكنتها، هذه الفرصة التي جاءت من باب الحاجة الدائمة والمستمرة لفتح المزيد من «حلقات» النقاش والحوار بين مكونات المجتمع المغربي حول واقع البلاد عموما، وطبيعة بنيتها التنظيمية خصوصا، خاصة في موضوع حيوي ومهم كملف التنظيم الجهوي، وقد استعرض الأستاذ المنصوري بشكل كرونولوجي معزز بتحليل معمق مسار تشكل الدولة المغربية الحديثة، منذ ما قبل 1912 إلى حدود اليوم، حيث بسط أمام الحضور، الذين غصت بهم جنبات القاعة، بعض مظاهر الاستقلالية لدى القبائل الأمازيغية عن السلطة المركزية من خلال نماذج كونفدرالية جد متطورة ومحكمة التنظيم، هذه التجربة في تنظيم المجال الترابي والواقع السوسيو اقتصادي، كان بإمكانها أن تكون من دعائم قوة المغرب وملحمات وحدتيه الترابية والوطنية، لو تركت تنمو وتتطور بشكل طبيعي. وبعد ذلك تطرق الأستاذ المحاضر، باستفاضة عن مرحلة بناء «دولة الاستقلال من طرف النخب التي سمت نفسها ب «الحركة الوطنية» التي بنت «أمجادها» وأسست لمشروعية خطابها عبر إقصاء وتهميش تراث ومساهمات رموز الحركة الوطنية الحقيقية، عن طريق القتل والسجن وتأبيد النفي في حقهم، فكان من أولى قرارات موقعي اتفاقية «ايكس ليبان الخيانية» التي أتت ب «دولة الإحتقلال» حسب وصف الزعيم التاريخي مولاي موحند لها، هذه الدولة التي نحن نعاني اليوم من مركزيتها المفرطة، التي استنسخت نفسها من النموذج اليعقوبي الفرنسي في التنظيم الدولتي ومركزة السلط والقضاء على التعدد الثقافي الحضاري، هذا النموذج الذي سماه الدكتور خالد المنصوري ب «فرنسا الثانية» في المغرب، بعدما قامت نخب فاس والرباط وسلا من عناصر «الحركة اللاوطنية» بالاستعاضة عن مؤسسات الكونفدراليات الأمازيغية الجهوية المستقلة، بدولة مركزية، وانتقلت بالمغرب من مجتمع تعددي إلى مجتمع سلطوي مركزي لا يعرف إلا الفكر الأحادي التشريقي العربو- اسلاموي، الذي لا يؤمن بقيم التعدد والاختلاف، وفي نهاية كلمته خلص إلى الحديث عن الحاجة المجتمعية الماسة لتغيير دستور الدولة المغربية، لإعادة ترتيب البيت الداخلي للمغرب، عن طريق إعادة توزيع الأدوار بين مختلف الفاعلين السياسيين والفرقاء المجتمعيين، وبين مختلف جهات المغرب ومكوناته، من أجل بناء دولة حقيقية، بمؤسسات ديمقراطية منتخبة ومسئولة، بعيدا عن العقلية المركزية الاستبدادية، ب»رؤيتها» الأحادية الاختزالية كما آخذ الأستاذ المنصوري على ما سماه ب»بعض المنزلقات» التي ترتكبها بعض تيارات الحركة الأمازيغية، خاصة بالريف، التي عاب عليها حديثها عن «اللغة الريفية»، ومنها مر مباشرة لطرح السؤال/ الإشكال: ما هي المعايير الممكن اعتمادها في بناء الجهة بالمغرب؟ الثقل التاريخي؟ عنصر اللغة ومحولاتها الحضارية والثقافية؟ البعد الاقتصادي والاجتماعي، الهاجس الأمني والسياسي؟ أم كل هذه العناصر؟.. الخ. الحركة الأمازيغية والجهوية أكد الأستاذان المحاضران على كون الحركة الأمازيغية قد جعلت من ملف تدبير المجال الترابي للدولة المغربية في مختلف جوانبه، خاصة المتعلق منها بالشأن الثقافي، وآليات تسيير الشأن العام ديمقراطيا، ملفا رئيسا وعلى راس أجندة اشتغالها ونضالها الميداني مع الجماهير الشعبية، منذ انطلاقاتها الأولى، حيث عارضت الحركة الأمازيغية بشكل مبدئي وصريح بنية الدولة المبني على النموذج اليعقوبي المفرط في المركزية، والذي لا يخدم سوى مصالح الأوليكارشية الحاكمة ونخبها الحزبية والاقتصادية، ولوبياتها العروبية والفرانكفونية، هذا العقلية المركزية التي عارضت توجهات وقناعات الحركة الأمازيغية وسعت جاهدة لتلفيق تهم التفرقة والعنصرية والعمالة للأجنبي.. وبالنوع الانفصالي أيضا لمناضلي الحركة الأمازيغية، لا لشيء سوى لكون ايمازيغن يرفضون الذوبان في ثقافات واديولوجيات الآخرين، وكذا لعزل الحركة مجتمعيا، والتشويش على خطابها ومقارباتها الديمقراطية لما يجب أن يكون عليه النظام الجهوي بالمغرب. نقاش مفتوح بعد كلمتي الأستاذين المحاضرين، اللذين أحاطا بالكثير من الجوانب والتيمات، فتح باب المداخلات أمام الحضور الكريم الذي تابع أطوار الندوة من بداية أشغالها إلى نهايتها، وقد كان هناك حضور لافت لمناضلي طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، خاصة من موقع ثيطاوين، الذي وجهت لهم الجمعية تحية خاصة جدا، هذا وقد تباينت طبيعة المداخلات بين أسئلة وتساؤلات، وطرح إشكالات واقتراحات، بل بسط الانتقادات والمؤاخذات، وقد اختلفت كذلك طبيعة المقاربات وزوايا النظر باختلاف المنطلقات التحليلية والتموقعات التنظيمية، وباختلاف الاهتمامات والقناعات الشخصية لأصحابها، وقد تجاوب معها الأستاذان المحاضران كما ممثل الجمعية، بغير قليل من الاهتمام، مما أضفى على الندوة المزيد من الأهمية والفائدة، قبل أن تختتم في حدود الساعة العاشرة ليلا، بعد ما يزيد على خمس ساعات من النقاش والحوار. خلاصات يمكن اعتبار ندوة: «الجهوية من منظور الحركة الأمازيغية»، التي نظمتها جمعية ماسينيسا الثقافية بطنجة، فرصة من بين فرص أخرى كثيرة عبرت فيها الحركة الأمازيغية عن موقفها الواضح والمعروف بشأن تدبير المجال الترابي للدولة المغربية وإعادة النظر في طبيعة العلاقات بين مختلف الفرقاء المجتمعيين، واحترام الخصوصيات الجهوية، والاهتمام بواقعها الاقتصادي والاجتماعي، ومؤطراتها السياسية والقانونية، مع ضرورة ووجوبية رد الاعتبار للأمازيغية، هوية وطنية ولغة رسمية، والتي كان لتصور الحركة الأمازيغية بمختلف مكوناتها، سواء في شكلها المعاصر، او حتى بدايات تكونها الجنيني كحركة نضال وحقوق في بدايات القرن العشرين، كانت تطرح مقاربة عقلانية ديمقراطية تتأسس على اعتبار الوحدة الجهوية منطلق حقيقي لبناء دولة مغربية ديمقراطية قوية، تستمد قوتها من تعدد مكوناتها وغنى خصوصياتها الثقافية والحضارية، ومن تضامنها السوسيو اقتصادي، ومن وحدتها السياسية والوطنية، عن طريق اقرار أنظمة ومؤسسات وطنية حقيقية ترتكز على عنصري المساواة في الحقوق والواجبات، بين الأفراد والجهات، وفي التوزيع العادل للسلط والثروات، جهوية تقر بواقع المجتمع كما هو، لا كما تريده أقلية مستعربة ومفرنسة من المواطنين، على حساب حقوق تاريخية وطبيعية مشروعة للشعب المغربي بأكمله. (طنجة في: فاتح يونيو 2010)
|
|