|
|
مينـسيـوس فيلـكس: الأفريـقيّ المُسْــتلَب* بقـــــلم: د. حسـن بنـعقـية ترجمة: فريد أمعضـشو ومحمد اليعـقوبي «تَــرى في [شخصية] مينسـيوس فيلكس سـماتٍ مكروهةً يُضْـفي عليها الوثنــيون شِحْـنات مسيـحية خاصة! ويُلاحَـظُ على بعضهم عدمُ معاملتهم بوصفهم إخواناً وأخواتٍ، بل بغرض انتهاك حرْمة هذا الاسم المقدَّس؛ بحيث إنهم كانوا يُقبِّلون، كما قيل، الأعضاء التناسُلية لكهَنَتهم؛ مثلما كان يفعل الأفارقة مع أوليائهم، ويتلطّخون بكل الدّناءات».(1) إن هذه الدراسة تسعى إلى تحليل مختلِف جوانب «أوكتافـيوس»(Octavius) لمينسيوس فيلكس(2)، المؤلَّـف ما بين 218 و235 تقريـباً. وهو كتابٌ محَقّقٌ انطلاقاً من مخطوطٍ باريسيّ، يعود إلى القرن التاسع، عنوانُه «ضدّ الوثنيين»لأرنوب(3)، أوْرَد في جزئه الثامن نص فيلكس. ويعد المؤرخ ورجلُ القانون فرانسوا بودوان (F.Baudoin) أولَ مَن نشر «أوكتافيوس»مستقِلاًّ، عام 1560، في هيدلبيرغ. ونسجّل كذلك أن «هذا العمل يتّسم دَوْماً بالسحر والدقة. لذا، سمّاه هـالم (Halm) بـ»الكتاب الذهبي»، ودَعاه رينان (Renan) «جوهرة الدفاع المسيحي»(4). بيد أنه يظل نصّاً سِجالياً يَخْلط خطاب الكاتب، الذي يُمسي عسيراً، أو يوضّحه متراوحاً بين المتنافسَيْن معاً اللذين يناقشان أي شيء. ومن وجهة نظرنا، فقد كان فيلكس كاتباً سوفسطائياً يَسْتجمع آراء مختلفة مُحاولاً، انطلاقاً منها، الإقناعَ والحفاظ على مسافة معينة ضروريةٍ. وقد ناقش، عموماً، طبيعة الإيمان وإمكانيته العقلية، متأثراً، في استدْلاله، بشكل كبير بشيشرون (Cicéron) الذي عُرف بمنهجه الاستدلالي القائم على ستة عناصر، هي: الاستهلال (Exordium)، والسرد (Narration)، والتقسيم (Partition)، والإثبات (Confirmation)، والنفي (Réfutation)، والخَتْم (Conclusion). فجاء عملُه «أوكتافيوس»أشبهَ بـ»حوار شيشروني»، كما بيَّن غاستون بواسيير(5). ويُطرَح نصُّ فيلكس باعتباره بنية ثنائية من حيث فصاحتُه؛ إذ نجد أنفسنا، بالفعل، أمام مُرافَعَتين متناقضتين، ومؤلِّف ضمني يحاول تجْويقهما (Orchestrer) حسب رغباته ومبادئه. وفي مسعىً لموْقعَته داخل نطاق الأدب المسيحي الناشئ، نُلفيه يحتل مكاناً بين تيـرتِلّيان (Tertullien) وسِبْـريان (Cyprien). ويشكل كتابُه مصدرَ معلوماتٍ مهمة حول المسيحيين الأُوَّل. وهكذا، فإذا كان كتاب «دفاع عن الدين»(Apologétique) مؤلَّفاً عام 198، فإن «أوكتافيوس» ألِّفَ قبل هذا التاريخ أو بعده. تُرَى هل كان الكاتب الأفريقي معاصراً لعهد مارك أوريل (M.Aurèle)؟ من المحتمَل أن يكون مُجايِلاً لسيبتِم سيفير (S. sévère) الذي أعلن خامسَ اضطهادٍ للمسيحيين؛ لأن فيلكس ألف كتابه «أوكتافيوس»مُسْتوْحِياً بعضَ مقاطعه من كتاب تيرتليان «دفاع عن الدين»(6) (ص107)، ومستلهِماً – كذلك – «إدولوروم فانيتات»(Idolorum vanitate) لسِبريان (ص247). وقد وُضِع هذا التحديدُ الزمني موضع التساؤل من قِبل عدة مؤرخين ونقاد؛ أمثال روستر، ونيبور، وإدوارد دوميرالتو، وفان هوفن، وأدولف إبير... وفي هذا الإطار، يوضح لويس فرانسوا جيهان قائلاً: «يستحيلُ إنكار التشابُهِ العجيب بين تيرتليان وفيلكس على مستويات الفكر والأسلوب والتعبير؛ هذا التشابهِ الذي يكشف العلاقات الحميمية بينهما. ولا مجال ها هنا للترجيح؛ لإقرار أيّهما حاكى الآخر»(7). وتُبْرز التقاطعات الإستيطيقية والإيديولوجية بين العملين المذكورين، بصفة خاصة، الدفاع «الأفريقي» عن العقيدة الأجنبية – الرومانية؛ عقيدةِ الأسياد. إن هذه المرجعيات «المحلية» ممثلةٌ لدى صاحبيِ العملين موضحة ومؤكدة، بقوةٍ، التماثل من وجهة، والتبعية الفكرية للشمال الأفريقيين من وجهة أخرى. Ι- الأمازيـغيُّ المُــستَلَب: إذا كان أوكتافيوس يدافع دفاعاً محتشِماً عن المسيحية، فلأنه يتغيّى شرْح تفوُّق الدين على الوثنية والدفاع عنه. وما يُهِمُّنا هنا هو الجانب المتعلق بـ»الأفْـرَقَـة»(Africanité) من حيث الأخلاقُ خلال هذه المرحلة في روما كلها، ومعرفة قوله، تحديداً، في الوثنية الأصيلة. وسنكشِف هنا مجموعة من التفاصيل المهمة ليس فقط عن الثقافة الوثنية، الأصيلة أو الأفريقية، ولكن أيضا عن الحياة الخاصة للأمازيغي المَنْفيّ إلى روما. ويستحضر الكاتب كثيراً أفريقيا، وآلهتَها في الطفولة، وملوكَها... وعموماً، فعلى غرار باقي الكتاب المسيحيين الأفارقة، يتمَوْقع فيلكس في نطاق السِّجال مع الوثني ونفي الخصوصية، والدفاع عن الإيمان الروماني. فيلكس مؤلِّفٌ لاتينوفوني (Latinophone)، من أصل أفريقي، اشتهر باعتباره «مدافِعاً» (Apologète) مسيحياً من القرن الثاني أو الثالث. وعِلاوةً على «أوكتافيوس»، من المُحْتمَل أن يكون صاحبَ عمل آخرَ موسومٍ بــ»القدر»(Le destin). وهذا الأخير، في نظر سانت جيروم (S.Jérôme)، ذو أسلوب أقلّ قيمةً في المعالجة من الأول، وتحديداً من مقاطع الفصل الأربعين من الكتاب التحَفة التي تحيل على هذا النص المفقود. وعلى غرار الكتاب الأفارقة الآخرين، اهتدى متأخراً إلى المسيحية. وكان قد تشبَّع كثيراً،وهو طفلٌ، بأفكار وثنية. و»قد تقاسمْنا فيما مضى جهْلك وعَماكَ ومواقِفك نفسَها، وآمنّا بأن المسيحيين عبدوا السّحالى والأغوال التي تفترس الصبيان، وتقترفُ المحرّمات في مَآدِبها الكبرى» (أوكتافيوس، 28). ولا يعرَّف الآخرُ بوصفه مختلِفاً فحسبُ، ولكن بوصفه لاإنسانياً وفظّاً ومُخيفاً. ينحدر فيلكس من عائلة ميْسورة. وكسائر الأطفال الأفارقة، شرع في تعلم المحاماة بروما. وهناك نال سمعة مرموقة، فـ»هل حاول، افتراضاً، الحصول على الثروة المُغرية من مواطنه؟ وصار الخطيب الجَريء معلماً، ثم صديقاً للإمبراطور وإحدى شخصيات زمانه الأولى والمهمة».(8) وينتقد، تحديداً، هذا الكاتب الأفريقي آخِذاً عليه تحريضَه الجماهيرَ على مناهضة المسيحية. ورغم أنه مارس مهمة محامي روما (أوكتافيوس، 2)، إلا أنه لم يتولَّ أي وظيفة مهمة في الإدارة الإمبريالية. ونظراً لاندماجه في مجتمعه الجديد، فقد رفض فيلكس العملَ في المؤسسات الإمبريالية. تُرَى هل أقدمَ على ذلك لأسباب دينية، بكل بساطة، من مُنطلق أن المسيحي الصادق لا يمكنه أن يخدم إدارة وثنية؟ ولم يصلنا، تماماً، أيُّ شيء عن حياته الأولى قبل أن يَـتمَـسَّح (من المسيحية). تُرى: هل أتْلف نصوصَه الخاصة المرتبطة بتلك المرحلة الحياتية؟ وككل كاتب مُهتدٍ، فإن الهداية أوْحَت إليه، بشكل أرْجَح، فكرة إنكار نصوصه «الوثنية»الأولى؟ ІІ- بُنـية مؤلَّـف «أوكـتافيوس»: يَطرح تحديد تاريخ تأليف هذا المؤلف التُّحَفة إشكالاً، وهو غياب أي تاريخ محدد له في المآل. ولا يتحدد ذلك إلا بالنظر إلى دفاع تيرتليان. وتشكل الشخصيات الرئيسة: الكاتب، وأوكتافيوس جانياريوس الذي يمثل المسيحيين، وكاسيليوس ناتالي ذو الأصل الأفريقي؛ ممثل الوثنيين، ثالوثاً (Un trio)(9). وكان الحَكم، وهو المؤلِّف نفسه، يتيح لكل واحد فرصة بَسْط وجهة نظره وشرْحها، إلا أن الحوار كله مبنيٌّ من أجل الإعداد لانتصار المسيحية النهائي، باعتبارها متفوِّقة على الوثنية. ولكن كيف نعرف وجهة نظر الحَكَم الواضحة الذي يُخفي قناعاته الشخصية، بيد أنه يُجْهِد نفسَه، بشكل أو بآخر، في عرض أدلة الآخرين؟ يكشف اختيارُ العنوان انحيازَ الكاتب/ الحكَم لفائدة أوكتافيوس، ورؤيته للعالم خصوصاً. إن المَحْكيّ (Le récit) نزهة طويلة، حيث الشخصياتُ تتبادَل الآراء في الفلسفة والاعتقاد والسياسة وغيرها، يمتاز بخصوصيات مسرحية، ويقوم على ثلاثة أجزاء وخاتمة. ولا يقتصر الكاتب، في ثنايا المقدمة (1←4)، على سرْد نزهة الأصدقاء الثلاثة (سيسيليوس- أوكتافيوس- ماركوس) الذين جمعهم اللقاء... وقد كان كاسيليوس مشركاً وثنياً، يُجلّ تمثال سيرابيس (Sérapis). ومن هنا، انطلق النقاش بين سيسيليوس وأوكتافيوس، على حين لعب ماركوس دورَ حكمٍ أو قاضٍ.وتعقُبُها وَحدة ثانية (5←13) تتضمّن لائحة التهم. وقد تهجَّم كاسيليوس على المسيحية دون تعيينها، وعدّها غير قادرة على منافسة الوثنية التي كانت تدين بها روما الكبرى، وأعْرَب عن قناعة مهمة مُفادُها أنه ما يزال وفياً لدين أجداده، وتمرَّد على الاسْتلاب، وسَخِر من وجود الله في كل مكان ومن البعث ومن باقي المسلَّمات المسيحية. وتمثل الوحدة المركزيةُ (14←38) ردَّ فعلٍ مسيحياً تُجاه هجمات السكان الأصليين/ الأهالي. ولتقديم حل إيجابي، يُبَلور أوكتافيوس سجالا لغرض الدفاع، بشكل حاسم، عن الإيمان الجديد. فمن وجهة، منْحُ الاسم (Eponyme) سيفسِّر العناية الإلهية ووحدة الإله وهُوية المسيحي الحقة. ومن وجهة أخرى سيرسُم صوراً سَلبية ومُثيرة للسخرية عن الوثني ومعتقداته. وأخيراً، سيصف البعث والعقوبات التي سينالها الوثنيون والكُفار. الخاتمة (39←41)،بكل بساطة، عبارةٌ عن سِجالٍ/ مُرافَعَة؛ حيث يغيّر كاسيليوس موقفه في اتجاه الاقتناع بعظمة الإيمان الجديد، إذ يقول معترفاً: «أهنّئ من كل قلبي عزيزي أوكتافيوس، وأهنئ بصفة خاصة نفسي. لن أنتظرَ قرارَ القاضي؛ لقد هزم الواحد منا الآخر؛ لأني أجْرؤ كذلك على إعلان نَيْلي شرفَ النصر. وهكذا، فإذا كان أوكتافيوس الغالبَ، فأنا إذاً على ضلال. وما زلت على توافُق تامّ مع كلّ ما يتصل بجوهر القضية؛ ومُقِرّاً بالعناية الإلهية، ومؤمناً بإله واحد، وأنا مقتنِعٌ بحقيقة دينكم الذي أعتنقه منذ الآن. ولا شك في أنه ستواجهني بعضُ الصعوبات الخاصة بين الفينة والأخرى التي لا تَحُول بيني وبين إبْصار الحقيقة، والتي يلزم إيضاحُها حتى أكونَ في أتمّ الوعْي: سأعرضها على مسامعهم غداً، لأن الشمس الآن على وشك الأفول» (أوكتافيوس، 40). إن هذا لا يوضح ولادة الإيمان فقط، بل يوضح أيضاً معالمَ توحيديةً أخرى؛ كوحدة الإله، وحقيقة المسيحية... إضافة إلى ذلك، يختتم الكاتبُ بقوله: «إنه اللهُ الذي ألهَمه الخطاب الذي نحن بصدد سماعه، والذي - بنصْره- يكون قد كافأه أجْمَل مكافأةٍ. وقد صِرْنا جميعاً فَرِحين؛ بحيث فرح سيسيليوس بإيمانه الجديد، وأوكتافيوس بانتصاره، وأنا بهداية أحدهما وانتصار الآخر.»(أوكتافيوس، 41) وقد تم تعلُّم المسيحية هذا لدى فيلكس بطريقة منظمة وبسيطة، إلا أن مفاهيمها الأساسية تقبَع وراء تفكيرٍ ينزع نحو التأمُّل وإن لم نقلْ نحو الاعتدال المسيحي. لقد أنجز المؤلِّف، من خلال الـ»أوكتافيوس»، عملا أدبياً في الدفاع عن الدين، رغم أن بنيته عبارة عن فسيْفساء من الأفكار المتنافرة وغير المتجانسة. تُرى هل يتعلق الأمر هنا بحوارٍ متخيَّل؟ يُجْمِع المؤرِّخون على أن شخصيتي أوكتافيوس جانياريوس وسيسيليوس ناتالي حقيقيتان وُجِدتا بالفعل؛ فالأولُ مسيحي اهتدى منذ زمن قريب، والثاني وثني تشبّث بعبادة آلهة الضلال. ويقال إن سيسيليوس هذا هو الذي شيّد قوسَ نصرٍ في سيرتا Cirta (قسنطينة حالياً) سنة 215. وهذه العبادةُ جليّة في النص الآتي: «فجأة، رفع سيسيليوس، الذي كان يرافقنا لامِحاً تمثالاً لسيرابيس، يدَه إلى فمه وقبَّلها حسب العادة الأفريقية الخرافية الشائعة». (أوكتافيوس، 2). ويعد هذا الكتابُ التحفة في حد ذاته دليلَ إثباتٍ على إيمانه الجديد، ويتخذ شكلَ حوار بين أوكتافيوس المؤمن وسيسيليوس الوثني، حيث يقوم مينسيوس/ الراوي بدور «القاضي العادل» (أوكتافيوس، 5). وكان يرى في التراث الفلسفي الكلاسيكي نقطة انطلاقٍ من أجل الوصول إلى الحقيقة (المعروفة تماماً في المسيحية). وبالرغم منْ أن الكاتبَ كان يتفادى ذِكْرَ المسيح في النص تحديداً، إلا أنه سيصنَّف ضمن آباء الكنيسة! أضفْ إلى ذلك أن الخطابات المعروضة كانت عبارة عن توطئة تُعْلن نِيّاتِ الكاتب ومقاصدَه. الهوامش: 1- «المعجم الفلسفي»لڤـولتير، ص25. 2- سنعتمد هنا على قراءة النص انطلاقاً من ترجمته المنجَزَة من قِبل الأكاديمية الملكية بليون، مُركِّزين على أجزاء بعيْنها. 3- انظر كتاب «عقيدة الأجداد» لويليام جيرجانس، (W.A.Jurgens)، ليتِرجيكل بْريس، الجزء الأول، 1970. 4- غاستون بواسيير: نهاية الوثنية، مكتبة هاشيت وسي، باريس، 1891، 2/305. 5- نفســـه. 6- تثير العلاقات الفكرية بين تيرتليان وفيلكس ردودَ فعل نقديةً. إنهما مُتجايِلان، ولكن التاريخ الأدبي يسعى إلى إلغاء تلك العلاقات الجامعة بينهما. إن استدلالَ أوكتافيوس يتجسّد في مسار واضحٍ: الأطروحة، ونقيض الأطروحة، والتركيب. وهو هنا مسكونٌ بهاجس دائمٍ للحياد، حيث تعطى فرصةُ الكلام لسيسيليوس قصدَ الدفاع عن الدين القديم ضد الجديد. وهكذا، فإن الوثني هو المبادِر بالكلام أولا، وبموجب هذا المنطِق سيعقبه المدافِع عن المعتقَد، وفي المآل، نحصل على التركيب الآتي: كل الناس مؤمنٌ. ويغدو أي منهج [هنا] مماثِلاً لذاك الذي توسَّل به تيرتليان في دفاعه. وعلاوةً على ذلك، فإن عرْضَ المرجعيات الثقافية ونفيَها مُؤَمَّنان في النصين معاً بخطابٍ دينيّ. ولهذا، يقال إن أحدهما حاكى الآخرَ. لكن أيّهما الأسبق؟ مَن يدري؟! لنوردْ كلامَ جيرجانس (م.س، 1/109)،: «فيما يخص المُرتَكَز الأدبي بين الأوكتافيوس ودفاع تيرتليان، يتضح أن الأخيرَ مؤرَّخٌ بسنة 197، وأن استدلالاتِهما متشابهةٌ؛ تُضْمِران كثيراً نفس المصطلح، وتبَلوران كثيراً نفس الأسلوب في اتجاه المُطابَقة العفوية. لقد كتب مينسيوس وتيرتليان معاً باللاتينية، واستحق كل منهما، في ذلك الحين، أن يكون أولَ مؤلِّف مسيحي يكتب باللغة اللاتينية». 7- لويس فرانسوا جيهان: معجم أصول المسيحية أو تاريخ القرون الأولى للكنيسة المسيحية، نُشِر من قبل ج.پ.ميني، 1856، ص815. 8- نهاية الوثنية، م.س، ص306. 9- انظر كتاب «حفظ النظام في روما» لهيلين مينارد (Hélène ménard)، مطابع شون ڤالون، 2004، ص147؛ حيث تصف مؤلِّفتُه كاسيليوس بأنه «من أعيان سيرتا وأشرافها، عرّفنا بالكتابات المتعلقة بهذه الحاضرة الأفريقية، العائدة إلى العهد السيڤيري، وبأنه ابن كانتوس (Quintus) المنحدر من قبيلة «كيرينا»(Quirina)، انتُخِب لمدة خمس سنوات. ومن الممكن أن تكون شخصية أوكتافيوس وتلك التي عُثر على اسمها منقوشاً متطابقتين في الواقع، مع ملاحظة أن هذا الأخيرَ قد يكون [اسم] ابن حاكم سيرتا الوثني تماماً!». إضــاءة: عرف القرنان الثاني والثالث ظهورَ فئة خاصة من الكتاب المسيحيين، كرّست نفسَها للدفاع عن المسيحية التي اصطدمت منذ نشأتها باليهودية والوثنية، وقد سُمّي هؤلاء المنافحون عن هذا المعتقد بـ»الدفاعيين»، ووُسِمَ إنتاجهم وأدبُهم بـ»الدِّفاعي». ومن أهمّ المدافعين عن الإيمان المسيحي القِدّيسُ يوستينوس، وكوادراتوس الذي كتب دفاعاً، عُدَّ الأقدمَ بين كل الدفاعات، رفعه إلى الإمبراطور أدريانوس، وأريستون الذي ألّف دفاعاً موجَّهاً إلى اليهود، وأريستيدوس الأثينائي الذي كتب دفاعاً،رفعه إلى الإمبراطور أدريانوس، مهاجِماً فيه سائرَ الديانات المنتشرة في الإمبراطورية، ومبرزاً تفوُّق المسيحية عليها جميعِها. ومنهم أيضاً أثيناغوراس الذي كتب دفاعين؛ أولهما «استرحامٌ للمسيحيين»مرفوعٌ إلى الإمبراطور مرقس أوريليوس، والثاني عنوانُه «قيامة الأموات». ومنهم القديسُ ثيوفيلس الأنطاكي الذي كتب إلى صديقه أفتوليكس ثلاثة دفاعاتٍ، وتاتيانوس السوري؛ صاحبُ دفاعٍ عنوانُه «الخطاب إلى الأثينائيين»...إلخ. ويعد ماركوس مينسيوس فيلكس واحداً من أبرز المدافعين الأوائل. وهو أيضاً بلاغيّ وكاتب لاتينيّ مسيحي من القرن الثاني أو الثالث، تحوَّل إلى المسيحية في وقتٍ متأخر من حياته. وينحدر من أصول أفريقية؛ إذ يقال إنه من مدينة بجاية، ويعدّ مِمّن اشتهروا في الأدب المسيحي الدفاعي باللغة اللاتينية في العالم الروماني، إلا أننا لا نعرف الشيء الكثير عن حياته! وتُسْتقى معظم المعلومات المتوفرة عنه من كتابه «أوكتافيوس» الذي يُخْبرُنا بأن فيلكس عاش في روما، وهناك زاوَل مهنة المحاماة، بعد أنْ نشأ في بِيئة وثنية؛ كما صرّح بذلك هو نفسُه. وقد ألف «أوكتافيوس»بعد بضع سنواتٍ فقط من تحوُّله إلى المسيحية، ومن المحتمَل أن يكون فَعَل ذلك من أجل إثبات النية أو التدليل على إيمانه الجديد. وتجدر الإشارةُ إلى أن هذا الكتابَ عبارةٌ عن حوار أو مُناظرة جرت بين طرفين، وهما في سَفرَةٍ من روما إلى أوسْتيا (Ostia)؛ أحدهـما يدافع عن الوثنية وينتقد المسيـحية والمسيحيين (كاسـيليوس ناتالي)، والآخر يـنافحُ عن الإيمان المسيحي وأسُسه معارِضاً الوثنيةَ ومهاجِماً أساطيرَها (أوكتافيوس). وكان فيلـكس شاهـداً وسـارداً ذلك الحـوارَ الدائرَ بينهما. ولمزيدٍ من المعلومات حول فيلكس ومؤلَّفه، يمكن الرجـوع إلى: - موقع الموسوعة الحرة «ويكيبيديا»(www.en.wikipedia.org/wiki/Minucius_Felix). - موقع الموسوعة الفلسفية الأنترنيتية (www.iep.utm.edu/m/minucius.htm). - موقع الشبكة الأرثوذكسية العربية الأنطاكية (www.orthodoxonline.org/legacy/saints/defenders.htm). - موقع بوكسدي (www.voxdei.org).* النص المترجَم هنا هو الجزء الأول من دراسة مطوَّلة كتبها – باللغة الفرنسية – الدكتور حسن بنعقية؛ الأستاذ بجامعة محمد الأول (وجدة- المغرب) وجامعة سلوان (الناظور)، وأحدُ الباحثين المغاربة المهتمّين بالشأن الأمازيغي أدباً وثقافةً، ونَشَرَها في جريدة «ثـاويزا»التي يديـرها ذ. محمد بــودهان، ع. 140، دجنـبر 2008، تحت عنـوان «Minucius Félix, l’africain voilé». والمترجِمان كاتبان وباحثان من المغرب.
|
|