|
|
لماذا لم يبدأ تعليم الأمـازيـغـية من الباكالوريا؟ بقلم: مبارك بلقاسم
يأتي الفشل الذريع والفضائحي الذي وصل إليه المشروع المزيف لتدريس اللغة الأمازيغية بالمروك ليعيد الشأن الأمازيغي إلى نقطة الصفر، ويجبرنا على طرح كل الأسئلة الأولية الجذرية التي طرحها رواد الحركة الأمازيغية منذ قبل. جزء هام من هذه الأسئلة والتساؤلات تتعلق بمعضلة تدريس اللغة الأمازيغية. هناك أسئلة تتعلق بفتح شعب مستقلة للغة الأمازيغية في كل الجامعات المروكية. وأخرى تتعلق بتكوين المعلمين والأساتذة. وتتعلق بخلق البرامج البيداغوجية. وأيضا تتعلق باستعمال الوسائل السمعية البصرية (سيديات، فيديوهات، كاسيط، برامج تلفزية للأطفال والشباب...). والسؤال الأكثر الأهمية، والذي يجب على الجميع المشاركة في الإجابة عنه هو: ماهي أفضل منهجية لتدريس الأمازيغية بيداغوجيا وكرونولوجيا؟ اختارت وزارة التربية الوطنية، وبدون أن يكون لديها أي برنامج حقيقي، البدء الفوري في تدريس الأمازيغية من القسم الأول الإبتدائي تصاعديا، وفي عدد محدود من المدارس. وهذا الاختيار الفجائي الارتجالي يشي بكونه مشروعا سياسيا موجها للاستغلال الإعلامي حتى يقال بأن "الأمازيغية موجودة في المدرسة وكفى". أما "الهدف الأسمى" للوزارة وللنظام فكان هو استخدام الأمازيغية كوسيلة يستأنس بها الطفل المروكي بالمدرسة من أجل الهدف الأهم وهو تعلم العربية. هذا ما جاء به "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" في البند 115. أي أن الوزارة أرادت أن تسهل على أطفال "الشلوح والروافة والأطالسة" تعلم العربية بواسطة الأمازيغية في السنتين الأوليين، ثم بعد ذلك يتم رمي الأمازيغية في صندوق الأزبال كأنها قفاز قذر استنفذ علة وجوده. إلا أن جانبا آخر من هذا المشروع الزائف، لم يلتفت له الكثيرون، وهو اختيار الوزارة البدء في تدريس هذه اللغة تصاعديا من تحت إلى فوق، أي من القسم الأول الابتدائي نحو القسم الأخير من البكالوريا (نظريا). وبالوتيرة التي بدأ بها المشروع في 2003 فإن الأمازيغية (كلغة تدرس لذاتها، وليس كلغة تدريس) لم تكن ستصل إلى مستوى الباكالوريا معممة على كل المدارس إلا بعد 10 أو 15 سنة، في أكثر التقديرات تفاؤلا. ولكن الفضيحة الكبرى أبت إلا أن تكون سيدة الموقف، حينما اختنق هذا المشروع في مهده، وتبين للجميع أن الوزارة كانت تبني قصورا خيالية في الهواء، وأن مشروع تدريس الأمازيغية كان باكورة الأكاذيب المخزنية في القرن الواحد والعشرين. وهكذا غابت الأمازيغية عن مخططات الوزارة للسنوات اللاحقة، وعلقت الأمازيغية في دهاليز النيابات والمندوبيات الإقليمية للوزارة، ورفض كثير من المدراء والمعلمين تدريسها وعوضوا حيزها الزمني بساعات إضافية للعربية أو للفرنسية، وتحولت بعض حصص تكوين المعلمين (في بضعة أيام) إلى مهازل عبثية، بينما تكفل غياب الكتاب المدرسي الأمازيغي بالباقي. وغاب هذا الكتاب الأمازيغي حتى عن مبادرة المليون محفظة مدرسية التي أعلنها الملك. مما يؤكد بالملموس المحسوس أن الأمازيغية عادت إلى مكانها "الطبيعي" في "اللامفكر فيه". واليوم يتأكد أن وزارة التربية الوطنية قد أقبرت هذا المشروع إقبارا تاما، أمام صمت المعهد الملكي الذي بدأ يؤكد أن وظيفته تنحصر داخل بنايته الجديدة في إعداد بعض الجذاذات البيداغوجية وبعض الإصدارات وتنظيم بعض الندوات. استراتيجية قتل الوقـت: استراتيجية وزارة التربية الوطنية في ما يخص تدريس الأمازيغية صممت لتكون استراتيجية لإضاعة الوقت. "تدريس" الأمازيغية لتلاميذ مستوى التحضيري تصاعديا (بمعدل قسم أعلى كل سنة، نظريا) مكن تلاميذ وطلبة الإعدادي والثانوي (أو التأهيلي) من "الإفلات" من اللغة الأمازيغية إلى حد هذه اللحظة. أما تجميد تدريس الأمازيغية في معظم المدارس عند السنة الثانية ابتدائي، واختفاؤه الكامل من مدارس أخرى فقد كان النهاية غير المعلنة لهذا المشروع. لو كانت الوزارة جادة في توسيع رقعة تعليم الأمازيغية لقامت بإدخالها في القسم الأخير من الباكالوريا تنازليا لكي يتمكن، نظريا، كل تلميذ فاته تعلم الأمازيغية في الأقسام السابقة أن يتعلمها في الأقسام اللاحقة وآخرها قسم الباكالوريا النهائي. وهكذا ستكون الحصيلة أكبر والإستفادة من تعلم الأمازيغية أعمّ على المدى المتوسط والبعيد. إلا أن السيناريو الأفضل هو أن تدخل الأمازيغية المدرسة من اتجاهين متزامنين: اتجاه نظامي تصاعدي من القسم الأول ابتدائي فما فوق. واتجاه تنازلي من القسم الأخير للباكالوريا فما تحت. وبهذه الطريقة فإن التعميم على كل المستويات التعليمية كان سيكون أسرع وأكثر مردودية. نظرة إلى المستقبل الممكن: حينما تتم تغطية كل المستويات، سيمكن حينئذ الانتقال إلى الخطوة الموالية وهي أن تصبح الأمازيغية لغة تدريس يشرح بها الأستاذ دروس الرياضيات والفيزياء والفلسفة والتاريخ والتربية الإسلامية. لتحقيق هذه الهدف يجب أن تدخل اللغة الأمازيغية من الآن في برامج مراكز تكوين المعلمين، وفي كل المسالك الجامعية المرتبطة بتكويين أساتذة التعليم الثانوي. وقبل أن يكون هذا ممكنا لا بد من برنامج أولي لتكوين المكونين الذين ستناط بهم مهمة تكوين المعلمين والأساتذة. كتاب الرياضيات بالأمازيغية أم بالعربية؟ ثم هناك مسألة الكتاب المدرسي الأمازيغي للمواد المدرسية (رياضيات، تاريخ...). بما أن مسألة تمزيغ عملية التدريس بأكملها غير ممكنة في المدى المنظور بسبب تجذر التعريب في عدد من مناطق المروك، فإن الحل الأكثر منطقية هو أن يكون هناك كتابان مدرسيان متطابقان لنفس المادة (الرياضيات مثلا). وهكذا يمكن للتلميذ أن يختار بين الكتابين دون أن يكون لذلك تأثير على عملية التعلم، بل ويمكنه أن يجتاز الامتحانات (الموحدة) باللغة التي يختارها (أمازيغية أو عربية). أما فيما يخص لغة التواصل بين التلميذ والأستاذ فإنه من المفروض أن يكون الأستاذ قادرا على التواصل باللغتين الأمازيغية والدارجة خصوصا إذا كان تلاميذ الفصل الدراسي ينتمون إلى أكثر من خلفية لغوية أو لهجية، وهنا نعود مرة أخرى إلى ضرورة إدخال الأمازيغية في كل مراكز تكوين المعلمين والأساتذة. أقول هذا ونحن نلاحظ التغيرات الكبيرة التي تطرأ على طرق التعليم في العالم المتقدم، أبرزها تزايد إدماج الكومبيوتر في قاعة الدرس وتغير أساليب التعليم والتقييم وتراجع دكتاتورية الأستاذ. مهما كانت هذه التغيرات فإن اللغة الأمازيغية يجب أن تكون في صميمها وقلبها. نحو تسييس قضية تعليم الأمازيغية: إن الفشل الذريع لتعليم الأمازيغية والمسؤولية المباشرة للدولة المروكية عن هذا الكذبة الكبرى يجب أن يدفع الجميع إلى العودة إلى خندق النضال من إعادة تقييم كل الأساليب النضالية، وتدشين عهد جديد من النضال الأمازيغي السياسي. يجب جعل قضية التدريس العام والإجباري للأمازيغية قضية سياسية وقضية رأي عام يمتحن فيها الجميع من أحزاب ومثقفين ومناضلين أمازيغيين. وهو الشيء الذي تخشاه الدولة إلى أقصى حد. وإلى من يهمه الأمر.. فالمعركة لم تبدأ بعد!
|
|