|
|
لماذا همشت الأمازيغية في احتفالات عيد العرش؟ بقلم: محمد بودهان بادرة طيبة أن يستقبل الملك، بمناسبة احتفالات عيد العرش، مجموعة من المثقفين والمبدعين ـ من كتاب وشعراء وروائيين ومسرحيين وسينيمائيين وتشكيليين... ـ ويمنحهم "بطاقة الفنان" تكريما لهم وعرفانا بعطاءاتهم وإبداعاتهم. تتبعت، كغيري من المغاربة، حفل استقبال هؤلاء المبدعين والفنانين على شاشة التلفزة التي نقلت وقائع هذا الاستقبال يوم 30 يولويوز 2008. وقد أثار انتباهي أن فنانا أمازيغيا واحدا فقط حظي باستقبال الملك الذي سلمه "بطاقة الفنان"، من بين كل المبدعين والفنانين الذين استقبلهم ومنحهم نفس البطاقة. هذا الفنان الأمازيغي هو المبدعة المقتدرة السيدة فاطمة تباعمرانت، التي هي ـ وهو ما يجب التأكيد عليه ـ عضو بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغي. لقد كانت الأمازيغية إذن، ممثَّلة في المبدعين الأمازيغيين، مغيّبة ـ وليس غائبة ـ بشكل أمازيغوفوبي لافت من اللائحة التي أعدها المسؤولون العروبيون الذين لا يكنون ودا للأمازيغية، والتي (اللائحة) قدموها للملك لتكريم أصحابها "ببطاقة الفنان". طبعا استدعيت الفنانة فاطمة تابعمرانت كوجه أمازيغي وكـ"عربون" على أن الثقافة الأمازيغية تحظى بنفس الاهتمام ونفس العناية التي تحظى بها الثقافة العربية من طرف أعلى سلطة في البلاد. إن الذين رتّبوا هذه الأمور، وبهذه النتائج، لا شك أنهم ينتظرون من الأمازيغيين أن يصفقوا ويهللوا ويقولوا: ها هي الثقافة الأمازيغية تكرّم من طرف ملك البلاد اعترافا بمكانتها وعطاءاتها وإبداعاتها، كأن هذه الثقافة لم تنتج إلا فنانة واحدة، في الوقت الذي منح فيه الملك "بطاقة الفنان" لاثنى عشر ـ وليس لفنان واحد ـ من المثقفين المحسوبين على العربية، ومن مختلف الميادين والفنون. لماذا أقصي إذن فنانون ومثقفون وكتاب ومغنون ومسرحيون وسينمائيون يبدعون بالأمازيغية والاقتصار على عنصر واحد كمجرد حالة رمزية "للاستئناس"؟ وما له دلالة كبيرة، كرسالة بليغة واضحة ومعبرة، أن هذا الإقصاء اقترن بمناسبة وطنية هامة قال عنها الملك في خطابه بأنها »محطة لترسيخ الخيارات الكبرى، واستشراف التوجهات المستقبلية«. فهل تهميش الأمازيغية، في مقابل العناية بالثقافة العربية، هو من هذه الاختيارات الكبرى والتوجهات المستقبلية؟ فالاحتفاء بالثقافة العربية مع التهميش الذي كان نصيب الثقافة الأمازيغية قد يؤول، في مثل هذه المناسبات، على أنه تعبير عن المكانة التفضيلية التي تحظى بها الأولى إزاء المكانة الدنيا التي خص بها الثانيةَ المسؤولون الذين أعدوا لائحة الفنانين والمبدعين الذين سلمهم الملك "بطاقة الفنان". فمن بين ثلاثة عشر فنانا وفنانة ـ من شعراء ومغنين وروائيين ومسرحيين وتشكيليين وسينيمائيين... ـ استقبلهم الملك، فنانة واحدة كانت تمثل الثقافة الأمازيغية. وهذا يعني أن وزن الثقافة الأمازيغية يساوي 1/13 (جزء من 13 جزءا) من وزن الثقافة العربية، أي أن قيمة اثنى عشر فنانا أمازيغيا تساوي قيمة فنان عربي واحد. إنه تعامل تفضيلي يكرس التمييز وإقصاء الأمازيغية، ويورّط الملك، من خلال اللائحة التمييزية التي أعدها له المشرفون على الشأن الثقافي، بإظهاره كمنحاز لأحد المكونات الثقافية على حساب أخرى، وهو الذي قال في خطاب العرش لنفس المناسبة بأنه ملك لجميع المغاربة »على اختلاف مكوناتهم«.وهذا التعامل التمييزي المقصي للأمازيغية يقدم في نفس الوقت ـ وهذا أخطر ـ تبريرا لهذا الإقصاء عندما يفسره الأمازيغوفوبيون بـ"قصور" في الثقافة الأمازيغية و"عجزها" عن إنتاج مبدعين وفنانين بالعدد الكافي كما تفعل الثقافة العربية. مع أن رفع الحيف على الأمازيغية ورد الاعتبار لها والمصالحة معها، كما يردد ذلك الخطاب الرسمي منذ إنشاء "ليركام"، كان يقتضي أن تستفيد الأمازيغية من تمييز إيجابي لا أن تكون ضحية هذا التمييز. لقد كانت المكانة المهمشة جدا التي خُصت بها الأمازيغية في الاستقبال الملكي للمثقفين والفنانين الذين سلمهم الملك "بطاقة الفنان"، تتعارض بشكل مفارق: ـ أولا مع تكريم الملك لعدة شخصيات إسرائيلية وفرنسية وأميركية وعربية تعبيرا عن انفتاح المملكة على ثقافات وديانات وحضارات أخرى، في الوقت الذي حرمت فيه الأمازيغية من هذا الانفتاح في عقر دارها؛ ـ وتتعارض ثانيا مع ما جاء في خطاب الملك بنفس المناسبة (مناسبة عيد العرش) حيث قال: »وسأظل، شعبي العزيز، كما عهدتني، ملكا لجميع المغاربة، على اختلاف مكوناتهم«.بجانب هذا التهميش والتغييب للأمازيغية في احتفالات عيد العرش، كان الفضاء الرمزي ذو المرجعية العروبية، المقصية للمرجعية الأمازيغية المغربية، مهيمنا بقوة على هذه الاحتفالات، كما يتجلى ذلك من خلال: ـ إطلاق الملك اسم "علي بن أبي طالب" على فوج المتخرجين الجدد من الضباط، مع ما تعنيه هذه التسمية من إحالة على رموز عربية ليست مغربية أصلا ولا تنتمي لا إلى تاريخ المغرب ولا إلى جغرافيته، بالإضافة إلى ربط اختيار هذا الاسم "بالنسب الشريف" الذي ينتمي إليه علي بن أبي طالب كما جاء في كلمة الملك أمام فوج الضباط الجدد. ـ اختيار مدينة فاس للاحتفال بعيد العرش في الوقت الذي تحتفل فيه هذه المدينة بمرور اثنى عشر قرنا على تأسيسها من طرف إدريس الثاني مؤسس الدولة المغربية كما يحلو لهم أن يقولوا ويرددوا، والذي هو كذلك ذو "نسب عربي شريف" ينحدر من علي بن أبي طالب. كل هذا يؤكد إصرار المسؤولين على إبراز المغرب كبلد عربي ذي هوية عربية وتحكمه دولة عربية. وبذلك يؤكدون في نفس الوقت أن التعددية التي يفترض أن تضم العربية والأمازيغية، والتي يتغنى بها الخطاب الرسمي، ليست إلا ذرا للرماد في العيون. أما الحقيقة العارية فتتمثل في الواحدية النافية لكل تعدد يشمل الأمازيغية. نعم قد تكون هناك تعددية تشمل ثقافات ولغات أخرى مثل الفرنسية مثلا ولكن لا مكان في هذه التعددية للأمازيغية. وهذا ا يفسر إفشال ـ وليس فشل ـ كل المشاريع التي سبق أن أعلن عنها لتنمية الأمازيغية مثل قرار تدريسها وإنشاء قنوات تلفزية أمازيغية. كل هذه المشاريع ذهبت مع الريح. إن هذا التهميش للمبدعين الأمازيغيين، مقابل الاحتفاء بالمبدعين بالعربية، في احتفالات عيد العرش، يقف وراءه مسؤلو وزارة الثقافة العروبية الذين قدموا للملك لائحة لا تمثل فيها الأمازيغية إلا وزن وقيمة واحد على ثلاثة عشر مما هو عربي، كما سبقت الإشارة. لهذا فإن هذا الوضع التمييزي يستدعي، في انتظار أن تتحقق الدولة الأمازيغية، المطالبة بإحداث وزارة خاصة بالثقافة الأمازيغية تعنى بشؤون المثقفين الأمازيغيين والاعتناء بهم وتكريمهم والاعتراف بهم وبإنتاجاتهم الأمازيغية، بجانب وزارة خاصة كذلك بتعليم الأمازيغية وأخرى بالإعلام الأمازيغي، ما دامت الوزارات العروبية الحالية مستمرة في تهميشها للأمازيغية وذلك في عز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وحتى تكون هناك مساواة بين العربية والأمازيغية ويكفّ الوزراء العروبيون الأمازيغوفوبيون عن استعمال الملك لإعطاء المشروعية لمشاريعهم الأمازيوفوبية كما رأينا في لائحة الفنانين الذين استقبلهم الملك حيث حضرت الأمازيغية كضيف طفيلي غريب عن البلد وثقيل لا يطاق. إن هذا التعامل التمييزي المهمش للأمازيغية هو الذي يحرك المطالبة بالحكم الذاتي في بعض الجهات كما في الريف وسوس. وذلك حتى تتأتى للسكان الأمازيغيين لتلك الجهات تنمية اللغة والثقافة الأمازيغيتين مع توفير كل الوسائل والإمكانات المالية والقانونية والسياسية لإنجاح تلك التنمية، عكس ما تفعله السلطة المركزية التي لا تألو جهدا في اتجاه إقصاء الأمازيغية واحتقارها. إحداث هذه الوزارات الأمازيغية إجراء استعجالي مؤقت يرمي إلى إنقاذ الأمازيغية من مخالب النزعة العروبية التي تعمل على إقصائها وتدميرها في إطار الدولة العروبية الحالية. أما الإجراء الدائم فهو إقامة دولة أمازيغية تتسع لتعدد حقيقي، ثقافي ولغوي وعرقي وديني، ولكن في إطار هوية أمازيغية واحدة، مستمدة من الهوية الأمازيغية لأرض تامازغا.
|
|