|
|
الأمازيغية بين الإقبار والانعتاق بقلم: الحسين أسكاي إن كل شعب لا يملك، على المستوى الرمزي، إلا ما تملكه ثقافته. ذلك أن الثقافة هي التي تشكل الكيان الروحي والرمزي والحضاري لكل شعب مستقل، لأنها هي التي تميزه عن باقي الشعوب. والثقافة بكل ما تحمله من نظم وبنى اجتماعية وأنساق وأفكار ومعلومات، هي المحدد الكلي لشعب ما، لأن كل التمظهرات الوجوديه له لا تخرج عن الإطار الثقافي، ولأنها هي التي تجمع كل القيم والأخلاق والمبادئ التي تؤسس ذلك الشعب كشعب يمتاز عن غيره من الشعوب بتلك الثقافة. وثقافتنا "نحن" ما زالت بين دائرتين ، الأولى، دائرة الإنكار والإقبار، والأخرى، دائرة التحرر والانعتاق. كل دائرة لها "روادها" ويحملون منظومة إديولوجية هي الأخرى نابعة من ثقافة ذويها. غير أن ما يمكن أن نلمسه هي العلاقة التي تجمع بين هذه الدائرتين، إنها علاقة تضاد وتنافر، تقوض تماسك المجتمع وتنزع دعائم الإنسانية التي تفرزها الثقافة وتنفي كل التناغم والانسجام بينها. إن الخلفية التي تؤسس لكلا التيارين هي خلفية مختلفة باختلاف "ثقافة" كل منهما. فإذا كان التيار الذي يدور حول دائرة الإنكار والإقبار للثقافة الأمازيغية يحمل ثقافة عربية، فإن "الثقافة العربية" تتسم بإقصاء الآخر، مما يعني أن هذه الثقافة غير خلاقة وبعيدة عن قيم التعايش والتسامح والانفتاح والسلم... وإذا كان التيار الآخر الذي يدور حول دائرة الإعتاق والتحرر، أي تحرر الأمازيغية من الهامش وانعتاقها من الأجنحة واتساع دائرة عيشها وضيق حلقة اضطهادها، يروم إلى استشراف الأمازيغية لمستقبل واعد وزاهر، فإن هذا الهدف نابع من ثقافته التي تتسم منذ الأزل بالكفاح والصمود في سبيل التحرر، ومن أجل الحرية، وتقويض كل المعيقات التي تعيق القيم النبيلة. ومن خلال هذه المقارنة، نستشف مفارقة اتسعت جدرانها بين هذين التيارين، إنها مفارقة ثقافية بالأساس. كل تصور معين مصدره ثقافة صاحبه، وكل ثقافة، عن طريقها تبنى التصورات. لقد مضت أزمنة، المغاربة هم في وعي مفبرك، واهم، زائف، اديولوجي، ناقص. لقد سيطرت ثقافة هي في الحقيقة، بناء على محددات الهوية، ثقافة "طوباوي" لا تمت إلى "المغرب" بأية صلة، إنها ثقافة وطدها المتمشرقون، وأرسوا دعائمها وبنوا أسسها ورسخوا فكرها، وهدموا الحقيقة. لقد وطدوا نفوذهم بوسائل ترمز عبر التاريخ لثقافتهم، العنف الجسدي / المادي ، الرمزي / المعنوي. لقد مر حين من الدهر، الأمازيغ، أبلوا بلاء حسنا في سبيل التحرر، لكن كانت نتيجة بلائهم هدايا (لا تتصور) في الهامش والأجنحة، يعيشون عزلة تامة عن التحضر، وبجوار الرمق والاستعباد والخضوع. فماذا سيتمخض عن هذا الإكراه / الإقصاء؟ وهل سيرسم لنا منحى تقدميا يأخذ مسارا انتقاليا ؟ إن اتساع أكواخ الإقصاء، وتدمير كل دوائر الحق والعدالة وضيقها، لن يرسم أبدا أي منحى تقدمي ولا أي مسار انتقالي، ستبقى الحالة حالة جمود وركود، وسيبقى الانحطاط حالا وماثلا محل أي انتقال. وتجدر الإشارة أن ذلك سينم عن ثقافتهم ويميزون بها عن سائر غيرهم. ولن يتمخض عنه سوى ردود فعل تكبح جماحهم وتوقف فكرهم وتحد من سياستهم، ويبقى حلم الانتقال عالقا في الأذهان ليس إلا. إننا اليوم في حاجة ملحة إلى تطوير الفكر الأمازيغي / المغربي، ونسف كل ما يكون عائقا أمام جديتنا في ذلك، وأن تنطلق الجدية من الذاتية، لأن لا يمكن لأي فكر أن يتطور ويكتسب شرعيته إلا بتوفر أخلاقية إنسانية تنطلق من فرد إلى آخر.
|
|