| |
الإعلان العالمي للشعوب الأصلية:
متى ؟
بقلم: رشيد سيفاو
قريبا ينتهي العقد الدولي الذي خصصته الأمم المتحدة للشعوب الأصلية.وستجتمع
مجموعة العمل المكلفة بوضع مشروع إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية لتقييم
ما أنجز طيلة هذه العشرية بجنيف, ولكن رهان الوصول إلى واحد من الأهداف الأساسية
للعقد وهو تبني إعلان عالمي لحماية وتنمية حقوق الشعوب الأصلية, يظهر أنه لازال
بعيدا. وقد خاطب المندوب السامي لحقوق الإنسان لويس أربور في يوليوز2004 مجموعة عمل
الأمم المتحدة حول الشعوب الأصلية, قائلا أن هذا الموضوع يشغل جانبا هاما من
اهتماماته, مادام أن الهدف الأساسي وهو تبني إعلان حول حقوق الشعوب الأصلية قبل
نهاية سنة 2004, يبدو الآن مستحيلا من الناحية العملية, غير أن الإقرار بحقوق
الشعوب الأصلية يبدو مستعجلا وضروريا.
وقدرت الأمم المتحدة العدد التقريبي للسكان الأصليين في 370 مليون نسمة يتواجدون في
إفريقيا (إيمازيغن من بين الشعوب الأصلية في إفريقيا) وأسيا وأوروبا والقارة
الأمريكية. هذا الرقم مصدره الرئيسي هو الإحصائيات التي تقدمها الدول الأعضاء في
الأمم المتحدة. إلا أن منظمات الشعوب الأصلية قدرت بدورها العدد وقالت بأنه قريب من
600 مليون نسمة في العالم. هذا الاختلاف المهم يدل على أن هناك قطيعة كبرى بين
الشعوب الأصلية والدول التي يعيشون فيها.
وإذا كان على جميع الحكومات واجب السهر على أمن وراحة جميع أفراد المجتمع, فإن
الكثير من هذه الحكومات تنفي حتى وجود الشعوب الأصلية أو تمارس سياسات تهدد الهوية
الثقافية المميزة للشعوب الأصلية أو تهدد مستواهم الصحي ووجودهم.
وقد لخص الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان التهديدات الموجهة ضد الشعوب الأصلية
في خطابه الذي وجهه للمنتدى الدائم للأمم المتحدة حول قضايا الشعوب الأصلية بقوله:
"منذ مدة طويلة جدا, لم تؤخذ طموحات وآمال الشعوب الأصلية بعين الاعتبار, لقد
انتزعت أراضيهم, ثقافاتهم يتم الانتقاص من قيمتها, أو تتم مواجهتها بشكل مباشر,
لغاتهم وعاداتهم تمت إزالتها, حكمهم ومعارفهم التقليدية يتم تهميشها وإهمالها,
وطرائقهم في التنمية واستغلال الموارد الطبيعية يتم رفضها. والبعض من هذه الشعوب
مهدد في وجوده بواسطة العديد من التهديدات التي يجب القضاء عليها ومواجهتها دون
تأخر".
عندما بدأت العشرية العالمية حول الشعوب الأصلية, وضعت المجموعة الدولية مخططا
للتحرك ومواجهة هذه التحديات, خبراء مكلفون بقضايا الشعوب الأصلية, وممثلون
للحكومات ومنظمات غير حكومية, ووكالات الأمم المتحدة وممثلون عن الشعوب الأصلية
عملوا جميعا من أجل وضع المعايير الدولية الدنيا من أجل حماية وتطوير حقوق الشعوب
الأصلية, وذلك في أفق الوصول في نهاية العقد العالمي إلى إعلان عالمي لحقوق الشعوب
الأصلية, إعلان يؤكد حق الشعوب الأصلية في العيش في ظل المساواة والكرامة الإنسانية,
محددا الخطوط الكبرى لأهم المبادئ الضرورية لحماية الحقوق الأساسية للأفراد داخل
إطار الشعوب الأصلية.
ويعتبر الإعلان العالمي حول حقوق الشعوب الأصلية وسيلة أساسية تمكن من حل الصراعات
والخلافات الناجمة بسبب الأرض والنفوذ الترابي والمياه والموارد الطبيعية, وإقرار
التنمية والكرامة الثقافية. وهو أيضا آلية ضرورية لوضع حد للعنصرية المعبر عنها
تجاه هذه الشعوب. وهو آلية يمكن بواسطتها البت في الشكاوى وحلها, وسيمكن من حماية
الكرامة والرفع من المستوى المعيشي للشعوب المعنية وسيمكن من احترامها وتعزيز
قدرتها على اتخاذ القرارات الخاصة بها بنفسها.
رهان رؤية الإعلان متبنى ومجسدا على أرض الواقع لا يبدو مستحيلا إلا من الناحية
السياسية, فقد كلف الأمر مدة ثماني سنوات للإعداد الشكلي والتحريري للمشروع من طرف
هيئتين هما مجموعة العمل حول الشعوب الأصلية ولجنة مكافحة جميع أشكال التمييز
وحماية الأقليات.
وبعد مرور عشر سنوات من المناقشات لم تتفق الدول الأطراف المشاركة إلا بخصوص فصلين
من أصل 45 فصلا يضمها مشروع الإعلان, كما أنها لم تتفق إلا من حيث المبدأ لا غير.
وهكذا فإن العشرية تنتهي دون أن يتم تحقيق تقدم ملموس بخصوص الإعلان العالمي لحقوق
الشعوب الأصلية.
واحد من الأسباب التي أخرت الخروج بالإعلان العالمي هو أن بعض الحكومات, رغم أنها
تقر صراحة بدعمها ومساندتها للإعلان, حاولت تمرير بعض التعديلات, التي في حالة ما
تم تبنيها, ستضعف بشكل خطير حماية حقوق الشعوب الأصلية. مثلا, في شتنبر 2003,
اقترحت كندا وأستراليا, بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إعادة كتابة
الفصول المتعلقة بالأرض والموارد متوخية اللجوء إلى الأعراف والعادات السائدة حتى
وإن لم تكن عادلة وصالحة ورغم اختلافها المتباين من شعب أصلي إلى آخر، بدل الوصول
إلى معيار دولي يحمي مصالح الشعوب الأصلية, كما أن بعض الدول تكثر من التعديلات
المقدمة، الشيء الذي يؤدي إلى تمطيط الجلسات والدورات, وبالتالي تأخير الخروج
بإعلان عالمي لحقوق الشعوب الأصلية.
يبدو من اللازم أن على جميع الأشخاص المعنيين بحقوق الإنسان الوقوف إلى جانب الشعوب
الأصلية على المستوى الدولي من أجل تبني إعلان عالمي لحقوق الشعوب الأصلية ووضعه
والعمل بفصوله. كما أن نهاية العقد العالمي للشعوب الأصلية يجب ألا تعني نهاية
التزام المجموعة الدولية بقضايا الشعوب الأصلية. هذه الأخيرة يجب ألا يقدر لها
الانتظار عشر سنوات أخرى أو أكثر من أجل الاعتراف بحقوقها وحمايتها قانونيا.لذلك
يجب العمل بروح مواطنة لإلزام الحكومات بالعمل وفق مبادئ القانون الدولي والنوايا
الحسنة من أجل أن يتم تبني الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية في أقرب الآجال,
مما يعنيه ذلك من استمرارية لهذه الشعوب واستراحاها من معاناة طالت مدة طويلة.
|