|
|
الـهـوية وطنية و الـثقـافة سـلوكبقلم: عـلـي حـسـنـي "ؤونـظـيـر" (مكناس)كـثر الـحـديث في هـذه الأيـام عـن مـفهـوم الـهويـة وتـعـدد هـذه الـهويـة بالـنـسـبة للـمـواطـنين الـمـغـاربة، وعـن تعـدد الأجـناس والـثـقـافـات بالـمـغـرب (مـراكـش)، و كـأن الأمر يتعـلق بلاجـئين قدمـوا حـديثـا إلـى هـدا الـبـلد من مـناطـق شـتى، لـكل منـهم ثقـافـته ولـكل مـنهم هـويتـه. والـحـقـيقـة كمـا يـعلـم كل ذي نـاصـية أن الـمـغرب (مراكش) الـذي هـو جـزء من شـمـال الـقـارة الأفريـقـية مـند مـلايـيـن الـسـنـين، كـان ومـا يزال مـند آلاف الـسـنـين، مـوطـنــا لـشـعـب عـريـق هـو الـشـعـب الأمـازيـغـي. ولـهـذا الـشـعـب إذن، فإن للمغرب، كـسـائـر شـعـوب الـدنـيـا، ثـقـافتـه وهـويـتـه الـخـاصـة. لـنحـاول إذن تعرف مـفهوم كل من الـثقـافة والـهويـة من زاوية الواقع المعيش بعـيدا عن كل تنـظـيـر. إن الـثقـافة سـلوك، والـسـلوك نتاج عـوامل مجتمعية مـتعـددة مرتبطـة بالـظروف المعيشية للـمجـتمع، والذي يـحـدد أسـاسـا هـذه الـظروف هي الـطبيعة الجغرافية للوطـن. لـنأخـذ مـثلا بلـدنا الـمغرب (مـراكش)، فــطبيعتـه الـجغرافية، بالإضـافة إلى موقعـه و شـسـاعـة مــسـاحته، تـمتاز بتنوع قـلّ نـظـيره: ـ تنوع في الـتضــاريس، حـيث نـجـد جـبال الريف في الـشمال وجـبال الأطـلس فــــــــي الـوسـط، التي تـشكل مجـالا غـابويا ورعـويـا بامـتياز نظـرا لـوفرة الـمياه الـناتجـــــــــــــة عن الـتسـاقطـات الـمطـرية بهـا. وتفصـل الـسـلاســلَ الـجـبليةَ الـمـذكورةَ هـضـابٌ وسهول تسـتغـل للفـلاحـة. ونجـد شاطئ البحر الأبيض الـمتوسـط شـمـالا، وشاطئ الـمحـيط الأطـلسي والـسـهول المـحـاذية له غربا، ونجـد الـصـحـراء جـنوبا. ـ تـنوع في الـمـناخ، فهو رطـب بالـجـبال و بمـحـاذاة الـبحـر، قـاري بالـداخل، وجـاف بالـجـنوب. وهـو مـعـتدل بشـكل عـام حـار صـيفا و بارد شـتاءا . الـموقع الـجـغرافي وشـسـاعة الـمـساحـة وتنوع الـتضـاريس والـمناخ جـعلوا من المغرب (مـراكش) بلـدا غـنيا بطـبيعته، وهـذا سـينـعكس على سـلوك مـواطـنيـه: ◊الـمغربي كريم لأنه لم يشـعر أبدا بالـفاقة أو الاحـتياج لوفرة الـخيرات بـبلاده، خـاصـة أيام كانت الجماعة تدير شؤونها بنفسها وكان لها نوع من التسيير الذاتي بمختلف المناطق. ◊المغاربة والأمازيغ عامة لم يكونوا من قبل مهاجرين ولا غزاة لأنهم يتوفرون على كل ما يحتاجون إليه ببلادهم، والذي يهاجر إلى بلاد الغير أو يغزوها هو من يكون مضطرا بهدف البحث عن القوت أو هـروبا من الظلم ولنا في التاريخ الحديث والقديم أمثلة عدة، فحديثا رأينا كيف هاجر العديد من سكان إثيوبيا إلى البلدان المـجـــاورة بسبب المجاعة، وكيف هاجر العديد من الصوماليين والبوصنيين في الـسـنــــوات الأخيرة بسبب الحروب وما نتج عنها من ظروف عيش سيئة. وقديما ســكــــــــــان الـجـزيرة الـعربـية، الذين كانوا يعـانون من شـظف الـعيش وقـلة الموارد بسـبب الـطبيعة الجغرافية لبلادهم، اضطروا للنزوح إلى بلاد الفرس شرقا و بـــــــــلاد الرافدين شمالا وشمال أفريقيا غربا، بحـثا عن الـقوت ورغـد الـعيش. ◊الـمـغاربة اعتادوا الـحريـة نظـرا لـشـساعة الأرض التي يعيشون فيها، فإن صارت الظـروف غير ملائمة بالنسبة لأحدهم بمكان ما انتقـل إلى غـيره. ◊الـحرية نتجت عنها الـمساواة بين الأفراد، فكل واحد سيد نفسه، لـذا لا نجد في قاموس اللـغة الأمازيغية أثرا لـكلمة سـيد، أما كلمة أمغار التي نجدها كمرادف لكبير القــوم فهي تعني في مفهومها: الرجل الحكيم ذو التجربة و الخبرة، الذي غـالبا ما يكــون متقدما قي الـسن. وعـكس ذلك نجـد كلمة " لا للاّ " التي تعني سـيــدتـي بالنسبة للمرأة تقـديرا و احتراما لـها. الـمساواة بين الأفراد أدت إلى تنمية روح التكافل والتعاون للتغلب على الصــعـاب، لأنه ليس هناك أسياد وعبيد و ليس هناك أشراف و خدم. الكل يحتاج إلى الـكــــــل والـكل يسـاعـد الـكل. طـبيعة الأرض و موقعها الجغرافي جعلت الأمازيغ المغاربة عبر التاريخ هـدفــا لمطامع الـغزاة، فتولدت عن ذلك روح الاتحاد والوحدة للدفاع عن الوطن ضد العدو الأجنبي تاركين الخلافات الداخلية جانبا. و خير مثال على ذلك مقاومتهــــــم الباسلة للاستعمارين الفرنسي و الاسباني ما يناهز ربع قرن "1912 ـ 1936 ". خـصوصية الـثقافة التي تم اسـتعراضها والتي يجسدها سلوك المواطن المغربي، هي خصوصية ثقافة جميع المغاربة في الماضي والحاضر، كانوا من الشـمـال أو الوسط أو الجنوب، من شرق المغرب أو غربه . وهي ثقافة تختلف بدون شك في أغلبها إن لم تكن كليا عن ثقافة الـبريطـاني مثلا أو ثقافة الياباني أو الـعربي، وذلك بحـكم الطبيعة الجغرافية للوطن الذي يتواجد بـــه كـل منـهم . إذا كانت الطبيعة الجغرافية للوطن هي التي تحدد أسـاسـا ثقافة المواطن، فإنهـــا بالتالي هي التي تحدد هـويـتـه، وذلك لارتباط الهوية بالثقافة و تداخـلـهـما، وهكذا لا يمكن أن يكون لأفراد مجتمع معين أكثر من هـوية واحدة مـرتبطة بالأرض التي يعيشون فيها، نمت وتطورت بمرور الأيام مع الأجيال. وكـل ثـقـافة واردة مآلها الذوبان في الثقافة المواطنة "المحلية" ولن تـؤثـر فـيـهـا إلا بالنزر اليسير، حيث تختفي باخـتفاء حـامليها أو تأقلمهم مع ظروف المـجـتمـــــع الذي التحقوا به. وهذا ما حدث بالنسبة للمجتمع المغربي الذي وردت عليه ثقافات متعددة: فيـنيقيـة، رومانية، عـربـية وأوروبية كلها انتهت وبقيت الـثـقافة الأصلية التي يجـسـدها السلوك الذي تم تعرفه في البداية، والمتمثل في طـريقة العيش والتعامل مع الأخـر والتآزر واللباس ......الخ . وعندما يتم التحدث عن التعدد ينبغي ألا يقصـد به تعدد أجناس بشرية من أصــــــول مختلفة، كما يقول بذلك البعض عن جهل أو تجاهل كأن يقال بأن المغرب عـبـــــارة عن "فـسيـفساء" يتكون من مناطق أمازيغية وأخرى عربية وأخرى زنـجـيــــــة و غيرها، وبالتالي هناك ثقافات مختلفة وهويات مختلفة. هذا مخالف للــواقـع باعتبار الأرض التي هي أرض أمـازيـغـية أفـريـقـية منذ الأزل، وعـلـيه فـلــن تكون هناك إلا هـوية واحدة لجميع أفراد المجتمع المغربي، ألا وهي الـهــويـة الأمـازيـغـية لأن هذه الأرض التي تنطق جـميع أسماء أماكنها: جـبالها وهـضابها، سـهولها و شـواطـئها، مـدنها و قراها، بالأمازيغية هي أرض أمـازيغية ولم تبــرح مكانها منذ مـلايين السنين، فهي دائما جزء من القارة الأفـريقية التي تحمل بدورهــا اسـما من أصل أمازيغي AFRIQUE ، والتي ينبغي لنا أن نفتخر بالانتماء إلـيهـــا، اللـهم إذا كان هـناك من يفضل إنكار ذلك و يعتبر الهوية هـوايـة شـخصية تتمـاشــى مع الأهـواء، فـذلك شـأنه و لكل أهـواؤه إنـما قـد تـخـذل الأهـواء.
|
|