|
"الشريف"مصطفى العلوي يخاف أن يكون أجنبيا ويطالَب بالرحيل عن المغرب ـ "ولّي فيه الفز كيقفز" بقلم: محمد بودهان مدير جريدة "الأسبوع"، الذي ليس قيدوم الصحفيين فحسب كما يقال عنه بل قيدوم الأمازيغوفوبيين كذلك، غني عن التعريف فيما يخص مواقفه الواضحة من الأمازيغية. فلا يحتاج القارئ إلى الاطلاع على أكثر من عددين أو ثلاثة من أسبوعيته ليكتشف العداء الأسطوري الذي يكنه السيد مصطفى العلوي لكل ما هو أمازيغي. وقد كان فيما سبق يجهر بهذا العداء علانية على صفحات جريدته، كما فعل عندما اعتقل مناضلو جمعية "تيليلي" الأمازيغية في ماي 1994: فبينما كان العالم كله يساند المعتقلين ويندد بمحاكمتهم التي آزرهم فيها مئات المحامين الذين قدموا من كل الأصقاع، نشر مصطفى العلوي سلسلة من المقالات بركن "حقيقته المضيَّعة" تحت العنوان الخرافي "ربنا لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر". مصطفى العلوي، الاسم الخرافي، كما قال عنه عن حق وصدق الأستاذ حميدي علي، يستنجد ضد الأمازيغية بـفزّاعة "اللطيف" الخرافي. فتكون الخرافة تنتج الخرافة وتكررها وتعيد إنتاجها. كانت تلك المقالات، كما يدل عليها عنوانها، عبارة عن ملتمس بالإدانة Réquisitoire مع المطالبة بإنزال أقصى العقوبات. أما مصطفي العلوي فتحول، في تلك المقالات، إلى مدّعٍ عام Avocat général، أي "غرّاق" يدين الأمازيغية والأمازيغيين قبل أن تصدر المحكمة حكمها في الموضوع. أما في هذه السنين الأخيرة، خصوصا بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فلم يعد مصطفى العلوي قادرا على مهاجمة الأمازيغية والأمازيغيين بشكل علني ومباشر، كما كان يفعل من قبل. لأن الأمور تغيرت، وتغيرت في غير صالح خرافاته وفزّاعاته. فأصبح يتناول في الظاهر موضوعا لا علاقة له بالأمازيغية، لكنه في العمق يهاجم من خلال الأمازيغية والأمازيغيين كموضوع رئيسي يغطّي عنه الموضوع الهامشي الذي يختاره لحقيقته المضيَّعة. وهذا ما فعله بعدد 5 دجنبر 2003 في مقاله بعنوان: "لا ياحمودة... العلويون ليسوا أجانب"، والذي رد فيه على الأستاذ حمودة في موضوع إدريس الأول والحسن الداخل، اللذين قال عنهما حمودة بأنها أجنبيان عن المغرب، جاءا إليه من المشرق. وهذا ما عقّب عليه مصطفى العلوي بقوله: »وقفت حائرا بين الشواطئ لمغادرة هذه البلاد والهروب بعيدا عن مقابر آبائي وأجدادي [...]. ولماذا البقاء بعد أن صنفني البحث وكل العلويين طبعا في عداد الأجانب الدخلاء«. ويضخّم العلوي المسألة بحثا عن توريط الأستاذ حمودة بشكل ماكر وخبيث، فيتساءل: »فهل الملك الشريف هو الأجنبي وحده، أم أن كل المنحدرين معه من سلالة النبي المسلم، كلهم أجانب، أم أن الرسالة التي حملوها حتى هي أجنبية؟«. لنلاحظ كيف أن العلوي يلوح هنا بفزّاعاته الخرافية كما يفعل دائما: الإيحاء بأن المنحدرين من سلالة النبي أجانب، وأن رسالتهم (الإسلام) دين أجنبي. الإسلام دين أجنبي والملوك العلويون أجانب؟! إنه مس خطير بالمقدسات. هذا ما يريد العلوي أن يبلغه، ليس إلى القراء فحسب، بل إلى الجهات المعلومة. مع أن الأستاذ حمودة أعطى في بحثه أمثلة من إدريس الأول والحسن الداخل. والأمر واضح بالنسبة لهؤلاء: فهما دخلا إلى المغرب قادمين إليه من المشرق. فهما إذن دخيلان وأجنبيان بشكل لا يثير نقاشا ولا يقبل جدالا. أما حفدتهما الذين عاشوا بالمغرب قرونا طيلة بعدهما فقد أصبحوا مغاربة أمازيغيين بحكم التبني والجغرافية والثقافة والانتماء الهوياتي، وليس العرقي. وبالتالي لم تعد تربطهم أية علاقة بهوية أجدادهم المشارقة على فرض أن هؤلاء هم أجدادهم البيولوجيون الحقيقيون، مسايرة لأطروحة مصطفى العلوي. نعرف اليوم أن جل دول العالم تمنح جنسيتها وهويتها لأبناء الأجانب الذين يولدون (الأبناء) ببلدانها، فبالأحرى أن لا يكتسب من استقر منذ عشرات القرون ببلد مثل تامازغا الهوية الأمازيغية التي هي هوية سكان بلاد تامازغا. إلا إذا كان هذا الابن، الذي يُرجع أصله البيولوجي إلى جد مطرود هارب من المشرق، يصر، مثل مصطفى العلوي، على أنه ليس أمازيغيا في انتمائه الهوياتي لأنه ينحدر من جد خرافي اسمه علي بن أبي طالب. وفي هذه الحالة يكون هو نفسه يقدم الدليل على أنه أجنبي بالفعل. وعليه، كي يكون منطقيا مع نفسه، أن يرحل إلى أرض أجداده الخرافيين. وهنا يقع مصطفى العلوي في تناقض عندما يكتب: »..والهروب بعيدا عن مقابر آبائي وأجدادي«. فقد كان عليه أن يكتب: »والهروب بعيدا إلى مقابر آبائي وأجدادي«. فكل مغريي هو أمازيغي في انتمائه الهوياتي، وليس في أصله العرقي والبيولوجي. فنحن عندما نتحدث عن الهوية الأمازيغية للمغرب وشمال إفريقيا، لا نقصد الانتماء العرقي والدموي الذي هو شيء آخر مختلف تماما عن الانتماء الهوياتي، ولا يتمسك به ويفتخر به إلا المهووسون، مثل مصطفى العلوي، بنقاء العرق وشرف النسب الذي يتخذونه أصلا تجاريا يتعيشون منه ويتسولون به كما فعل أولئك الهاربون الأوائل من المشرق إلى المغرب. وهذا التمييز بين الانتماء الهوياتي والأصل العرقي يصدق على كل بلدان العالم: فالإسبانيون هويتهم إيبيرية رغم أن دماء عربية وأمازيغية تجري بالتأكيد في عروقهم وجيناتهم. وسكان الصين ذو هوية صينية رغم أن أصولهم العرقية ليست واحدة ونقية. ثم لماذا يستمر المنحدرون من "الشريف" إدريس الأول أو الحسن الداخل، المنتسبين إلى الدوحة النبوية، في حمل النسب النبوي رغم أن الأرحام التي ولدتهم هي أرحام أمازيغية وليست عربية ولا من أرومة نبوية؟ يبدو أن العرب لم ينصفوا المرأة إلا مرة واحدة ووحيدة. وقد فعلوا ذلك، ليس رفعا لمكانة المرأة ولا تكريما لها، وإنما لتبرير نسبهم "الشريف" الذي يحكمون به الشعوب الأخرى. الحالة الوحيدة والفريدة التي رفعوا فيها من قدر المرأة وفضلوها على الرجل هي حالة فاطمة بنت الرسول. فرغم ثقافتهم الذكورية والمعادية للمرأة Misogyne، والتي تجعل عامل تحديد شجرة النسب هو الرجل دائما وليس المراة، إلا أن فاطمة بنت الرسول، رغم أنها أنثى، أصبحت هي المحدد لنسب الذين انحدروا منها وليس آباؤهم وأجدادهم الذكور. وهكذا يكون "الشرفاء" العلويون، ليسوا الذين ينحدرون من علي، بل من فاطمة زوجة علي، وبالتالي فإن "شرفهم" يستمدونه من فاطمة الأنثى وليس من علي الذكر. إذن الانتساب إلى الدم النبوي يمر عبر فاطمة/المرأة كمحدد للنسب والانتماء الجينيالوجي. وهذا شيء مهم بالنسبة للمرأة. وحبذا لو طالبت الحركات النسائية باعتماد المرأة كمحدد للانتماء الجينيالوجي لوضع حد للهيمنة الذكورية في مجال النسب. إذن إدريس الأول ينتمي إلى الدوحة النبوية عبر فاطمة، وليس عبر آبائه وأجداده الذين قد لا تربطهم أية علاقة بيولوجية بالنسب النبوي. لنطبق الآن نفس القاعدة ـ اعتماد المرأة في تحديد النسب ـ على أبناء إدريس الأول وكل حفدتهم العلويين المنحدرين منهم بالمغرب. فماذا ستكون النتيجة؟ سيكون كل هؤلاء "الشرفاء" الذين يستمدون شرفهم من جدهم إدريس الأول، أمازيغيين لانحدارهم جميعا من امرأة أمازيغية هي كنزة زوجة إدريس الأول. فكما أن كل الذين ينحدرون من علي بن أبي طالب ينتسبون إلى الدم النبوي عبر فاطمة زوجة علي، فكذلك كل الذين ينحدرون من إدريس الأول ينتسبون إلى الدم الأمازيغي عبر زوجته كنزة الأمازيغية. ونفس الشيء يصدق على حفدة الحسن الداخل منذ أن تزوج أحد أجدادهم العلويين امرأة أمازيغية، كما كانت تجري العادة بذلك منذ أدريس الأول. أعتقد أن هذا الأصل الأمازيغي الواقعي أفضل بكثير لمدير "الأسبوع" من نسبه "العلوي" الخرافي. ولا ننسى أن كل الأنساب "العلوية" "الشريفة"، التي هي في الحقيقة أنساب أمازيغية، والتي ملأت تاريخ المغرب بعد دخول الإسلام، مصدرها وسببها هو البحث عن سند خرافي لسلطة سياسية واقعية. وعندما ينفي مصطفى العلوي صفة "الأجنبي" عن إدريس الأول والحسن الداخل، فلأنه يريد أن ينفي بذلك وجود عنصر أصلي يقابل العنصر الأجنبي الوافد. فإذا لم يكن إدريس الأول والحسن الداخل أجنبيين، فمعنى ذلك أن البلاد التي حلا بها إما أنها كانت أرضا خلاء، أو أن أهلها لم يكن لهم وجود يذكر إلا بعد أن هاجر إليهم أصحاب النسب "الشريف". ولهذا يقارن مصطفى العلوي بين حالة تامازغا التي وفد عليها الأجانب "الشرفاء" وبين بلاد الهنود الحمر التي غزاها الأوروبيون فحولوها إلى أميريكا. فهو يقول: »فبأي حق نكتب عن الأجانب بالمغرب، ولا نتحدث عن الأجانب في أميريكا، ولم يكتب باحث أنتروبولوجي أميريكي يوما أن كندي أجنبي من إيرلاندا«. هكذا يقيس العلوي علاقة الأجانب "الشرفاء" ـ الذين هربوا من المشرق ـ بالمغرب، على علاقة الأميريكان بأرض الهنود الحمر. فالأميركان، رغم أصولهم الأوروبية لم يسبق لأي باحث أن وصفهم بالأجانب. فلماذا اعتبار الشرفاء" الذين قدموا من المغرب إلى المشرق "أجانب" ولا يتعبر الأميريكيون كذلك؟ إن ما يتجاهله العلوي هو أن الأميريكان لم يعودوا أجانب بأميريكا لسبب بسيط، هو أنهم قضوا نهائيا على هوية السكان الأصليين وأبادوا حتى وجودهم المادي. فاستوطنوا أرضهم ليس كمستعمرين وغزاة أجانب فحسب، بل كمالكين شرعيين لتلك الأرض بعد أن لم يعد لها من مالك آخر غيرهم. ومتى حصل أن قضى المهاجرون المشارقة على هوية السكان الأمازيغيين وأبادوا وجودهم المادي كما فعل الأميريكان بالهنود الحمر؟ رغم أنه كان في نية بعضهم أن يفعلوا ذلك، كما حاول مجرم الحرب عقبة بن نافع، لكنهم لم يوفقوا، فبقيت بلاد الأمازيغ في أيدي مالكيها الأمازيغيين، وبالتالي فإن القادم من الخارج إلى هذه الأرضي يبقى أجنبيا عنها، ما عدا أبناءه الذين انصهروا مع السكان الأمازيغيين وتبنوا هويتهم وأصبحوا جزء منهم. وشتان بين أمثال إدريس الأول الذي قدم إلى المغرب جائع البطن، حافي القدمين، لابسا الأسمال، يطلب الخبز والدفء، وبين الأوروبيين الذين ذهبوا إلى أميريكا كغزاة ومحتلين يقودون جيوشا جرارة وبعتاد متطور فتاك قصد القضاء على السكان الأصليين والاستيلاء على أراضيهم. لم يكتف مصطفى العلوي بمقارنة حالة المغرب بأميريكا ليقول بأنه لم تبق بالمغرب بعد دخول "الشرفاء" إليه هوية أمازيغية ولا أرض أمازيغية مثلما لم تبق هوية هندية ولا أرض هندية منذ دخول الأوروبيين إلى أميريكا. بل نفى نهائيا الأصل الأمازيغي لسكان المغرب. يقول: »وكيف نسلم بأصل المغرب البربري وهذا الطبري [...] يقول: "بأن البربر أخلاط من كنعان والعماليق وغيرهم، فلما قتل داوود جالوت تفرقوا في البلاد". وهذا البكري يقول في المسالك والممالك بأن جالوط سار بأجناس البربر ونزل بساحة بني إسرائيل بينما يؤكد ابن خلدون أنهم من ولد جالوط [...]. فالبربر لم ينزلوا من السماء مع آدم بالباراشوت ... وسط جامع الفنا«. قد يفهم السذج من القراء أن مصطفى العلوي قرأ كل كتب الدنيا لكثرة إحالته عليها في مختلف مقالاته. لكن بالنسبة لمن يعرف معنى القراءة والإحالة يسهل عليه أن يستنتج أنه لم يقرأ كتابا واحدا من التي يشير إليها ويحيل عليها. والدليل على ذلك أنه لم يسبق له، ولو مرة واحدة، أن ذكر اسم المطبعة التي نشرت الكتاب ولا تاريخ الطبع ولا الصفحة التي يحيل عليها حتى يتأكد القارئ من صحة ما يدعيه مصطفى العلوي. مصطفى العلوي اسم خرافي يكتب بطريقة خرافية اعتقادا منه أن جميع الناس يصدقون الخرافة و"الخرّافين". لكن هذا كله لا يهمنا. وإنما الذي يهم هو السؤال التالي: لماذا سكت مصطفى العلوي عن أطروحة خرافية أخرى حول أصل الأمازيغيين، تعتبر الأكثر انتشارا وشيوعا و"مصداقية" و"إقناعا"، وهي تلك التي ترد أصلهم إلى اليمن العربية، وجاء بخرافة أخرى لا تقول بها إلا أقلية من أصحاب التاريخ الخرافي، والتي اعتمد عليها في مقاله، والتي ترجع أصل الأمازيغ إلى "بني إسرائيل"؟ ليبين، لمن لا زال يشك في ذلك، أن العلاقة بين الصهيونية والأمازيغية حقيقة تاريخية!!!! ولا يترك مصطفى العلوي أية فرصة تمر دون أن يلمح إلى هذه "العلاقة". ففي عدد 28 نونبر 2003، أورد بالصفحة 9 صورة تمثل مشبكا أمازيغيا سداسي الأضلاع تحت عنوان فيه كثير من التحذير والإيحاء: »صدفة هاته... أو تخطيط للمستقبل«. ثم يكتب في التعليق على الصورة: »... كتابات بحروف تيفيناغ مكملة بالنجمة الإسرائلية.. ليصبح التساؤل: هل الأمر يتعلق بمصادفة، أم بمخطط مرسوم لمستقبل مجهول، أم أن تثبيت الهوية الأمازيغية بدأت إساءة فهمه«. ثم لماذا يكون الموطن الأصلي للعرب هو شبه الجزيرة العربية، والموطن الأصلي لليابنيين هي بلاد اليابان والموطن الأصلي للفرنسيين هي بلاد فرنسا.... ولا يكون الموطن الأصلي للأمازيغيين بلاد الأمازغ، أي تامازغا؟ لماذ الأمازيغ وحدهم نبحث لهم عن أصل خرافي خارج وطنهم تامازغا؟ وعندما يقول الأستاذ حمودى بأن الأمازيغ عرفوا قبل الإسلام نظاما ملكيا، يرد عليه مصطفى العلوي بأن حمودى يقصد الملكة الكاهنة التي خربت ديار المغرب: »وهذه صورة الملكية التي يتحدث عنها حمودة«. يريد أن يقول بأن هذا هو نوع الملوك والملكات التي عرفها الأمازيغ، ملوك التخريب وليس ملوك الإعمار "الشرفاء". مع أن ما ينسبه العلوي من "تخريب" إلى الملكة الكاهنة كان في الحقيقة جزء من خطة جهادها ـ نعم جهادها ـ ضد الغزاة العرب، هذه الخطة المعروفة بسياسة الأرض المحروقة، والتي لجأت إليها ونفذتها لما علمت أن العرب جاءوا من أجل الاستيلاء على الزرع والضرع، وخصوصا ضرع النساء الأمازيغيات اللواتي كان الغزاة يسبونهن ثم يبعونهن في أسواق دمشق وبغداد بأغلى اُلأثمان. فسياسة الأرض المحروقة هذه ـ التي يسميها العلوي التخريب ـ هي من مظاهر عبقرية هذه الأمازيغية المجاهدة ـ نعم المجاهدة مرة أخرى ـ التي أدهشت بمقاومتها وخططها الحربية الغزاة العرب فأطلقوا عليها "الكاهنة"، أي الساحرة، اعتقادا منهم أن ما قامت به تلك المرأة لا يمكن إلا أن يكون من فعل قوة سحرية غير طبيعية لأنهم لم يصدقوا أن بإمكان امرأة أن تحكم الرجال وتقود الجيوش وتتزعم الجهاد ـ نعم الجهاد مرة أخرى ـ بعد أن ألفوا وأدها وهي حية تصرخ وتستغيث.
|
|