|
تمرد الامازيغية المضطهدة ـ متابعة ليبية نص كلمة ملقاة في ندوة عن "الامازيغية في ليبيا" استضافتها الحركة الامازيغية بهولندا ـ لاهاي، في 14.11.2003 ازول فلاون ستيما د ايتما، ابدأ بالاعتذار والتعبير عن حزني الغاضب من عدم قدرتي وإجباري على التواصل معكم بغير اللغة الامازيغية، والسبب واللعنة على التاريخ الجائر والشوفينية المستعلية والسياسة المتعصبة والوعي القاصر، والتي تتحالف لتغريب الامازيغية في أرضها التاريخية بحصرها في جزر ديموغرافية معزولة، محظور ومجرم التواصل بها، كما أود قبل أن استرسل أن أنوه وأعتذر عن الأخطاء اللغوية، وبعد.. كبير التقدير للحركة الامازيغية بهولندا على جهودها لخدمة المسألة الامازيغية الحقوقية والثقافية، وجزيل الشكر على دعوتي ورمو مسينسا كباون، مدير فرع مؤتمر الليبي للامازيغية في دول البينلوكس، للقائكم وللحديث أمامكم اليوم... كما انتهز هذه الفرصة الطيبة لأنقل إليكم تحيات فعاليات المؤتمر الليبي للامازيغية (اقرأوا 'ليبي ن تمازيغت ـ أى أل تي)، ومن خلالهم تطلعات المتحدثين بالامازيغية في ليبيا بمستقبل أكثر إشراقا للامازيعية، حين تزول كل أشكال الظلم والعسف وأنواع المنع والإلغاء الممارسة على الامازيغية وأهلها. كما أتمنى أن يدشن هذا اللقاء لتعاون دائم ومثمر بيننا. فكرة مشاركتي تتمحور حول تلازم نزعة تمرد الامازيغ مع واقع الاضطهاد المبتلية به الامازيغية، مع تركيز على واقع الامازيغية وأوضاع المتحدثين بالامازيغية في ليبيا، مع علمي أن في الفصل والتركيز على المسألة الامازيغية الليبية تعسفا مفتعل يتنكر لحقيقة الترابط العضوي التاريخي للامازيغية ونضالها المجيد لاسترداد حقها في الوجود الكامل، ولكنها ضرورات حصر التناول. جميل، هائج، ورومانسي خشن ارتباط اسم ولفظة الامازيغ بالحرية والثورة الدائمة من أجلها، فـ"مازيغ" تعريفا وترجمة تعني الشخص الحر أو النبيل النازع دوما للحرية والرافض للخنوع والاستعباد، إلا أن الأجمل الأقسى هو تسليم التاريخ بتلكم الترجمة التعريفية عندما الصق غزاة الروم والإغريق وحصروا صفة "البربر" بالامازيغ تعبيرا عن تعبهم ونزفهم من تمردات الامازيغ المتكررة ضد غزواتهم وثورات الامازيغ المتوالية على حيفهم. وهو حال تكرر مع لاحقيهم من ولاة وعسكر الامبرطوريات الظالمة والذين كوتهم تمردات الامازيغ الملتهبة وصلتهم ثورات الامازيغ المشتعلة، لتتأكد صفة التمرد وسلوك الثورة بمرارة ما ذاقه الاستعمار الحديث من جهادهم، وبما تتجرعه الأنظمة الغاشمة، صنيعة ووريثة الاستعمار، من كفاحهم. وبتأكد لازمة الثورة ضد الظلم ورسوخ سلوك النزوع المتأصل للحرية والتحرر، يعيد الامازيغ اليوم اكتشاف حقيقة أن يكونوا "امازيغ" وليسوا "بربر" كما يصر أعداؤهم على وصمهم لتبرير وتمرير غايات دنيئة، يتجمل بعضها بعناوين نبيلة. يتابع نشطاء الحركة الامازيغية الليبيون باهتمام ايجابي سير وتطور نضال وتضحيات وإنجازات الحركة الامازيغية في تامزغا (في الكناري، والمغرب والجزائر وتونس وارض التوارق وسيوة المصرية والشتات)، ويعيشون في الوقت ذاته معاناة بلادهم، ليبيا، المكلومة والمرهونة بنظام ديكتاتوري فاشي متخلف يضطهد ويرهق عموم الليبيين. وهكذا، يجد التيار الرئيسي في الحركة الامازيغية الليبية نفسه متخندقا في جبهتين: معركة استرداد "الحق الامازيغي"، ومعركة "الحق الليبي"، ولكن ما يكثف الجهد النضالي ويقلل من تضاربه هو أن ساحة المعركتين النضالية واحدة، وهي ليبيا. وهذا لا يعني اقتصار ساحة التواجه على ليبيا فقط، لان النضال من اجل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية ليس من الممكن ولا من المقبول حصره في رقعة جغرافية دون محيطها الإقليمي، والمقصود هنا افريقية الشمالية، والممتدة انتماء لكل الدوائر الإنسانية على رحابتها، وهذا حلو العولمة! بعد التمهيد يتوجب علي أن أعود بكم ومعكم إلى مراحل تاريخية اسبق من تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر، وبعض من أحداثها التي ساهمت في تشكيل واقع الامازيغية الراهن. دواعي الحصر والقصر على المراحل التاريخية الحديثة والمعاصرة، تأتي من حقيقة اشتراك التاريخ الليبي عبر كل مراحله السابقة للمرحلة الاستعمارية الأوربية في ومع تاريخ المنطقة الافريقية الشمالية السحيق والقديم والوسيط، أي منذ رسومات الامازيغ الأوائل على الصخور قبل عشرة ألاف سنة وحتى الفترة العثمانية التركية مرورا بالإغريق والرومان والفينق والعرب. في القرن التاسع عشر (بعد 1800)، وعقب انتهاء فترة الدولة القرمانلية ـ الدولة المستقلة ذاتيا والتابعة اسميا للدولة العثمانية ـ، اندلعت في البلاد ثورات عدة ضد جور الدولة العثمانية، والتي كانت من أخطرها وأطولها على الإطلاق الثورة التي قادها الشيخ "غومة المحمودي"، والتي اضطلع فيها الشيخ الامازيغي "ميلود سعيد الشقروني اليفرني" بدور الرجل الثاني، ليقود احد مراحل الثورة بعد تمكنه من الفرار من سجنيهما في تركيا والعودة إلى ليبيا. وإشارتي هنا تضيء على دور المتحدثين بالامازيغية النضالي ضمن تلاحم شعبي جمعهم مع إخوانهم من المتحدثين بالعربية. كما سجل القرن المذكور وقبيل رحيله بخمسة عشرة سنة، أي في 1885، انتهى "إبراهيم سليمان الشماخي" من تأليف كتابه المهم "ئغاسرا د إئبريدن دي درارن ن ئنفوسن" (قصور وطرق جبل نفوسه)، وهو كتاب مهم من حيث القيمة الانتربولوجية والتوثيقية التاريخية والفائدة السياسية كذلك، بما يوفره من حجج ودوافع لنضال الحركة الامازيغية. أواخر العهد العثماني وقبيل الغزو الإيطالي، أي بدايات القرن العشرين، اُتهم "سليمان الباروني الكباوي" (احد أهم شخصيات ليبيا وأعيان جبل نفوسه وعلماء المذهب الاباضي السائد والمتبع لدى المتحدثين بالامازيغية الشماليين) اُتهم من قبل السلطات العثمانية بالسعي لإقامة إمارة امازيغية اباضية في ليبيا، فنفي سجنا بسبب ذلك. ليطلق سراحه بعفو أصدره السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، استجابة لطلب "موسى قراده اليفرني"، متصرف جبل نفوسه، والذي كان ضمن وفد طرابلسي رحل إلى الباب العالي (مقر السلطان العثماني) بالآستانة (اسطنبول) لمقابلة السلطان. المستخلص من راوية هذه الحادثة: هو ورود فكرة تأسيس إمارة امازيغية، وان جبل نفوسه كان وحدة إدارية بدرجة متصرفية (مقاطعة) يديرها متحدث بالامازيغية، وكذلك في إفصاحها عن تضامن سكان ولاية طرابلس مع احد الأعيان الامازيع بجمع وفد الالتماس متحدثين بالعربية والامازيغية ـ وهي ما اسميه بالخصوصية الإفريقية الشمالية، المعبرة عن التضامن السكاني والدالة على الوحدة الاجتماعية. سجلت مرحلة الجهاد ضد الغزو الإيطالي (1911) ملحمة نضالية باهرة، بدأت بسلسة معارك الشط والهاني المهمة والتي نفر إليها المجاهدون من كل مناطق ليبيا. ليختبر الجهاد اختبارا حاسما عندما وقعت السلطات العثمانية والإيطالية معاهدة اوشي لوزان (1912) والتي انسحب بموجبها العثمانيون من ليبيا، لينقسم معسكر المجاهدين إلى جناحين، جناح مثبط جنح للتسليم، وجناح أصر على مواصلة الجهاد الشرعي، والذي كان من ابرز قادته "سليمان الباروني" ومعه عموم المتحدثين بالامازيغية، ليشكل حكومة جهاد وطنية في مدينة يفرن النفوسية. وهنا لا أجد ضرورة لتكرير ملاحظة دور المتحدثين بالامازيغية النضالي. رغم هزيمة المجاهدين في معركة جندوبة بجبل نفوسه سنة 1913، لم تخب روح التمرد إلا لتعود جذوتها بالثورات على الحاميات الإيطالية، ومفصلها تلك التي قادها "خليفة بن عسكر النالوتي". وهو الذي وصف الجنرال غرسياني قائد القوات الإيطالية ـ المعروف بـ" سفاح ليبيا" القبض عليه وتنفيذ حكم الإعدام فيه، في كتابه المشهور "نحو فزان": بأنه اختفاء رجل شديد الخطورة... وبأنه تخلص من الكابوس. نفس غرسياني كتب: "وقد حارب البربر ضدنا أثناء احتلالنا لمستعمرة ليبيا... وكان قتالهم ضدنا عنيفا بقيادة سليمان الباروني". وللعلم فسليمان باشا الباروني عاد، في 1916، من منفاه ليقود النضال التحرري من جديد بصفته واليا عثمانيا، وليؤسس مع المجاهد الكبير "رمضان السويحلي المصراتي" الجمهورية الطرابلسية، وكان ذلك في 1918- وهي أول حكومة جمهورية تعلن وتؤسس جنوب المتوسط، وهذا يذكرنا بجمهورية الريف التي أسسها المجاهد الامازيغي المغربي الكبير عبد الكريم الخطابي. عكرت ملحمة الجهاد الخالدة أحداث حرب قبلية مؤلمة، ومتفاوتة في حدة مآسيها، واستغرقت فترات بين 1915ـ 1922، ومن ذروتها التهجير الجماعي لأغلب المتحدثين بالامازيغية من أراضيهم بجبل نفوسه. ومن رموز هذه المرحلة القائد "ساسي خزام اليفرني" الذي اعدم بعد احد معارك الحرب الأهلية، ليجد امازيغ نفوسه أنفسهم مدفوعين للالتجاء إلى العدو المشترك ليساعدهم للعودة إلى مدنهم وقراهم وحقولهم بنفوسه تحت قيادة القائد "يوسف خربيش الفساطوي". والرابح من ذلك العدو الإيطالي الذي أوقد الفتنة بدعمه وتسليحه طرفي النزاع، تطبيقا للسياسة الاستعمارية المشهورة: فرق تسد. فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا، والممتدة إلى سنة 1942، مشحونة بالدروس ومحملة بالعبر، ومتواصلة الأثر والتأثير في تاريخ وصيرورة ليبيا المعاصرة. ومما يجدر التوقف عنده خلال المرحلة الإيطالية: · المساهمة الكبيرة للمتحدثين بالامازيغية في الكفاح من اجل الحرية والتحرر، · الأثر السلبي الخطير لاختلال وحيف العلاقة بين أطراف النسيج الاجتماعي على أوضاع الوطن، والمتصف في مجمل تكوينه وعمومه علاقاته بالانسجام. · الملاحظة المهمة الأخرى، هي أن أحداث الحرب الأهلية المذكورة كانت اقرب للفتنة القبلية منها للعرقية، لوجود متحدثين بالعربية والامازيغية في طرفي النزاع، وكذلك لوقوع فتن قبلية مواكبة في مناطق أخرىـ مما يؤكد دور المستعمر. هذا الملاحظة\ التفسير لا يلغي حقيقة تلون أجزاء من أحداث الفتنة بلون التعصب والكره، ومنه طلب واشتراط قادة في الطرف الأخر من الفتنة على الجنرال غرسياني عدم عودة الامازيغ لأراضيهم المهجرين منها كشرط مسبق لعدم محاربتهم الاستعمار الإيطالي. استقلت ليبيا في 24 ديسمبر 1952، بإرادة الليبيين وقيادة طلائعهم وإدارة الملك إدريس السنوسي، وكنتيجة لهزيمة دول المحور ( المانيا وايطاليا). خلال فترة الإدارة البريطانية الفرنسية (1942-1951)، وأثناء الإعداد للاستقلال استمر الدور الفعال للمتحدثين بالامازيغية فتمثلوا بعضوين من جملة ثماني أعضاء وطنيين في المجلس الإداري لولاية طرابلس ( ربع كراسي المجلس)- الولاية الأكبر من ولايات ليبيا التاريخية الثلاث، إضافة لبرقة وفزان. توجس المتحدثون بالامازيغية من انعكاسات قيام دولة مستقلة واحدة تجمع الولايات الثلاث على وضعهم- وهو مثيل توجسات ظهرت أيضا في ولايتي برقة وفزان- تراجع أمام الوازع الوطني العام المطالب بالاستقلال والوحدة. في الأثناء تشكلت حكومة مؤقتة لتحقيق قرار الاستقلال الصادر عن الأمم المتحدة، ومثل المتحدثين بالامازيغية فيها "إبراهيم بن شعبان الزواري" كأحد ثلاث وزراء مثلوا ولاية طرابلس ضمن ست وزراء على المستوى الوطني. درجة التمثيل الامازيغي تعكس حجم دور ووزن المتحدثين بالامازيغية في الساحة السياسية آنذاك. وقبل انتقل من هذه الفترة التاريخية، أجد من واجبي ذكر قصة المناضل سعيد بلقاسم الباروني النفوسي، الذي رفض النظام الملكي ودعا إلى إقامة نظام جمهوري في ليبيا المستقلة، فاختار بذلك المهجر التصاقا بمبادئه النضالية. الفترة التاريخية الواقعة بين نهاية المقاومة المسلحة وتحقيق الاستقلال تحظى في رأيي بأهمية خاصة، فإضافة إلى تأكد ارتباط جميع الأطراف المجتمعية بالوطن، ومنهم المتحدثون بالامازيغية الذين عبروا بحرية ووضوح للجان الأمم المتحدة الراعية لعملية الاستقلال عن انتمائهم والتزامهم بقيام دولة ليبية مستقلة واحدة، وهذا التعبير الحر الصادق وفرته وسجلته حقيقة أن لجان الأمم المتحدة مستقلة ومحايدة وحرة من الضغوط السياسية المحلية والإقليمية والدولية، لأنها تتبع الجمعية العامة للأمم المتحدة وترفع تقاريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة. إلا أن الخطأ الساذج القاصم والتاريخي المقترف حينئذ تمثل في إهمال المتحدثين بالامازيغية لأهمية تضمين الهوية والمكون الامازيغي في دستور الدولة الليبية الفتية، وبالتالي غياب صون الحقوق الثقافية واللغوية والإدارية للمتحدثين بالامازيغية. هذا الخطأ كان ومازال خطأ فادحا ومكلفا ومرهقا، يظلم الامازيغية ويضعفها، والمؤكد أن تصويب هذا الخطأ سيكون في قمة أوليات عمل الحركة الامازيغية الليبية. اتسمت الفترة الملكية، والتي استغرقت 18 سنة حتى سبتمبر 1969، بركود وانحسار النشاط الامازيغي، لعل من أسبابه استغراق الجموع في بناء ليبيا المستقلة ومحاولة الخروج بها من حالة التخلف المزري، والتي ضاعف منها هول عقود الحروب المدمرة وعجف سنين الجفاف الجائعة، في ظل سياسة حكومية نومت الامازيغية بالاحتواء المرن ـ واقصد بالاحتواء المرن إتباع سياسة الإهمال والتطويق مع تمرير وتنفيذ سياسة تعريبية بطيئة وخافتة، ومن أمثلة ذلك، وللتاريخ أيضا، أن تسمية ووصف الامازيغ بالأجداد القدماء في الكتب المدرسية بدعة ملكية!. ويبقى ـ في رأيي الشخصي ـ لتراجع الوعي الهوياتي والحقوقي حصة معتبرة في ذلك، وخصوصا إذا ما تذكرنا أن ذلك وازته زمنيا هجمة نمط شوفيني من الفكر القومي العروبي المساند بترجمة للإسلام تحصر الشرعية والعلوية للعربية، وترى في الثقافات واللغات الغير العربية ضرائر للعربية والإسلام، فتصورت وصورت باقي الثقافات واللغات كخطر يهدد تصوراتها للأمة الواحدة ورسالتها الخالدة، وهكذا صنفت مطالب العدالة الهوياتية والحقوق اللغوية والإنصاف الإداري كخيانة ومؤامرة ودعاتها كعملاء ومخربين. منذ أن قفز القذافي على كرسي السلطة، عبر انقلاب في سبتمبر 1969، والامازيغية الليبية تعيش واحدة من أصعب وأخصب مراحل نضالها، من حيث طبيعة المعاناة وتطور النضال. فالقذافي، في كلمات قليلة: قومانجي عروبي واهم، يصنع تاريخه بالعدوان والإرهاب، ومن ذلك إيمانه بان الامازيغ عرب قدامى (عرب ما قبل الإسلام) وان الامازيعية لغة عروبية قديمة، وبالتالي فأي فكر أو طرح يعكس رؤيته ويعاكس توجهه هو خيانة لدولته ومؤامرة على الأمة العربية، وهو في سبيل تطبيقه لقناعاته المختلة ـ الناشئة عن قراءات قاصرة محاطة بأحلام مختلة ـ يقوم بأشرس حملات التعريب والتطهير الثقافي العنصري المستهدف للوجود الامازيغي في كل تمظهراته، بدءا من تزوير التاريخ بتزييف شواهده ووقائعه الناطقة بامازيغيته إلى قتل المستقبل الامازيغي بسنه وتطبيقه لقوانين تحرم وتجرم تسمية الأطفال بأسماء امازيغية أصيلة، ليطول منع من يحمل أسماء امازيغية من دخول المدارس للتعلم. وبين التاريخ والمستقبل واقع يومي تكافح فيه الامازيغية ليظل سراج نورها مشتعلا وقبس نارها مضيئا رغما من جسامة الثمن وضخامة التضحيات، حين تحظر أجهزة دولة القذافي أي نشاط امازيغي، وحين يزج بوليسه السري بنشطاء الحركة الامازيغية في سجونه، وحين يتدلى أبطال الامازيغ من أعواد مشانقه، وحين تدمر بلودزراته بيوتهم، وحين يرتهن ويلاحق أسرهم وأهاليهم، وحين تعاقب مناطق متحدثة بالامازيغية بحرمانها من التنمية والخدمات، وحين يرحل الطوارق ويحصرون في مخيمات صحراوية تفيض برمال قاحلة تتلحف سماء عارية تحوطها أسلاك شائكة لتحصر أسمال بالية بها بعضا من أجساد منهكة بائسة، يلتهمها الموت بدورية عادلة صامتة، لينخر الاندثار ثقافة معمرة مقاومة. حينها وفي كل حين تتفتت أكباد الأمهات وتحتقن مآقي الآباء، وحينها وكل حين يتمرد الامازيغي ثائرا هادرا بأن النضال مستمر وسيستمر. شخصيا، وبسبب التضييق القائم والتشتت المفروض على النضال الأمازيغي ودعاته، لا أعرف تاريخا قاطعا لتأريخ بداية الحركة الامازيغية الليبية المعاصرة، إلا انه يمكنني العودة بها إلى أواخر الخمسينيات، وذلك برصد أحاديث متناثرة لنشاطات قام بها خليفة الاسطى اليفرني وعلي الشروي بن طالب اليفرني. ومنها سفرة الأخير، وبصفة شخصية، لمحاولة حضور مؤتمر طنجة سنة 1958. كما يمكن تتبع ذلك في أبيات شعر شعبي قالها الشاعر "امحمد ساسي قراده اليفرني" في أوائل الستينات، حيث قال: سكـــانــها بثبـاتة نفوسه وبعض صنهاجة وزناتة اللي شيدوا فيما مضى صبراته منها مشوا بعد الزمان غدرها عليهم هجم الرومان بقواته وجملة شمال افريقيا كسرها وفي النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي يمكن رصد إرهاصات لصحوة امازيعية تمثلت في عودة للتسمي بالأسماء الامازيغية التاريخية (شيشنق مثلا)، ونشر مقالات عن تاريخ وهوية ليبيا، وكان لجريدة "الميدان" لصاحبها ورئيسها الأستاذ "فاضل المسعودي" مساهمة بارزة بفتحه صفحتها لمناقشة هوية وتاريخ ليبيا الحقيقي ـ وللعلم فالأستاذ فاضل المسعودي مناضل وطني كبير من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في ليبيا، وصاحب شجاعة أدبية فائقة عندما اكتشف وأعلن ودافع عن امازيغيته، برغم أن أسرته الطرابلسية متعربة. لا يمكن ذكر جريدة الميدان، إلا ويحضر طيف احد كتابها الشهيد "سعيد سيفاو المحروق الفساطوي" مذكرا بسيرة ملحمية كثيفة وقصيرة، ثقف فيها سيفاو قلمه، شعرا ونثرا، من اجل الامازيغية، ليستهدفه الغدر القذافي بمحاولة اغتياله بدهسه في حادث سيارة مدبر، أعاقه وأقعده لأربعة عشرة عاما، ليرحل سيفاو بسبب مضاعفات ذلك الحادث الغادر في 1994 عن عمر 48 سنة. رحل سيفاو وبقى ألهامه الأدبي والمعنوي وقودا يلهب اندفاع الحركة الامازيغية. تتعدد وتتنوع حملات القذافية ضد الامازيغية، وفي احد هوجاتها الرعناء، ولأيام طويلة خلال 1978\1979، تستيقظ المناطق المتحدثة بالامازيغية على حمم حملة إرهاب رسمية شعواء ضدهم، والمبرر هذه المرة اكتشاف وملاحقة خلايا تنظيم "رابطة شمال افريقية"، والذي قاده الفقيد "على الشروي بن طالب". فكان سجن العشرات من المثقفين والشباب بتهمة انتسابهم للرابطة أو تعاطفهم معه أو حتى لمجرد القرابة. وحكمت المحاكم الثورية القذافية على قادة التنظيم بالإعدام، لتفرج عنهم بعد تسع سنوات، وليموت الفقيد "بن طالب" في ظروف مريبة، سنة. الايجابي حول حدث "رابطة أفريقيا الشمالية" انه يؤرخ لعمل سياسي مؤطر من اجل الهوية الامازيغية وحقوق المتحدثين بالامازيغية، وكذلك في تطور تناولها للإشكالية الامازيغية بتجاوزها في طرحها للقطرية الليبية بربطها بامتدادها الإفريقي الشمالي، كما يسجل للرابطة عدم اقتصار عضويتها على المتحدثين بالامازيغية بتأطر متحدثين بالعربية فيها1994- يظل مطلب فتح تحقيق نزيه في ظروف وفاة المناضلين الفقيدين "سعيد سيفاو المحروق" و"علي الشروي بن طالب" مطلبا قائما من مطالب المؤتمر الليبي للامازيغية. الاباضية كمذهب إسلامي يرتبط في افريقية الشمالية بالامازيغية، كما هو الحال في منطقة مزاب الجزائرية وجزيرة جربة التونسية وطبعا في شمال ليبيا. سمة المذهب التمردية والحريصة على المساواة والمحرضة على التحرر، ساهمت في المحافظة على استمرار الحضور الامازيغي. في أواخر الستينات من القرن الماضي قاد المجدد والشيخ الجليل "على يحي معمر النالوتي" صحوة إحيائية اباضية مهمة، أوثقت وشج الاباضية بالتيار الإسلامي السني العام. انفعل القذافي فحارب الاباضية ومنع تدريسها والتفقه بها في المساجد، ولم ينج الشيخ من نزق القذافي فسجن الشيخ مرات، وفي سجنه استهانة بوضعه الاجتماعي الرفيع والعلمي الراقي وعمره الكهل. وبدرجة شطط القذافي المدمر كان إثمار وإعمار جهد الشيخ معمر في جيل نضالي خطير، أبرزه على الإطلاق البروفسور الدكتور "عمرو النامي النالوتي"، صاحب الأثر الأدبي المميز على مجمل الحركة الوطنية المعارضة للقذافي. اذكر لكم موقفا بسيطا ومعبرا لبيان شخصية الدكتور النامي: فبعد سجن ومضايقة وإبعاد من التدريس في الجامعات الليبية ونفي لليابان قرر النامي الاستقالة من سلك التدريس الجامعي، فاشترى قطيعا من الأغنام ورحل به ليعيش في الفلاة بسلام مع نفسه وشيوهاته، ولكن القذافي لم يتركه فلاحقه وسجنه منذ 1982، لتنقطع أخباره منذ 1984- وهو بذلك مختف قسريا حسب المواثيق الدولية- اختفاء النامي القسري قضية قائمة أخرى يتابعها المؤتمر الليبي للامازيغية. بلغ اثر الشيخ معمر والدكتور النامي احد قممه بمساهمة ثلة من مريديهما والمتأثرين بهما بدور حاسم في أحداث "مايو 1984" ومعركتها المركزية المجيدة المعروفة بمعركة "باب العزيزية"، وهي معركة قادتها الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وهي مصنفة كأخطر المحاولات لإنهاء ديكتاتورية القذافي. خلال وعقب أحداث مايو انطلقت حملة إرهاب عمياء حُصرت وعُزلت فيها مناطق المتحدثين بالامازيغية وأُغلقت مساجدهم وأُحرقت كتبهم ودمرت بيوتهم، وسجن في أثنائها المئات من المتحدثين بالامازيغية، ليعدم عدد منهم في ساحات مدنهم وقراهم وبحضور أهاليهم. وتتأكد نزعة التمرد المتأصلة في الامازيغ، وتستمر الثورة آخذة أشكالا متلائمة مع الأوضاع التي فرضتها رعونة ديكتاتورية القذافي، فمنذ أواخر الثمانينات طور شباب الحركة الامازيغية الليبية آليات عمل مناسبة تراوحت بين الانخراط في جمع التراث واللغة، أو تأليف أغاني المقاومة، أو الاتجاه لاستغلال النوادي وبيوت الشباب في إحياء المهرجانات الدورية والأمسيات الثقافية (كمهرجان يفرن، وجادو، وكباو، واوسو بزوارة)، ومن ذلك محاولة فك الاشتباك مع النظام بتقديم مقترح لفصل الثورة عن التعريب. في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، تأسست جمعية سيفاو كأول جمعية ليبية في المهجر، وشاركت الجمعية عبر أعضاء منها في تكوين الكونغرس الامازيغي العالمي، ومن ثمة في مداولات انعقاده الأول بجزر الكناري، وهي الدورة التي وصف القذافي انعقادها بالمؤامرة الاستعمارية ضد الأمة العربية ونعت المشاركين فيه بالعملاء الذين يتقاضون الأموال من المخابرات الأجنبية. وفي أواسط التسعينيات أيضا، انطلق أحياء والاحتفال بـ"أس انع"\يومنا، وهو يوم الامازيغية في ليبيا، والذي تمر ذكراه في الخامس العشر من ابريل من كل عام، في تواكب مع احتفالات تافسوت ن ايمازيغن (الربيع الامازيغي)، في 20 ابريل من كل عام. التطور الآخر هو تأسس المؤتمر الليبي للامازيغية في سبتمبر 2000- الذين تستضفونه اليوم- وهو منظمة تعمل للدفاع عن حق الامازيغية في الوجود الكامل في ليبيا. يناضل المؤتمر من أجل الإقرار الرسمي والشعبي والتضمين الدستوري للـ"حق الامازيغي"، والذي حددناه كهدف مجمل للمؤتمر. فنحن في المؤتمر نكتل قضيتنا تحت عنوان رامز هو "الحق الامازيغي"، والذي تضم مشمولاته: الهوية، والمكون، والثقافة، واللغة الامازيغية، بكل روافدها وفروعها وتمظهراتها وتجسداتها الهوياتية والثقافية واللغوية والإدارية. ويأتي الاعتراف باللغة الامازيغية، وطنيا ورسميا، في مقدمة مطالب المؤتمر الليبي للامازيغية، وتحتوي المطالبة الأخيرة على توفير المجال والدعم للغة الامازيغية في التعليم، والبحث العلمي، الإعلام، والادارة العامة، وباقي مجالات التداول العام. وتشمل جهود ومطالب المؤتمر بالضرورة وكأولية ملحة إيقاف اضطهاد وانتهاك ومحاربة "الحق الامازيغي"، والتي منها: · منع استخدام اللغة الامازيغية، وعرقلة نموها وانتشارها، · منع المسميات الامازيغية- ومنه منع أصحاب الأسماء الامازيغية من حقوقهم المدنية والتعليمية، ومعاقبة أهاليهم- · التضييق على المذهب الاباضي، · تقييد الادارة المحلية، · طمس وتزييف المعالم التاريخية والحضارية ذات العلاقة بالامازيغية، · منع إقامة الجمعيات والتظاهرات الامازيغية بأنواعها الاجتماعية والثقافية والبحثية...، · قمع وملاحقة واعتقال الناشطين في حركة "الحق الامازيغي". ولقد لاقت رسالة المؤتمر الليبي للامازيغية الوطنية والديمقراطية والتسامحية، وأهدافه الشرعية والعادلة تفاعل ايجابي من قبل الفعاليات السياسية والثقافية الليبية المهجرية المعارضة، حيث أبدت وعبرت العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية والثقافية الليبية عن تفهم مبدئي للمسألة الامازيغية، ومن ذلك اشتراك المؤتمر في التوقيع على ميثاق منطلقات وثوابت وأهداف النضال الليبي مع أربع تنظيمات ليبية أخرى. ويقوم الميثاق على أساس يهدف إلى إقامة بديل ديمقراطي دستوري ليبي، بديل يراعي الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية لكافة الأطراف المجتمعية الليبية. إلا أن المأمول والمنتظر أن يرقى ويتطور هذا الفهم إلى مستويات أكثر عدالة وايجابية، باعتبار انه يصعب تصور ليبيا مستقبلية ديمقراطية سائرة في طريق النمو والرفاهة بدون أو باستبعاد المكون الامازيغي، وعلى عاتق ذلك يقع كل أطراف وفعاليات الساحة الوطنية. خلاصة، يمكن القول رغم قتامة وضع الامازيغية وصعوبة واقع المتحدثين بالامازيغية نتيجة لسياسات وبرامج النظام الكارهة والمحاربة للامازيغية وتراثها، بان النضال من اجل الحق الامازيغي يتراكم بتصاعد إضطهاده، وتلك لازمة امازيغية تتوفر متى كان الاضطهاد والجور، ولكن هذه المرة النضال الامازيغي يقترب من تحقيق أهدافه العادلة لان قطاره انطلق في مساره الماجد. تانميرت. (أدرار نفوسه، لاهاي بهولندا، في 14 نوفمبر 2003)
|
|