|
الخطأ الذي ارتكبه الأمازيغ بقلم: إد بها محمد (آيت ملول، أكادير) أسوأ ما يمكن أن يحصل لإنسان ما هو أن يصبح مهمشا في لغته، مقصيا في هويته، يُتعامل معه كمواطن من الدرجة الثانية، وذلك بعد أن يكون قد ضحى بحياته ونفسه من أجل استقلال البلاد واستكمال وحدتها الوطنية والترابية. وهذا هو حال الأمازيغ بالمغرب. فقد قاوموا الاستعمار ودافعوا عن حوزة الوطن وقدموا تضحيات جلى من أجل الحرية والاستقلال. بل لم يكن لهم شغل آخر غير المقاومة والجهاد ـ الجهاد الحقيقي وليس الجهاد بمفهومه الإسلاموي ـ لتحرير الأرض واستعادة عزة الوطن وكرامة المواطنين. فلم يرسلوا أبناءهم إلى كندا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا للدراسة، لأن هدفهم الأقصى والأنبل هو جلاء الاستعمار من كل أنحاء التراب الوطني اعتقادا منهم أنه بعد الاستقلال، سيعيشون في وطنهم معززين مكرمين، وسترجع إليهم أراضيهم التي سلبها منهم الاستعمار. لكن الذي حصل بعد الاستقلال هو استيلاء النخبة الأندلسية على خيرات البلاد التي فوتها إليها الاستعمار الذي خلفته لتنوب عنه بعد جلائه. فهذه المجموعة من الأندلسيين الموريسكيين استولوا عل كل المناصب ومراكز القرار السياسي والاقتصادي مع تهميش تام للعنصر الأمازيغي الذي قاوم الاستعمار. بل إن كثيرا من عناصر جيش التحرير الأمازيغيين تمت تصفيتهم على يد الحزب "الأندلسي" الذي نسق مع المستعمر الفرنسي لينقل إليه السلطة بعد انتهاء فترة الحماية. ورغم المجهود الكبير الذي بذله خونة الأمس لتزوير حقائق التاريخ وإبراز أنفسهم كوطنيين قاوموا الاستعمار مع تغييب كلي للأمازيغيين الذين حملوا السلاح في الجبال والبوادي لمواجهة المحتل، فإن حبل الكذب قصير كما يقول المثل. فالجميع يعرف اليوم من كان يدبج القصائد يهنئ فيها السلطات الاستعمارية في كل انتصار لها على المقاومة الأمازيغية. الجميع يعرف أن معاهدة الاستسلام ـ يسمونها معاهدة الحماية ـ تم التوقيع عليها في مدينة الأندلسيين الذين رحبوا بها وهللوا لها. الجميع يعرف اليوم من قتل البطل الوطني عباس لمساعدي. والجميع يعرف ماذا قال قاتله في حق الأمازيغيين. لقد قال: الأمازيغي هو من لم يدخل بعد المدرسة. الجميع يعرف اليوم دور الحزب الأندلسي في أحداث الريف لـ58 ـ 59 التي أبيدت فيها قبائل أمازيغية بكاملها لأنها رفعت صوتها تطالب بحقوقها التي حرمها منها الحزب الأندلسي. الجميع يعرف اليوم من ينهب المال العام، كما حدث في كثير من المؤسسات المالية العمومية، مثل الضمان الاجتماعي، القرض السياحي، البنك الشعبي.... عندما نقارن بين التضحيات التي قدمها الأمازيغيون دفاعا عن الأرض والوطن وما حظوا به من "مكافأة" ـ بل من قصاص ـ بعد الاستقلال، هذه "المكافأة" المتمثلة في تهميش مناطقهم وإقصاء هويتهم وعدم الاعتراف بلغتهم وثقافتهم، لا يمكن إلا أن نعترف أن الأمازيغيين ارتكبوا خطأ عندما حملوا السلاح ضد المستعمر. فلو هادنوه وتعاونوا معه كما فعل الأندلسيون لاستفادوا، مثل هؤلاء، من مدارسه ومستشفياته وتعليمه ولغته وتكنولوجيته، ولأصبح أبناؤهم بعد الاستقلال يحتلون، مثل أبناء الأندلسيين، المناصب النافذة سياسيا واقتصاديا، بدل أن يلقوا بأنفسهم في البحر عبر قوارب الموت بحثا عن العزة والكرامة خارج وطنهم الذي لم ينصفهم. فعبد الكريم الخطابي نفسه، رغم كل تضحياته من أجل تحرير الأرض من المستعمر، لم ينل من هذه الأرض ولو شبرا واحدا يدفن به جثمانه. فيجب أن نقر أن هذا العدو ـ الاستعمار الفرنسي ـ الذي حاربه الأمازيغ اعترف بلغتهم وأنشأ مدارس لتدريسها وبنى كوليج أزرو الذي تخرج منه معظم المناضلين الأمازيغيين، وعلى رأسهم محمد شفيق. لكن لما حصل المغرب على الاستقلال فإن أول عمل "وطني" أنجزته النخبة الأندلسية، وريثة الاستعمار الفرنسي، هو إغلاق كوليج أزرو الأمازيغي ومنع تدريس الأمازيغية بباقي المدارس الأخرى. ألم يكن إذن الاستعمار أرحم بالأمازيغيين من "الاستقلاليين" الذي حلوا محل فرنسا بعد 1956؟ ألم يعترف الاستعمار بلغتهم وهويتهم وقوانينهم وأعرافهم التي حاول الأندلسيون إبادتها والقضاء عليها نهائيا؟ أليست الطرق الوحيدة التي لا تزال متواجدة بالمناطق الأمازيغية هي التي أنشأها الاستعمار؟ فمثلا هنا، في آيت ملول، القنطرة الوحيدة التي تربط المنطقة بالشمال ترجع إلى عهد الاستعمار. هذا هو الخطأ التاريخي للأمازيغيين: قاوموا الاستعمار، كما كانوا يفعلون دائما، ليجدوا أنفسهم بعد الاستقلال في وضع أسوأ بكثير مما كانوا عليه أيام الاستعمار. |
|