|
رسالة إلى ابن عاق! بقلم: أوعطّا (تنغير) ترددت في الكتابة إليك بعد ما حيّرني أمرك، وبان لي غيك وسخف عقلك. وتساءلت كثيرا مع نفسي حول استحقاقك لكتابي هذا من عدمه. فما أنت فيه من الأحوال يجعل شفاءك من المحال.. ولا مناص لك من سوء العاقبة وخزي المآل... إلا أنني أكتب إليك، ليس طمعا في رجوعك إلي، فما أنت فيه من خور النفس وضعفها يمنعك حتى من النظر إلى ذاتك. ولا طلبا لعطفك علي، فأنت يا بني، الذي لم يعد كذلك، مثير للشفقة، إذ لم تعطف حتى على نفسك! إنما أكتب إليك لأريك مدى حسارة بصرك وضعف بصيرتك، ولأُشهد علك أبنائي الذين لم يعودوا يضربون لك حسابا ويقيمون لك اعتبارا، بعد أن مسخت نفسك ونسخت لسانك متماديا. كما أخبرك أنه لم أعد آبه إن لم ترقك ألفاظي هذه، فهي صادرة عن أم وضعت أبناء مثل باقي الأمهات وما تكاد تقوم حتى ألفتهم ينقلبون عليها أعداء ضارِين، يفعلون بها ما تفعله صغار العقارب بأمهم كما يقال. أيها الضال، المارق عن جماعته، والمتنكر لبني جلدته وجنسه، المنتسب لغيره قاتل أمته، ألهذا الحد تهون عندك نفسك، وترخص لديك أمك، ألم تعِ الخزي الذي اتخذته لباسا، والذل الذي أسكنته خافقيك واخترته أنيسا. من أمك! بما تجيب كلما تفاخرت الأمم بأصولها وأمهاتها؟ من أنت! كلما ازدهت الشعوب والجنسيات بألوانها وحقيقة ذواتها؟ مِن أي أرض أنت! وكل بقعة في هذه الأرض الواسعة تكشف أسرارها ودُرَرَها؟ ألهذا الحد تهون عندك نفسك؟! هل تعرف أيها الابن الضال من ينتسب إلى غيره ويلتمس التبني من وائد أمه، ويتزيّى بعباءة الغريب.. هل تدرك من يتسكع في الطرقات ويطرق كل الأبواب والعتبات، من أنت؟ ما منزلك؟.. أيها السفيه، ما زلت أمامي طفلا مهما اعتقدت من كبر سنك ومعرفتك بتدبير أمورك... فأنت لا تعرف بعد كيف ترتدي ملابسك ولا كيف تكتب رسائلك، ولا تدري ما تقول إذا جالست الأقوام المختلفة، وإنك، كما قال أحد حكماء الزمان كالغراب الذي احتقر نفسه واشتهى مشية الحمامة، وأجهد وكدّ فما بقي غرابا ولا صار حمامة؟... كم هي نفسك ضعيفة، صدقت أكاذيبهم وانخدعت بأقاويلهم وفتاواهم، فاكتفيت بأن تكون سيفا مسلولا مسموما تطعن الرحم التي حملتك ووضعتك، وتقطع الحلمة التي أرضعتك، والبراعم التي تَلتْك... كما صرت بارودا تحشى به الينابيع التي سقتك، وتنسف بها المنازل التي آوتك وآمنتك من خوف وبطش لم يسلم منهما أبوك وأمك! أين خلاصك من لعنتي التي تلاحقك؟ وكيف تمكن منك شيطانك وقادك راكبا عاصبا عينيك، مُصمّا أذنيك، ألم تشقَ من جراح اللجام بين خطميك؟ ألم تمل من تكرار اللازمة بشديقك! من أنت! ستقول لي ولأخوتك بعد زمن متأخر، وقد سبقك أسيادك في عقر دارهم إلى القول، إنك "بربري" أو "شلحي"؟... ألا فلتعلم أن ذريتي هم أبناء مازغ الأحرار، الصناديد المغاوير.. وعمري ما وضعت "بريريا" ولا "شلحيا". وإنك بتجاسرك والانتساب إلي بقولك ذاك تزيدني غضبا عليك، وتزيد أسيادك ضحكا وهزلا من بربريتك ونوادر شلحيتك... فمن أية طينة أنت؟ كن إقطاعيا مالكا كل أرض الدنيا، أو كن ناسكا لاهوتيا أو كهنوتيا حافظا لكل أديان الدنيا... بل كن من/ما شئت، لكن أن تطعن أمك، أن تنسلخ عن جلدك وتفترس غيرك، فلعمري إن هذا ليس من سمات الأحرار في شيء... أيها الهجين الروح، إن سماتك على محياك تفضحك، ولسان حالك يفصح عن تعاستك وضياع ذاتك... أيها التائه في ترهات أسياده، المتمادي في غلوائه، والسابح في بحر أوهامه وهلامياته، أيها الراقد في كهفه... لقد تغير الكون وصارت الدنيا غير الدنيا كما ألفتها. فستستفيق يوما وستجد من كنت عليهم فضوليا تستجدي بعض دولارات زيتهم، وتجتهد في اجترار بضاعتهم، وإظهار حسن الولاء لهم.. وقد تبرأوا منك، وسيغسلون أيديهم من كل ما قالوه لك وشحنوك به قائلين: ما قلنا شيئا ولكن "هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين". فما أنت عندهم إلا "بربريا" ومهما اجتهدت وغيرت كل شيء لتستظل بدوحتهم فلن يقيموا لك وزنا وإن بدا لك بياض أسنانهم يوما. فهم عارفون أن من غيّر جلده من أمثالك وانقلب على غيره ليس أهلا بالثقة والمعاشرة، ولا يؤمن شره وانقلابه على غيره كما قال أحد الحكماء؛ فالحرباء تغير لونها ابتغاء الحماية والصيد ولن تتوقف عن ذلك، مخلصة لهذا اللون أو ذاك بأنها اتخذت ذلك سبيلا وصار علة وجودها. ستفتح عينيك يوما وستصدم، كيف انهدت الصروح، وتداعت الحصون، وغُلّقت الأبواب فأين ستأوي؟! وستأتيك علامات نهايتك من الوجهة التي أتتك منها تباشير بدايتك! كم هو قصير عمرك أيها العاق! إذ ذاك ستصير منبوذا وحيدا، فلا أسيادك يرغبون فيك (فما عاد لهم وجود) فأهلهم لا يرغبون فيهم وما أدراك أنت أيها "البربري" التائه عن نفسه. ولا إخوتك سيغفرون لك، وستنعت بالأصابع إلى أن ترحل ولن يذهب أحد في جنازتك كالغريب، ولن يذكرك أحد رغم "جاهك"، وإذا ذكرك أحد فإنما ليتعوّذ منك وأنت تعرف مما تتعوذ الخلائق! فإذا كان العلماء الخيرون يذكرون بحسناتهم وأفضالهم، فأنت بخطاياك وجرائمك في حق أهلك ولسانك.. فاذهب وتنعم بأوهامك قليلا إلى أن تحل عليك لعنتي ولن تخلص روحك من تقريع الضمير وعذابه في كل سكناتك وحركاتك.
|
|