|
على هامش انعقاد الجمع العام للبنك الشعبي الجهوي بالناظور: انتصار اللغة الأمازيغية! بقلم: محمد بودهان تعتبر مجموعة البنك الشعبي أكبر مؤسسة بنكية بالمغرب بعد بنك المغرب. وتتكون من أبناك جهوية مستقلة لا تخضع لقانون المؤسسات التجارية، بل للقوانين التي تحكم التعاونيات، وهو ما يجعل من زبناء هذه الأبناك الشعبية الجهوية المالكين الحقيقيين لهذه الأخيرة. ويعتبر البنك الشعبي الجهوي للناظور أهم بنك جهوي في مجموعة البنوك الشعبية، إذ يمثل وحده، بالنسبة لسنة 2001 مثلا، 17،35% من الرساميل الصافية لمجموعة البنك الشعبي، في حين أن الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، تساهم فقط بنسبة 10،11% من هذه الرساميل. أما حصة الربح الصافي للبنك الشعبي للناظور وحده من مجموع الربح الصافي لمجموعة البنوك الشعبية كلها فتبلغ 26% عن نفس السنة (2001). أما إذا أضفنا إليه حصة البنك الشعبي للحسيمة فتكون نسبة الربح الصافي للبنكين الجهويين للناظور والحسيمة 33% من مجموع الربح الصافي للمجموعة. وهذا ما دفع بالرئيس المدير العام أن يقرر ـ بل كاد أن يبدأ بالتنفيذ ـ "إعدام" البنكين الريفيين بإلحاق البنك الشعبي للحسيمة بالبنك الشعبي لفاس والبنك الشعبي للناظور بالنبك الشعبي لوجدة حتى يكون استعمال الأرباح الكبيرة للبنكين خارج منطقة الريف جائزا قانونا. وقد ووجه مشروع حل البنكين الريفيين بمعارضة شديدة من طرف الزبناء والمساهمين والسكان، الشيء الذي اضطر معه وزير المالية للتدخل لوقف مخطط البنك المركزي "لأعدام" البنكين الجهويين للحسيمة والناظور. وإذا عرفنا أن القانون ينص على أن نسبة 5% من الربح السنوي الصافي للبنك الشعبي الجهوي يجب أن ترصد لمشاريع اجتماعية وثقافية واقتصادية بالإقليم، سندرك مدى حجم الأموال التي كان بالإمكان أن تستفيد منها منطقة الناظور منذ أربعين سنة من تأسيس البنك الشعبي بالناظور. فأين كانت تذهب هذه الأموال التي كانت توفرها 5% من الأرباح السنوية الصافية للبنك الشعبي للناظور؟ كانت تذهب سنويا إلى البنك الشعبي المركزي بالدار البيضاء ليموّل بها مشاريع اجتماعية وثقافية واقتصادية في مناطق الدار البيضاء، فاس، الرباط، أكادير، مراكش، طنجة. وهذا يعني أن سكان إقليم الناظور، وخصوصا العاملين منهم في الخارج، يمولون بأموالهم وعرق جبينهم مشاريع لفائدة مناطق غير منطقتهم التي هي أولى بتلك المشاريع وفي أمس الحاجة إليها. أول مرة في تاريخ البنك الشعبي للناظور يصادق فيها الجمع العام على الاحتفاظ بنسبة 5% لفائدة الإقليم كان يوم انعقاد الجمع العام الأخير بتاريخ 22 ماي 2003. فما الذي حدث يوم 22 ماي حتى "خرق" الجمع العام قاعدة راسخة منذ أربعين سنة فصادق على بقاء نسبة 5% بالناظور بدل تحويلها إلى الدار البيضاء كما كان يفعل دائما في الجموعات العامة السابقة؟ لكي نفهم ماذا حدث أثناء الجمع العام ليوم 22 ماي، ينبغي أن نفهم ماذا كان يحدث خلال الجموعات العامة للبنك الشعبي منذ أربعين سنة. كانت الميزة الرئيسية لهذه الجموعات العامة هي هيمنة العربية كلغة وحيدة مستعملة في كل المناقشات والمداخلات والاقتراحات، لأن ممثلي البنك الشعبي المركزي، من مدير ورئيس مدير عام أو من ينوب عنه، لا يفهمون اللغة الأمازيغية التي هي لغة زبناء البنك الشعبي بالناظور والمساهمين فيه. فكان كل شيء يتم إذن بالعربية لأن إثنين أو ثلاثة من الذين جاؤوا من الدار البيضاء لا يتكلمون الأمازيغية رغم أن المئات من الحاضرين في الجمع العام هم أمازيغيون ولا يتواصلون إلا بالأمازيغية. هذا الوضع اللغوي المفارق، الذي يجعل جميع الأمازيغيين يتنازلون عن لغتهم إرضاء للضيف "العربي" الذي يجهل الأمازيغية، هو استمرار وتكرار واستنساخ لما حدث مع إدريس الأول: فرغم أنه كان مطاردا ولاجئا يستجدي الطعام والأمان، ورغم أنه كان الوحيد الذي لا يتكلم الأمازيغية بالمغرب، رغم كل ذلك فإن القبائل الأمازيغية بدأت تتعلم العربية وتتنازل عن أمازيغيتها لتتواصل مع إدريس العربي إرضاء له وتقديرا لعروبته، إلى أن فقد الأمازيغيون بالمغرب كل شيء تقريبا بسبب فقدانهم للغتهم كلغة سلطة وحكم. نفس الشيء كان يتكرر إذن أثناء الجموعات العامة للبنك الشعبي لما قبل 22 ماي، حيث كان الضيوف الأجانب الذين لا يتعدى عددهم ثلاثة كما قلت، يتحكمون في الجمع العام ويوجهونه كما يشاؤون من خلال مداخلاتهم وتقاريرهم المكتوبة باللغة العربية، الشيء الذي كان يحوّل الحاضرين الأمازيغيين إلى أميين سلبيين لا يملكون إلا أن يصفقوا ويصادقوا على مقترحات الضيوف "العرب"، أي مقترحات البنك المركزي للدار البيضاء، ما داموا لا يملكون سلاح اللغة أو لا يستعلمونه لحماية حقوقهم وأموالهم من جشع "الأدارسة الجدد". والنتيجة أن عدم استعمال لغتهم ساهم وأدى إلى عدم استعمال أموالهم كذلك (نسبة 5% التي أشرنا إليها) التي كانت تعود دائما إلى أصحاب اللغة العربية رغم، أن القانون ينص على تخصيصها لتنمية المنطقة. أما في اجتماع 22 ماي فقد حدث العكس تماما: فالمناقشات والمداخلات من طرف المساهمين تمت كلها بالأمازيغية، اقتداء بما دشنه طارق يحيى المشاغب الذي تبعه الجميع في ذلك، كما سبق أن نصح بذلك في اجتماع نظمه يوم 18 أبريل دعا فيه إلى التعبئة حتى لا تحول نسبة 5% إلى الدار البيضاء. ولما أصبح المتدخلون يناقشون ويقترحون ويحتجون بالأمازيغية، تحوّل "الضيوف العرب"، الممثلون للبنك المركزي، أميين حقيقيين، وأصحاب البلد متعلمين كانت لهم السيطرة التامة على الجمع العام الذي هو طبعا جمعهم واقعا وقانونا، لكن كان يختطف منهم في السابق ليصبح رهينة في يد ثلاثة أشخاص أجانب عن المنطقة يمثلون البنك المركزي بالدار البيضاء. كثير من المساهمين الذين حضروا هذا الجمع، والذين لم يسبق لهم أن أبدوا أية ملاحظة أو تقدموا بأي اقتراح في الجموعات السابقة التي كانوا يكتفون فيها بالتصفيق والتزكية عندما كانت العربية هي وحدها المستعملة، حُلّت عقدة لسانهم فظهروا فطاحل في فن الخطابة وجهابذة في فن البيان والقول بفضل استعمالهم للغتهم الأمازيغية، التي منحنهم الجرأة على أن يقولوا ما لم يكونوا يجرؤون حتى على التفكير فيه عندما كان ينقصهم لسانهم الأمازيغي، فسمعنا من قال بالأمازيغية، موجها خطابه إلى المدير العام، "إننا نعرف اليوم جيدا المدراء العامين للبنك الشعبي، نعرف أن أكبرهم وأشهرهم انتهى "شفارا" ولصا اختلس الملايير من أموال الشعب" (يقصد طبعا المدير العام السابق للبنك الشعبي عبد اللطيف العراقي). ولما تم الانتقال إلى النقطة الحاسمة، المتعلقة بالمصادقة على مآل نسبة 5% من الربح السنوي، حاول المنظمون والمسؤولون البنكيون تمرير هذه النقطة بالتصويت عليها دون أي توضيح لموضوع التصويت، كما كان يجري العمل بذلك دائما. لكن تم الاعتراض على ذلك من طرف المشاغب طارق وآخرين، مطالبين، دائما بالأمازيغية، الكشف عن هوية من سيصوتون لصالح تحويل نسبة 5% إلى الدار البيضاء حتى يعرف أبناء الناظور من هم أصحاب الولاء للدار البيضاء ومن هم أصحاب الولاء لإقليمهم ومنطقتهم. وطبعا أمام هذا المطلب المحرج، وهو شرعي وقانوني، لن يجرؤ أحد على أن يظهر بأنه يغلّب مصلحة البنك المركزي للدار البيضاء على مصلحة منطقته بالريف لأنه سيكون بمثابة خائن بالنسبة لأبناء المنطقة. ولما أدرك المسؤولون أن الأمور أصبحت جدية، خلافا للسنوات الماضية، وأمام مطالبة المشاركين بالتصويت برفع الأيدي لمعرفة هوية كل مصوت، لم يجد المدير الجهوي إلا الرضوخ للأمر الواقع وإعلان الموافقة على الاحتفاظ بنسبة 5% لفائدة مشاريع اجتماعية لموظفي البنك الشعبي بالناظور. ليس الغرض من إيراد هذه المعطيات هو عرض لوقائع الجمع العام ليوم 22 ماي كما يفعل الصحافيون المحترفون. فهذا الجمع لم يكن ليهمنا إطلاقا لولا أن الأمازيغية كانت هي بطلته بامتياز هذه السنة، إذ بفضل استعمالها في المناقشات والتدخلات نجح المساهمون في انتزاع حقهم في رصد نسبة 5% من الربح للمنطقة. وهو شيء يحصل لأول مرة في الناظور، وكذلك في الحسيمة بفضل التنسيق السابق حول هذا الموضوع بين مساهمي كل من البنكين. كل هذا يبرز الدور الخطير للغة كسلاح وسلطة في الدفاع عن الحق والمطالبة به وحمايته. فالحرمان من استعمال اللغة يترتب عنه الحرمان من الحقوق ومن السلطة التي يصبح المحروم منها موضوعا ـ بل ضحية ـ لسلطة الآخرين الذين يملكون ويستعملون سلطة اللغة. إن ما حدث يوم 22 ماي يحمل دلالة أخرى أهم وأخطر: إن الوعي الهوياتي الأمازيغي لم يعد مقصورا على نخبة محدودة من نشطاء الحركة الأمازيغية، بل إن هذا الوعي أصبح يتجذر ويتغلغل تدريجيا إلى شرائح اجتماعية كان يعتقد أنها بعيدة كل البعد عن الهم الأمازيغي، مثل طبقة التجار والعمال بالخارج ومختلف المهنيين، أي كل هؤلاء الذين رأيناهم يفرضون لغتهم داخل الجمع العام لإحدى كبريات الأبناك المغربية. وإذا وضعنا استيقاظ هذا الوعي في علاقته بما قام به المجلس البلدي للناظور من كتابة علامات المرور بالأمازيغية ـ والتي أزالتها السلطات ـ فسنتنتج أن الوعي الأمازيغي أصبح ينتشر أفقيا بعد أن كان ذلك عموديا فقط في الماضي، وهو ما يؤشّر على تطور جديد في مسار القضية الأمازيغية. |
|