|
بين
”بنبلة“ و”شاهد
على العصر“
يبقى عبد
الكريم شعلة
الماضي
والحاضر
والمستقبل. بقلم:
عبد الوهاب
الصديقي (قلعة
مكونة،
ورزازات) لعل
كل مهتم
بالإعلام
العربي لا
يفوته يوم
إلا ويدير
جهاز التحكم
في شاشته
الصغيرة ليجد
أمامه قناة "الجزيرة"
تصدح خبرا
ورأيا، ورأيا
آخر، كسفيرة
للإعلام
العربي، تصول
وتجول بحثا
عن المادة
الخام
وتقديمها
للمشاهد
العربي، خاصة
لكونها قناة
قومية
عروبية، وكذا
للمشاهدين في
العالم عموما. عن
طريق الصدفة
وقف جهاز
التحكم في
شاشتي
المتواضعة
على برنامج
غاية في
الأهمية لدى
المبتلين
ببلوى
السياسة
وأسرارها،
ألا وهو
برنامج "شاهد
على العصر"
الذي يقدمه
المنشط الشاب
أحمد منصور،
الذي نتمنى
له أن يكون
شابا حتى في
مواقفه أو
على الأقل
انطباعاته
تجاه قضايا
الشعوب.
ولحسن
حظ المتتبع
فإن البرنامج
كان في صميم
الحدث، فلكل
حدث حديث،
وكان في صميم
المقام، ولكل
مقام مقال
كما يقال.
الضيف كان من
الطراز
الثقيل،
والزمن واسع
للمشاهدة
والتتبع،
موعد فجائي
مع التاريخ
يوم الثلاثاء
ثاني وعشرين
أكتوبر ألفان
وإثنان. أحمد
بنبلة(1) ينبش
في تاريخ مضى
كله مع مضي
صانعيه وقدمت
أجزاء منه
بمثابة ما
يناله
الأيتام على
موائد اللئام.
وقد يدعو
داعٍ إلى
إعادة كتابة
تاريخ المغرب
كما هو الشأن
مع نداء
الحركة
الأمازيغية.
وقد يدعو
داعٍ إلى
إعادة كتابة
تاريخ فضاء
البحر الأبيض
المتوسط كما
هو الشأن مع
محمد أركون(2).
وقد يدعو آخر
إلى إعادة
كتابة تاريخ
شمال إفريقيا
كلها طولا
وعرضا.. وهلما
جرا. عاد
بنا أحمد
بنبلة إلى
حيث ابتدأت
الحكاية، إلى
صغره،
طفولته،
تعلمه في
المدارس
الدينية،
شبابه ثم
تكوينه على
يد إخصائيين
في علوم
السياسة
والحرب،
وصولا إلى
تجربته
الكبيرة في
ميدان الحرب
مدافعا عن
تراب وطنه
السيئ الحظ
حيث ما زال
مدافعا عنه
إلى يومنا
هذا دون
جدوى، وبئس
المصير. وبينما
الرجل يسرد
الأحداث
المتشابكة
يعرج بين
الفينة
والأخرى على
ذكر اسم عبد
الكريم
الخطابي الذي
يلقبه
بالأمير (ومع
الأسف فإن
أبناء البلد
لم يحتفظوا
في ذاكرتهم
بهذا اللقب)
فجاءت
الشهادة في
حق رجل
كارزمي عرفته
شمال إفريقيا
في حقبة
ساطعة من
تاريخها،
والذي حفر
تضاريس
المنطقة
بفؤوس الكفاح
والنضال من
أجل التحرر
والاستقلال
الفعلي. شهادة
بنبلة في حق
الأمير عبد
الكريم كانت
بحق إحياء
لملحمة طال
عمرها
وانتشرت
فراستها
ودماثة
أخلاقها في
كل مكان، بل
سقت شجرة
الحرية بدمها
الساخن،
وفجرت الحروف
في قصيدة
الحياة كلها
على شاكلة
أبي القاسم
الشابي
فاستجاب
القدر.
الشاهد على
العصر تكلم
فقال: »الأمير
عبد
الكريم كان
شعلة في شمال
إفريقيا، إنه
من أطهر
الخلق الذين
صادفتهم في
حياتي«(3). وما
يهمنا هاهنا
من كلام
الشاهد ونحن
نستقرئ
تفاصيل
كلامه، هو
انتقاده
لمنهجية
الأمير في
الحرب ووصفه
لها بأنها
كلاسيكية لا
تفيد شمال
إفريقيا..لا
شك أن مدرسة
الأمير عبد
الكريم التي
ذاع صيتها
عالميا، نجحت
وتألقت في
تجارب عدة في
إطار ما يسمى
بالحركات
التحررية
آنذاك. يمكن
أن ندرج في
هذا السياق
تجربة الثائر
"أرنيستو
شيكيفارا"
على سبيل
المثال لا
الحصر. فهي
تجربة ثورية
خالصة وحاسمة
خرجت من
جلباب عبد
الكريم، وهي
نسخة طبق
الأصل لمطارق
الحرب عند
عبد الكريم
في هندسته
الثورية
والقتالية
شكلا ومضمونا
ودفاعا عن
الأرض
والعرض،
كفاحا
من أجل
التحرر
والاستقلال. فغني
عن كل تعليق
أن هذين
الرجلين كان
لا يهمهما
متى سيموتان،
أو كيف
سيموتان؟ بل
كان همهما
الوحيد هو
تحرير الشعوب/البؤساء
من قبضة
ووحشية
المستعمرين
والمتطفلين
من أية جهة
أتوا. فاتخذت
الثورة
أبعادا
نضالية لا
تقبل
المهادنة،
وغدا الوعي
بها وعيا
ضديا لا
مهادنا على
حد تعبير
إدوارد سعيد. وعلى
هذا الأساس
كان لابد،
والخطر قادم
من الغرب، أن
تطفو على
السطح
إيديولوجيات
ومصالح قطرية
سياسية
متباينة
الأهداف
والمرامي بين
الزعامات
المتفوقة هنا
وهناك من
جهة، أو
بينها وبين
قوى
الاستعمار
الغاشم
وعملائه من
جهة أخرى.
فعوض رص
الصفوف
وتوحيد
الجبهات
والوثب وثبة
واحدة
للانقضاض على
العدو كما
كان يروج في
صفوف ثورة
الأمير عبد
الكريم ومن
خلال رسائله
الكثيرة إلى
أصدقائه في
الكفاح، كان
ذلك قبسا من
نور استلهمه
الرجل بكل
تأكيد من مدى
حبه لله
والإيمان
القوي
برسالته
كمناضل ثوري
عضوي في صفوف
الجماهير.
هذا بالإضافة
إلى استيعابه
لمفاهيم
الثورة
الناصرية كما
كانت موسومة
آنذاك،
واحتكاكه
بزعيمها عبد
الناصر. كان
لذلك كله وقع
كبير على
تكوين الأمير
وتبنيه
لقرارات
الوحدة
والسعي إلى
توحيد جبهات
النضال. فحينما
نعود إلى
شاهدنا على
العصر
الجزائري
أحمد بنبلة،
يبدو لنا في
غالب الظن
أنه نسي جزءا
هاما من
التاريخ
وينظر كمن
ينظر إلى
عيوب الآخرين
وينسى عيوبه.
فهو يعلم علم
اليقين أن
الأمير عبد
الكريم كلن
عيبه/فضله
الوحيد هو
نضاله الشامل
من أجل عموم
شمال
إفريقيا،
عزما على
تحقيق
الاستقلال
الفعلي
والتحرر
اللامشروط
واللامردود،
حيث رفض رفضا
باتا فكرة "الاحتقلال"
على حد
تعبيره.
بينما
الأطراف
الأخرى ذات
المصالح
النخبوية
والسياسية
النفعية،
فتقاسمت
الثروات مع
المستعمر
مقابل فتح
النوافذ
وتقديم
الضمانات له.
فماذا كانت
تفعل؟ يجيبنا
الخطابي: »نعم...
قد كان
المغاربة
يلقون اللوم
على (طقم) معين
معروف (..) وكنا
جميعا نحصر
مسؤولية
البلاد في
هذا الطقم..
وقلنا إن
الشيء إذا
جاء من أصله
فلا غرابة
فيه لأن
الطقم هو
الذي سلمنا
للأجانب
بالرضى التام
والموافقة
الكاملة
ليعيش هو في
حماية هؤلاء
الأجانب وعلى
ظهر الأمة
المغربية..
فهو ـ أي
الطقم ـ ما
فعل بدعا ولا
حدثا عربيا..
فإذا تحايل
أفراد هذا
الطقم على
بقاء العدو
في البلاد،
وإذا خدعوا
الأمة وضللوا
بأساليبهم
المعروفة كما
عهدنا منهم
ذلك في كل حين..
فذلك أيضا من
عادتهم وهو
نفس الشيء
الذي نعهده
فيهم دائما
وأبدا...«(4). تأكد
أيها القارئ
الكريم أن
هذه الأطراف
كانت تقوم
جاهدة بجر
النضال بعيدا
عن المواقع
وفي منأى عن
إرادة
الجماهير
وأهدافها،
وحضّرت
للمؤتمرات
والدسيسة
والاتفاقيات
السرية،
فانتشرت
فلسفة
الإفساد
وتناسلت
بكتيريا
الانتهازية
والوصولية
الخرساء فحصل
ما حصل. يقول
الخطابي في
هذا الموقف: »وهذه
تونس يلعب
فيها أذناب
الاستعمار
الفرنسي في
شمال إفريقيا
كلها.. كل هذا
يمر بنا
ونشاهده
ونسمعه فلا
نحرك ساكنا،
بل نكتفي
بالبكاء
والعويل
والنحيب..«(5) يبدو
جليا أن
الرجل كان ذا
رؤية ثاقبة
وحنكة فريدة
في فهم مطالب
شعبه وخدمتها.
يقول في موضع
آخر: »لقد كان
من المنطق
السليم أن
نعمل لإجلاء
الجيوش
المحتلة عن
بلدنا حتى
نطهرها
ونحررها،
وبعد ذلك
يتسنى لنا أن
ننجد إخواننا
المظلومين
بإفريقيا...
وكان من
السهل جدا
على
المسؤولين أن
يجلوا الجيش
الفرنسي من
الإدارة
المغربية ومن
الشرطة
والأمن ومن
الجيش (الجيش
الملكي) لكي
نتفرغ
لمساعدة
إخواننا
الذين يئنون
تحت نير
الاستعمار
الغاشم مثل
الكونكو...
فماذا منع
هؤلاء
المسؤولين
ياترى؟«(6) لا
يستطيع بنبلة
ولا طقم
الاستعمار أن
يستسيغ كلام/استراتيجية
هذا الأمير
المغدور به
على شاكلة
سنمار، أو
يجيبوا على
أسئلته
وبالأحرى
الاستجابة
لنداءاته
المتكررة.
فلست ادري
أية
استراتيجية
أو منهجية
يستسيغها
بنبلة، وأية
آفاق للتقدم
فتحها في
سبيل تحرير
وطنه الذي
ما
زال يعاني من
ويلات
استراتيجيات
ماضوية
كلاسيكية
فاشلة تكرس
التبعية
العمياء
للغرب/الاستعمار
في شقيه
المباشر
والغير
المباشر.
كفانا من
المهاترات
ونبشا في جثث
الأبرياء
الذين رسموا
خريطة
الحقيقة
بدمائهم،
ووشموا ذاكرة
التاريخ
ببطولاتهم،
والله شاهد
على ما فعلوا
وشاهد على
فعلتم قبل "شهادتكم
على العصر". إلى
هنا نكون قد
وضحنا قدر
المستطاع
نقطة مضيئة
في التاريخ،
عسى الله أن
يعيننا على
توضيح نقاط
أخرى شتى في
تاريخنا
المجيد،
وإزاحة
الستار عن
نوايا
المستفيدين
من طمس
الحقائق
والافتراء
على قضايا
الشعوب من
صناع التمويه
الإيديولوجي
في زمن
التشظي
والإباحية
المفرطة على
جميع الأصعدة. يقول
الشاعر: لكل
امرئ في
الحياة
حقيبته
فإن ضاعت
منه ضاعت
حقبته. تقديرا
لسن وعمر
رئيس دولة
الجزائر
الأسبق أحمد
بنبلة، نقدم
له هذا البيت
الشعري لعله
يتذكر، وأنى
له الذكرى. الهوامش: 1
ـ أول
رئيس للجزائر
بعد
استقلالها
قبل أن ينحيه
هواري بومدين
ويخلفه في
رئاسة
الجمهورية. 2
ـ
البروفسور
الجزائري
الباحث في
جامعة
السربون في
لقاء مع
برنامج "مدارات"
حول الفلسفة
والتراث
والفكر
الإسلامي. 3
ـ كلمة
الرئيس أحمد
بنبلة في
اعتراف
بالجميل إزاء
عبد الكريم
الخطابي في
برنامج "شاهد
على العصر" 4
ـ مقتطف
من رسالة
موجهة من عبد
الكريم إلى
عبد الله
إبراهيم
الوزير الأول
الأسبق
لحكومة ما
بعد
الاستقلال،
والذي كان
يتزعم
المعارضة
آنذاك. 5
ـ مقتطف
من رسالة
موجهة من عبد
الكريم إلى
عبد الرحيم
بوعبيد، زعيم
حزب اتحاد
القوات
الشعبية في
تسميته
الأصلية قبل
انشقاقه. 6
ـ نفس
المصدر
|
|